كينيا نموذج الإقتصاد الطَّرَفِي التّابع / الطاهر المعز

246

الطاهر المعز ( تونس ) – الأربعاء 3/4/2024 م …

مقدّمة:

لا يمكن الحديث عن الوضع في كينيا، دون التطرّق إلى تبعية النّظام الكيني المُفْرِطَة للإمبريالية الأمريكية والسّهر على تنفيذ مخطّطاتها في شرق إفريقيا والبحر الأحمر، بل حتى في أوكرانيا وهايتي، ولذلك أشاد لويد أوستن، وزير الخارجية الأمريكي، لدى استقباله نظيره الكيني، يوم الثامن من شباط/فبراير 2024 “بالتعاون الوثيق بين الولايات المتحدة وكينيا في مجموعة من القضايا الأمنية والتعاون الدفاعي لأن كينيا شريك استراتيجي رئيسي في معالجة مجموعة من التهديدات المشتركة وتعزيز الأمن في شرق أفريقيا وخارجها… إن دعم كينيا وشراكتها في مهمة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال ( المُجاورة) أمر بالغ الأهمية لتحقيق الاستقرار في المنطقة”، وأكّد على “مشاركة كينيا في مجموعة الاتصال الدفاعية بشأن أوكرانيا ( وكذلك) في قوة المهام البحرية الدولية التي أطلقتها الولايات المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 2023، لملاحقة الحوثيين الذين يهاجمون السفن العابرة للبحر الأحمر… سنواصل العمل بشكل وثيق مع كينيا لتحقيق أهدافنا الأمنية المشتركة”، وردًّا على ذلك تعهّد وزير خارجية كينيا “بالدّعم المستمر للمبادرات التي تقودها الولايات المتحدة في البحر الأحمر وأوكرانيا وبمواصلة تعزيز تعاونناو تحالفنا الاستراتيجي طويل الأمد لتعزيز السلام والاستقرار…”، علما وإن جيش كينيا يُشارك في ” مهمة قيادة قوات متعددة الجنسيات، لاستعادة الاستقرار في هاييتي” منذ تموز/يوليو 2021

يُبيّن هذا الإستشهاد المُطَوّل مكانة كينيا، منذ قرابة أربعة عقود، في الإستراتيجية العدوانية الأمريكية بإفريقيا، وتحويلها إلى قاعدة أمريكية، بذريعة “مكافحة الإرهاب العالمي”، كما توجد قاعدتان للجيش البريطاني وأكثر من خمسمائة جندي، ووقع وزير الحرب الأمريكي ونظيره الكيني، خلال الأسبوع الأخير من أيلول/سبتمبر 2023 اتفاقية دفاعية مدتها خمس سنوات، “تهدف إلى تعزيز القدرات الكينية، لمواجهة التهديدات المتنامية في شرق إفريقيا وفي مقدمتها مواجهة التنظيمات الإرهابية”، وتُعتَبَر السفارة الأمريكية بنيروبي – إلى جانب القاعدة العسكرية الأمريكية بجيبوتي – مقرًّا لقيادة الجيش الأمريكي بشرق إفريقيا والبحر الأحمر، ما أدّى إلى تفجيرها سنة 1998، ومركزًا لمواجهة النفوذ الروسي والصيني بإفريقيا.

لم يستفد شعب كينيا من هذه العلاقات المتطورة مع الإمبريالية الأمريكية، لأنها علاقات تبعية، يستفيد منها بعض رُمُوز النظام الحاكم، وبعض فئات البرجوازية الكمْبْرادُورِيّة…

كما لا يمكن تناول الوضع في كينيا بمعزل عن سياسات صندوق النقد الدّولي (وأمثاله) في إفريقيا، ضمن التبادل غير المتكافئ بين الدّول الإمبريالية والدّول الواقعة تحت الهيمنة، وتُشكل قارة إفريقيا نموذجا لتطبيق برامج التكيف الهيكلي والنتائجه الكارثية، وتمثل كينيا واحدة من الدّول التي استخدمها صندوق النقد الدّولي ( والقوى الإمبريالية التي يُمثل مصالحها) مُخْتَبَرًا لِفَرْض النيوليبرالية في دول الأَطْراف…

