رسالة إلى السيّد حسن نصرالله في ذكرى ميلاده المجيدة / موسى عباس
موسى عبّاس ( لبنان ) – الجمعة 29/11/2019 م …
يا سيّدنا
أولاً :
كل عام وأنتم بألف خير وأدامكم المولى ذخراً وناصراً للحقّ منتصراً للمظلوم وللمحروم
حامياً للوطن وللأمّة من نفسها ومن أعدائها
منيراً طريق الضالّين مزلزلاً للأعداء رؤوفاً رحيماً بالأصدقاء صابراً على البلواء التي يتسبّب بها القريب قبل البعيد، أطال الله سنين حياتك وأخذ من أعمارنا وزاد في عمرك.
ثانياً:
استمحيكم عذراً سيّدنا مسبقاً على أنني أوجّه رسالتي إليكم وأنا مُجرّد مواطن من أقصى الجنوب عانى الأمرّين طيلة حياته كما الغالبية العظمى من مواطني الجنوب إن لم يكن من غالبية المواطنين في وطن القهر والعهر والإذلال.
1- قهرٌ من زبانية سلطةٍ تحكموا برقاب العباد على مدى ما يقارب السبعين عاماً توارثوا جيلاً بعد جيل أساليب القمع والإحتيال والفساد ونهب المال العام وسرقة جيوب الناس وقوت عائلاتهم .
2-أمّا العهر فقد تمثّل ولا زال بإصرار أسياد الفساد الأخلاقي والسياسي والإقتصادي وناهبو المال العام على أنّهم أسياد الأمانة وحفظ مصالح الناس كما المال العام، وهؤلاء فئات :
-تُجّار سياسة حكموا البلد وأورثوا أبناءهم وأحفادهم المناصب التي عيّنهم فيها الإنتداب دون وجه حق وأسسوا الشركات الإحتكارية التي تكاثرت كتكاثر البعوض على الجيفة والتي تحكمت بجميع المشاريع كما احتكر أصحابها المناصب في السلطة، وآخرون جُدد من أمثالهم تسلقوا السلطة بعد أن كانوا تجار حروب وزعماء ميليشيات وَلغوا بدماء الأبرياء وفرضوا هيمنتهم بفعل السطو والإجرام.
– اصحاب مصارف مُرابين ولصوص جمعوا غالبية أموالهم مما سرقوا من أموال المواطنين الذين وجدوا أنفسهم مجبرين ونتيجة للحاجة للرضوخ لشروط تجّار المال غير النظيف، ولم يكتفوا بسرقة العامّة من الفقراء ومن متوسطي الدخل وإنّما تواطؤوا مع حاكم مصرف لبنان الذي أقرضهم المال العام (والذي هم ليسوا بحاجة إلى إقتراضه ) بفائدة رمزية ليعيدوا إقراضه للخزينة العامة بفوائد خيالية فرَبَتْ تلك الأموال المنهوبة وتكدّست على مرّ ثلاثين من السنين ،وهم يرفضون حتى دفع جزء بسيط من الضرائب المتوجبة عليهم ووصل بهم الأمر إلى حدّ فرض شروطهم على الحكّام وإلى التحكُّم بالقرارات الاقتصادية وحتى السياسية للحكومات المتعاقبة على الأقل منذ صدور اتفاق الطائف المشؤوم والذي فرضه الأمريكيون والرجعية العربية على اللبنانيين بذريعة إنهاء الحرب الأهلية التي أشعلوها هم (الغرب والأعراب ) ليصلوا إلى ما وصلوا إليه اليوم من علاقات مع الكيان الصهيوني، والذي كان من نتيجته وصول المزيد من الفاسدين إلى الحكم وأصبحوا جميعاً سلطة الأمر الواقع.
