النووي مع ايران حاجة أمريكية تتعاظم وحاجة ايرانية تتناقص / محمد احمد الروسان
مدارات عربية – السبت 23/4/2022 م …
كتب المحامي محمد احمد الروسان* ( الأردن ) …
*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية …
** العالم بين الحدثين: الأوكراني والسوري والفاعل الروسي …
وكالة المخابرات المركزية الامريكية، عبر ادارة وقيادة السفير السابق والاعلامي والباحث وليام بيرنز، ومع التسييس لمفاصل عملها في تقديرات المعطيات والظروف، وتحليل المعلومات بلغة سياسية وأمنية طاغية، مع العمل على كنس مرحلة جينا هازبل وميكي – مايك بومبيو(المديرين السابقين لها)، مع عين أوسع على الفدرالية الروسية والصين وايران، وكذلك على الارهاب المحلي الأمريكي(ارهاب الداخل)، وتسييس عمل محطات المخابرات الامريكية في الخارج في السفارات، واحتواء اختراقات الفدرالية الروسية المفترضة، في عميق معادلات الداخل الامريكي، ومواجهة التشدد اليميني الداخلي، وكذلك الحرب الروسية الأطلسية عبر أوكرانيا، والتركيز على ايران وملفاتها، والحفاظ على أمن الكيان العبري الصهيوني، فكانت تصريحات أفيف كوخافي بتهديد ايران، وهي في الحقيقة رسائل لبايدن وادارته، وتذكيرهم بمصالح الكيان العبري، ان عادوا الى الاتفاق النووي وهم أصلاً عادوا، وما يجري الآن من مفاوضات هو خارج الأتفاق النووي، ومن ناحية أخرى بمثابة حرب اعلامية نفسية فاشلة، وتدل من ناحية ثالثة لوضع الكيان العبري الصهيوني المأزوم.
وليام بيرنز يعمل على التشبيك مع أنتوني بلينكين وروبرت سيمون مالي، ومع طاقم أنتوني في الخارجية، بدون أي تدخلات منهما في الجوانب الأمنية العملياتية، والرئيس جو بايدن رغم هذيانه السياسي والعقلي ومعانقته وسلامه على الهواء، عبر كوادر ادارته، بايعاز وتوجيه من الدولة العميقة، يعمل على المحاولة في اعادة صياغات للأتفاقية النووية الشاملة مع ايران، وبذات الوقت الحد من الاختراقات الروسية، وخصوصاً الاستخبارية في عمق المعادلات الداخلية الامريكية وكما أسلفنا أنفاً.
الأتفاق النووي مع ايران، هو حاجة أمريكية ملّحة قبل الحرب الروسية الأطلسية، وصار حاجة أمريكية تتعاظم وتتفاقم بعد حرب موسكو مع الأطلسي، عبر الوكيل الأوكراني، وفي نفس الوقت هو أصلاً حاجة ايرانية أيضاً ملحة، لكنه بعد حرب الناتو مع موسكو عبر الوكيل الأوكراني، صار حاجة ايرانية متناقصة وبعمق، وصارت معادولة الوقت تنقلب لصالح طهران، وكل ما يجري الأن من مفاوضات غير مباشرة بين الجانبين عبر الأوروبي خارج مسألة الأتفاق النووي، وتتركز حول برنامج الصواريخ البالستية والدور الأيراني والطائرات المسيرة، ومناطق نفوذها لأيران في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وفي القارة السمراء، والأنتقام للشهيد قاسم سليماني وكل من تورط بقتله، واخراج جلّ القوات الأمريكية من غرب أسيا، مع رفع كل العقوبات عن الحرس الثوري الأيراني، وهوجيش ايران الرسمي، وكونه ذراع اقتصادية واستثمارية هائلة في ايران، وجلّ مجتمع الشركالت الأيرانية في الداخل الأيراني ترتبط بعلاقات اقتصادية ومالية مع الحرس الثوري، وفي حالة عدم رفع العقوبات عنه، لا قيمة ولا معنى لأي اتفاق نووي، لا يرفع العقوبات كلّها عن الحرس الثوري.
