انتخابات تونس، ما أشبه اليومَ بالبارحة / الطاهر المعزّ

551

الطاهر المعز ( تونس ) السبت 12/10/2019 م …

تقديم:

لم أتابع الحملة الإنتخابية بشكل منتظم ولا نتائجها في تونس، ولكن أسئلة بعض الرفاق والأصدقاء عن مجريات هذا “الحَدث”، اضطرّتني لكتابة بضعة فقرات بخصوص هذا الموضوع الذي لا يُثِيرُ حماسي أو فُضُولي، لكنه يثير اهتمامي، بدرجة متوسّطة…

ظروف الإنتخابات التشريعية:

جرت الإنتخابات التشريعية يوم 06 تشرين الأول/اكتوبر 2019، بين دَوْرَتَيْ الإنتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، بعد وفاة الرئيس السابق “الباجي قائد السبسي”، في ظروف اقتصادية سيئة، للعاملين والأجراء والفُقراء، ومتوسطي الدّخل، ويتميز الوضع بارتفاع نسبة البطالة إلى أكثر من 15% من قُوّة العمل (القادرين على العمل)، وتفوق نسبة البطالة 30% لدى فئة الشباب، وفي عدد من المدن “الدّاخلية”، أي البعيدة عن ساحل البحر الأبيض المتوسط، وهي المناطق التي أطلَقَ فُقَراؤُها وشبابُها انتفاضات عديدة، منذ 1983 إلى 2010، واحتجاجات عديدة، لم تهدأ، بسبب الأوضاع المُزْرِيَة، وارتفاع نسبة الفقر إلى أكثر من 17% أو ما يعادل مليونَيْ مواطن، من إجمالي مواطني البلاد، البالغ عددهم نحو عشرة ملايين مقيم في تونس، إضافة إلى أكثر من مليون مقيم في الخارج، وفاقت نسبة التضخم 7%، وارتفعت نسبة الديون (من الناتج المحلي الإجمالي) من قرابة 38% سنة 2010، إلى 58% بنهاية سنة 2016، وإلى أكثر من 72% سنة 2018، ويُتوقع أن تتجاوز 80% سنة 2020، وعند تقويم الديون بالدينار التونسي، ارتفعت خلال عشر سنوات (من 2009 إلى 2018) من 29 مليار دينار إلى 102 مليار دينار، واحتاجت ميزانية البلاد إلى معدل 2,5 مليار دولارا إضافيا، كل سنة (زيادة عن الفوائض) لسد عجز الميزانية، بين سنتَيْ 2011 و 2017، ولا يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي أربعين مليار دولارا، سنة 2018، وقد ترتفع نسبة الديون إلى أكثر من 80% بنهاية سنة 2019، وعمومًا، تضاعف حجم الدّيون الخارجية أربع مرات، خلال ثماني سنوات، وهو رقم قياسي سلبي يصعب تحطيمه…

أدّى تفاقم الوضع الإقتصادي إلى انخفاض درجة حماس المواطنين (والشباب بشكل خاص) الذين كانوا يتوهمون احتمال التغيير الإيجابي، عبر المشاركة في التصويت، وانتخاب برلمان ورئيس ومجالس بلدية، فانخفضت نسبة المشاركة في عملية التصويت، من 68% من المُسجّلين في القائمات، سنة 2014، إلى 41% سنة 2019، إضافة إلى غير المُرسمين في سجلات الإنتخابات…

من جهة أخرى، لم يتطرق المترشحون، سواء للإنتخابات الرئاسية أو التشريعية، إلى مشاغل المواطنين، ولم يطرحوا برامج وحلولا لمشاكل البطالة والفقر وارتفاع الأسعار وانخفاض الإنتاج، وإغراق السوق المحلية بالإنتاج الزراعي (وغيره) القادم من الخارج، بأسعار مَدْعُومة، تُنافس الإنتاج المحلي، ما يُساهم في إفلاس المواطنين من المُزارعين ومربّي الماشية، وما ساهم في ارتفاع عجز الميزان التجاري غلى أكثر من سبعة مليارات دولارا، سنويًّا، في ظل انخفاض قيمة العملة المحلية، ولم يتطرق المترشحون لارتفاع الأسعار، مقارنة بالرواتب، وبدَخْل الأفراد والأُسَر، عمومًا…   