فَرَضَ صندوق النّقد الدّولي نفس النموذج والشروط على الدّول الفقيرة، تحت إسم “برنامج التّكَيُّف الهيكلي”، وكانت نتائج هذا النموذج الاقتصادي كارثية في جميع البلدان، منذ بداية عقد الثمانينيات من القرن العشرين، وتتضمن “برامج التكيف الهيكلي” تنفيذ إجراءات تقشفية صارمة وخفض الإنفاق الاجتماعي، وإعادة توجيه الاقتصاد للتركيز استخراج المعادن وتصديرها خامّا وتصدير السلع الرخيصة إلى الدّول الغنية، وخفض الإنفاق الحكومي على التعليم والرعاية الصحية، فيما سمحت برامج التكيف الهيكلي، في منطقة جنوب الصحراء الكبرى بتحويل مبالغ بقيمة 229 مليار دولار إلى “الغرب” في الفترة من 1980 إلى 2004، وتضاعف عدد الفقراء في الفترة من عام 1981 إلى عام 2001، من 160 مليون إفريقي (من جنوب الصحراء) إلى نحو 320 مليون شخص يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم وانخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بين سنتَيْ 1980 و 1998، بنسبة 15% وفقًا لبيانات البنك العالمي

تلقّت دول إفريقيا سنة 2015 نحو 161 مليار دولارا من التحويلات المالية والقروض و”المُساعدات”، وتدفّقت، خلال نفس السنة 203 مليار دولارا من إفريقيا إلى الدّول الغنية، تتضمن مبالغ التهرب الضريبي ومدفوعات الديون واستخراج الموارد، مما أدى إلى خلق عجز مالي سنوي صافي يزيد عن 40 مليار دولار، وبلغ معدل المبلغ الإجمالي الخارج من إفريقيا سنويا أكثر من خمسين مليار دولارا، واستفادت المصارف الأجنبية بشكل أساسي من برامج التكيف الهيكلي التي يفرضها صندوق النقد الدولي، في شكل تحويل موارد خدمة الديون الخارجية وخصخصة الشركات العمومية وتحويل إيرادات البيع إلى خدمة الدين الخارجي ما يُحَوّل الديون إلى أحد أشكال الاستعمار الذي لا يحتاج إلى آلاف الجنود لاحتلال بلد ما بل إلى بعض الموظفين 

كينيا – القمع في المناطق الحَضَرِيّة

يعيش نحو 70% من سكان “نيروبي” عاصمة كينيا بأحياء عشوائية مزدحمة تشكل حوالي 5% من مساحة العاصمة وأحوازها التي تمتد على قطر يبلغ حوالي عشر كيلومترات من أكواخ من صفائح القصدير المموجة، وتفتقر إلى شبكات الصرف الصحي والكهرباء والمياه النقية، وتعرضت هذه الأحياء إلى عمليات هدم عديدة، لتستولي الشركات العابرة للقارات على تلك المساحات، وأثناء فترة حظر التجوال بسبب جائحة كوفيد-19، نفذت الشرطة خلال موسم الأمطار (الربيع) سنة 2020، عملية هدم واسعة النطاق للأحياء العشوائية المحيطة بالعاصمة نيروبي، واستخدام العُنف والغاز المسيل للدموع، قبل السادسة صباحًا، دون إنذار أو إعلام مسبق، وتم، خلال أسبوع واحد، إجلاء حوالي ثمانية آلاف شخص من أفراد العائلات المُستقرة هناك منذ ثلاثة عقود، وبلغ عدد “المُهَجَّرِين” قَسْرًا من هذه الأحياء، سنة 2021 حوالي ستة وسبعين ألف شخص، دون أي تعويض أو دعم، رغم حصول معظمهم على حكم قضائي يمكنهم من البقاء واستغلال الأراضي الزراعية المحيطة بهذه الأحياء، وأدّت عمليات الهدم التي تنفذها الحكومة إلى وفاة ما لا يقل عن عشرة أشخاص أثناء عمليات الإخلاء، وتدمير المدارس وتَرْك الأطفال خارج المدرسة لفترات طويلة من الزمن، كما أدّت إلى فقدان الوثائق، فضلا عن فقدان المَسْكن وسبل العيش، وفق لجنة حقوق الإنسان الكينية  KHRC) – آب/أغسطس 2022)

