من أوكرانيا إلى تايوان … هل هي بوادر الإنهيار الأمريكي؟ / الطاهر المعز

258

الطاهر المعز ( تونس ) – الأربعاء 31/8/2022 م …

الجبهة الإقتصادية لحرب أوكرانيا

أثرت الحرب في أوكرانيا على تجارة أوروبا مع روسيا، لكنها رَجَّتْ أيضًا أُسُس المُبادلات التجارية بين الصين وأوروبا. قبل النزاع (24 فبراير 2022)، كانت شحنات السلع التي تنطلق من الصين نحو أوروبا، بواسطة السكك الحديدية، تعبر بنسبة حوالي 95% الممر الشمالي لخط الصين- أوروبا السريع ، وهو طريق السكك الحديدية الذي يمر عبر كازاخستان وروسيا وبيلاروسيا وبولندا لربط الصين بألمانيا، فضلا عن الخط الحديدي الذي يربط ووهان (شمال الصين) بمدينة لييج ، (بلجيكا)، وأدّت الحرب إلى انخفاض حجم البضائع التي تمر عبر هذا الطريق (أجهزة كمبيوتر وآلات وأجهزة إلكترونية وقطع غيار السيارات ومعدات رياضية وغيرها) بنسبة 80% بسبب الحظر الاقتصادي الذي فرضته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على روسيا، وفق وكالة “بلومبيرج” (26 آب/أغسطس 2022)، كما أدّى الحَظْر (أو “العُقُوبات” وهي عبارة يستخدمها من يمتلك السّلْطة ضد “المُذْنِب”) إلى توقف صادرات القمح أو عباد الشمس أو المواد الخام أو غيرها من المنتجات، من روسيا أو أوكرانيا، فضلا عن صادرات النفط والغاز الرُّوسِيَّيْن، وانخفضت أو انقطعت صادرات الصين التي تعبُر رُوسيا، فأصبحت شركات تصنيع السيارات الأوروبية (فولفو، بي إم دبليو، إلخ) تفتقر إلى قطع غيار من الصين وانخفضت كذلك صادرات السيارات الأوروبية نحو الصّين، لتُصبح معظم السّلع تمر عبر البحر، كبديل للنقل بالسكك الحديدية، ما تَسَبّب في ازدحام الموانئ حول العالم.

منذ نيسان/أبريل 2022، يمر جزء من الصادرات الصينية إلى أوروبا عبر بحر قزوين والبحر الأسود، ليصل بعد ذلك إلى غرب أوروبا وشمالها، عبر المجر أو رومانيا، ما يتطلّبُ عشرة أيام إضافية، في المتوسط ، وبسعة أقل من المَعْهُودَة لما كان الطريق يمر عبر روسيا.

 استفادت تركيا من الحظر المفروض على روسيا ودَعَتْ شُرَكاءها (منذ آذار/مارس 2022)، منها أذربيجان وجورجيا وكازاخستان إلى تطوير التعاون في مجال نقل البضائع بين آسيا وأوروبا، لكن تطوير ممرات جديدة يتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية للسكك الحديدية والموانئ، فطلبت هذه الدول الأربع من الاتحاد الأوروبي والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD) قُرُوضًا لتنفيذ هذه المشاريع التي ستنقل الغاز والنفط من أذربيجان وآسيا الوسطى إلى أوروبا الغربية، مع تفادي أراضي روسيا، كما استفادت بعض بلدان أوروبا الشرقية، مثل بلغاريا ورومانيا، من تنمية التجارة عبر الممر العابر لبحر قزوين، بدعم من المفوضية الأوروبية التي “مَنَحت” مبلغ 110 مليون يورو لتحديث شبكة السكك الحديدية في بلغاريا، بين صوفيا والحدود الصربية، وسوف يتم تخصيص مبلغ آخر ، لم يحدده الاتحاد الأوروبي بعد ، لتوسيع ميناء بيرايوس في اليونان، وهو بوابة مهمة للبضائع الآسيوية في أوروبا.

