دراسة هامّة للباحث موسى عبّاس:  رحلة في تاريخ صكوك العار والخيانة

427

  موسى عبّاس ( لبنان ) – الخميس 24/9/2020 م …

“الخيانة وبيع الأوطان ما كانا يوماً حكراً على طبقة معيّنة وإنّما باتا تاجاً على رؤوس بعض الحكّام”.

لا أعتقد أنّ القضيّة الفلسطينية ومنذ نكبة 1948 مرّت بأسوء  مما تمرّ به في هذه المرحلة من تاريخها .

في البدايات وبعد نكبة الإحتلال والتهجير ، لقيَ الشعب الفلسطيني تعاطفاً من غالبية الشعوب وحتى من حكومات عديدة في العالم .

حينها كانت جميع أنظمة الحكم في الدول العربية التي كانت أعطيت استقلالها الإداري ودون استثناء صنيعة الإستعمار البريطاني أو الفرنسي ، حتى البلاد التي نالت الإستقلال بعد ثورة على المستعمِر  كانت أنظمتها واهية واهنة تتجاذبها أجهزة الإستخبارات الفرنسية والإنكليزية، وعلى هذا الأساس تفاوتت المواقف والأفعال من الكارثة التي حلّت بالشعب الفلسطيني على يد الإنكليز الذين تواطؤوا مع العصابات الصهيونية الذين ارتكبوا المجازر  ضدّ العُزّل من المواطنين وأرغموا  غالبية من بقيَ حيّاً على  الهجرة إلى خارج فلسطين .

    -علاقات آل سعود والصهاينة:

أمّا محميّة آل سعود في بلاد الحجاز فقد كان عبدالعزيز مؤسسها الأوّل قد تنازل عن فلسطين مُسبقا وقبل الإحتلال مقابل حماية الإنكليز لكرسيّ حكمه.

كتب عبدالعزيز آل سعود فى مؤتمر (العقير) عام 1922  تعهداً خطّيّاً لبرسى كوكس المندوب السامي البريطاني على فلسطين هذا نصه :

انا السلطان عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل الفيصل آل سعود .. اقرّ  واعترف الف مرة لسير برسى كوكس مندوب بريطانيا العظمى , لامانع عندى من اعطاء فلسطين للمساكين اليهود او غيرهم كما تراه بريطانيا التي لا اخرج عن رأيها حتى تُصبح الساعة.

وفي الفصل السادس من كتاب”المملكة العربية السعودية والصراع في فلسطين” الذي هو عبارة عن اطروحة دكتوراه في جامعة تل أبيب ل”ميخائيل كاهانوف” الضابط السابق في الإستخبارات العسكرية في الخمسينات من القرن الماضي يذكر تفاصيل تاريخية عن مرحلة ما قبل النكبة لم تُنشَر من قبل، في أغلبها تدور حول تسامح ابن سعود مع فكرة قيام دولة في فلسطين يكون لليهود فيها دور كبير بمعية بريطانيا حسبَ تعبيره ،يستعين كاهانوف في كتابه بمصادر متنوعة من الأرشيف البريطاني ومذكرات قادة الوكالة اليهودية الذين أصبحوا لاحقاً عام 1948 القادة الأوائل للكيان الصهيوني (حاييم وايزمان رئيساً للكيان، بن غوريون رئيساً للوزراء، موشي شيرتوك وزيراً للخارجية).

    –  مبادرة التطبيع السعوديّة عام 2002:

في آذار من العام 2002 وفي مؤتمر القمّة العربي الذي انعقد في بيروت تقدّم السعوديون بما سُميَ حينها “خطّة السلام العربية” والذي كان قد رسم معالمها وأعدّها الكاتب الأمريكي “توماس فريدمان” والتي كانت تتعمّد عدم ذكر حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم لولا إصرار الرئيس اللبناني “إميل لحّود” على إضافةً بند يتضمّن ذلك، وكانت بداية الإعلان الرسمي من بعض الحكّام العرب ومن جانب واحد عن رغبتهم في التطبيع مع الصهاينة، ولكن “شارون” صفعهم بقوله عن الخطّة : “لا تساوي الحِبرْ الذي كُتِبَت فيه”.