تم تشييد جدار مرتفع حول الأراضي التي تمت مُصادرتها وتحولت مُؤَقّتًا إلى مصب لحرق النّفايات التي يخنق دخانها المناطق المجاورة، ويُتوقّع أن تقوم شركة المياه والصرف الصحي بمدينة نيروبي بتشييد محطة معالجة مياه الصرف الصحي، كجزء من خطط التنمية الحضرية للمدينة والتي تسببت في تهجير حوالي ستمائة ألف مواطن كيني بين سنتَيْ 2007 و 2020 …  

السّطو على الأراضي الزراعية

استولت شركة ديل مونتي على مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة لزراعة الأناناس في كينيا منذ سنة 1965، ضمن عمليات استيلاء الشركات الإحتكارية العابرة للقارات على الأراضي في بلدان الأَطْراف، لزراعة المحاصيل المُعَدّة للتصدير وليس لتلبية حاجة المواطنين المَحَلِّيِّين، واشتهرت شركة يونايتد فروت في أميركا الوسطى بتدبير الإنقلابات ضد الحكومات التي تُعارض مشاريعها التّوسّعية، وأشهرها انقلاب غواتيملا – حزيران 1954 – الذي صممته وأشرفت على تنفيذه وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية ضد الرئيس – Jacobo Árbenz Guzmán –  الذي أقرّ قوانين الإصلاح الزراعي، وتستفيد شركة ديل مونتي وأمثالها من مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة ومن العمالة الرخيصة والموارد الطبيعية في البلدان الطرفية المتلهفة التي يحكمها سياسيون رخيصون، يمكن شراؤهم ببعض الفُتات، كما الحال في كينيا، وهي ليست الوحيدة.  

قُتل ما لا يقل عن تسعة رجال، في منطقة ثيكا الخصبة في كينيا، شمال العاصمة نيروبي – خلال تسع سنوات – والضحايا من الشباب الفقراء العاطلين عن العمل، على أيدي حراس الأمن العاملين لدى شركة “ديل مونتي” (Del Monte )، أكبر شركة منتجة للأناناس في العالم، والتي تستولي على أراضي المنطقة، بتواطؤ من الحكومة الكينية وأجهزتها من شرطة وقضاء وبرلمان وأخصائيّي الطب الشرعي الذين يُزَوِّرُون الأدلة الطبية، وتَعْتَبِرُ سرقة الأناناس جريمة ينَفِّذُ حُرّاسُ الشركة عقوبة الإعدام على مرتكبها، دون محاكمة وخارج إطار القانون، ونشرت صحيفة “غارديان” تحقيقًا يوم 21 حزيران/يونيو 2023، تحقيقًا كشف سلسلة الإعتداءات العنيفة وعمليات القتل من قبل جهاز الأمن الخاص الذي تستخدمه شركة – Del  Monte– لحماية محاصيلها من السكان المحليين، فضلًا عن حالات اغتصاب، وإلقاء جثث الضحايا في مكبات النفايات وفي مجاري الأوْدِية وعلى جوانب الطرق والسدود، ولا تقتصر جرائم ديل مونتي على تجاوزات عدد قليل من حراس الأمن العنيفين، بل إن استغلالها للأرض والعمالة والقانون في كينيا أمر منهجي وشديد، وينطوي على التواطؤ على مستويات متعددة في الدولة الكينية، وبالخصوص أجهزة الشرطة التي تواطأت مع ديل مونتي لتزوير شهادات الشهود وتدمير الأدلة.وفق صحيفة غارديان (08 شباط/فبراير 2024)  

