من تاريخ وتراث حلب … “زقاق الأربعين .. سيبقى شاهدا ًعلى المخطط الأردوغاني – العثماني” / المهندس ميشيل كلاغاصي

339
المهندس ميشيل كلاغاصي ( سورية ) – السبت 2/9/2023 م …
تحدث وروى ابن شحنة في كتابه”الدر المنتخب في تاريخ مملكة حلب” عن الحارات في حلب , والتي أُقيمت خارج أسوارها في مطلع القرن الخامس عشر و منها “حارة النصارى أوالجدَيدة الحي المعروف “. وظلت هذه الحارة تقتصر على المسيحيين حتى أواخر القرن التاسع عشر.
بنيت الجدَيدة دون تخطيط عمراني بشوارع ملتوية ومنها لا منفذ لها , وكانت تغلق مساءا ً, كبوابة الياسمين وبوابة السيسي و الصليبة , و أقيمت فيها كاتدرائيات لمختلف الكنائس الشرقية , وشيّدت فيها بيوتٌ فخمة كبيت غزالة ، والوكيل , وباسيل , بالإضافة إلى بيوت أكثر بساطة ولكنها تتسم بالذوق والإتقان.
كذلك قام الوالي بهرام باشا بتشييد حمام عام لا يزال يُعرف حتى اليوم بحمام برهم , وقام الوالي بشير باشا عام 1653 بتشييد خان ساحة الحطب وقيصريات وقساطل مياه الشرب , كما شيّد سوقاً أصبحت الثانية بالأهمية بعد سوق “المدينة” الشهير , ومعظم حوانيته وحرفييه وصنّاعه من المسيحيين كالخبازون والعطارون وبائعو الخضار. فيما اختص المسلمون ببيع اللحوم والبيض والدجاج.
ولما زاد توافد المسيحيون إلى حلب من غير مدن ومناطق , وكثر عددهم سكنوا الأحياء المتاخمة للجديدة شرقاً ، في الهزازة حارة أبو عجور وحارة الأكراد والشرعتلي والألمجي والمرعشلي ، الماوردي ، قسطل الحرامي ، زقاق الطويل ، العريان ، تراب الغربا ، أقيول.. وفي هذه الأحياء تعايش المسيحيون مع المسلمين في ود ٍ ووئام ومحبة نادرة لم يعرف التاريخ مثلها.
وأضحت حلب جزءاً من الإمبراطورية العثمانية عام 1516، وكانت مركز ولاية حلب وعاصمة سورية نظراً لموقعها الإستراتيجي , ولعبت دوراً محورياً في الإمبراطورية العثمانية ، وكانت المدينة الثانية بعد القسطنطينية.. وبقيت حلب تحت الحكم العثماني حتى انهيار الإمبراطورية مع نهاية الحرب العالمية الأولى ، وحددت معاهدة سيفر مقاطعة حلب كجزء من سورية ، لكن مصطفى كمال أتاتورك رفض هذه المعاهدة واستمر بضم حلب , و حين تم توقيع معاهدة لوزان تم انتزاع وسلخ حلب عن الأناضول , ومن بعدها جاءت معاهدة سايكس – بيكو و تم سلخ لواء الاسكندرونة عام 1939 فحُرمت حلب من مينائها الرئيسي وتحولت إلى مدينةً معزولةً تماماً.
وعندما لجأ العثمانيون في نهاية حكمهم إلى نهب ثروات حلب – انتقاما ً- , فكان لا بد من لهم التخلص من الأثرياء و غالبيتهم من المسيحيين وسلب أموالهم , فقرر الوالي طردهم , و بعد مدةٍ وجيزة , وأثناء جولة تفقدية لشوارع المدينة , لاحظ تردي حالة الشوارع , وإمتلائها بالعاطلين عن العمل , وازدياد شكاوى الناس على الحذائين والخبّازين وأغلب الصناعيين , فأمر بإعادة بعض العائلات التي عُرف المكان الذي هاجروا إليه , فكان أن عادت أربعون عائلة .. فدعي الحي بـ “زقاق الأربعين” , الذي لا زال موجوداً حتى الاّن , لكنه بحالة تدمع أمامها العيون , وتتمزق معها قلوب الحلبيين والسوريين , نتيجة حالة التدمير الإرهابي الذي تعرضت له أحياء وشوارع مدينة حلب دون استثناء , ومنذ تحرير مدينة حلب بفضل بطولات وتضحيات الجيش العربي السوري , بدأت الجهات المهنية والمسؤولة في المدينة , وبتوجيهات الرئيس بشار الأسد , بإعادة إعمارها , بما يحافظ قدر الإمكان على تاريختها وقدمها وحضارتها , وعمق تجذرها في تاريخ سورية والعالم.
لا بد من ملاحظة , وربط ما حصل بالأمس البعيد , والأمس القريب , وما يحصل حالياً .. فالمخطط التركي – العصملي هو ذاته , وعمليات طمس الهوية السورية , والتتريك وتحطيم التركيبة الديموغرافية , وسرقة حلب أرضاً وبشراً , وضمها إلى أراضي “السلطنة البائدة , كان ولا زال يشكل هدفاً رئيسياً , وحلماً أردوغانياً , سمته الهمجية والسطو والإجرام.
المهندس: ميشيل كلاغاصي
حلب – سورية / 2/9/2023

التعليقات مغلقة.