نابلس ، جبل النار الفلسطيني!!
مدارات عربية – الأحد 30/10/2022 م …
تروي كتب التاريخ عن حرب التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الاستيطاني الفرنسي للبلاد الذي دام 132 عاماً، الوحشية الفائقة التي طبعته وذلك منذ لحظته الأولى في 1830، حين صودرت الأراضي ووصل الجزائريون إلى حد الجوع الشديد، إضافة إلى منع التعليم حتى في “الكتاتيب”. شاع التعذيب والقتل لأتفه الأسباب، وحتى اغتصاب الفتيات والنساء ثم قتلهنّ، وصولاً إلى اندلاع الانتفاضة العامة في 1956 بعد انتفاضات متفرقة على امتداد التاريخ الذي سبقها. وفي مطلع 1957 كُلِّف الجنرال ماسو وسواه من الجنرالات والكولونيلات الفرنسيين المقيمين في الجزائر بشنّ ما يشاؤون من عمليات وارتكاب ما يحلو لهم من قمع للقضاء على المقاومة. وقد فعلوا. ولكن المواجهة انتهت بانتصار الجزائر واستقلالها في 1962.
ويُروى في كتب التاريخ عن حرب التحرير الجزائرية، أنه في إحدى ليالي شهر كانون الأول/ديسمبر 1960، انطلقت في آنٍ معاً زغردات استمرت طويلاً، من كل نوافذ بيوت الجزائر العاصمة، بما فيها خصوصاَ بيوت حي القصبة، قلبها – والحي ينعت أيضاً بـ”قلب الانتفاضة”، وبأنه أول حي مديني لـ”حرب العصابات” في العالم (ما يقال له Le maquis urbainبالفرنسية)- ولم يفهم الفرنسيون ما قصة هذا الذي اعتبروه صراخاً وإنْ كان موزوناً ومقفّىً، وظنوا أن الجزائريين قد جُنّوا! أعقب هذا الليل مظاهرات هائلة استمرت أسبوعاً كاملاً وغطت كل البلاد من أقصاها إلى أقصاها، رفضاً لزيارة الجنرال ديغول لها وكان قد أعيد انتخابه رئيساً للجمهورية في 1958.
وكان من عادة العائلات الجزائرية أن تطلق الزغردات حين يعدم الفرنسيون أحد أبنائها، فتعقب الـ “يو يو” كما يسميها الفرنسيون، صوت المقصلة التي غالباً ما كانت تُستخدم للإعدام وكان وقعها يُسمع في أرجاء المدينة ليلاً… ويا سادة من المتحذلقين، ليست زغردة نساء الجزائر حينها ونساء فلسطين اليوم إعلاناً عن حب الموت بل هي التحدي الذي يملكنَه!
تحضر هنا وبشكل بديهي، تظاهرات أهل مدينة نابلس في الضفة الغربية هذه الأيام وتكبيراتهم التي انطلقت من كل نوافذ بيوتها في الليل الذي سبق بداياتها. وتقارَن بما عُرف عن الجزائر، حيث تختلط العمليات المسلحة بأشكال المقاومة الشعبية. هذه الأيام في نابلس وفي مخيم جنين الأسطوري، وفي مخيم شعفاط الواقع على كتف القدس، وقبلها في أماكن أخرى على طول فلسطين وعرضها.. ويستعيد الفلسطينيون واقعة ارتداء الكوفية من قبل الجميع بدلاً من الطربوش، وهو ما اتُخذ فيه قرار شعبي لإرباك العصابات الصهيونية وعرقلة تعيينها للمقاومين واستهدافها لهم في انتفاضة 1936 في فلسطين. مذاك؟ نعم وبلا توقف! على الرغم من فترات الإحباط التي تمر ولا تستمر، ويصرخ حينها الإسرائيليون بأنهم “نجحوا”، وعلى الرغم من تواطؤ السلطة الفلسطينية مع سلطات الاحتلال إن لم يكن لسبب فلجبْنها ولفسادها (معاً!)، وعلى الرغم من التخلي والاستقالة التي تطبع عمل العديد من التنظيمات السياسية، والتي تبدو وكأنها تتعرض للإنهاك أو لليأس. وعلى الرغم من كل هؤلاء الأوغاد المتواطئين مع إسرائيل “المتحضرة”، وأولئك المثقفين الساخرين بسينيكية (يقال لها بالعربية “الكلبية”) من أن البطولة لا تجدي، مع أنهم يرون أنها تتكرر، وأن شبان شعفاط حلقوا رؤوسهم ليتشبهوا بالمقاتل عدي التميمي، ابن مخيمهم ورفيق طفولتهم الذي استشهد مؤخراً بعدما دَوّخ قوات الاحتلال ومخابراتها..
وهذا جيل جديد! لم ينسَ ولم يتأقلم. وهو يتمكن من أدوات جديدة هي الأخرى ويربك العدو في مجال “السَيبر” الذي يتفاخر به (ويبيع تطبيقاته إلى العالم). هم هكذا بينما يعم في العالم كله الإحباط والتوحش. فمن الذي سييأس وسيرحل في نهاية المطاف؟ اسألوا الجزائر!
التعليقات مغلقة.