تُوَظّف شركة ديل مونتي نحو سبعة آلاف كيني بشكل مباشر، برواتب منخفضة جدًّا وخصوصًا في أراضي جنوب غرب كينيا شبه الاستوائية حيث تمتلك الشركة مساحات كبيرة من الأراضي، وتتجاوز إيراداتها السنوية من التصدير من مقاطعة مورانغا مائة مليون دوةلارا سنويا، وتحقق أرباحًا ضخمة بفعل رخص الأراضي والعَمالة والإمتيازات الضريبية التي تحصل عليها من دولة كينيا التي تجهل حجم الأراضي التي تمتلكها شركة ديل مونتي في البلاد، وتتضارب الأرقام الحكومية بين عشرين ألف و أكثر من 32,25 ألف هكتار، سنة 2020، قبل استيلاء الشركة على حوالي 14 ألف هكتارًا إضافيًّا، بين 2021 و 2023، من بينها 7500 هكتار من أراضي السكان المحليين من سُكّان منطقة كاندارا الذين يحتجون عن عمليات الإخلاء التي سبقت إنشاء المزرعة، ويخوضون معركة قانونية لاستعادة الأراضي، بعد رَفْضِ الشركة – التي تدعمها الحكومة –  تنفيذ قرار المحكمة بتواطؤ مباشر بين ديل مونتي والحكومة والساسة المحليين، وأنشأت شركات وهمية وباعت لها أراضي السّكّان الذين لم يتمكّنوا من معرفة المالك القانوني للأرض…    

تعتمد شركة ديل مونتي على العمالة الرخيصة غير المُستقرة، بعقود هشّة أو بدون عقود، لتشغيل بعضهم ثلاثة أيام فقط شهريا وتشغيل معظمهم حوالي 15 يومًا شهريا، لكي لا تتكرر الإضرابات والإحتجاجات التي حصلت خلال عقد الثمانينيات من القرن العشرين، ومع ذلك أضرب أكثر من ستة آلاف عامل في منطقة مورانغا، سنة 2021، لإقرار حدّ أدنى من أيام وساعات العمل وأجر أدنى، واعتبرته الشركة والحكومة وحتى المنظمة المركزية لنقابات العمال إضرابًا “غير قانوني”، وسجلت لجنة حقوق الإنسان الكينية في تقاريرها، منذ 2002، سلسلة من الانتهاكات وظروف العمل الخطيرة، حيث أُصيب عمّال بحروق بسبب استخدام حامض الكبريتيك بدون وقاية، وتم فصلهم بسبب نشاطهم النقابي، ومات البعض بسبب الملاريا بعد أن رفضت عيادات الشركة علاجهم، ورفضت الشركة أي مسؤولية عن الوفيات وعن الاعتداءات العنيفة التي وقعت على أبوابها، وسوء معاملتها للكينيين، بل رفضت أيضاً حق كينيا في تحميلها المسؤولية القانونية بأي شكل من الأشكال، بما أن مقرها في جزر كايمان، الملاذ الضريبي الشهير، فلا توجد محكمة كينية لديها سلطة قضائية لمحاكمتها، لكن يمكنها زراعة الأناناس في أفريقيا وفي كينيا واستغلال أراضيها وعُمّالها ومواردها الطبيعية، باعتبار البلاد المُضيّفَة – كينيا أو الفلبين أو كوستاريكا وغيرها- مجرد مكان لإنتاج الأغذية الموجهة للتصدير…