انّ وجود روبرت سيمون مالي كمبعوث لايران، كان خبراً في غاية السوء للكيان العبري الصهيوني منذ البدء، ووجود وليام بيرنز كان خبراً أسوأ أيضاً، وهذا يبين حنكة من يقف خلف جو بايدن وفريقه، في الحفاظ على التوازانات التي خلقتها الدولة العميقة، وصحيح انّ جو بايدن أعلن التزامه بأمن اسرائيل لكن ليس دعماً بدون حدود، فالمفاوض الحقيقي هو من يترك مساحات معقولة بين المتصارعين، ويبدو أن كارتلات الحكم في أمريكا تريد اعادة التوازانات في الشرق الاوسط عبر جو بايدن والد بو وهنتر، ليظل الجميع في حاجة أمريكا: خصمها وعدوها، حليفها وصديقها.
الهدف في النهاية بعد طهران هي أنقرة، لذا رأينا شراسة الموقف التركي في دعم ايران، ليس حبّاً بايران، وانما خوفاً من مخططات أمريكا القادمة بحق أنقرة، والموقف الأشرس في دعم ايران بلا أدنى شك هو الموقف الروسي، والمتفاقم في الدعم وشراسة الأدوات الروسية، ازاء خاصرتها الجنوبية(ايران)كخاصرة ضعيفة الى حد ما، وخاصة بعد العملية العسكرية الروسية المشروعة في الداخل الأوكراني، حيث تحرّرت موسكو من كل خيوطها الحمراء في علاقاتها مع ايران وكذلك الصين، وبدأت تمهد لمعاقبة الكيان الصهيوني – اسرائيل بعد مواقفه الأخيرة ازاء روسيّا بسبب الحدث الأوكراني، ويظهر ذلك جلياً في أي اجتماعات تعقد على المستوى الأمني والسياسي والعسكري، وفي آخر اجتماعات أمنية سريّة جرت بين موسكو واسرائيل، على خلفية مواقف الأخيرة، وصفت قطعاً بالفاشلة، بعد الانحياز الروسي لأيران نتساءل عدّة تساؤلات:
هل تريد روسيا فعلاً إخراج إيران من سوريا الأن وبعد الحرب الروسية الأطلسية، ووقوف الكيان الصهيوني مع كييف وواشنطن ضد موسكو؟ وهل نجحت روسيا في تخفيف نشاط اسرائيل الجوي في سورية ازاء تحجيم الوجود الايراني؟ هل سينجح مثلاّ الرئيس بوتين في تقييد الفعل العسكري الاسرائيلي في سورية؟.
تتحدث المعلومات، أنّ آخر اجتماعات ولقاءات بين الثنائي اللافت في موسكو، وجمع روسيا وإسرائيل، وضع على أجندته، بحسب ما تم تسريبه، موضوع واحد وهو الوضع في سوريا، فقد بحث أفكاراً تتعلق بالحل النهائي في سوريا، ووضعها المستقبلي.
كان الواضح من مواقف تل أبيب لاحقاً، قبل الإجتماع السري في موسكو، أن التركيز سيكون على طلب وحيد أن تتفهم موسكو موقف الكيان الصهيوني، وإخراج إيران من سوريا، ولكن هناك العديد من التساؤلات: ما هو المقابل الذي ستقدمه تل أبيب ومن خلفها واشنطن لقاء تعاون موسكو في هذا الشأن؟ كيف ستحقق موسكو هذا الطلب الآن في وقت ما تزال المعارك طاحنة في أوكرانيا وفي الشمال السوري، وما زال الأمريكيون والناتو يعملون على تزويد كييف بالسلاح، ومتواجدون على الأراضي السورية كمحتلين، ويدعمون تشكيل كيان كردي شرق الفرات، وكذلك تمدد تركيا شمالا وتمركزها في إدلب، ودعمها العلني لفصائل عسكرية بعضها مصنف إرهابياً وفق التقييم الدولي؟.
