” الميادين نت ” يروي قصة 27 مقاتلاً من الفدائيين قهروا العدو الصهيوني في قلعة الشقيف عام 1982 م

228

مدارات عربية – الإثنين 15/4/2024 م …

إعداد وتحرير عبدالله ذيبان …

نتيه فخراً عندما نتحدّث عن معركة قلعة الشقيف كواحدة “من أهم 4 معارك بعد الحرب العالمية الثانية”، وهي تربض قرب ثرى فلسطين، على أرض مخضبة بالعز طردت المحتل، ولقّنته دروساً، ما جعل معاهد الغرب تدرس تفاصيل وأسباب إخفاق ما يسمّى بـ “أقوى جيش في الشرق الأوسط”.

أرض الجنوب اللبناني تزخر بكل ما أوتي من عصارةِ فخرٍ إنساني نضالي وارف، هي الشقيقة التوأم لثرى فلسطين، مقلع الرجالات الرجال..  وعلى بعد كيلومترات من الأرض المحتلة تربض قلعة الشقيف – أرنون الذائعة الصيت فهي عبر التاريخ:  1 – أرضٌ ما عرفت المهانة، 2- قلعة لم تهزمها جحافل  الغزاة ولا عوامل طبيعية على مدى التاريخ، 3- والأهم من ذلك تجسّد صلابة رجال تحصّنوا فيها وآمنوا أن مقاومة المحتل هي الطريق..

ثلاثية أخرى تلتقي من علِّ هذا  المكان: إنه مثّلث بلاد الشام العصيّة: لبنان – فلسطين – الجولان السوري المحتل وصولاً إلى الأردن.

فعلاً..”من هنا تبدأ الخارطة والكلمات”، كما غنّى مارسيل خليفة للشاعر اللبناني أحمد العبد الله.

فرغم مرور 4 عقودٍ وأكثر، لم يندمل جرح معركة الشقيف الغائر في خاصرة المحتل، ها هو ينشر فيلماً اسمه “الجرح الأخضر المفتوح” أو “”بوفور”، في محاكاة لمعركة القلعة.

“الميادين نت” الذي قصد القلعة، لحظ أهميتها الصلبة الاستراتيجية المفصلية  العالية، شاهقٌ سحيق، منعرجات ودهاليز وصخور باسقة.

مختار أرنون للميادين نت: للقلعة تاريخ نضالي قبل 1982

يروي مختار بلدة أرنون – الشقيف عقل عجمي للميادين نت أنّ للقلعة تاريخاً نضالياً عنيداً في السنوات التي سبقت عام 1982، شارك فيه لبنانيون وفلسطينيون وعرب من جنسيات مختلفة.

وفضلاً عن موقعها المميّز، تتمتع القلعة بإطلالة سياحية جغرافية خلابة، وهي تعتبر من أجمل وأعلى قلاع لبنان وبلاد الشام.

أطلق عليها الرحّالة العرب اسم “شقيف أرنون” نسبة لبلدة أرنون التي تقع في أسفلها الشمالي الغربي، وفي أرنون بالتحديد، يقول عجمي، شهد عام 1999 إزالة الشريط الشائك الذي وضعه الاحتلال بحضورٍ شامل وجامع من الأهالي، وهنالك لوحة تجسّد هذا اليوم وضعها الرئيس الأسبق إميل لحود في القصر الجمهوري.

و”تتألف القلعة بالأساس من 6 طوابق، 4 منها ما زالت موجودة. أما الطابق الخامس فلم يتبقَّ منه سوى بعض الجدران، في حين أن الطابق السادس غير موجود، إضافة إلى بعض الأبراج المحيطة بها”.

القلعة الجميلة تشرف على نهر الليطاني وسهل مرجعيون ومنطقة النبطية، وتطلّ على سوريا وتشرف من الشمال على فلسطين. وهي، كغيرها من القلاع، تستقبلك كبرج صغير من عهد الفينيقيين قبل الميلاد، ثم تطورت على يد الرومان والفرنجة، ورمّمها الأمير فخر الدين المعني الثاني في عهده، إلى أن أصبحت قلعة حصينة.

ويروي بعض المتابعين لتلك الفترة أن المقاومين صمدوا بشراسة مظهرين قوة شكيمة في القلعة ودهاليزها لأيام عديدة، حتى أن تقارير تفيد أن قوات الاحتلال استخدمت الغازات (الغاز الأخضر) للتمكّن من دخول دهاليزها ومنعرجاتها تحت الأرض.

