السلاح الاستراتيجي الروسي : الصمود حتى النصر ..لا السلاح النووي / محمد صادق الحسيني
محمد صادق الحسيني – الإثنين 10/10/2022 م …
تتابع الآلة الدعائيةالاميركيه الاطلسيه ترويج ” المعلومات ” والفبركات المختلفه ، عبر آلتها الدعائية العملاقه ، في كافة اصقاع الارض ، حول قرب استخدام القوات المسلحه الروسيه لأسلحة نووية تكتيكيه ، في ميدان الصراع الاميركي الاطلسي الروسي على الارض الاوكرانيه ، وذلك بهدف تحريض الرأي العام الدولي ، ضد روسيا الاتحاديه بشكل عام والرئيس الروسي بوتين بشكلٍ خاص ، وذلك في محاولة منها لامتصاص الغضب المتزايد لشعوب القارة الاوروبيه وشعب الولايات المتحده الاميركيه ، بسبب أزمة ارتفاع تكاليف الحياة وعجز الكثيرين عن مواجهة ذلك ، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء ، الذي سيزيد الطين بلة بسبب الارتفاع المضطرد لاثمان وسائل التدفئة ، من كهرباء وغاز ومشتقات نفطية وحتى الحطب المستخدم للتدفئة ، والذي ارتفعت اسعاره بما يزيد على ١٠٠٪ في كل الدول الاوروبيه .
لكن هذه الحملة الدعائية ، التي تثير ضجيجاً لا حدود له عبر العالم كله ، لن تجدي الدول القائمة عليها نفعاً ، حتى لو استحضروا وزير الدعاية الالماني غوبلز ، للاشراف عليها وتطويرها ومتابعة تنفيذها ، وذلك لان العوامل المؤثره ، لا بل الحاسمه ، لنتائج الحرب الاميركيه الاطلسيه ضد روسيا ، التي تنفذها سيدة الاطلسي في واشنطن على الارض الاوكرانيه ، هي ( العوامل ) غير الوسائل التي تستخدمها ادارة بايدن ، في ادارة حملتها هذه .
وعليه ، فان القراءة الموضوعية المجردة ، لمسار العمليات العسكريه على الاراضي الاوكرانيه ، وكذلك تلك الاقتصاديه ، سواءً المتعلقة بالعقوبات التي فرضها الغرب الاستعماري على الاقتصاد الروسي ، ام العواقب والنتائج الكارثيه العكسية المفاعيل ، التي ترتبت على هذه العقوبات ، فالحقت اضراراً كارثية باقتصاديات جميع الدول الاوروبية ، دون استثناء ، وهي اضرار سوف تتسبب في خلخلة بنيوية عميقه في الدول الاوروبيه ، قد يصل تاثيرها الى انهيار الاتحاد الاوروبي وتفكك حلف شمال الاطلسي .
اما عن الاسباب ، التي تدفع اي متابع ومحلل موضوعي ، للوصول الى هذه النتيجه ، فهي التاليه :
١) ان العملية العسكرية الروسية الخاصه ، التي ينفذها الجيش الروسي على اراضي اوكرانيا منذ شهر شباط من العام الحالي ، تسير تماماً طبقاً للخطة العسكرية الروسيه ، التي وضعتها هيئة الاركان العامه للجيش الروسي قبل بدء العمليه ، آخذة في عين الاعتبار كل الاحتمالات الممكنة جميعها لتفاصيل سير هذه العمليه ، بما في ذلك التدخل الاميركي الاطلسي ، المباشر وغير المباشر ، في عملية الحرب الاميركيه الاطلسية الشامله ، التي يشنها الغرب ضد روسيا ، اقتصادياً وسياسياً وعسكريا .
وعليه فان كل ما يتم الحديث عنه والتطرق اليه ، بشأن مناورة القياده العسكريه الروسيه بقواتها على مختلف الجبهات ، من قبل ” محللين وخبراء ” ما هو الا كلام لا صلة له بالو اقع ، وذلك لان تحريك هذه الوحدات لا يتم بسبب ضغوط عسكرية ، من قبل الطرف المعادي ، وانما لاسباب تكتيكية خدمة للهدف الاستراتيجي لخطة العمليات بصورتها الشامله ، اي في اطار احتمالات تطور المواجهه العسكريه ، مع الاطلسي في اوكرانيا ، الى مواجهة مباشرة مع دول الاطلسي ، وبالتالي اتخاذ العمليه العسكريه الروسيه الخاصه ، كما نتابعها منذ انطلاقها ، شكل الحرب الشاملة ، الامر الذي يستدعي ، من القيادة العسكرية الروسيه ، الزج بقوات اكبر بكثير ، من القوات المنخرطة في العمليات حالياً ، وهو ما يعبر عنه مرسوم الرئيس الروسي بوتين ، باعلان التعبئة الجزئية لثلاثمائة الف جندي روسي ، استعداداً لاحتمالات تطور الموقف الى المواجهه المباشره .
