متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثاني والسّتّون / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – الأحد 10/3/2024 م …
يتضمّن العدد الواحد والسّتّون من نشرة “متابعات” الأسبوعية تقديمًا لصندوق النقد الدّولي، بمناسبة موافقته على قرض طلبته الحكومة المصرية منذ أشْهُرٍ، وفقرة عن بعض الوضع في تونس بمناسبة الإعتصام الذي تظمه اتحاد نقابات الأُجَراء ( الإتحاد العام التونسي للشغل) يوم الثاني من آذار/مارس 2024، وأخرى عن سوء حال اقتصاد مصر التي فقدت مقومات القُوّة التي اكتسبتها قبل التطبيع وفقرة عن إضراب عملة الأرض بشركة لوفتهانزا الألمانية للطيران وفقرة عن بعض ملامح الإستراتيجية العسكرية الأمريكية بمناسبة الذكرى الثالثة لبداية الحرب في أوكرانيا، وفقرة عن دُيُون البلدان الفقيرة ومقارنة شروط قُرُوض المؤسسات الدّولية والدّول الأوروبية بشروط قُروض الصين وفقرة عن بعض مظاهر الحرب الإقتصادية الأمريكية ضد الصين…
صندوق النقد الدّولي
يشترط صندوق النقد الدولي على الدّول “النامية” المُقْتَرِضة تخفيض العملة الوطنية بذريعة ” تعزيز القدرة التنافسية للصادرات”، مع إلغاء القيود على توريد السّلع وعلى تداول العملات الأجنبية وعلى الإستثمارات الأجنبية، ضمن شروط خصخصة مؤسسات القطاع العام والخدمات الأساسية، ويشترط رَفْعَ معدلات الفائدة بغية الحد من حجم الإئتمان الداخلي، وبيع الشركات الحكومية وممتلكات الشعوب للمضاربين، مع إجبار الحكومات على دعم القطاع الخاص، وأدّت هذه الشروط، في جميع البلدان، بدون استثناء، إلى تقليص الإنفاق الحكومي في مجالات التعليم والصحة وزيادة الإنفاق على قطاعات الأمن، وتسريح الموظفين وعدم تعويض المُتقاعدين، وخفض القيمة الحقيقية للرواتب، بالتوازي مع إلغاء دعم أسعار الغذاء والأدوية وخدمات النقل والطاقة والمياه الخ، كما أدّت هذه الإجراءات – وهي جزء من ما يُسمّى “برنامج الإصلاح الهَيْكَلِي – إلى ارتفاع نسبة البطالة والفقر وحصة الإقتصاد الموازي من الناتج المحلي الإجمالي، وأدّى فتح باب التوريد وإلغاء القيود إلى إفلاس صغار الفلاحين والحرفِيِّين والشركات الصغيرة، وإغراق الاقتصاد المحلي بسلع رديئة ورخيصة، تُنافس الإنتاج المَحَلِّي، ولا يستفيد مُنْتِجُوها من عائداتها.
كانت الدّيون سببًا لاستعمار بلدان مثل تونس سنة 1881 من قِبَل فرنسا، ومصر سنة 1882 من قِبَل بريطانيا، استعمارًا مُباشرًا، وتغيّرَ شكل الإستعمار ليُصبح “استعمارًا جديدًا” أو غير مباشر (بدون جنود ) قوامه مُصادرة الموارد والثّروات والأراضي، بمشاركة أنظمة الحُكْم الكُمْبْرادورية، أي وكيلة الإمبريالية وشركاتها العابرة للقارات والمصارف التي تنقل الثروة إلى مصارف الدّول الغنية والملاذات الضريبية، فضلاً عن ارتفاع فوائد الدّيون بشكل غير متناسب مع قيمتها، وعلى سبيل المثال، لما أقرّت الولايات المتحدة “خطة مارشال” لإعادة إعمار أوروبا (التي ساهمت الطائرات والقنابل الأمريكية في تخريبها) وللسيطرة على قارة أوروبا، ضخّت حوالي مائة مليار دولارا، بينما حصلت الدّول “النامية”، بين سنتَيْ 1986 و 2010 على نفس المقدار تقريبًا، ولكنها سدّدت ما يُعادل ستة أضعاف هذا المبلغ، واضطرت إلى تسديد القروض القديمة بقروض جديدة بأسعار فائدة مرتفعة، ونتَجَ عن هذه السياسات توسيع الفَجْوة بين الأغنياء والفُقراء داخل كل بلد، وتوسيعها على الصعيد العالمي بين الأثرياء والفُقراء وكذلك بين البُلْدان…
تونس