ما يميّز هذه القلعة، التي تعتبر أهم القلاع في لبنان، تضاريسها الوعرة وتركيبتها المتعددة الدهاليز والفتحات. ويقال إن الجبل الذي تتكئ القلعة عليه يكمّل القلعة لجهة التسلل في داخله والاختباء في ثناياه.
وتعتبر القلعة من أطول المواقع في العالم استخداماً كموقع عسكري، منذ اكتمال بنائها العام 1139 وحتى عام 2000 تاريخ الاندحار “الإسرائيلي” منها، وفي عدوان 2006 عندما قامت طائرات العدو بتدميرها، كانت الجهود حثيثة من قبل رئيس مجلس النواب اللبناني وعقيلته رندة لجهة ترميمها، وجعلها مكاناً يشهد على عظمة تاريخها، وبالتالي لإقامة المهرجانات الوطنية فيها (جوليا – لطفي بوشناق وغيرهم).

عيسى للميادين نت: قلعة شقيف كانت كابوساً

الكاتب والمحلل السياسي ابن الجنوب اللبناني نضال عيسى يقول للميادين نت إن “قلعة شقيف لم تعد قلعة تراثية أو تاريخية بل تحوّلت إلى رمز مقاوم  وملحمة بطولية حطّمت الجيش الذي يدّعي بأنه أسطوري بسبب عنجهية جيش العدو الذي قال إنّ باستطاعته احتلال القلعة بـ 3 ساعات. تجهّز وأعدّ العدّة وحشد أكثر من 1200 عنصر من جيش النخبة (لواء غولاني) الذي كان يرأسه كابي أشكينازي في 3 حزيران/يونيو 1982”.

كان في انتظار هذا العدو 27 مقاتلاً فقط، وحصلت المواجهة البطولية واستمرت لثلاثة أيام، فكانت ملحمة بطولية ما زالت لغاية اليوم الاستخبارات الإسرائيلية لا تملك جرأة الحديث عن حجم الخسائر التي تكبّدها هذا العدو.

ويضيف “في الوقت نفسه كان قادة العدو يعلمون جيداً أن المقاومة هي الحقّ، وأنّ ما حصل في قلعة شقيف كان كابوساً عليهم وعاراً كتب على جيشهم لم يُمحَ حتى اليوم”.

كان لهذه المعركة الوقع الكبير في نفوس الجنوبيين والمناضلين، يردف عيسى “لقد احتضنت القلعة أبطالاً من المقاومة اللبنانية والفلسطينية، وكان لأهل القرى المجاورة البأس العظيم في احتضان المقاومين، فكانوا لهم العون في مواجهة المعتدين وشكّلوا حلقة معنوية كبيرة ترسّخت في البيان الوزاري ضمن معادلة ثلاثية ذهبية وهي “الشعب والجيش والمقاومة”. (شاهدوا المقابلة في الفيديو المرفق).

ومشهد المقاومة في الجنوب من أبطالها ونسائها الذين كانوا يسكبون الزيت الساخن على رؤوس الجنود الإسرائيليين هو مَن وضع هذه المعادلة فكانت المقاومة أيقونة النصر.

ويختم كلامه للميادين نت “كانت قلعة شقيف وأبطال المقاومة الفلسطينية رمزاً للصمود وعنواناً للصبر الذي كان طريق النصر لعام 2000 بفضل المقاومة التي هزمت العدو حتى أثبتت للعالم بأن هذا العدو هو أوهن من بيت العنكبوت بهزيمة ثانية عام 2006”.

واليوم بعد ملحمة طوفان الأقصى “نحن على أبواب النصر الكبير من غزة العزة إلى عراق الشهامة واليمن العزيز وسوريا الصمود ولبنان الفخز والوفاء لقضية تساوي وجودنا”.

 الشاب للميادين نت: مقاتلون من جنسيات مختلفة

الكاتب في الشأن الفلسطيني علي الشاب، وهو من الشاهدين على فترة نضال طويلة في جنوب لبنان يوضح للميادين نت  “بعد نكسة 1967 أمست الثورة الفلسطينية بارقة الأمل أمام الشعب الفلسطيني و (العربي) لاستعادة ثقته بنفسه  وتأدية دوره في خوض هذا الصراع، أذكر أن قواعد الثورة الفلسطينية في الأردن وسوريا وكذلك في جنوب لبنان، وفي المخيمات الفلسطينية في تلك المرحلة كانت تطفح بالشباب العربي الممتلئ حماساً وشجاعة وإقداماً”.