– في أواسط العام 2017 عُقِد في العاصمة النمساويّة” ڤيينا” اجتماع ضمّ ضباط كبار من الاستخبارات السعودية مع ممثلين عن شركة NSO الصهيونية العاملة في مجال برمجيّات التجسّس والتي تتبع للوحدة التجسسية الصهيونية المشهورة 8200 تمّ بعد الإجتماع شراء برنامج تجسسي ب55 مليون دولاراً بتوجيه من وليّ العهد السعودي .

-في 8 كانون الثاني من العام 2018 نقلت “القناة 13” الإسرائيلية عن صحيفة “باسلر زايتونغ” السويسرية تقريراً كشفت فيه الأخيرة ما وصفته بـ”التحالف السرّي ” بين “إسرائيل” والسعودية، في مجال “تطوير القدرات الدفاعية السعودية”، ضمن مساعٍ سعودية لشراء أنظمة أسلحة من “إسرائيل”. ويظهر التقرير، بناء على مصدر من العاصمة السعودية، أنه “على الرغم من عدم وجود علاقة رسمية بين السعودية وإسرائيل، هناك تعاون عسكري مكثّف بين الطرفين”.

-في 28 حزيران 2020 نشر موقع «تايمزأوف إسرائيل» مقالاً ل”دوغلاس بلومفيلد”، المستشار القانوني الأسبق لمنظمة AIPAC الصهيونية، حمل عنوان «الصفقات العسكرية الإسرائيلية السعودية السرية». يربط بلومفيلد بين صفقات السلاح التي أعلنها ترامب خلال زيارته  للسعودية واستفادة تل أبيب المرجّحة من عملية تصنيع السلاح السعودي.

-وكانت العلاقات السرّية والعلنية تعقد في الولايات المتحدة يديرها  الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز والمسؤولين الصهاينة من الموساد أو من السياسيين

والأمير بندر يُصنّف من أعتى المجرمين وهو متّهم :

بتآمره مع الموساد والمخابرات الامريكية ومخابرات عربية فى اغتيال الرئيس رفيق الحريرى.

تمويله الموساد والمخابرات الامريكية وجهاز مخابرات عربي لعمليّة اغتيال عماد مغنية فى سوريا عن طريق عناصر عربية وتخطيط ودعم من الموساد والمخابرات الامريكية وتوصل السلطات السورية لأدلّة واعترافات تدينه.

– زياراته السرية فى صيف 2008 الى الكيان الصهيوني وطلبه من رئيس الوزراء “أولمرت” شن حرب ثانية على لبنان والقضاء على حزب الله  نهائيا واستعداده تحمل كل التكاليف ولكن اولمرت رفض المغامرة مرة اخرى بعد حرب 2006.

وفي الحلقة الثالثة من برنامج “أسرار الخليج” الذي تبثه القناة الـ13 الإسرائيلية، قالت إن العلاقة السعودية بإسرائيل شهدت “نقلة نوعية”، وكشفت أن رئيس الموساد الأسبق تامير باردو، في العام 2014، “سأل الأمير بندر بن سلطان رئيس الموساد: هل إسرائيل اليوم هي تلك التي شنت حرب حزيران 1967، أم التي حاربت في لبنان في العام 2006 واللائحة تطول.

    -تآمر فاروق ملك مصر وحكومته:

خلال حرب 1948 أرسلت حكومة الملك فاروق إلى الجيش المصري الذي كان يقاتل في فلسطين أسلحة فاسدة  ليُهزَم  بعد أن كان حقّق انجازاً مهماً في مواجهة العصابات الصهيونية .

    -أنور السادات وكامب ديڤيد:

-بعد مرور أربع سنوات على حرب تشرين الأوّل 1973 بين مصر وسورية من جهّة والكيان الصهيوني من جهّة ثانية أقدم الرئيس المصري أنور السادات على زيارة الكيان الصهوني في 19 تشرين الثاني العام 1977 معلناً اعترافه به وفي 17 أيلول 1978 عُقدت إتّفاقية “كامب ديڤيد”التي كانت ى الطعنة الأولى في قلب القضيّة الفلسطينة .

-الإتصالات الصهيونية بزعماء سياسيين ورجال دين موارنة لبنانيّون:

في تقديمه لكتاب “المتاهة اللبنانية” لمؤلفه الصهيوني “رؤوفين أرليخ ”

يقول” أوري لوبراني” الذي كان منسّق أنشطة الإحتلال الصهيوني في لبنان بعد إجتياح 1982 : “منذ تحوّله لكيان سياسي يجلس لبنان على موائد الغير”.