٢) هذا يعني ان القيادة السياسية و العسكرية الروسيه تنفذ بنود خطة عسكرية استراتيجية شاملة ، لا تقتصر اهدافها على هزيمة العدو الاميركي الاطلسي في الميدان الاوكراني فقط ، وانما الحاق الهزيمة الاستراتيجية الشاملة به ، وعلى صعيد دولي شامل . هزيمة تؤدي الى زوال هيمنته الاحادية القطبيه على العالم ، والتي يدفع بكل قواه ، عبثاً ، للحفاظ عليها .
ففي الوقت الذي تستخدم فيه القياده السياسيه والعسكريه الروسيه قدراتها حسب متطلبات كل مرحلة من مراحل المعركه قامت القيادة الامريكيه الاطلسيه بالزج بكافة ادواتها ، الاقتصادية والسياسية والعسكرية ،ضد روسيا لتحقيق اهداف عدة ، اهمها مايلي :
أ ) السيطره الكامله على اسواق الطاقة الاوروبية وعزل الاقتصادات الاوروبيه عن مصادر الطاقه الروسيه الرخيصه واستبدالها بالطاقة الاميركبه المرتفعة الاثمان ، ما يؤدي الى اخراج الاقتصادات الاوروبية من مجال منافسة المنتجات الاميركيه وتحويل اوروبا باكملها الى مجموعة مستعمرات ، تعمل لحساب كبريات الشركات الاميركيه ، التي ستستحوذ على الشركات الاوروبيه عندما تواجه الافلاس ، بسبب اسعار الطاقه المرتفعه .
ب ) عزل القاره الاوروبيه كاملة عن روسيا والصين ، في خطوة تأمل الاداره الاميركيه ان تستطيع احتواء المنافسة الاقتصادية الصينية لها ، وبالتالي الحد من تطور ونو الاقتصاد الصيني ، خاصة اذا ما نجحت واشنطن في عرقلة مشروع الصين العملاق ، الحزام والطريق ، الذي كان من بين اهدافه ربط اوروبا برياً ، عبر فنلندا ، مع الصين ،الامر الذي تعتقد واشنطن انها ستحققه ، من خلال ضم فنلندا الى حلف شمال الاطلسي ، واحكام السيطرة عليها والتحكم بقرارها السيادي . الا ان الواقع يشي بأن واشنطن ليست قريبة من اهدافها تلك .
٣ ) وعليه يتضح مما تقدم ، ان روسيا ليست بحاجة ، على الاطلاق ، لاستخدام اي نوع من انواع الاسلحة النوويه ، لصد العدوان الاميركي الاطلسي الحالي عليها وحماية مصالحها القومية وامنها الاستراتيجي ، وهي لن تلجأ الى هذا الخيار الا في اطار عقيدتها النوويه المعلنة والمعروفة لدى الجميع .
وما الترويج لمثل هذه الاتهامات الباطله والاكاذيب الفاضحه ، سوى غطاء لما تخطط له دوائر العدوان الاميركي الاطلسي ضد روسيا ، التي لم تلجأ لاعلان الحرب على اوكرانيا ، وشعبها الشقيق للشعب الروسي ، ولا حتى الى استخدام المزيد من الوسائل القتالية ، الصاروخية الجوية ، المتوفرة بكثرة لدى وزارة الدفاع الروسيه ، وهي القادره على رفع الطاقه الانتاجيه الى حدود فلكيه اذا ما استدعت الضرورة ذلك ، وللمقارنة لا بد من الاشاره الى ان شركة إليوشن السوفييتية آنذاك / الروسيه حالياً ، قد انتجت وحدها ، في الفتره بين شهر ٦/١٩٤١ وشهر ٥/١٩٤٥ ، ما مجموعه ثمانية عشر الف ومائة وستة وثلاثين مقاتلة وقاذفة قنابل .
ان القوات المسلحة الروسية اكثر حرصًا ،بالتأكيد ، على البنى التحتيه الاوكرانية ، من قادة البنتاغون وحلف شمال الاطلسي الذين يواصلون التصعيد العسكري الخطير ، ليس فقط في الجمهوريات والمقاطعات التي انضمت الى روسيا ، بعد الاستفتاء الشعبي الاخير ، وانما ايضا في البحر الاسود .
وما العمليه الارهابيه التي تعرض لها جسر مضيق كيرتس ( القرم ) قبل يومين ، الا دليلاَ جديدًا ومتجددا على تحدي روسيا وقيادتها بهدف استفزازها ” ودفعها ” الى استخدام الاسلحة النوويه .