صحيح واقع ومنطق وبدون عواطف، بقدر ما تريد الحكومتان الأمريكية والإسرائيلية من روسيا أن تساعد في تقليص الوجود الإيراني في سوريا أو إنهائه، فمن غير المؤكَد بدرجة كبيرة أن تقوم موسكو بذلك الأن، وبعد أن تم اخراج القيح والصديد من الدمّل الأوكراني المتقيح، عبر عملية جراحية عسكرية ضرورية وشرعية لصيانة الأمن القومي الروسي، أو حتى أنها قادرة عليه، فلو استطاعت روسيا فعل ذلك بطريقة ما، إلا إنها لن تفعله لمجرد أن الولايات المتحدة وإسرائيل تعتقدان أنّ(هذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله)، بل لأنها تريد شيئاً ذا قيمة كبيرة في المقابل، حيث أبرز ما تريده موسكو هو:
الأعتراف بما تم في أوكرانيا من نتائج على الميدان، وخاصةً الوضع في اقليم الدونباس وبكل شروطها، الإعتراف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، في العام 2014 م، وإلغاء العقوبات الإقتصادية التي فرضت عليها بعد ذلك وحتّى اللحظة، والإعتراف بوجود قوة روسيا على الساحة الدولية، وقيام العلاقات على مبدأ الشراكة لا الهيمنة.
بالنسبة إلى سوريا، رفع العقوبات الأمريكية عنها، ودعم استقرارها ووحدتها ونهوض اقتصادها، ورفع الحظر عن الإنفتاح العربي على دمشق، والفيتو على انطلاق ورشة إعادة الإعمار ودون ربطها بمسألة الحل السياسي.
في المقابل، إن موافقة الولايات المتحدة على تقديم مثل هذه التنازلات لروسيّا سيكون له تداعيات كثيرة، أبرزها: التأثير سلباً في علاقات واشنطن مع حلفائها الأوروبيين، خصوصاً بعد موجة من التململ أصابت العديد من دول الإتحاد الأوروبي، لا سيما بعد أربع سنوات عجاف طول فترة الرئيس الاسبق دونالد ترامب، وتوليه مهمات الناطق الرسمي باسم عميق كارتلات الحكم في أمريكا وأوصولها، ثم تبع ذلك التورط الأوروبي الأخير في الحرب الروسية الأطلسية، وتساوقها للقارة العجوز المتصابية، مع المشروع الأمريكي، في فرض عقوبات كبيرة على روسيا، وهي عقوبات أحادية وخارج الشرعية الدولية، المتضرر الأول منها أوروبا، والتي بدأت العديد من الكيانات الأقتصادية فيها وفي أمريكا تعلن افلاسها المالي والقادم أعظم.
بلا شك هناك العديد من الأمور التي يجب التطرق إليها خصوصاً من الناحية الروسية، وأبرزها يتمثل في التالي: تعتبر موسكو أن طهران شريك حقيقي لها في العديد من الملفات، بحر قزوين ومنظمة شنغهاي للتعاون ومحاربة الإرهاب، وتبعا لذلك، إذا كانت تقبل ضرب القوات الإيرانية في سوريا فإنها حتماً لن تقبل، مع الصين، ضرب(إيران الآسيوية)بأي شكل من الأشكال.
إنّ الوجود العسكري الإيراني، ومعه قوة حزب الله، قد يكون أداة (إبتزاز)جيدة في يد روسيا ضمن مشاريع الغاز المستقبلية في المنطقة إلى أوروبا – وخاصة وأنّ العالم بعد الحرب الروسية الأطلسية، لن يكون كما كان قبلها، وأيّاً كانت نتيجتها، خصوصاً إذا ما تم ربط ذلك مع العلاقات التي بدأت تزدهر، بعض الشيء، ما بين موسكو وأنقرة، هذا وتعمل روسيا، بحسب ما تقول، ضمن إطار القوانين والقواعد الدولية، من هنا وفي هذه المسألة بالذات، لا يمكن لها تخطي الإرادة السورية في هذا الشأن.