ويعقّب “كان هناك وعي بديهي عند الجميع أن معركة فلسطين لا تخص الشعب الفلسطيني وحده بل هي معركة كل الأمة، وقد كانت هناك موجات من المتطوّعين العرب بدءاً من المغرب العربي بكل بلدانه، وانتهاء باليمن والصومال، ناهيك باللبنانيين والسوريين والعراقيين  والمصريين، إضافة الى غير العرب من إيرانيين وأتراك وباكستانيين وأفغان وغيرها من البلدان، بمن في ذلك مناضلون غربيون كانوا يستشعرون أهمية القضاء على عقدة السيطرة الاستعمارية المتمثّلة بالكيان الصهيوني”.

“كان نموذج الثورة الفيتنامية، كما يقول الشاب، التي كانت تحقّق انتصاراتها التاريخية محط أنظار كل الشباب والحركات باعتبارها نموذجاً صالحاً للتعلّم واستخلاص الدروس، وإذا كان من الطبيعي أن يكون اليسار العربي أكثر اهتماماً بهذه التجربة، غير أن التفاؤل بـ “النصر الفيتنامي” كان وطنياً وعامّاً، وقد سقط على هذا الطريق الكثير من الشهداء العرب في معارك الثورة الفلسطينية المتلاحقة، ومنهم من ارتقى أو أُسر في عمليات إغارة داخل الأرض المحتلة، أمثال الشهداء اللبنانيين خليل عز الدين الجمل ومحمد أخضر ويحيى سكاف”.

قصص مناضلين

ويسهب الشاب شارحاً “أذكر أنني شهدت نقاشاً في إحدى القواعد مع شباب باكستانيين كانوا قد قدموا للانضمام إلى العمل الفدائي، وكانوا قد تلقّوا في أحد المعسكرات في سوريا دورة تدريبية، وتمّ فرزهم إلى إحدى قواعد المقاومة في منطقة بنت جبيل، ولم تكن هناك حالة اشتباك مع العدو، وكانت مهمتهم مراقبة مواقع العدو وتحرّكاته والتحضير للدفاع في حال قيام العدو بعمل هجومي”.

ويضيف الشاب “في لحظة من لحظات النقاش الحميم المحتدم قال أحد الأخوة الباكستانيين لمسؤول الموقع بلهجته العربية الركيكة “إنت عندك وقت تتعلّم السياسة وتراقب مواقع العدو وتنتظر الحرب لكي تقع، أما نحن فلا وقت لدينا فقد جئنا لنقاتل ونستشهد ولسنا في وارد الانتظار، وهذا العدو أمامنا فدعونا نذهب لنقاتله”.

“في قلعة الشقيف امتزج الدم الفلسطيني واللبناني والسوري واليمني وغيره، وأذكر أنه التحق في صفوف المقاومة الفلسطينية بعض أبناء الأمراء من دول الخليج، منهم فهد الصباح الذي عيّن فيما بعد وزيراً في الحكومة الكويتية“، يختم الشاب حديثه للميادين نت.

قائد كتيبة الجرمق للميادين: المقاومون أسقطوا طائرة حربية ومروحية

يجمع المؤرخون والمتابعون على دور قائد “كتيبة الجرمق” التابعة لـ “لواء القسطل” الفلسطيني العميد معين الطاهر الرئيسي والهام في المعارك ضد العدو الإسرائيلي، في فترة ما قبل العام 1982، وفي برنامج “هذا ما حدث” التوثيقي الهام عبر الميادين كشف القائد المخضرم  تفاصيل (مذكورة مع مشاهد في الفيلمين المرفقين بالنص)، خاصة بالمعركة، وذلك بعد اتصال الميادين نت به.

  معين الطاهر

يؤكد الطاهر وجود 27 مقاتلاً فقط من جنسيات فلسطينية ولبنانية وسورية ومصرية ويمنية وأردنية.. منهم طلبة تركوا مقاعد الدراسة للمشاركة في معركة الشقيف عام 1982، ويروي أن نائب قائد القلعة كان اليمني عبد الكريم الكحلاني، واستشهد مع مقاتلين يمنيين اثنين.

في 6 حزيران/يونيو تمّ إسقاط طائرة “سكاي هوك” إسرائيلية وأسر طيّارها، “هارون بخغازي”، وظهر في مؤتمر صحافي في بيروت قبيل اعتراف العدو بسقوط الطائرة، كما أنه وبعد صدّ الهجوم الأول الذي قتل قائده، أسقط المقاومون مروحية فيها 4 ضباط قيادة، يشرح الطاهر.