نظّم الاتحاد العام التونسي للشغل، يوم السبت 02 آذار/مارس 2024 ، تجمعاً عمالياً حاشداً هو الأكبر من نوعه منذ أشهر، بمشاركة عدّة آلاف من النقابيين من مختلف جهات البلاد في ساحة القصبة، قرب مقر الحكومة بالعاصمة، احتجاجاً على تعطل الحوار الاجتماعي، وتدهور مستوى العيش، بسبب ارتفاع الأسعار، ومن أجل الحق في ممارسة النشاط النقابي واستئناف الحوار الإجتماعي، وتنفيذ الإتفاقيات السابقة التي وقّعتها الحكومات المتعاقبة ولم تلتزم السلطات بتنفيذها، بل زادت الحكومة من انتهاكات الحقوق والحريات النقابية، ونفذت موجة الاعتقالات والمحاكمات، ومختلف أشكال التّضييق والتنكيل بالعُمّال والنقابيين على خلفية ممارسة حقوقهم النقابية، خلال إضرابات عن العمل، واكتظت الساحة بالمُحتجّين رغم رغم محاولات التضييق على الاجتماع العمالي، وتعطيل وصول النقابيين من الجهات المختلفة إلى العاصمة، والتهديد بإلقاء القبض على كل مَن يساعد النقابيين على الوصول إلى ساحة الحكومة بالقصبة.
تميز الوضع في تونس ، بارتفاع عدد الاعتقالات في صفوف النقابيين، وإحالتهم على مجالس التأديب، بالتوازي مع استمرار ارتفاع الأسعار منذ 2020، وغياب العديد من المواد الغذائية والأدوية، فاقمها خفض أو إلغاء الدعم وتدني الرواتب وارتفاع معدلات البطالة وبلغ حجم الديون الحكومية نسبة 80% من الناتج المحلي الإجمالي، ولم يتجاوز معدل نمو الاقتصاد التونسي 0,4% فيما يبلغ معدل البطالة الرسمي 16,4% بنهاية سنة 2023، بحسب المعهد الوطني للإحصاء، وتزعم السلطات التونسية أنها قادرة على سداد ديونها لكنها تفتقر إلى السيولة اللازمة لتزويد السكان بما يكفي من المنتجات الأساسية، مما أدّى إلى نقص متكرر في الدقيق أو السكر أو الأرز، وتشهد البلاد معدل تضخم يبلغ نحو 8% سنويا بحسب الأرقام الرسمية، مع ارتفاع كبير لأسعار الحبوب والطاقة المرتبطة، ويستمر الوضع الاقتصادي والاجتماعي في التدهور إثر فشل السياسات والخيارات السياسية والاقتصادية وإملاءات صندوق النقد الدولي على حساب التونسيين، وتحاول الحكومة علاج الوضع بتكثيف القيود المفروضة على الحقوق النقابية والسياسية والحريات العامة، حيث طاولت الإعتقالات صحافيين وفنانين ومعارضين سياسيين ونقابيين والمواطنين من غير مشاهير القوم…
مصر
تَضرّر اقتصاد مصر من العدوان على فلسطينيي غزة وانخفضت حركة التجارة البحرية العابرة لقناة السويس، بفعل استهداف السّفن المتعاملة مع الكيان الصهيوني من قِبَل المقاومة اليَمَنِيّة، تراجعت أعداد السفن المارة في قناة السويس بنسبة 42%، خلال النصف الثاني من سنة 2023، بحسب بيانات “مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية” (أونكتاد ) وتُعدّ قناة السويس موردًا هامًّا للعملات الأجنبية الشّحيحة في مصر بسبب انخفاض إيرادات قناة السويس والسياحة والعاملين المصريين بالخارج، وانخفاض إيرادات الصّادرات، فيما استحوذت الإمارات على بعض المشاريع العقارية الضخمة التي أقرّتها الدّولة، مقابل القُروض، وآخرها مشروع “رأس الحكمة”، وبلغت قيمة إجمالي الدّيون الخارجية المصرية 164,5 مليار دولارا بنهاية الربع الثالث (أيلول/سبتمبر) 2023 وتحتل الإمارات المرتبة الأولى في لائحة الدول العربية الدائنة لمصر، بنحو 22,2 مليار دولار، تمثل 13,5% من إجمالي ديون مصر، بحسب بيانات المصرف المركزي المصري، تليها السعودية في المرتبة الثانية بقيمة 12,5 مليار دولار، وبنسبة تصل إلى 7,6% من إجمالي الديون الخارجية المصرية التي بلغت قيمة مدفوعات خدمتها ( أي أقساط الديون إضافةً إلى فوائدها) 132,7 مليار دولار خلال السنوات العشر الأخيرة 2014 – 2023، بحسب بيانات المصرف المركزي المصري، وبلغت مدفوعات خدمة الدين 26,3 مليار دولارا خلال العام المالي من 01 تموز/يوليو 2021 إلى 30 حزيران/يونيو 2022 ونحو 25,4 مليار دولارا خلال العام المالي 2023/2022…
