لإنقاذ إسرائيل، أميركا تدمر النظام الدولي الذي بنته ذات مرة

319
‏السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة غرينفيلد تصوت بالنقض على قرار لوقف إطلاق النار في غزة، 20 شباط (فبراير) 2024 - (أرشيفية)‏
‏السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة غرينفيلد تصوت بالنقض على قرار لوقف إطلاق النار في غزة، 20 شباط (فبراير) 2024 – (أرشيفية)‏

رمزي بارود‏* – (كاونتربنش) 2024/3/6

‏عندما رفعت السفيرة الأميركية، ليندا توماس غرينفيلد يدها، للمرة الرابعة، مستخدمة‏‏ حق النقض مرة أخرى لإحباط الدعوة الجزائرية إلى وقف إطلاق نار إنساني فوري في قطاع غزة، انهارت ركيزة أخرى للشرعية الدولية.‏

في‏‏ محادثة في العام‏‏ 2020 مع الأستاذ الفخري في جامعة برينستون، ريتشارد فولك، أخبرني أنه تاريخيا، فازت الدول الخاضعة للاستعمار التي انتصرت في حرب الشرعية دائما بحريتها.‏
‏ومن غير المرجح أن تكون فلسطين هي الاستثناء. لكن حرب غزة تواجِه العالم بتحد غير مسبوق؛ تحديدًا علاقة الحكومات بالقانون الدولي والتزاماتها تجاه المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية وغيرها.‏
في القرن السابع عشر، قال‏‏ الفيلسوف الإنجليزين جون لوك: ‏”الحكومة ليست شرعية ما لم تقم بتنفيذ مهامها بموافقة المحكومين”. ليست هذه مجرد نظرية، وستكون قابلة للتطبيق على الدوام.‏
‏مع ذلك، لا تعكس الموافقة نفسها دائمًا في شكل الانتخابات الشفافة والديمقراطية. يمكن التعبير عن الشرعية والولاء للحكومات بطرق أخرى أيضًا. وقد يجد أولئك الذين لا يحترمون هذا المبدأ أنفسهم متورطين بسهولة في الاضطرابات السياسية والتمردات العنيفة الناتجة عن المعارضة الشعبية.‏
للحفاظ على درجة من توافق الآراء الدولي،‏‏ تأسست‏‏ الأمم المتحدة في العام 1945. وكان واضحًا، منذ البداية، أن الأمم المتحدة لا تعكس حقا الرغبات العالمية لجميع الناس. بل على العكس من ذلك؛ تم تنظيمها على أساس نموذج السلطة الهرمي، حيث ظهر المنتصرون في الحرب العالمية الثانية كسادة، ومنحوا أنفسهم حق النقض والعضوية الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. أما الأقنان، فخُصِّصت لهم مقاعد أقل أهمية بكثير، في “الجمعية العامة”.‏
وفّرت الأمم المتحدة الحد الأدنى المطلق من الشرعية الدولية، لكن هيكلها غير المتكافئ صنع صراعًا آخر، عبرت عنه كلمات الباحث البريطاني آدم غروفز، الذي‏‏ وصف‏‏ “الوضع المتميز للخمسة الدائمين” في مجلس الأمن الدولي بأنه “أثر قديم متمحور حول الغرب من الماضي، لكن الأسوأ من ذلك هو أنه وسيلة لقوى الوضع الراهن للحد من نفوذ وتطور الدول الأخرى”.‏
‏للنجاة من اللامساواة السائدة في النظام الدولي الجديد، عملت البلدان الأصغر معًا لإنشاء هيئات سياسية بديلة، وإن كانت أصغر، داخل المؤسسات الأكبر. وقد استخدمت أعدادها الكبيرة للتغلب على القوة المركزة في أيدي القلة. واستغلت كل هامش ممكن لتمثيل حقوق أكثر دول العالم فقرًا وأكثرها معاناة من الاضطهاد.‏
وكانت “حركة عدم الانحياز”،‏‏ التي تأسست‏‏ في العام 1961، أحد الأمثلة العديدة التي سجلت قصة نجاح، وإن كان ذلك بمعنى نسبي.
‏على مر السنين، صاغت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون نسختهم الخاصة من “الشرعية” من خلال الطريقة التي فسروا بها القانون الدولي، وفي الطريقة التي استخدموا بها حق النقض ضد قرارات الأمم المتحدة كلما كانت لا تخدم مصالحهم، وفي الطريقة التي عزلوا بها الأعضاء الجسورين.‏