انّ الكباش الداخلي والذي جرى سابقاً، ويجري بصمت في ايران الآن على مستويات منخفضة بشكل هادىء، وهو صحي جداً ومطلوب ايرانياً، وتعمل كارتلات الحكم في أمريكا، على تأجيجه ، تموضع ويتموضع في التالي: احتراب صامت للنخبة السياسية في النظام الجمهوري القائم، والمس بالرعاية الاجتماعية للطبقات الفقيرة، والأزمة الاقتصادية التي يتداخل فيها تأثير الحصار المالي والعقوبات بتهم فساد(تحاربها طهران بقوة لملفات الفساد الداخلي، باشراف وتوجيه من المرشد وحكومة رئيسي).
الديمقراطيون عبرهم يتم الحكم في أمريكا هذا الأوان من الدولة العميقة، مارسوا استراتيجية الأستنزاف في المنطقة والعالم والأدارة من الخلف على مدار ثمان من السنيين وقت الرئيس الاسبق باراك أوباما، وسيمارسونها من جديد بعهد الرئيس الديمقراطي جوزيف بايدن، والجمهوريون على مدار أربع سنوات خلت بعهد دونالد ترامب، مارسوا استراتيجية تفكيك الأحلاف، من خلال تعميق استراتجيات البلبلة لتعميق الفوضى، بعبارة أخرى هم يمزجون بين الأستراتيجيتين ليخرجوا بكوكتيل استراتيجيات تذهب بالولايات المتحدة الأمريكية نحو المزيد من المتاهات، والبدء من بحر الصين الجنوبي والعلاقات مع تايوان، وتفكيك العلاقات الروسية الصينية باعطاء روسيّا مزيد من النفوذ في مجالاتها الحيوية وخاصة مساحات أوروبا الشرقية، وبعد انتهاء الحدث الأوكراني وهم مكرهون على ذلك وفي سورية أيضاً، والتصعيد ازاء ايران لدفعها للتنازلات في موضوعة الصواريخ البالستية، وفي حالة الفشل سيمارسون سياسات تمييع العلاقات مع طهران، مع العودة والحاجة الى الأتفاق النووي مع ايران.
وهذا الأوان الدولي والحالة، استولدت كارتلات كوادر الدولة العميقة مفاهيم مستحدثة، في إعادة إنتاج مفهوم الخطر الإيراني من جديد وقولبته توليفاً وتوظيفاً، وبصورة غير مباشرة وتحت عنوان الأتفاق النووي الأيراني مع الغرب، وعلى شيطنة حزب الله اللبناني وبالتعاون والتنسيق مع الدولة العبرية(الطارئة على الجغرافيا والتاريخ في المنطقة)ومع الأدوات القذرة في الداخل اللبناني وبعض الدواخل العربية من جماعات تكفيريّة وغيرها، مترافقاً مع شحن طائفي ومذهبي واثني عرقي، وذلك عبر اسطوانات إعلامية “بروبوغنديّة”مشروخة، وتحت يافطة المحافظة على السلم والأمن الدوليين على المستوى الإقليمي والأممي، بشكل يتزامن في تصعيدات لمستويات الأرهاب المدخل الى الداخل السوري والداخل العراقي من دول جواره العربي وغير العربي، في استهداف الدولة الوطنية السورية والدولة الوطنية العراقية وموردها البشري.
