“جون ريد” من الساحة الحمراء: “بضعة أيام فلسطينية هزت العالمين!” / ديانا فاخوري

1٬006
 
 ديانا فاخوري ( الاردن ) – الثلاثاء 25/5/2021 م …

مع الهبة الفلسطينية الشعبية، يهب من الساحة الحمراء – من قلب موسكو، الاشتراكي الأميركي “جون ريد” صاحب كتاب “عشرة أيام هزّت العالم” ليصدر الطبعة المنقحة/الجديدة من كتابه هذا بعنوان “بضعة أيام فلسطينية هزت العالمين!”

يتذكر جون ريد، وهو من مؤسسي حزب العمال الشيوعي في الولايات المتحدة (الحزب الشيوعي الأمريكي، فيما بعد)، احداث الفترة الحرجة ما بين 16 و26 تشرين الأول/أكتوبر 1917 – احداث الثورة التي جاءت بالنظام الاشتراكي لأول مرة في التاريخ كما وثّقها في الطبعة الاولى من كتابه ليعرض، في الطبعة المنقحة/الجديدة، لبعض احداث الانتفاضة الشعبية الاخيرة او الملحمة الفلسطينية كما يحلو له ان يسميها.

يعرض، في كتابه الجديد، كيف فاجأت الملحمة الفلسطينية الشعبية اصحاب وازلام المحور “الصهيواعروبيكي” بوحدة الشعب الفلسطيني اولاً؛ ففلسطين، كلّ فلسطين، من البحر إلى النهر، ومعها الشتات، قريبه والبعيد، قد توحّدت خلف المقاومة .. وبوأد “اتفاقيات ابراهيم” و”صفقة القرن” ثانيا ليبدأ هؤلاء رحلة البحث عن “تطبيع” بديل مع سوريا وإيران .. وتنامي أزمة أميركية داخلية ثالثاً بعد ان تيقّن بايدن ان نتنياهو كاد ان يذهب بكيان الاحتلال الى الانتحار بحرب برية تستدعي إقامة جسر جوي أميركي لإنقاذ الكيان في الوقت الذي يسحب فيه بايدن القوات الأميركية من افغانستان رغم الاشتباكات العنيفة بين طالبان وحكومة افغانستان “الاميركية”! هذا وتاكد لبايدن أن الأمور تتغير حتى داخل الكونغرس عداك عن المظاهرات الحاشدة التي خرجت تأييداً للفلسطينيين، وتنديداً باسرائيل .. تأملوا تصريح  بايدن بإن “لا سلام في المنطقة” دون الاعتراف بحق الوجود للكيان المحتل من خلال “حل الدولتين”!  أفلا ينسف بايدن بلتصريحه هذا اتفاقيات كامب دافيد، واتفاقية أوسلو، واتفاقية وادي عربة، والاتفاقات الابراهيمية التي سبق ان اعترفت للكيان الغاصب بحق الوجود!؟ الا تعني مطالبة بايدن هذه اعلاناً بعدم صلاحية او كفاية تلك الاتفاقيات مُظَهٍراً المأزق الوجودي للكيان المحتل كما بيّنتُ في مقالاتي السابقة!؟

كما فاجأتهم المقاومة الفلسطينية ببعدها القومي، وبالشمولية والتنسيق والإقدام وتنوّع أساليب النضال، وبعواصف الصواريخ الامر الذى أوقع الشلل في معظم مرافق الكيان الصهيوني الحيوية الى جانب ما واجهته القبة الحديدية من فشل، لا يتعلق فقط بقدرتها على ملاحقة الصواريخ، بل في تفوق قدرة البناء الصاروخي للمقاومة. 

وما “سيف القدس” الذي رفعه الغزيون دفاعاً عن المقدسات والأرض التي بارك الله حولها الا ثمرة احتقان ورفض متعاظميْن بالمخاطر والاستفزازات والانتهاكات والجرائم والتطبيع والخيانة .. هي. تعبير عن تراكم قوة استراتيجية تاريخية جغرافية لشعب فلسطين الذي ما برح يخزّن غضبه وآلامه ومعاناته منذ نيف و100 عام لينفجر أعاصير وزوابع عاصفة  من الصواريخ – لا “معسكرات من الصراخ” كما خشي محمد حسنين هيكل – تدعم انتفاضات مُقٓدّسة وطنية ومقدسية .. لنُري الصهاينة، اصلاء وبدلاء، من آيات الله ورجاله في الميدان .. انه التقاء غزة بدمشق برمزية باب العمود (باب دمشق) كما أسلفتُ في مقالاتٍ سابقةٍ .. 

نعم، بدأ الشعب الفلسطيني بمراكمة معاناته ونضالاته منذ نيف و100عام. وهنا لا بد من استدعاء المؤتمر الرابع للحركة القومية العربية الفلسطينية في مدينة القدس، في 25 آب 1921، حيث تقرّر إرسال وفد إلى بريطانيا (الدولة المنتدبة) للبحث في تشكيل “حكومة وطنية” في فلسطين لمواجهة “وعد بلفور” وحملة الهجرة ونشاط العصابات التي كانت تنظمها الحركة الصهيونية .. رفض “ونستون تشرشل”، وزير المستعمرات في حينها، تشكيل حكومة وطنية “لأنها تعرقل صك الانتداب وإقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين”. ومن المعروف ان تشرشل كان قد شبّه اليهود بالسرطان وقال: “نجحنا في التخلص من السرطان اليهودي وألقينا به في حلوق العرب”!