خلال الحقبة السوفياتية، بدت الأمم المتحدة ومؤسساتها ذات الصلة متوازنة اسميا، حيث كان العالم منقسمًا بالفعل بين شرق وغرب، وهو ما أعطى “حركة عدم الانحياز” وغيرها من المنظمات والتحالفات المنتمية إلى الجنوب العالمي قيمة سياسية أكبر.‏
‏في ذلك الوقت، لم تكن قوة الصين الاقتصادية تسمح لها بفرض نسختها من الشرعية على بقية العالم.‏ لكن الأمور تغيرت الآن.‏‏ فقد تحطمت الجبهة السوفياتية‏‏ في أوائل تسعينيات القرن العشرين، وكُسر نموذج القوة الذي سمح لموسكو بالحفاظ على التوازن. ومن ناحية أخرى، صعدت الصين في القوة، واكتسبت ببطء نفوذًا أكبر، وبالتالي شرعية من الدول التي أصبحت تعتمد على المحرك الاقتصادي الصيني.‏
وثمة تحول آخر جار. عندما يستمع المرء إلى الخطب الحماسية لممثلي روسيا والصين والبرازيل وجنوب إفريقيا والأيرلنديين والمصريين والسعوديين والإماراتيين، فإنه يمكن أن يرى أن الإجماع الدولي يتجمع بقوة حول شرعية القوانين الدولية والإنسانية -وليس في ما يتعلق بالحرب المستمرة على غزة فقط، ولكن في مسائل أخرى تتعلق بالسلام والعدالة الدوليين أيضًا.‏
‏ومع ذلك، عندما رفعت السفيرة الأميركية، ليندا توماس غرينفيلد يدها، للمرة الرابعة، في 20 شباط (فبراير)،‏‏ مستخدمة‏‏ حق النقض مرة أخرى، وبالتالي إحباط الدعوة الجزائرية إلى وقف إطلاق نار إنساني فوري في قطاع غزة، انهارت ركيزة أخرى للشرعية الدولية.‏
‏وحتى في “محكمة العدل الدولية”، عندما دافع العالم كله عن الحرية الفلسطينية، عارضت الولايات المتحدة. ‏وقال‏‏ القائم بأعمال المستشار القانوني لوزارة الخارجية الأميركية، ريتشارد فيسيك، في 21 شباط (فبراير): “على المحكمة ألا تجد أن إسرائيل ملزمة قانونًا بالانسحاب الفوري وغير المشروط من الأراضي المحتلة”.‏
‏من عجيب المفارقات هنا أن الولايات المتحدة كانت قد لجأت هي نفسها إلى هذه المؤسسات المختلفة، بما في ذلك “المحكمة الجنائية الدولية”، التي ليست الولايات المتحدة عضوًا فيها، لتبرير تصرفاتها في العراق وصربيا وليبيا وأوكرانيا والعديد من مناطق الصراع الأخرى.‏
من المؤكد أنها ‏ستكون هناك عواقب لكل ذلك، وستثبت السنوات المقبلة أن أزمة الشرعية الدولية، الناتجة عن إساءة استخدام السلطة، لن يتم تصحيحها بتغييرات وإصلاحات سطحية. لقد أصبحت المشكلة الآن أكثر عمقًا وتدميرًا، والثمن ببساطة باهظ للغاية بحيث لا يمكن تحمله.‏
‏إن القوة العسكرية وحدها بالكاد تكفي لإكساب أي بلد شرعيته وتمكينه من الحفاظ عليها. كما أن النفوذ الاقتصادي أو الدبلوماسية الذكية لا يكفيان أيضًا. للحفاظ على الشرعية، يتطلب الأمر أكثر من ذلك بكثير، بدءًا من الفرضية الأساسية المتمثلة في أن روح القانون الدولي لم يكن المقصود منها إطالة أمد الحرب، وإنما إنهاؤها.‏

*‏د. رمزي بارود Ramzy Baroud: صحفي ورئيس تحرير مجلة وقائع فلسطينية. وهو مؤلف لخمسة كتب. أحدث أعماله هو “‏‏هذه السلاسل سوف تُكسر‏‏: قصص فلسطينية عن النضال والتحدي في السجون الإسرائيلية” (كلاريتي برس، أتلانتا). وهو زميل باحث أول غير مقيم في مركز الإسلام والشؤون الدولية (CIGA)، جامعة زعيم إسطنبول (IZU).
*نشر هذا المقال تحت عنوان: To Save Israel: The US is Destroying the International System It Once Constructed

التعليقات مغلقة.