كينيا – نموذج الإستعمار الجديد

وافقت حكومة كينيا على أول خطة عمل استراتيجية لها مع البنك العالمي سنة 1980 ومع صندوق النقد الدولي سنة 1982، وتضمّنت الشروط: إلغاء التعريفات الجمركية، ووقف تمويل الخدمات العامة، وتنفيذ التخفيضات الضريبية، مما أدى إلى انخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي من 7% خلال عقد ما قبل تطبيق شروط صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي، إلى 4,2% خلال عقد واحد بعد تطبيق تلك الشّروط، وكان حوالي 35% من الكينيين يعيشون في حالة فقر قبل قروض عقديْ ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، وبحلول أواخر التسعينيات، ارتفعت النّسبة إلى أكثر من نصف العدد الإجمالي للسكان، وبدا الإرتفاع المُشِطّ لأسعار المواد الغذائية، وانتشار الجوع، وارتفع عدد الفقراء أربعة أضعاف من 3,7 ملايين سنة 1973 إلى 17 مليون سنة 2003، وزادت نسبة التفاوت وعدم المساواة، وازداد الوضع سُوءًا أثناء الجفاف الإقليمي لسنة 2011، واستغلال صندوق النقد الدّولي الكارثة لتشديد شروطه التي تؤثر سلباً على الفقراء، وفق منظمة أوكسفام (نيسان/ابريل 2023)

اشتدت قبضة صندوق النقد الدّولي على الإقتصاد الكيني ( والقرار الإقتصادي هو قرار سياسي )، منذ سنة 2011، وكان تأثير شروط الصندوق كثير الضّرر باقتصاد البلاد حيث ارتفعت الأسعار ونسبة التضخم وتباطأ النمو الاقتصادي.

حصلت حكومة كينيا خلال شهر كانون الثاني/يناير 2024، على قرض جديد من صندوق النقد الدّولي بقيمة 941 مليون دولارا، لتصل ديون الصندوق 3,5 مليار دولارا، وهي كالعادة ديون مشروطة بتطبيق برامج الإصلاح الهَيْكَلِي والتقشف وخفض قيمة العملة المحلية وإلغاء دعم السلع والخدمات الأساسية وخصخصة ما تبقى من المؤسسات العمومية وخدمات التعليم والصحة والنقل والكهرباء والماء وغيرها، وتبلغ نسبة الدين الحكومي في كينيا نحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2023، وارتفعت قيمة خدمة الدّيُون الحكومية لتُصبح أهَمّ بُنُود الميزانية، وأدّت توصيات صندوق النقد الدولي، منذ العقد الأخير من القرن العشرين، إلى فَرْضِ ضرائب غير مباشرة (ضريبة الإستهلاك) باهظة على أفقر المواطنين الكينيين، حيث ارتفعت نسبتها من 8% إلى 16% خلال شهر تموز/يوليو 2023، ما رَفَعَ من أسعار الغذاء والوقود وارتفعت نسبة الفقر ونسبة انقطاع الأطفال عن التعليم، وشدّد الصندوق إملاءاته وشُرُوطَهُ مع القُرُوض الجديدة التي أدّت – سنة 2023 إلى ارتفاع الديون وأسعار الغذاء والدّواء والسّكّر بمعدّل 32% وأسعار الخضروات مثل الجزر والبصل بأكثر من 50%، كما ارتفع سعر دقيق الذرة بنسبة 150%، وهو منتج أساسي آخر في كينيا، خلال سنتَيْ 2022 و 2023 وتضاعف سعر الوقود ثلاث مرات، بينما انخفضت القيمة الحقيقية لدخْل نحو 90% من المواطنين الذين يكتفي العديد منهم بوجبة طعام واحدة في اليوم، بل انخفض دخل 73% من الكينيين سنة 2023، مقارنة بسنة 2019، وأصبح نحو 75% يعانون باستمرار من ضائقة مالية شديدة، ويعجزون عن تغطية نفقاتهم، وأدى رَفْع قيمة ونسبة الضريبة غير المباشرة وإلغاء الدّعم إلى اندلاع أربعة احتجاجات حاشدة في نيروبي بين أذار/مارس وتموز/يوليو سنة 2023، وأدّى عُنْف الشرطة إلى قَتْل ما لا يقل عن ثلاثين شخصًا، واعتقال مئات آخرين.