ساهمت هذه الأسباب، مع عوامل أُخرى لم نأتِ على ذكرها، في تدنِّي نسبة المشاركة في عملية التصويت، وفي اختيار المُترشحين، يوم السادس من تشرين الأول/اكتوبر 2019…

 

بعض الملاحظات والإستنتاجات:

لم يُشارك الإخوان المسلمون (النهضة) في انتفاضة 2010/2011، ولا في أي انتفاضة شعبية، سابقة أو لاحقة، ولم يتضامنوا مع أحد غير أعضاء حزبهم، وهذه من مِيزاتِهم، على صعيد عالمي، فهم لا يتضامنون مع أحد، ولا يتحالفون سوى ليكونوا قادرين على قيادة التحالف…

انقضّ الإخوان المسلمون في تونس وفي مصر، على إثر الإنتفاضة، لأنهم كانوا قُوّة مُنظّمة، استفادت من وجود محلات عُمومية مجانية (المساجد)، حيث كان يمكنهم اللقاء خمس مرات يوميا، رغم التضييقات، وهو ما لم يكن متوفرًا لغيرهم، وفي المغرب عينهم الملك لقيادة عمل الحكومة (التي يُشرف عليها الملك من قصره، أو من الخارج)، ونال الإخوان المسلمون ثقة القوى الإمبريالية، واعتبرتهم الإمبريالية الأمريكية يمثلون “الإسلام السياسي المُعْتدل”، مقارنة بالإسلام “الجهادي” أو “المُقاوم”، ولو بصفة متقطعة (حزب الله أو حماس أو الجهاد الإسلامي في فلسطين) أو “المتطرف”، الذي خلقته الإمبريالية نفسها منذ غزو السوفييت لأفغانستان، كالقاعدة وداعش وفُروعهما، وعبر الإخوان المسلمون عن اندماجهم في المنظومة الرأسمالية العالمية، وفي الإيديولوجيا السائدة، ودعوا إلى “النّأْي بالنفس” عن فلسطين، بل إلى التعاون مع الصهاينة (تصريحات راشد الغنوشي ومحمد مرسي)…

عرف شعب تونس وشعب مصر الدكتاتورية والتطبيع، مع بورقيبة وبن علي ومع السادات وحسني مبارك، ثم جرّب شعب تونس وشعب مصر حكم الإخوان المسلمين، بعد الإنتفاضَتَيْن، ولم يتحسن حال الفُقراء ولا حال الأُجَراء، بل ساءت الأحوال، وبلغت أدنى المستويات، واعتبر الإخوان المسلمون السّلطَةَ “غنيمةً”، وجب تقاسُمها بين أعضاء حزبهم والمقرّبين منه، وكان العديد من المواطنين يعتقدون أن الإخوان المسلمين “يخافون الله” ويتميزون بالنزاهة، ولكنهم اكتشفوا لهفتهم على المال “الحرام” وتمسّكهم بالسّلطة، وإتقانهم فُنون المناورة والفساد والرّشوة (رشوة الناخبين، قبل وأثناء فترة التصويت) وإطْلاق الوعود الزائفة، للمحافظة على مقاليد السلطة، وإشعال الفِتَن، وتجنيد الشباب لتخريب البلدان العربية (سوريا وليبيا والعراق)، والتّطبيع مع الكيان الصهيوني، والإنبطاح أمام القوى الإمبريالية، والتعاون معها ضد العرب والمسلمين…    