بدأت تلك الإتصالات منذ العام 1920 وحتى العام 1993 شارك فيها العديد من الزعماء السياسيين ورجال الدين على أساس تحويل لبنان إلى رافعة لتغييرات جوهرية في الشرق الأوسط بأكمله ،ومن ابرز الشخصيّات الذين كانت لهم علاقات واتصالات مع الصهاينة:

رجال دين موارنة:البطاركة أنطوان عريصة والبطريرك اغناطيوس مبارك

الرئيس إميل إدّه والرئيس كميل شمعون وابنه داني شمعون وبيارالجميّل وبشير الجميّل، وسليم مكرزل والياس ربابي ، وغيرهم الكثيرين من الشخصيات والزعامات السياسية المارونيّة.

    -الإتصالات الفلسطينية-الصهيونية:

وبعد اجتياح الصهاينة للبنان عام 1982 وخروج القوات الفلسطينية بدأت المفاوضات السرّية بين القيادة الفلسطينية والكيان الصهيوني والتي انتهت بإعلان عن “إتفاقيّة أوسلو”1993 ، تلك الإتفاقية التي لم ينفّذ  منها الجانب الصهيوني أيّاً من تعهداته باستثناء السماح للقيادة الفلسطينية بالدخول إلى مدينة “رام الله” وإقامة سلطة لا تتجاوز حدودها الفعلية مقرَ  إقامة القيادة الفلسطينية فيما يُعرَف ب”المُقاطعة”.

    -تاريخ الإتصالات الإماراتية-الصهيونية:

يقول الكاتب الصهيوني “رفائيل أهارون” في تحقيق نشره موقع “زمن اسرائيل”وترجمته “عربي21″، أن “العلاقات السرية بين إسرائيل والإمارات مستمرة منذ سنوات، لكن في الأشهر الأخيرة كانت أبو ظبي أكثر انفتاحا بشأن العلاقة مع تل أبيب”.

في تشرين الثاني 2015 أعلن الكيان الصهيوني عن افتتاح مكتب دبلوماسي له في الإمارات.

-في 19 كانون الثاني من العام 2010 وبتواطؤ بين  ضاحي خلفان قائد شرطة دُبي ومحمّد دحلان المنشق عن حركة فتح مستشار وليّ عهد الإمارات مع الموساد  والمخابرات الأمريكية  تمّ اغتيال “محمّد المبحوح ” القيادي في حركة حماس في أحد الفنادق الإماراتية .

وقد أكّد رئيس الوزراء الصهيوني السابق “إيهود باراك”أنّه اجتمع مع وليّ عهد الإمارات عدّة مرّات في السنوات التي سبقت إعلان التطبيع الرسمي في 13  آب 2020.

    -العلاقات البحرينية الصهيونية:

-في أواخر أيلول من العام 1994 زار وفد صهيوني برئاسة  وزير الحماية البيئية الصهيوني “يوسي ساريد” البحرين لحضور مؤتمر حول البيئة والتقى وزير ي الخارجية والصحّة البحرانيّان ، وأعلن بعد عودته  أمام الكنيست أنّه:

“كان الهدف من زيارتي للبحرين أولا وقبل كل شيء لفتح خط اتصال مباشر بين إسرائيل والبحرين، حتى نتمكن من تحقيق التفاهم المتبادل والعمل معا وإقامة علاقات بين بلدينا في نهاية المطاف”، مضيفاً “خلال زيارتي التقيت مع وزير الخارجية البحريني ومع وزير الصحة وهو المسؤول عن المسائل البيئية في بلاده كان الهدف من زيارتي للبحرين أولا وقبل كل شيء لفتح خط اتصال مباشر بين إسرائيل والبحرين، حتى نتمكن من تحقيق التفاهم المتبادل والعمل معا وإقامة علاقات بين بلدينا في نهاية المطاف”، مضيفاً “خلال زيارتي التقيت مع وزير الخارجية البحريني ومع وزير الصحة وهو المسؤول عن المسائل البيئية في بلاده”وأنّ وزير الخارجية البحريني طلب مني نقل رسالة سلام إلى الشعب الإسرائيلي”.