٤ ) ولا بد ، في هذا المجال ، من تذكير قادة العدوان الاميركي الاطلسي بان الرئيس الروسي ، لا بل القيادة الروسية باجمعها ، لا تفكر بطريقة رعاة البقر الامريكيين ، وانما بطريقة منطقية رياضية ( من رياضيات ) تحسب ادق الحسابات ، لكل تفاصيل خططها وخطواتها ، سواءً كانت اقتصادية سياسية / دبلوماسية ام عسكرية ، وهي لا ولن تخطئ حساباتها ابدا .
فليتذكر جنرالات العدوان الحالي ، ضد روسيا ، ان اجداد القيادة الروسية الحاليه هم من هزم جيوش الاحتلال النازيه الالمانيه وحرر عاصمة الرايخ الثالث ورفع العلم السوفييتي على مبنى الرايخستاغ ( البرلمان الامبراطوري ) ، على الرغم من ان ٦٧ ٪ من الجيوش الهتلريه كانت تحارب على الجبهات السوفييتية وليس على الجبهة الغربيه ( فرنسا وبريطانيا ) .
٥ ) وبالتالي فان القيادة الروسية الحاليه ، وعلى رأسها الرئيس بوتين ، ليست مستعجلة ، قطعياً ، في حسم المواجهه الدائره حالياً على الارض الاوكرانية ، وانما هي تتحلى باقصى درجات ضبط النفس ومواصلة الصمود الاستراتيجي ، بانتظار نضوج ثمار الانهيارات الاقتصادية الحتميه ، التي ستشهدها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي ، في الثلاثة اشهر القادمه ، بسبب عدم قدرة هذه الدول على الاستمرار في تمويل الحرب ، التي تخاض ضد روسيا الاتحاديه ، على ارض اوكرانيا .
ولكنها ،بالتأكيد ، سوف تتخذ الاجراءات الامنيه والعسكريه الضروريه ، ليس لحماية امن قواتها في الميدان فحسب ، وانما للحفاظ على المكتسبات الميدانيه ، وعلى ارادة شعوب شبه جزيرة القرم وجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك ومقاطعتي زاباروجيا وخيرسون .
ولا بد لهذه الاجراءات ان تحقق ليس فقط تحرير بقية اراضي جمهورية دونيتسك الشعبيه وانما الاندفاع غرباً وشمالاً ، بهدف تحرير بقية اراضي مقاطعتي زاباروجيا ( شمال خطوط التماس الحاليه ) ومقاطعة خيرسون الى الغرب منها، ومن ثم استكمال الزحف غربا لتحرير مقاطعة أوديسا وبقية سواحل البحر الاسود الشمالية الغربيه ، وصولاً الى الحدود الشماليه الشرقيه لاوكرانيا وهي الخطوة التي ستشكل حسماً استراتيجياً ، ليس فقط لامن واستقرار شبه جزيرة القرم ، وانما لكامل مساحة البحر الاسود ، الذي طالما حاول حلف شمال الاطلسي ، وبريطانيا الاستعماريه في الطليعة ، العبث بأمنه وتهديد الامن القومي الروسي بشكل عام وامن منطقة جنوب غرب روسيا على وجه الخصوص .
اذ يجب التذكير بان قوات الحلفاء الغربيين ، في الحرب العالميه الاولى ، قد نفذوا عمليات انزال بحري على شواطئ البحر الاسود ، التي كانت جزءاً من الامبراطوريه الروسيه ،وذلك في شهر ١٢/١٩١٨ ،حيث بدأت هذه القوات بالسيطرة على ميناء اوديسا ، تمهيداً للتمدد شرقاً وغرباً وشمالاً ، وما يعنيه ذلك من تهديد للامن القومي الروسي . ولكن نجاح الجيش الاحمر السوفييتي في دحر قوات الغزو تلك ، والامساك بشواطئ البحر الاسود وبحر آزوف ، قد حافظ على امن الاراضي السوفييتيه ( آنذاك ) وحتى امد قريب .
الا ان التمدد شرقًا لحلف شمال الاطلسي العدواني ، ودخول رومانيا وبلغاريا ،المشاطئتين للبحر الاسود ، الى عضوية هذا الحلف ، وما تبع ذلك من استفزازات وتحرشات شبه يوميه ، من قبل اساطيل دول الحلف الكبرى ، وعلى رأسها الولايات المتحده وبريطانيا، تليهما فرنسا،قد اعاد التهديدات الاستراتيجيه ، للامن القومي الروسي ، لتصبح جزءاًمن وضع البحر الاسود الراهن وهو ما يقتضي تنفيذ الاندفاعة العسكرية الروسية غربا ، لتأمين الواجهه البحريه الجنوبيه الغربيه لروسيا الاتحاديه .
التعليقات مغلقة.