من أوكرانيا إلى تايوان

شكّلت حرب أوكرانيا مُناسبة لتجربة بعض الأسلحة الأمريكية الفتاكة (كما كانت الحرب العالمية الثانية فُرصة لتجربة القنبلة الذّرِّيّة الأمريكية، وحرب فيتنام فُرصة لنوع جديد من النابالم، واحتلال العراق فرصة لتجربة أنواع جديدة من سلاح اليورانيوم المنضّب والفُوسفُور الأبيض)، ومناسبة لتكثيف مناورات واستفزازات حلف شمال الأطلسي، قريبًا من حُدُود روسيا، وكذلك قريبًا من حُدُود الصّين، ما يُشير أن الولايات المتحدة تتجه إلى حروب عدوانية (بالوكالة) على جبهَتَيْن مُختلفتَيْن، في نفس الوقت، ولتبْرير التحْشيد العسكري الإستثنائي في شرق وجنوب آسيا، والإستنفار الأقصى لقواعدها الضخمة في اليابان وكوريا الجنوبية، تُرَوّج المخابرات ووسائل الإعلام ومراكز البحوث والدّراسات الأمريكية أخبارًا عن “ارتفاع الإنفاق العسكري الصّيني”، الذي يُعادل حوالي 25% من الميزانية الحربية الأمريكية المُعْلَنَة، على أقصى تقدير.

تَجَاَوَز مدى الدّعم العسكري الذي قدمته الولايات المتحدة لحكومة أوكرانيا، وللمليشيات النّازِيّة، من خلال تسليم الأسلحة والمعلومات، والدّعم على المستويات السياسية والاقتصادية (من خلال توسيع نطاق نظام العقوبات) جميع التوقعات، وبعد أقل من ثلاثة أشهر من انطلاق الحرب، شجع الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن حكومة تايوان على الإمْعان في استفزاز الصين، مؤكدًا الدّعم المُطْلَق للولايات المتحدة (الغارديان 23 أيار/مايو 2022)، قبل الزيارة الاستفزازية لرئيسة مجلس النُّوّاب الأمريكي (من الثالث إلى الخامس من آبا/أغسطس 2022)، وزيارة وفد من الكونغرس الأمريكي، بعد اثني عشر يومًا (15 آب/أغسطس 2022)، وتشجع الولايات المتحدة حكومة تايوان على مضاعفة الاستفزازات من خلال التأكيد لها على دعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي…  

لم تخُض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي (وبالتالي الناتو) الحرب رسميًا ضد روسيا، ولكن من خلال توجيه مساعدات مالية وعسكرية كبيرة لأوكرانيا، عبر الدول المجاورة لها، بأسلحة متطورة ومتنوعة، منها الصواريخ المضادة للدبابات والصواريخ المضادة للطائرات والطائرات بدون طيار، التي توفر المراقبة في ساحة المعركة وكذلك العمليات الهجومية، ونظام استخبارات أمريكي متطور للغاية …

أما تايوان فهي جزيرة يمكن تطويقها وعزلها بسهولة أكبر، فضلا عن كونها جزيرة صينية انفصلت أثناء انتصار الحزب الشيوعي الصيني الذي أنشَأَ ونظّمَ الجيش الشعبي الذي حَرّر الصين، سنة 1949، من الإحتلال الياباني، ومن الفئات الرجعية والعميلة للإستعمار التي كانت تحكم البلاد، ومنذ ذلك الحين (أي منذ عملية الإنفصال) بدت تايوان وكأنها مستعمرة أمريكية، مع حكومة مَحَلِّية، وتزود الولايات المتحدة جيش تايوان بالغواصات والمدمرات والدبابات والطائرات المقاتلة ، بالإضافة إلى نظام (أمريكي أيضًا) للتجسس والمراقبة الإلكترونية، وَوَعَدَت الولايات المتحدة بالإسراع بإمداد جيش تايوان بمعدات الاتصالات وصواريخ جو – أرض وبالصواريخ المضادة للسفن والطائرات بدون طيار.

