إشكالية الفكر القومي العربي / د. عدنان عويّد
د. عدنان عويّد ( سورية ) الخميس 28/11/2019 م …
إن من يتتبع تطور الفكر القومي عند رجال عصر النهضة العربية في القرن التاسع عشر, وخاصة في النصف الثاني منه, يلمس بأن ” الفكر القومي ” آنذاك, لم يكن قد شكل بعد نظاماً فكرياً, أو عقيدة قد تم تركيبها أو استخدامها في حالة من الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي. بل هو ظل أقرب إلى أن يكون رؤى أولية, أو مواقف ذهنية غالباً ما عُبر عنها بأسلوب أو نهج غير محدد تماماً, مما يجعل الباحث أو القارئ أو المهتم بالفكر القومي العربي يضطر أن يصطادها – أي الرؤى والمواقف – في أدبيات تلك الفترة, بعيدة عن مقدماتها حيناً, أو حتى خارج سياقها التاريخي حيناً آخر. ولكونها أيضا كانت في معظمها – كرؤى فكرية – استمدت أصلاً من الفكر الغربي, لذلك غالباً ما كان يحكمها الهاجس والتردد والتساؤل, أكثر مما يحكمها المنطق وقوانينه. هذا في الحقيقة ما جعل الفكر القومي العربي في فترة عصر النهضة العربية يشكل جزءً من إشكالية أيديولوجية ومعرفية أوسع, لم تكتمل أبعادها وملامحها وأنساقها المعرفية بعد. واضافة إلى ذلك, فإنها استطاعت أن تمثل تطابقاً دقيقاً بين الوعي والتاريخ, أي بين الواقع والفكر لوجود الأمة العربية المتخلفة تحت مظلة الدولة العثمانية.
لقد كانت تلك الرؤى والمواقف الفكرية, تعكس اصطدام وعي مشوه ومجزوء وهجين لم تتوضح معالمه بعد لتاريخ أمة, بواقع هو الآخر بدوره, مشوهاً وهجيناً ومستلباً ومدمراً تماماً. من خلال هذه العلاقة ممثلة بالفكر القومي, والواقع العربي ممثلاً بالتاريخ, في إطار الوضعية المشار إليها أعلاه, تكمن إشكالية الرؤى والمواقف القومية لعصر النهضة. وهذا ما يميز الفكر القومي العربي عن الفكر القومي الغربي. فالفكر القومي كرؤى أيديولوجية استطاع في أوربا أن يشكل موقفاً معرفياً وسياسياً تاريخياً له سياقه النظري القائم على قاعدة اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية واضحة المعالم. لذلك, استطاع أن يعكس ذاك التطابق الايجابي بين الوعي التاريخ. أي الواقع والفكر. كما استطاع أن يتحول إلى قوة مادية ساهمت في تشكيل وصياغة مجتمعات مطابقة له.
أما عند العرب, فقد ظل كما أسلفنا إشكالية نظرية وسياسية ومعرفية لم تجد تحولاتها التاريخية بالشكل والمستوى الذي يساهم في تحويلها إلى واقع ملموس, أو رفعها من مستوى الحلم والمطلب والطموح, إلى حيز الصيرورة والفعل.
إن تاريخ الفكر القومي كمفهوم وممارسة, ظل في حالة نشوئه تحت تأثير اصطدام الواقع العربي بالتجزئة أولاً, ثم بوضعية أو فعل التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية تحت مظلة الدولة العثمانية المليّة ثانياً, ثم تحت تأثير وضعية من السجال بين أطراف ثلاث وهم: السلفيون, والإسلاميون الاصلاحيون, والعلمانيون الليبراليون, من جهة ثالثة.
وإذا كان الفكر القومي العربي هذه إشكاليته, فإن الإشكالية ذاتها تفرض علينا النظر في تبيان تجلياتها وآلية عمل هذه التجليات في تاريخنا الحديث والمعاصر.
كاتب وباحث من سورية.
التعليقات مغلقة.