برنامج الإصلاح الهيكلي

يشترط الدّائنون، وفي مقدّمتهم صندوق النقد الدّولي، تطبيق برنامج التّكَيُّف الهيكلي (أو الإصلاح الهيكلي) للإقتصاد، وأدّى تنفيذ هذه الشروط إلى كوارث في كافة البلدان، وفي كينيا، ذات الأراضي الزراعية الخصبة التي تحتكرها الشركات العابرة للقارات، تموت النّاس من الجوع، والأطفال لا يذهبون إلى المدارس، ولا يحصل الفقراء على أي مساعدة من الحكومة التي تفرض ضريبة الإستهلاك على أفقر الكينيين، ما أدّى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة وإلى تصاعد الدّيون، وتخصيص مبالغ متزايدة لتسديد خدمة الديون، وعلى سبيل المثال ارتفاع أسعار السّكر سنة 2023، بنسبة 32% وارتفعت أسعار الخضروات مثل الجزر والبصل بأكثر من 50% كما تضاعف سعر دقيق الذرة، وهو منتج أساسي آخر في كينيا، في حين تراجعت قيمة دخل أكثر من 90% من المواطنين خلال السنوات الأربعة الماضية، بفعل تدابير التقشف الصارمة وإعادة توجيه الإقتصاد نحو التّصدير وإلغاء الدعم على الطاقة والمواد الغذائية وارتفعت ضريبة القيمة المُضافة على الوقود خلال شهر تموز/يوليو 2023  من 8% إلى 16% وأدّى فرض الضرائب على الفقراء وإلغاء الدّعم، إلى اندلاع أربعة احتجاجات حاشدة في العاصمة نيروبي سنة 2023، وقتلت الشرطة ما لا يقل عن ثلاثين شخصًا، واعتقلت المئات ممن لم يتمكنوا من شراء الغذاء، بسبب إلقاء العبء الضريبي على فقراء البلاد (وخفض الضرائب على أرباح الشركات العابرة للقارات)، ما خَلَقَ أزمة تكاليف المعيشة وارتفاع نسبة التّضخم وتباطؤ النمو الإقتصادي وزيادة حجم البطالة، واضطرت الحكومة إلى التراجع مُؤَقّتًا عن زيادة أسعار الوقود، وعادت – بعد فترة قصيرة – إلى إقرار تسع ضرائب جديدة وزيادة ضريبة النفط ثلاثة أضعاف وزيادة ضريبة القيمة المضافة على السلع الأساسية من من 16 % إلى 18% …

لقد تَمّت تجربة هذا النموذج الاقتصادي النيوليبرالي واختباره منذ بداية الثمانينيات من القرن العشرين، وكانت النتائج كارثية بفعل إجراءات التقشف وخفض الإنفاق الاجتماعي، وإعادة توجيه الاقتصادات للتركيز على الصادرات الرخيصة والاستخراج، وخفض الإنفاق على التعليم والرعاية الصحية والإجتماعية، ويدّعي صندوق النقد الدولي، منذ قرابة 45 سنة، إن هذا النموذج من الإقتصاد التَّبَعِي يعزز النمو الاقتصادي وينهي الفقر، غير إن الوقائع والبيانات تُثْبِتُ إن تطبيق برامج التكيف الهيكلي في بلدان جنوب الأطراف (ومنها كينيا)، أدّى إلى مضاعفة عدد الفقراء وإلى انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وإلى تراجع التنمية في قارة إفريقيا عمومًا وتراجع الحقوق الأساسية في الشّغل والتعليم والغذاء والسكن والرعاية الصّحّيّة

التعليقات مغلقة.