تطرح بعض البُحُوث والدراسات الأمريكية مجموعة تساؤلات مُشكّكة في جدوى استفزاز الصّين، بواسطة تايوان، منها هل شعب تايوان مستعد لقبول نفقات عسكرية إضافية وللتعبئة لحرب تقررها الولايات المتحدة وتقودها لمصلحتها حَصْرًا؟ هل يعتبر الحظر الاقتصادي المفروض على الصين فعالا، ناهيك عن الأضرار التي لحقت الإقتصاد الأوروبي وحلفاء الولايات المتحدة جرّاء “العقوبات”، فالولايات المتحدة تقود نَسَق العُدْوان، وتُشرف على كل الأعمال الاستفزازية والحربية في العالم منذ عقود، لكن أظهر الحظر المفروض على روسيا حدوده بسبب العولمة والتشابك بين اقتصاديات الدول المختلفة، فيما تظهر دراسات وأبحاث أمريكية أخرى مخاطر هزيمة الولايات المتحدة في حرب تُقرِّرُها بذريعة “الدّفاع عن تايوان” في مواجهة الصين، فإلى أي مدى يمكن أن تصل الإرادة التدميرية للولايات المتحدة، قبل سقوط الإمبريالية الأمريكية؟

استخلاصات وتساؤلات

تبذل الولايات المتحدة، منذ حوالي عشر سنوات (منذ فترة رئاسة “باراك أوباما”) جُهُودًا مستمرة لخفض أو وضع حدّ للتبادل التّجاري بين أوروبا وروسيا، وبين أوروبا والصّين، وشكّلت حرب أوكرانيا فُرْصَةً لخَفْض صادرات الطاقة والمعادن الروسية إلى أوروبا والقمح إلى العديد من المناطق الأخرى، وفُرصة لخفض حجم السلع الصينية التي تعبر أراضي روسيا، ومن غير المُستبعد أن تُحاول الولايات المتحدة فَرْضَ حصار الصّين من البحر، وجَرّ أوروبا معها بذريعة الدّفاع عن تايوان، رغم العواقب الوخيمة على الإقتصاد الأوروبي…

تستخدم الرأسمالية الحروب الخارجية لحل أزماتها، فضلا عن الحرب الدّاخلية المستمرة ضدّ الطّبقة العاملة والفُقراء، ولا تَشُذُّ الحروب العُدْوانية التي تشنّها الرّأسمالية، بزعامة الإمبريالية، عن هذه القاعدة، فالحرب سُوق هائلة للسّلاح، كما أن الولايات المتحدة (منذ عادت إلى تصدير النفط والغاز الصّخري، سنة 2016) تريد الهيمنة على سُوق الطّاقة في أوروبا، بإقصاء روسيا منه، فهي حرب بين أطراف رأسمالية، لكن الشعوب والفئات الكادحة هي الضّحِيّة.  

هناك بعض التّساؤلات التي تشغل بالي شخصيا، كعربي وكمواطن من بلد واقع تحت الهيمنة، وكفرد من جُموع العاملين والكادحين والفُقراء، منها: هل تستفيد الطبقة العاملة والفُقراء والشُّعُوب المُضْطَهَدَة من تحول العالم من “القُطب الواحد” إلى “عالم مُتعدّد الأقطاب”، وهل يُفيدُها ذلك في الحصول على مكاسب؟   

هل توجَدُ اليوم قوى ثورية بديلة وقادرة على تحويل الحُرُوب إلى ثَوْرات شعبية، وقادرة على مُساعدة الشعب الفلسطيني وكل الشعوب المستعمَرة والمضطَهَدة على تحرير نفسها، وكَسْر شوكة الإمبريالية الأمريكية (ومن معها) وإسقاطها، وإقامة حُكْمٍ ثَوْرِي بديل مناصر للكادحين وللشعوب المُضطهَدة؟