-الفئة الثالثة هم تجّار الدم من العملاء الذين وللأسف أصبح ممثّل شعب المقاومة يجلس معهم على نفس الطاولة مبررين ذلك بحججٍ متعدّدة أقلّها نريد فتح صفحة جديدة علّهم يتوبون أو أنّ الظروف تفرض علينا ذلك لحماية ظهر المقاومة من الخونة ، بالرغم من معرفتكم الأكيدة بأنّ العميل لا يمكن استصلاحه ولا صلاحه ينطبق عليه المثل :” ذَنَب الكلب (أجلّكُم الله) لو وضع أربعين عاماً في القالب يبقى مُعوجّاً”، وهؤلاء لم يتعلموا من التجارب السابقة ويُلِحّون دائماً على الصهاينة والأمريكيين لغزو لبنان للتخلص من أنبل ظاهرة في تاريخ لبنان من الشرفاء الذين مكّنوا لهم في الأرض ولولاهم لما كان للبنان ذكر على موائد الكبار والصغار .
3- أمّا الإذلال فحدّث ولا حرج ، فهو المعاناة اليومية وقد توارثته الأجيال لا سيّما من احتاج إلى أي معاملة رسمية مهما كانت صغيرة أو إلى أي عمل أو وظيفة في القطاع العام أو حتى الخاص .
– في تاريخ مضى لكن لا زال ماثلاً في اذهان الكثيرين واحداث تتجدد بفعل الظروف كان الإقطاع بجميع اشكاله متحكّماً برقاب العباد لا سيّما في المناطق التي تُسمى جغرافياً الأطراف لبُعدها عن مركز القرار في العاصمة ( وكأنّ مساحة لبنان تتجاوز مساحة روسيا الاتحادية)،
في تلك المناطق كان البيك وأزلامه يفرض الخوّة على الفلاحين بحجّة أنّ له حصّة في أراضي القرى ورثها عن أجداده “البواكات ” الذين أقطعهم إياها السلطان العثماني أو الصدر الأعظم أو حتى الوالي مقابل ولائهم المطلق للدولة العثمانية المستعمِرة آنذاك،وأصبح ذلك عُرفاً بمثابة قانون غير مكتوب ، وعندما انتشرت الأحزاب اليسارية في قرى الحرمان انتفض الفلاحون على “البواكات “في بعض تلك القرى ورفضوا دفع الجزية رغم استبداد السلطة حينها.
وفي تلك الأيام يا مولانا كان يُسأل البيك من قبل الحكومة :
“هل تريد لأحد من أبناء طائفتك وظيفة مدير عام أو عدد من العمال في بلديّة بيروت ؟
وبالطبع كان جواب “البيك” وظائف في البلدية لأنّه هكذا يضمن ولاءً له وعدد أصوات انتخابية أكثر “. (هذا الحديث منقول عن إحدى الشخصيات الدينية الكبيرة في الطائفة الشيعية المحترمة ). وهذا لم يكن حكراً على منطقة وإنّما على جميع مناطق لبنان ودون استثناء.
وكانت الوظائف البسيطة حكراً على بعض أبناء وكلاء البيك الإقطاعي ، حتى المدارس لم تكن تُبنى ليس لأنه ليس هناك إمكانيات وإنّما لأن
” البيك” كان يخشى من أن يتعلّم ابناء الفلاحين وتتفتح عقولهم وعيونهم وبالتالي يثورون على استبداده.
إنّما تحدثت عن الإقطاع القديم لأقارنه مع من مضى عليهم عقود ثلاثة يتحكّمون بكلّ شيء كلٌّ في طائفته وبالتحديد منذ إقرار إتّفاق الطائف على الأقل .
أسأل :
– كم وظيفة في جميع المجالات من أدناها إلى أعلاها يصل إليها من يستحقّها بكفاءته ودون أن يُذل نفسه ويُريق ماء وجهه على باب “وكيل الزعيم ” وليس على باب الزعيم (ولا أستثني منطقة أو مدينة ومن جميع الطوائف والمذاهب) حتى ولو نجح وبتفوُق في الإمتحانات المطلوبة ، وكم من ناجحً لم يلتحق بوظيفته بسبب عدم توقيع المرسوم تحت حجّة فقدان التوازن المذهبي علماً أنّ القانون يفرض التوازن الطائفي في وظائف الفئة الأولى ؟.