وعليه قام الشعب الفلسطيني بمختلف أشكال الكفاح والنضال من اضرابات وانتفاضات، كان أبرزها عام 1925 ضدّ زيارة الوزير البريطاني بلفور صاحب الوعد المَقيت. كما سجّل العام 1929 تمرُّد العمّال الفلسطينيين. أمّا إضراب عام 1936 فحصل في نطاق حركة نضالية واسعة ضد الخطر الصهيوني المتنامي باستقدام مئات آلاف المهاجرين والاستيلاء على مزيد من الأراضي من خلال الشراء والضغوط والإغراءات برعاية بريطانية نشطة، متجددة ومكثّفة. 

وهنا يرى “جون ريد”، في الطبعة المنقحة، ان هذا هو اليوم الذي صنعه الله ورجاله في الميدان فيتذكر بكل غبطة وسرور أيام التحرير في لبنان في أيار من العام 2000، ويبتهج اذ يتذكر تحرّر غزة العام 2005، ويفخر بصمود المقاومة في لبنان العام 2006، وبصمود مقاومة فلسطين في الأعوام 2008 و2012 و2014، وصولاً إلى “سيف القدس” بدينامية “الخط الكاسر للتوازن” .. وبالعودة للعام  2006، فقد فوجئ العدو والصديق ببطولات المقاومة في لبنان وبقدرتها على اجتراح المعجزات، وكيف تحولت لقوة إقليمية رادعة ولعل هذا ما تتحول اليه المقاومة الفلسطينية مما يشكل الصدمة العظمى للعدو وأربابه وأزلامه. 

واذكروا إنّه في غُضون أسبوعين قبيل هبة القدس أو أقل، شبّ حريقٌ في مطار تل أبيب، تبعه حريق اخر في مصفاة حيفا الرئيسيّة .. ثم تسرّب غاز أمونيا من مُستودعات في حيفا. جاء بعدها انفِجار ضخم في مصنع لمُحرّكات الصّواريخ في مدينة الرّملة، وانهِيار جسر أدّى إلى مقتل 45 مُتَشدِّدًا دينيًّا وإصابة 150 آخَرين، كانوا يَحتَفِلون بمُناسبةٍ دينية في جبل الجرمق في الشّمال .. ولا تنسوا كيف تم إغلاق جميع الشّواطئ من النّاقورة شِمالًا حتّى قِطاع غزّة جنوبًا نتيجة تسرّب لمادّة القطران النفطيّة اللّزجة السّامة .. يُراكم “جون ريد” للمقاومة تفاصيل نجاحاتها الكمية، ومنها الصواريخ التي تحدّت وكسّرت “المحرّمات الأوسلوية” والتطبيعية تمهيدا للتغييرات الكيفية فارضةً تصويب وتصحيح مفهوم ومعنى العروبة ودلالاتها باعتبارها صراعاً مع العدو الإسرائيلي ورعاته وأتباعه، وأفشلت محاولات الرجعية العربية وسعيها الحثيث المدجّج بالمال والعصبيات الظلامية إلى تشويه هذا المعنى بحرفه نحو إيران .. نعم، سقط “أوسلو” النهج، وسقط “اوسلو” المسار لتتم الإطاحة بمفاعيل وعد بلفور والنكبة والنكسة .. اليوم تعود فلسطين عربيةً إلى أهلها، ويعود أهلها إلى مقاومتهم فيمتلكون الغد ويكتبون صفحاته تأسيساً على تحرير لبنان وانتصار عام 2006.

ويكرر “جون ريد”: من آيات الله ورجاله في الميدان – من دمشق الى القدس فغزة – ان يستعيد الصهاينة وأذنابهم مكمن مأزقهم الوجودي وموعد مٓهْلِكِهِم فيهرعوا بكل هلع وارتياع للنص التوراتي من سفر إشعياء النبي: “ولولي ايتها الأبواب، اصرخي أيتها المدينة”!

فلسطين هي خط التماس بين الأرض والسماء .. ووجود اسرائيل يرتكز الى وعلى سرقة ومصادرة الأرضِ الفلسطينية وطرد الشعب الفلسطيني وهذه هي النكبة .. وجود اسرائيل هو المرادف الطبيعي للنكبة العربية الفلسطينية .. وعليه فان ازالة النكبة ومحو اثارها يعني بالضرورة ازالة اسرائيل ومحوها من الوجود – لا تعايش، نقطة على السطر .. فليعودوا من حيث أتوا او الى جمهوريتهم الاولى التي تأسست عام 1928بدعم وتشجيع من يهود امريكا، “جمهورية بايرويدجان” ذات الحكم الذاتي في روسيا الاتحادية. وتبلغ مساحة هذه الجمهورية 41,277 كم مساوية لمساحة سويسرا مثلاً، وبكثافة سكانية ضئيلة (14 نسمة/ميل مربع مقابل 945 نسمة/ميل مربع في الكيان الصهيوني). جمهورية قادرة على استيعاب يهود العالم وإنهاء اغتصاب فلسطين!

نعم، القدس اقرب .. وفلسطين اقرب .. “فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ( 5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)” – سورة المعارج .. نعم، بذاكرة الحق النووية، وقنبلة اصحاب الارض الديموغرافية، ورجال الله في الميدان تخلق المقاومة اختلالاً مستداماً في التوازن الاستراتيجي لمصلحة فلسطين وأهلها، يُسَجِّل “جون ريد”! فصححوا البوصلة لتصححوا التاريخ، “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ”،  وباسم الله وجهوا “الكف ضد المخرز”، وكل “البنادق” الى تل ابيب .. وباسم الله اقرأوا: “نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ”!

الدائم هو الله، ودائمة هي فلسطين .. وها هي بضعة أيام فلسطينية تهز العالمين!

نصركم دائم .. الا إنكم أنتم المفلحون الغالبون ..

ديانا فاخوري

كاتبة عربية أردنية

التعليقات مغلقة.