غزّة والإغاثة والميناء..احذروا الشرف الذي يهبط على اصحابه فجأة ! / د. كمال ميرزا

271

 د. كمال ميرزا  ( الأردن ) – الأحد 10/3/2024 م …

يقول الشاعر الفلسطيني مريد برغوثي: “لا تنقذُ الموءودةَ الكفُّ التي ما أتقنتْ شيئا سوى حفر الحفر”!
من وحي بيت الشعر هذا، فإنّ هناك العديد من الأسئلة التي تتبادر للذهن، وتستثير الاستغراب والاستنكار في آن واحد، إزاء “نوبة الشرف” التي هبطت فجأة على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وأعوانها من أجل إيصال المساعدات والمواد الإغاثية لأهالي غزّة!
لو توقّف الأمر على “الإنزالات الجويّة” لقلنا إنّها حركات استعراضية دعائية تأتي من قبيل “تبييض الصفحة” وذرّ الرماد في العيون.. ولكن الحديث الآن يدور حول إقامة ميناء مؤقّت بعد أن دمّر الكيان الصهيوني ميناء غزّة، وإيصال المساعدات بواسطة السفن!
أيهما أسهل، فتح المعابر البريّة الموجودة أساسا والسماح لشاحنات المساعدات المتكدّسة بالدخول، أم إقامة ميناء بحري لا أحد يعرف تفاصيله و”راسه” من “ساسه”؟!
ولماذا يسمح الكيان الصهيوني بإقامة ميناء وقدوم سفن بأكملها ولا يسمح بفتح معبر برّي واحد فقط؟!
وهل يمكن لميناء مؤقت يُبنى على عجل أن يستقبل السفن، أم أنّ السفن سترسو قبالة الشاطئ، ومن ثم يتم تفريغ حمولتها في قوارب، ومن القوارب إلى الشاطئ/ الميناء.. وهكذا؟!
إذا كان الكيان لا يسمح لصيّادي غزّة بالخروج في قوارب صغيرة تدفعها المجاديف وبالكاد تحمل أصحابها، فلماذا سيسمح الآن لقوارب الشحن الكبيرة أن تذرع المسافة بين السفن والشاطئ؟!
وماذا بعد وصول المساعدات والمواد الإغاثية إلى الميناء المؤقت؟ ألا تحتاج إلى شاحنات ومركبات من أجل نقلها إلى بقية أنحاء القطاع؟!
بماذا يختلف هذا عن دخول الشاحنات عبر المعابر البريّة؟  وإذا كان الكيان لا يسمح للشاحنات والمركبات بحريّة الحركة والتنقّل أساسا، فلماذا سيسمح لهذه الشاحنات والمركبات بذلك؟!
أمّ أنّ الناس هم المطالبون بالقدوم إلى الشاطئ للحصول على المساعدات؟ نفس الشيء، الكيان لا يسمح للناس بحرية الحركة والتنقّل ويستهدف ويُردي مَن يقومون بذلك؟ أم أنّ هذا تمهيد لحشر أهالي غزة غربا قرب الشاطئ، وإخلاء شرق غزّة الذي سبق للكيان وأن أفصح عن نواياه بتحويله إلى “منطقة عازلة” جديدة وعميقة؟!
وماذا عن آلية تفتيش سفن المساعدات؟ وما الذي سيدفعنا لافتراض أنّ عملية التفتيش في قبرص ستكون أسرع أو أقل “تلكّكا” من آلية تفتيش الشاحنات عند المعابر البريّة؟!
كلّ “اللوثة” الأميركية ولوثة أعوانها والسابحون في فلكها نحو إغاثة غزّة “لا تخرط المشط”، بما في ذلك “الإنزالات الجوية”، فما بالنا بالأحاديث والتسريبات الدائرة حول السفن والميناء، والتي يصدق عليها وصف “مجنون يحكي وعاقل يسمع”!
هل هو تسابق لحجز مواطئ قدم و”قواعد مستقبلية” على تراب غزّة!
ولماذا الشاطئ والميناء؟ وهل لهذا علاقة بحقيقة أنّ بحر غزّة يفيض بالغاز، وأنّ السيطرة على هذا الغاز هو في قلب مخططات الإبادة والتهجير وإخلاء غزّة من أهلها وإعادة احتلالها بمقدّراتها وثرواتها؟!
أم أنّ المسألة تتعلّق بإيجاد آلية جديدة لتوزيع المساعدات بعد اغتيال (الانروا) مع سبق الإصرار والترصد، بحيث تكون الآلية الجديدة مربوطة بالكيان الصهيوني وحلفائه وأعوانه، ويتم استغلالها من أجل محاولة فصل وعزل فصائل المقاومة عن حاضنتها الشعبية، وذلك من خلال سلب هذه الفصائل أي أدوار أو مهام أو سلطات مدنية داخل القطاع؟
نوبة الشرف والإنسانية التي تنتاب أميركا وأعوانها مؤخّرا تستثير الشك والريبة، وإذا كانت الحكمة المأثورة تقول لنا: الاعتراف بالحق أفضل من التمادي بالباطل، فإنّها تقول لنا أيضا: احذروا الشرف الذي يهبط على أصحابه فجأة!