أصبح حزب الإخوان المسلمين في تونس، حزبًا فاسدًا، عميلاً للإمبريالية، يتنافس مع أحزاب فاسدة ويمينية، وعميلة مثله، أما القوى التي كانت تدّعي الدّفاع عن بديل تقدّمي، فلم تُبلْور أي بديل، ولم تطرح برنامجًا يمكن من وقف نزيف الثروة وتدفقها إلى الخارج، وخطوات لتحسين ظروف الأُجراء وتحقيق نمو مُستدام، يمكّن من الإستثمار في قطاعات منتجة، ويوفر وظائف، ويُغني البلاد عن استيراد المواد الأساسية، وغير ذلك من مقومات الإستقلال الإقتصادي والسياسي، ولا نتحدث هنا عن الإشتراكية، وتوزيع الثروة بشكل عادل، لأن الحديث عن ذلك أصبح يُدْرَجُ في باب الزندَقَة أو الطوباوية…

عكست نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية هذا الوضع، فالإختيار كان بين أشخاص وقوى لا تطرح بديلاً (إن لم تتصف بالفساد وبكل الصفات القبيحة)، بل تختصم من أجل تقاسم الثروة التي أنتجها العاملون، وتقاسم مناصب مُريحة برواتب وامتيازات عالية، على النّقيض من شظف العيش الذي يشتكي منه معظم الأجراء والفُقراء والعمال والموظفون، ولذلك تميزت النتائج بتشتّت الأصوات، وتفكّك القوى المُشاركة في هذه المهزلة، وحافَظَ الإخوان المسلمون، مع ورثة بورقيبة وبن علي على المراتب الأولى، رغم انخفاض عدد الأصوات التي حصلوا عليها، وبالتالي عدد النواب، وانحسرت القاعدة الإنتخابية للإخوان المسلمين، فانخفض عدد نواب “النهضة” من 87 مقعداً في المجلس التأسيسي (2012 -2014)، إلى 69 مقعداً في الإنتخابات التشريعية لسنة 2014، وإلى أربعين مقعد في انتخابات 2019، لكن حصلت قائمات أخرى تمثل الإسلام السياسي، على حوالي عشرين مقعد نيابي، ولم تستفد القوى التي ادعت “الإشتراكية” من تراجع الإخوان المسلمين، بل حصل المدافعون عن نظام الجنرال بن علي على 15 مقعد، وحصل حزب الشعب (قومي، محافظ اجتماعيا) على 15 مقعد وحصل “التيار الديمقراطي” (خليط من بقايا يسارٍ مائع ومن انتهازيين، بعضهم مدعوم أمريكيا وأوروبيا) على 15 مقعد… تميزت هذه الإنتخابات عمومًا بتشتت وبصراعات لا علاقة لها بهموم الشعب الكادح والفقير، وبظهور فاسدين ولصوص، لهم ما يكفي من المال للإنفاق على استطلاعات الرأي المُوَجّهَة، وعلى شراء الذّمم، وعلى إقامة الحفلات المجانية، وأصبحت البرجوازية الرّثّة (التي لم تُراكم المال من الإستثمار ومن الإنتاج، بل من السرقة والمُضاربة ومن تمثيل مصالح الشركات الأجنبية) تُشارك في الإنتخابات، عبر وسائل الإعلام وشركات الإتصالات التي تمتلكها، بالإضافة إلى شراء نوادي كرة القدم واستخدامها كمنصة للفوز بمناصب سياسية، وللإفلات من العقاب بتهمة الفساد والإحتيال والتهرب الضريبي، وغير ذلك من الممارسات التي مَيّزت هؤلاء الأثرياء الجدد، الذين كدّسوا ثروات هائلة، في زمن قياسي قصير…  

هل انتفض الفُقراء في تونس أو في مصر، ليحكمهم هذا الرّهط من السياسيين؟

هل يمكن تغيير الوضع عبر تفويض وُسطاء للدفاع عن مصالح الفُقراء؟

ما العمل لتغيير موازين القوى، ولإنجاز عملية التغيير الإجتماعي لمصلحة المُنْتِجين والفُقراء؟ 

 

 


التعليقات مغلقة.