المشتركات لدى جمهور الناس في العالم العربي أعتقد أنّها تتموضع في التالي:- هو أنّ الغرب يسعى إلى الدفع بقوّة إزاء تفكيك سورية وجعلها دولة فاشلة وبعدها العراق، وبعدهما لتفكيك لبنان لشل إيران(يحاولون الآن معها عبر اللعب بالداخل من خلال فئات الطبقة الوسطى الأيرانية)وإثارة الفوضى في الأردن عبر اللعب على الحبل الديمغرافي لجهة المكونات الأردنية المختلفة بما فيها النظام نفسه، وبعد ذلك وفقاً للرؤية الأمريكية الصهيونية، ستكون المحطة الأخيرة الفدرالية الروسية – الآن يحاولون اضعافها عبر المسألة الأوكرانية، وتم مفاجأتهم من قبل الرد الروسي الحازم والصارم، والجمهورية الإسلامية الإيرانية هي الخاصرة الضعيفة للفدرالية الروسية، وهذا ما تدركه النواة الصلبة والدولة العميقة في روسيا الفدرالية ومحركها وضابط إيقاعها الرئيس فلادمير بوتين وجهاز استخباراته النشط ذو المجال الجيوبولتيكي، الأممي الواسع والذي يعيد إنتاج مفاصل أدواره الأستراتيحية القادمة.
حسناً في العمق: ما هي طبيعة ونوعية روائح الحذاء الروسي المرفوع في الوجه الأمريكي المسوّد؟ هل ثمة مخاض مؤلم وحاد بعمق لولادة(ليست من الخاصرة)لشرق أوسط جديد بسمة روسية خالصة تشاركية، بل وولادة عالم متعدد الأقطاب؟.
هل نجح الروسي الأقرب إلى الشرق منه إلى الغرب، في الذي أخفق فيه اليانكي الأمريكي؟ إذا كان هناك ثمة شرق أوسط جديد بسمة ووسم روسي خالص، وأنّ المنطقة دخلت هذا المسار الحديث بعد الدخول الروسي على سورية عسكرياً بطلب سوري خالص، ثم العملية العسكرية الروسية المشروعة الحالية في أوكرانيا، فهل هناك أحصنة طروادة روسية كانت تفعل فعلها رأسيّاً وعرضيّاً وبصمت، لأحداث الاختراقات الضرورية لهذا الشرق الأوسط الروسي الجديد وفقاً لعلم المنعكسات.
وهل أخضع الأمريكي ومعه حلفائه من الغرب تلك الأحصنة الروسيّة الطرواديّة للمتابعة والمراقبة ثم العرقلة في فعلها وتفاعلاتها في المستهدف من الأهداف الروسية المتصاعدة والمتفاقمة في الأهمية؟ وهل فشلت استراتيجيات الإعاقة الأمريكية في عرقلة وإضعاف الفعل الروسي عبر أحصنته المختلفة؟. ومنذ متى تعمل فعلها وتفاعلاتها ومفاعيلها تلك الأحصنة الطرواديّة الروسية؟.
هل يمكن اعتبار مثلاً منظومة صواريخ اس 400 الروسية بمثابة حصان طروادة روسي لاختراق تركيا، بعد أن طرقت الأبواب التركية طرقة واحدة فقط، فسال اللعاب التركي المتعدد عسكرياً لها، وبعيداً عن سياقات حلف الناتو؟ وهل ذات منظومة الصواريخ الأس 400 والأس 300 فعلت فعلها في جدار الدولة الإيرانية، بجانب مفاعل بوشهر النووي، ومفاعلات نووية إيرانية أخرى يتم تنفيذها بخبرات روسية بحته؟.
وهل يمكن دمج منظومة صواريخ الدفاع الجوي الروسية الأس 400 التي تحصّلت وتتحصّل عليها تركيا الآن في منظومات هياكل الناتو العسكرية، باعتبار أنقرة عضو فاعل في هذا الحلف وبمثابة غرفة عمليات متقدمة للغرب في أسيا الوسطى والمجال الحيوي الروسي؟.