قادة الاحتلال في القلعة: النار من كلّ مكان

الصمود -المأثرة للمقاتلين جعل العدو يستخدم غازاً  أخضر  يحدث خمولاً في الجسم، وبقصف كثيف وأعداد ضخمة من القوات، بدأ باحتلال أجزاء من القلعة في ظل استبسالٍ منقطع النظير، حيث أمست القلعة كتلة نار من حجم القنابل، وتخلل ذلك إطلاق راجمة المقاومة عشرات الصواريخ  بعثرت “جيش” العدو وأوقعت فيه القتلى والجرحى.

كان آخر اتصال مع المقاتل “راسم”، الذي كان يضخ رسائل معنوية من مركز القيادة المركزية في بيروت، كما يكشف الطاهر، عن وجود شبكة اتصال لاسلكي متعددة الوسائط، كانت تدير  اثنتين منها سيدتان من بلدتين في جنوب لبنان.

ووفق “رواية إسرائيلية”، أسهب رئيس هيئة الأركان السابق في “جيش” الاحتلال غابي أشكنازي، في الحديث حول كيف حاربوا طوال الليل و”قضينا ساعات طويلة ونحن لا نعرف من أين يطلقون النيران، كانت النار تأتي من كل مكان”!

عندما نظر  بيغن إلى الأرض!

ظُهر الاثنين 7 حزيران/يونيو 1982 هبطت في القلعة طائرة مروحية تقلّ رئيس أركان العدو رافائيل إيتان، وتبعه وزير الدفاع أرييل شارون ومعه جيش من المصوّرين، وهما لم يكونا على علم بعدد القتلى الإسرائيليين الذين سقطوا في المعركة.

سارع شارون إلى الإعلان أن المعركة لم تسفر عن وقوع إصابات في الجانب الإسرائيلي، فردّ عليه ضابط برتبة ملازم ثانٍ: “ماذا جرى لكم؟ هنا حيث تقف قُتل 6 من رفاقي. “فوجئ شارون بما قاله الضابط، وقبل أن يستوعب حقيقة ما حدث، وصل رئيس الحكومة مناحم بيغن. ويوضح الفيلم الوثائقي الإسرائيلي، أن بيغن أيضاً لم يكن يعرف حقيقة ما يجري، وأنه خاطب شارون قائلاً: “إن هواء التلال منعش… هل جرت معركة هنا؟”، فردّ شارون وهو بحالة صدمة: “جنودنا أعمارهم صغيرة… لقد حاربوا هنا”، مخفياً عدد القتلى عنه، وتقول الرواية إن جندياً فضح شارون بقوله لبيغن: “حيث تقف سقط 6 جنود لنا”.

سأل بيغن الجندي أمام عدسات التلفاز: “هل كانت لديهم بنادق؟” فأجاب الجندي: “الكثير من البنادق”، ثم سأله: “هل استسلم أحد؟” فردّ الجندي بغضب: “لم يستسلم أحد منهم”، وكرّرها: “لم يستسلم أحد”.

نظر بيغن إلى الأرض فوجد الرصاص يغطيها، ثم نظر إلى شارون، وعلى حد قول المعلّق الإسرائيلي، استوعب الأول ما جرى!

يروي الكاتب نضال عيسى للميادين نت أنه عندما صعد بيغن إلى الطائرة لم تمضِ ثوانٍ حتى اكتشف الإسرائيليون أن هناك مقاتلاً فلسطينياً جريحاً ما زال على قيد الحياة. وقد تحرّك المقاتل الجريح وأطلق النار عليهم من بندقيته من دون أن يصيب أحداً على ما قالوا، وأطلقوا عليه الرصاص فاستشهد..

تصوّروا لو أن هذا الحادث وقع قبل ثوانٍ بوجود بيغن في القلعة؟

في الفيلم الوثائقيّ الذي بثّه تلفزيون العدو يستعرض وقائع معركة قلعة الشقيف في جنوب لبنان عام 1982.. الضابط الإسرائيليّ في اللاسلكي: “إنّها جهنّم.. الفدائيون كانوا يطلبون الموت كما نطلب الحياة”.. إنها الملحمة البطوليّة التي حطّمت أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر” وأدّت لاعتزال بيغن. (مشاهد من الفيلم في الفيديو أدناه).