الأمريكيون وحلفاؤهم ينفّذون سياسة “الإنهيار والتآكل البطيء” لتدمير لبنان / موسى عباس
موسى عباس ( لبنان ) – الأحد 30/8/2020 م …
تعريف إستراتيجيّة: الإنهيار-التآكل والموت البطيء .
التآكل البطيء يعني الخراب التدريجي للمدن وتحويل سكّانها إلى قطعان هائمة، وبالتالي شلّ قدرة البلد العدوّ على تلبية الإحتياجات الأساسية، وتحويل نقص تلك الإحتياجات إلى وجه آخر من وجوه الحرب، وهو عمل مدروس ومنظم بدقّة.
من هو صاحب تلك النظريّة وأين ولماذا تحدّث عنها ؟
صاحب تلك النظريّة البروفسور “ماكس مانوارينج” خبير الاستراتيجية العسكرية في معهد الدراسات التابع لكلية الحرب الأمريكية وضابط إستخبارات سابق .
مكان المحاضرة وتاريخها:
مكانها :الكيان الصهيوني
التاريخ 1/12/2018
المدعوّون للمحاضرة :
الضبّاط الكبار من حلف الناتو،
وضبّاط برتب عالية من جيش الإحتلال الصهيوني.
استهل البروفسور ماكس محاضرته بالقول بأن اسلوب الحروب التقليدية صار قديماً، والجديد هو الجيل الرابع من الحرب.
وقال حرفياً ( والنّص له ) :
“ليس الهدف تحطيم المؤسسة العسكرية لإحدى الأمم، أو تدمير قدرتها العسكرية، بل الهدف هو: ( الإنهاك ــــ التآكل البطيء )
لكن بثبات.
فهدفنا هو إرغام العدو على الرضوخ لإرادتنا”.
ويضيف حرفياً :
“الهدف زعزعة الاستقرار”.
وهذه الزعزعة ينفّذها مواطنون
من الدولة العدوّ لخلق الدولة الفاشلة،
وهنا نستطيع التحكّم.
وهذه العملية تنفذ بخطوات ببطء وهدوء وباستخدام مواطني دولة العدو، فسوف يستيقظ عدوّك ميتاً.
المحاضرة التي وُصِفت حينها بأنّها الأخطر في التاريخ الحديث تتحدّث عن:
“الإنهاك والتآكل البطيء” للدول من خلال حروب من نوع جديد عُرِفت تحت اسم: “الحروب الناعمة” ، تُستخدم فيها أساليب وأدوات تخريبية تدميرية محليّة دون اللجوء الى استعمال القوّة العسكريّة الخارجيّة تؤدي إلى تدمير مقوّمات الدولة وبُناها الإقتصادية والمالية بشكل أساسي لإثارة نقمة المواطنين .
لماذا “الانهاك والتآكل البطيء، بدل اسقاط الدول مرة واحدة؟
الجواب :
ان استراتيجية الإنهاك تعني نقل الحرب من جبهة الى أخرى، ومن أرض الى أخرى، واستنزاف كل قدرات الدولة العدو على مراحل متباعدة ، وجعل ” الدولة العدو” تقاتل على جبهات متعددة محاصرة بضباع محليين من كل الجهات، والتخطيط
لتسخين جبهة وتهدئة جبهة أخرى، اي استمرار ادارة الازمة وليس حلها.
ولكي لا يتم انهيار الدولة السريع، لأن الانهيار السريع يبقى على كثير من مقومات ومؤسسات الدولة والمجتمع، وبالتالي فإن أفضل الطرق هو التآكل البطيء، بهدوء وثبات عبر سنوات.
“من خلال محاربين “محليين شرسين وشريرين“.
البروفسور خبير ما يسمى الجيل الرابع من الحروب وضابط المخابرات السابق،يُخاطب مجموعة من أكبر الجنرالات في حلف الناتو وجنرالات الكيان الصهيوني وفي الكيان الغاصب ، يقول لهم بكل وقاحة وعنجهيّة :
” في مثل هذا النوع من الحروب قد تشاهدون اطفالاً او من كبار السن، فلا تنزعجوا.”
علينا المضي مباشرة نحو الهدف.
لأن الهدف الذي هو السيطرة وتقويض الدولة والمجتمع أهم من كل شيء، أي محو الدولة والمجتمع عبر عملية طويلة.
أمّا لماذا ؟
الجواب لأنّ ذلك البلد عدوٌ لنا ولم نستطع تدجينه واستنفدنا الوسائل التقليدية في التعامل معه بما في ذلك الحروب والقوّة العسكريّة لذا لا بُدّ من البحث عن أسلوب آخر وجديد أكثر فعاليّةً، وهو “التدمير من الداخل”.