ومن هنا مرةً ثانيةً وثالثةً ورابعةً، نقول: إنّ من يسيطر على سوريا(قلب الشرق) يسيطر على الممر الإستراتيجي لجلّ الشرق الأوسط، وبالتالي يتحكم ويسيطر على كلّ أوراسيا العظمى وأسيا الوسطى، حيث الصراع في سوريا وعلى سوريا على الجغرافيا قبل السياسة، هو صراع على الشرق وما بعد الشرق كلّه وقلبه سوريا بنسقها السياسي وموردها البشري، والفدرالية الروسية وبكين بجانب طهران وجلّ دول البريكس تدرك ذلك جيداً.
لاشك أنّ القوام الجيو– سياسي السوري، يمارس ويتفاعل بقوّة على مجمل مكونات الخارطة الجيو – سياسية الشرق الأوسطية، وكما تشير معطيات التاريخ والجغرافيا، إلى أنّ تأثير العامل السوري، كعامل إقليمي حيوي في هذه المنطقة، تتطابق آليات عمله وتأثيره، مع مفهوم العامل الجغرافي الحتمي، والذي تحدث عنه جميع خبراء علم الجيويولتيك، وعلم الجغرافيا الإستراتيجية، وعلم الجغرافيا الإقليمية، وحتّى علم الجغرافيا المناخية، حيث تؤكد معطيات العلم الأخير، بأنّ الطبيعة المناخية لدول الجوار الإقليمي السوري، لن تستطيع مطلقاً الإفلات من تأثيرات العامل المناخي الدمشقي، فهل استعدت عمّان ولبنان والعراق وتركيا لذلك جيداً؟.
الأمريكي وبتوجيه من البريطاني، حيث الأخير يدير الأول، حاولا ويحاولان انتزاع قيمة سورية الجيوبوليتكية، عبر محاولات انشاء منطقة عازلة في الشمال السوري عزل سورية عن تركيا وأوروبا(نشر التركي لمنظومات دفاع جوي في دار عزّة على الحدود مع سورية بحجة الكرد في عفرين؟ أم أنّه محاولة عاشرة لأنشاء منطقة عازلة هناك؟)، ويستوليان على الشمال الشرقي لسورية والجنوب الشرقي وجلّ الشرق السوري الى الجنوب، فتحيلان سورية الى جزيرة معزولة عن أوروبا وأسيا جيوبوليتيكيّاً(وفشلا فشلاً ذريعاً، ونتائج لغة الميدان السوري طاغية، والجيش السوري في جلّ الجغرافيا السورية، والمعركة الأهم وفي الظل بدأت في استعادة ادلب وشطب جبهة النصرة هناك)، مع سعي آخر موازي لأقامة كيادن كردي تروتسكي صهيوني خوزمتشي(ادارة ذاتية لأضعاف المركز في دمشق)، بكونفدرالية مع ما استولتا عليه أو تسعيان للأستيلاء عليه في الشرق والشمال الشرقي والجنوب والجنوب الشرقي مع الأردن والكيان الصهيوني(اسرائيل)ثكنة المرتزقة، بعبارة أخرى تعزل سورية عن فلسطين المحتلة وقضيتها وصراعها الأستراتيجي، فتنتهي قيمة الجغرافيا الأستثنائية التي تتمتع بها سورية، فالمعركة والصراع هو على هذه الحغرافيا قبل أن تكون ويكون على السياسة في سورية ونسقها، لقد فشلوا جميعاً، والجيش السوري يقاتل الآن على سفوح جبل الشيخ واستعادة بيت جن خازوق بعقد في ايست الأسرائيلي الصهيوني المحتل.