-في 29 كانون الثاني 2000عقد ولي عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة اجتماعاً في دافوس مع شمعون بيريز، وزير التعاون الإقليمي الصهيوني حينها.

-في 16 كانون الثاني 2009 قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الصهيوني إن الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني التقيا بشكل سري في نيويورك ملك البحرين حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة.

-في 8 نيسان 2011 كشفت برقيات لموقع “ويكيليكس” نشرتها صحيفة “هآرتس ” الصهيونية تفاصيل جديدة عن العلاقات الخفية بين المسؤولين البحرينيين والصهاينة، وأشارت إلى لقاء جمع ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة مع سفير الولايات المتحدة في فبراير 2005 تفاخر فيه الملك بوجود اتصال مع وكالة الاستخبارات الصهيونية الموساد.

-في 4شباط 2014 تحدّث تقرير صادر عن الجيش الإسرائيلي إن البحرين زودت الموساد  بمعلومات استخباراتية عن إيران ومنظمات فلسطينية. ونشر الموقع الرسمي لجنود الجيش الصهيوني “بيسم” تقريرًا مطولا يفيد وجود تعاون استخباراتي وثيق بين جهاز الموساد  والسلطات البحرينية والمخابرات السعودية والمغرب والجزائر وعددًا من الدول الإسلامية. وتحدّث عن أن “البحرين تقدم معلومات استخباراتية عن إيران، بالإضافة إلى تقديمها معلومات عن المنظمات الفلسطينية”.

في أيلول 2017، أدان ملك البحرين، حمد -بن عيسى آل خليفة، المقاطعة العربية لإسرائيل، وأعلن نيته التطبيع مع إسرائيل علنًا وقال لمدير مركز شمعون فيزيتال بلوس أنجلس، إنه سيسمح لرعاياه زيارة إسرائيل رسميًا

    -في 4 آذار 2016  تحدّثت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية:

إن الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة التقى الحاخام مارك شنير   الذي أعلن أنّه التقى مع الملك في مناسبتين وأنّالملك قال له:”إنّه كان يدعو إلى توسيع مواجهة حزب الله على أوسع نطاق ممكن في العالم العربي”.

توِّجت تلك الإتصالات بإعلان البحرين التطبيع الرسمي في 11 أيلول 2020   وتمّ التوقيع بحضور الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب ” في البيت الأبيض وبحضور  رئيس الوزراء الصهيوني نتن ياهو في 15 أيلول 2020.

ويُسجّل للشعب العربي في البحرين موقفه الرافض والذي عبّر عنه من خلال المواقف والمظاهرات بالرغم من قمع السلطات الحاكمة.

  ختاماً

من المؤكّد أنّ  نتن ياهو  وترامب يُدركان تمام الإدراك أنّ ما جرى من عرس فولكلوري في البيت الأبيض ما هو  إلاّ مهرجان انتخابي لكليهما علّه يكسبهما أصواتاً تؤهلهما للفوز في انتخاباتهما القادمة، ويدركان تماماً أيضاً أن مليارات الدولارات النفطية ستشكّل رافعة جديدة لإقتصاد بلديهما .

أمّا حكّام الإمارات والبحرين ومعهما حكّام السعوديّة وأيّ من المحميّات التي ستلحق بركبهم فلن يحقّقوا  هدفهم الأساسي وهو المحافظة على عروشهم  بواسطة الأساطيل الأمريكية والصهيونية

لأنّ : “من لا يحميَه شعبه لن يحميه الغرباء”.

    والأهم من كل ذلك أن يُدرِك القادة الفلسطينيون أنّ:

“لا مجال بعد اليوم للإنقسام والتشرذُم وأنّ عليهم تمزيق الإتفاقيات المُذِلّة مع الصهاينة بجميع اشكالها السياسي والأمني وأنّ الحق الفلسطيني لن يعود إلا بالمقاومة وبجميع أشكالها وأنّ شعبهم الفلسطيني يأبى الضيم كما يأبى الإستسلام لأعراب أجلاف لا همّ لهم سوى عروشهم وشهواتهم، وهو مهما تكالبت عليه الصّعاب والمصائب سيصمُد ويناضل ويُضحّي أكثر  مما فعل طيلة العقود التي انصرمت منذ النكبة وأنّ أوان تحقيق التحرير بات قاب قوسين أو أدنى بإذن الله”.