-كم من مريض لم يستطع دفع التكاليف الباهظة للمستشفى واضطر لترجّي الوزير والنائب والوكيل للتوسُط له للتخفيف من تلك الخوّة ؟
– كم من زعيم “زاروب ” محمي من متنفّذ شمالاً وبقاعاً وجنوباً وساحلاً وجبلاً أصبح لديه ميليشيا خاصّةً به للتشبيح والتهريب وفرض الإتاوات ولإذلال من يقف في وجه أطماعه وباتوا يمتلكون العقارات والأرصدة في البنوك ومصدر ثرواتهم من نهب أموال الناس واستغلال حاجتهم اليومية لبعض الخدمات بسبب غياب خدمات التي يجب ومن المفترض أن تؤمنها الدولة؟
يا سيّدنا :
من المؤكد أنّ جميع ما ذُكر وأكثر منه تعرفه حق المعرفة لأنّ جنابكم إبن هذه البيئة وهذا المجتمع البائس وعشت الحرمان وعانيت منه وتعرف مرارته .
ومن المؤكد أيضاً أنك سعيت وتسعى لرفع الظلم والحرمان عن جميع المواطنين في أي مكان كانوا ولأي طائفة أو دين إنتموا لأنّ من قهر الإحتلال والإرهاب وأذلّهم وأرسى الكرامة والعزّة والسؤدد للوطن ولأبنائه هو عابرٌ للطوائف والمذاهب والأديان.
ومن البديهي أنكم سعيتم جهدكم ليل نهار للقضاء على الفساد والمفسدين ولإسترجاع المال المنهوب من الخزينة العامّة ولمحاسبة لصوص العصر ، وكذلك لأجل إرساء دولة العدالة والمساواة التي لا يخشى فيها القاضي من إصدار حكمٍ على سياسيٍ فاسدٍ من طائفته أو من غيرها لأنّه من كان سبب تعيينه في المركز الذي وصل إليه .
ومن نافل القول أنّ من عيونه لا تنام عن الأعداء المتربصين به وبالمقاومة الباسلة وبالوطن وبالأمّة كافة الشرور ومن هدفه الأسمى تحرير الأرض السليبة وإعادتها إلى أهلها ، لن يألوَ جُهداً في نُصرة المقهورين ورفع الحَيْف عنهم.
يا سيّدنا وتاج الرؤوس المُكلّل بالغار:
-إنّها الفرصة التي قد لا تسنح ثانيةً للشعب اللبناني لإنهاء الهيمنة المفروضة عليه على الأقل منذ العام 1992 بالقوانين وبالأعراف اللادستورية، الفرصة للتخلّص من :
– هيمنة طبقة سياسية فاسدة تتحكم بالبلاد والعباد وتتآمر للقضاء على المقاومة والمقاومين مع الصهاينة والمتصهينين من الأعراب الذين باعوا شرفهم وكرامتهم للأعداء من شُذّاذ الآفاق مقابل البقاء على عروشهم القائمة على دماء الأبرياء من مواطنيهم، تلك الطبقة التي كشفت عن أحقادها كما عن أهدافها بكل وضوح في ساحات التظاهر التي تسلقت عليها أو على المنابر والشاشات.
-هيمنة رأس المال المتوحّش الذي يتمثل بالشركات الإحتكارية المصرفية المحمية من سلطة” البنك الدولي “و”صندوق النقد الدولي”
ومن حاكم مصرفٍ مركزي يصول ويجول بدون حسيب أو رقيب والذين يعتبرون المواطن عبارة عن عبدٍ يرمون له الفُتات ليبقى حيّاً لاستمرار تغذية جشعهم من عرقِه ودمائه.
يا سيّدنا
يا من أذلّ الصهاينة والأمريكيين وحلفاءهم وهو مؤيّدٌ بنصر من الله :
-إنها الفرصة التي قد لا تتكرر لتأسيس لبنان الجديد المستقل فعلاً لا زوراً وبُهتاناً ، ولإعادة كتابة دستور لبنان الخالي من الطائفية السياسية القائم على حكم الكفاءة والنزاهة والإستقامة لا على تحكّم زبانية الطوائف والمذاهب والشركات المتعددة الأديان.
وكل عامٍ وسماحتكم والمقاومة بألف خير
وبحفظٍ من العزيز القدير قاهر الجبّارين مُذِل المتغطرسين.
التعليقات مغلقة.