وسورية هي المنفذ الوحيد المتصل بين كل البر الأسيوي والبحر المتوسط، وحاول جلّ السفلة في الحدث السوري من الطرف الثالث من أصلاء ووكلاء عبر حرب البروكسي، الأستيلاء على شرقها من التنف وحتى السويداء(ما زالوا يحاولون وسيفشلوا)، ليصار الى قضم هذه الميزة الجيوبوليتيكية وتحويلها الى شبه جزيرة بمنفذ وحيد على البحر المتوسط، كما حاولوا الأستيلاء على وبعض من القنيطرة لكي تكون سورية عزلت بشكل كلي عن القضية الفلسطينية، لأخراجها من الصراع مع “اسرائيل” ليصار الى تصفية القضية الفلسطينية وعلى حساب الجغرافيا والديمغرافيا الأردنية ليس عبر مفهوم الوطن البديل بل النظام السياسي البديل بديمغرافيات جديدة حالية ولاحقة.
نعم لسورية قيمة فالقيّة جغرافية استراتيجية فريدة من نوعها، بجانب أنّها نقطة تقاطع بين أسيا وأوروبا وأفريقيا، انتزعت فلسطين عبر بلفور فعزلت الشام عن أفريقيا، واليوم يراد عزلها عن أوروبا شمالاً وأسيا شرقاً وشمال غرب أسيا أيضاً بشكل خاص، حيث مفاتيح الأخيرة دمشق ومن يملك المفتاح السوري يملك جلّ أسيا.
ثمة محاولات لترسيم معالم المرحلة المقبلة في جلّ المنطقة فهل ترضى موسكو بذلك؟ وهل ترغب في اجهاضه؟ اذا سورية دخلت مرحلة جديدة بعد فشل كلّ الرهانات السابقة وعناوينها السياسية مفتوحة في كل الأتجاهات والمسارات، والحلفاء صامدون الى جانب دمشق، ولكن الأسرائيلي ومعه مستحثّات الرجعية العربية الحديثة والمستحدثة بسبب المال الخليجي قادرون على تسويق هذا المشروع دوليّا وهنا الخطورة في الشرق السوري والجنوب السوري.
فاذا نجح اليانكي الأمريكي وجوقته والكومبارس المرافق له، بالسيطرة على سورية كان ذلك ضربة قاسمة لمحور المقاومة من ناحية، وروسيّا من ناحية أخرى، وهذا من جانبه يفسّر أحد أسباب التدخل الروسي والأيراني وحزب الله في الأزمة السورية.
لذلك من زاوية الغرب ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية، ينظرون الى الجمهورية التركيّة بأنّها يجب أن تبقى تحت رعاية غطاء دولي يمنع وفاتها من ناحية، بسبب تساوقها مع رؤى البلدربيرغ الأمريكي في الداخل السوري والمنطقة وها هو الأرهاب يرتد عليها وسيرتد عليها بعد استعادة الجيش السوري لأدلب، ويمنع شفائها من لوثة الأرهاب وعقابيلها وتداعياتها من ناحية أخرى.
في حين أنّ الجمهورية المصرية العربية، تحاول جاهدةً حياكة غطاء دولي واسع(بالرغم من ترددها من سورية لصيانة الأمن القومي العربي، حيث نريد موقفا مصرياً أكثر وضوحاً وفعلاً، وان كانت القاهرة ساندت بشكل واضح الفعل العسكري الروسي في الدواخل السورية)وما زالت القاهرة أسيرة ورهينة لمعادلات دولية وداخلية، حيث العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي تمسك بمفاصل دورة حياتها السياسية والأقتصادية والأجتماعية والعسكرية، عبر مظلة دولية سمحت بانتاج آلية تعطيل لقواها الذاتية عبر اتفاقيات كامب ديفيد1979 م، لكي يكتمل حول معصمها القيد.
وصحيح أنّ الرياض قوّة اقليمية ومنذ تأسيس المملكة العربية السعودية وبفعل غطاء دولي أرسيت قواعده في أربعينيات القرن الماضي لا بقواها الذاتية، كشف ذلك بكل وضوح الفخ اليمني لكي يستنزف السعودية ماليّاً وما أبعد من ذلك.