-ما هي الأساليب والوسائل التنفيذية؟
الأساليب متعدّدة الوسائل وأهمّها:
-إيصال ودعم أشخاص موالين إلى سدّة المسؤولية في الحكم والإدارة وفي مواقع حسّاسة سياسية وأمنيّة وماليّة واقتصادية تتعدّد مهامهم كلٌّ حسب موقعه في أيٍّ من مفاصل الدولة، وكذلك مواجهة ومهاجمة أي فريق يخالف توجهاتنا .
– إنشاء ودعم مؤسسات إعلاميّة وإعلاميين وجمعيّات وناشطين مدنيين معادين للطرف الآخر (المقاومة في لبنان) مهمّتهم تضخيم وإختراع وتلفيق أكاذيب لتشويه صورة ذلك الطرف وإثارة الفتن من خلال تشويه وقائع أحداث قد تقع في أيّ زمان ومكان،
-فرض حصار اقتصادي ومالي وفي جميع المجالات ، وفرض العقوبات على المؤسسات والأشخاص .
– دسّ عملاء هنا وهناك مهمّتهم إفتعال أحداث والقيام بعمليّات أمنية تثير النعرات الطائفية والمذهبية والمناطقية .
– اللجوء الى التحريض على الثورة الشعبية ورفع شعارات متنوّعة تبدو في ظاهرها تنادي بالحرية والديمقراطية والإصلاح ومحاربة الفساد ولكن ما إن يجتمع عدد كبير من المواطنين(الثوّار) حتى تُطلق الإهانات والشتائم وتُرفع شعارات تحريض ضد أشخاص وفئات معيّنة تكون معادية فعليّاً للأمريكيين وللصهاينة، والهدف أن يحصل ردّة فعل من أنصار تلك الجهات وبالتالي إشعال نار الفتنة.
وهذا بالتحديد ما حدث ولا يزال في سوريّا والعراق واليمن وليبيا وفي لبنان.
النتيجة:
نجاح تلك المخططات يعني تفكّك وانهيار المؤسسات العامّة والخاصّة وإنتشار الفوضى وفلتان الأمن وفقدان الثقة بقدرة الدولة المركزيّة على الضّبط ، وهكذا تتشكّل دويلات العصابات والمافيات التي تفرض وجودها على أرض الواقع .
وهذا النجاح مرهون بعدم قدرة الفئة التي تواجه تلك المخططات الجهنّمية على توعية بيئتها الشعبية الحاضنة والتي هي بطبيعة الحال في غالبيّتها من الفقراء ومتوسّطي الدّخل، والتوعية يجب أن تترافق مع الإمساك بزمام الأمور ومنع الفلتان حتى لو كلّف ذلك المبادرة إلى الضرب بيد من حديد على يَد الفاسدين واللصوص والعابثين بالأمن في داخل تلك البيئة.
من المؤسف أن هذا المخطط الذي يعترفون به ويُجاهرون به بكل وقاحة ويُطلقون عليه تسمية “الفوضى الخلّاقة”، هو الذي نراه بأعيننا، ويطبق بأيدي قسم من المغرّر بهم ومن ضعاف النفوس، تحت شعارات صاخبة من حقوق الانسان والديمقراطية، والحرب على الارهاب ويعنون بالإرهاب جميع من يقاوم احتلالاتهم وليس الإرهاب الذي أوجدوهُ هم لتدمير الدول (داعش والنصرة والقاعدة).
فهل عرفنا الآن لماذا اسلوب استمرار ادارة الازمة في لبنان بدلاً من حلّها؟!
لأنّ تنوع اللبنانيين طائفياً ومذهبيّاً وفي انتماءات مواطنيه السياسية يشكّل البيئة الخصبة لزرع الشِّقاق والفتن ، فلا عجب أن يُنفق الأمريكيون والصهاينة وأعراب الخليج مليارات الدولارات في سعيهم الدؤوب لجذب المقاومة التي هزمتهم في ساحات القتال إلى أتون صراع مذهبي طائفي وتحويلها من مقاومة ضد الأعداء وضد الإرهاب تهدّد وجودهم إلى مجرّد ميليشيا مسلّحة كباقي التنظيمات الإرهابية وبالتالي التخلّص منها .
لكنّهم واهمون ففي لبنان مقاومة حقيقية يقودها حكماء مُبدعون خبراء في أساليب أعدائهم ، اكتسبت شرعيتها من خلال انتصاراتها ومن تضحيات ابنائها وشعبها، هذه المقاومة حريصة على بلدها وعلى أمّتها وهي ضنينة بأي نقطة دم تُراق في المكان والزمان غير المناسبين، وستبقى مخرزاً في صدر أعدائها تواجههم في كل مكان وزمان ولن تلتفت إلى الصغائر فتلوِِّث شرفها وسيرتها العطرة في وحل الداخل.
التعليقات مغلقة.