وسورية ورغم الجراح والنزف المتعدد، بنسقها السياسي وجيشها العربي العقائدي ومقاومتها الشعبوية، وصمود شعبها ومجتمعها وتماسك القطاع العام وعدم انهياره، رغم الحرب الكونية والصراع على سورية وفي سورية وثبات وصمود الرئيس الأسد، هي من تمنع الأصوليات الأرهابية الثلاث: الصهيونية العالمية، الوهابية وهي اس وجذر الأولى، العثمانية الجديدة، من تفجير المنطقة بالكامل.
والأنكى من كل ذلك هو أنّ: ثكنة المرتزقة(اسرائيل)لم تحصل على أي ضمانات روسيّة واضحة بعدم السماح بنقل أسلحة متطورة من سورية وايران الى حزب الله، لا بل أنّ الرئيس بوتين لم يجمّد اتفاقية صواريخ اس 300 لأيران ووصلت طهران، كما أنّ بوتين لم يوعد الصهيوني نفتالي بينت بشيء بخصوص سحب حزب الله من القنيطرة ونزع الأسلحة من هذه المنطقة، وكل ما قاله ويقوله بوتين لنفتالي بينت، أنّ سورية ليست بصدد فتح جبهة جديدة في الجولان السوري المحتل حتّى اللحظة وضمن الظروف الحالية.
وعليه لا اتفاق روسي اسرائيلي سوى لجينة(تصغير لجنة)عسكرية مشتركة، لأعلام اسرائيل فقط بلحظة بدء قصف ما تبقى من أدوات الأرهاب الأسرائيلي في الجنوب السوري، لكي تحتاط تل أبيب من عودة ما أدخلته ورعته وعالجته من ارهابيين في الداخل السوري اليها.
الأمريكي شئنا أم أبينا حقق نجاحات في الملف الأيراني الى حد ما، وفي الملف الكور الشمالي بشكل بسيط وعبر الدبلوماسية، وتخلّى عن حلفائه الخليجيين، بل وورطهم بفخ اليمن ليستنزفهم مالياً.
العراق عاد أولوية أمن قومي أمريكي لغايات العبث بالجغرافيا والديمغرافيا الأيرانية، والأمريكي يرى في هذا الفعل العسكري الروسي في سورية وأوكرانيا، والذي هو أبعد من سورية وما يجري فيها وأبعد من كييف وما يجري فيها، حيث تأمين النفوذ الروسي في المتوسط والعمل الروسي العسكري في فضاءات المجال الحيوي الأمريكي المباشر، باقامة قواعد عسكرية على الحدود مع تركيا، وكذلك موسكو تريد تعزيز التحالف مع ايران في سورية، كون الأخيرة منفذ بحري لطريق الحرير الحيوي لكل من الصين وروسيّا وايران للوصول الى المتوسط، وهذا الطريق يحتاج الى أفغانستان ليصل الى ايران، ويحتاج للعراق ليصل الى سورية، فقامت واشنطن باحتلال أفغانستان، ومؤخراً أعادت تموضعها فيها وفي شبه القارة الهندية، وأسقطت عمران خان وجاءت بالفاسد شهباز شريف رئيساً للوزراء، شقيق الفاسد الأكبر نواز شريف، واحتلال العراق ولن تنسحب منه وتعود من جديد اليه عبر الثعبان داعش بمسميات جديدة، لقطع طريق الحرير بين الصين وروسيّا وايران في أفغانستان، وبين ايران وسورية في العراق، والمشروع الأمريكي فشل حتّى اللحظة في كلا البلدين، فمعركة الأرهاب الامريكي في سورية وفي العراق واحدة، وهي معركة الجغرافيا، ترسم معالم المنطقة ومنحنياتها، وهي أيضاً معركة الكانتونات الكرديّة.
*عنوان قناتي على اليوتيوب حيث البث أسبوعياً عبرها:
https://www.youtube.com/channel/UCq_0WD18Y5SH-HZywLfAy-A
منزل – عمّان : 5674111 خلوي: 0795615721
سما الروسان في 24 – 4 – 2022 م. 22 رمضان
التعليقات مغلقة.