بعد فشل مشروع العاصمة الجديدة وارتفاع تكاليفه، أطلقت الحكومة مشروع “رأس الحكمة”، وهو مشروع بناء مدينة ساحلية سياحية وترفيهية، على بُعد 350 كيلومتراً شمال غرب القاهرة، على ساحل البحر الأبيض المتوسّط، وتضم المدينة مركزًا ماليًّا ومنطقة حرة وما تحتاجه من عقارات وبُنْيَة تحتية، وتُخطط حكومة مصر لتمويل المشروع بواسطة الإستثمارات الأجنبية، مقابل حصص في ملكية المدينة، على أن تحتفظ الدّولة المصرية بحصة قدرها 35% في المشروع وتستحوذ شركة الإمارات “القابضة” (ADQ) على حقوق تطوير مشروع رأس الحكمة مقابل 24 مليار دولار بهدف “تنمية المنطقة”، فضلا عن تحويل 11 مليار دولار من الودائع التي سيتم استخدامها للاستثمار في مشاريع أخرى أقَرّتها الحكومة المصرية، أي إن الإستثمارات الإماراتية قد تصل إلى 35 مليار دولارا، خلال شَهْرَيْن، وتأمل الحكومة المصرية والشركة الإماراتية أن تصل الإستثمارات لتطوير المشروع 150 مليار دولارا، ويُجسّد هذا المشروع عمليات الخصخصة الضخمة التي أَمَر بتنفيذها الدّائنون، بزعامة صندوق النقد الدّولي، واعتبر تحليل نشره مصرف “مورغان ستانلي” الأمريكي “إن الصفقة مُحَفِّز لبرنامج الخصخصة في مصر، وتعديل سعر صرف الجنيه، قبل الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي”، ويتجاوز حجم القرض الإماراتي حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمصر خلال ثلاث سنوات.
استَغَلّت الإمارات والسّعودية الأزمة الإقتصادية التي تعيشها مصر منذ سنوات، فاقَمتها نتائج العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، حيث لم تستفد مصر من خروجها من “المُواجَهَة” ومن التّطبيع، منذ 1977، وتوقيع اتفاقيات “كمب ديفيد” سنة 1979، بل خسرت الدّولة وخسر الشعب المصري المكانة السياسية والعسكرية والإقتصادية والجيوسياسية التي كانت تحتلها مصر، وأصبح الدّائنون، ومن ضمنهم صندوق النقد الدولي يتحكمون في توَجُّهات الدّولة، باسم تنفيذ برنامج الإصلاح الهيكلي…
توقعت مجموعة “غولدمان ساكس” المالية الأمريكية أن توفر الصفقة مع الإمارات وتدفق العملات الأجنبية “سيولة كافية (مع برنامج صندوق النقد الدولي) لتغطية عجز الفجوة التمويلية في مصر على مدى السنوات الأربع المقبلة، وتوفير سيولة كافية لدى المصرف المركزي المصري لدعم الجنيه ولتسوية طلبات العملات الأجنبية المتراكمة خلال الفترة المقبلة…”
تدعم مثل هذه المشاريع القطاعات العقارية والمُضاربة، وتُساهم في تدهور القطاعات المنتجة كالزراعة والصناعة والبحث العلمي والإبتكار، لأن مشروع “رأس الحكمة” هو مشروع ترفيهي مُوَجّه للأثرياء الأجانب، وغير منتج ( كما حصل لشرم الشيخ والبحر الأحمر بعد التّطبيع) إلى وجهة لأثرياء الخليج وبعض مناطق العالم لقضاء العطلات الرخيصة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وتتوقع الإمارات أن يجتذب المشروع طوال فترة تطويره استثمارات قد تصل إلى 150 مليار دولار، ما يُساعد على توفير العملات الأجنبية وخفض قيمة الدّولار (مقابل الجُنَيْه) في سوق الصّرف الموازية، حيث بلغ سعر الدّولار الأمريكي الواحد سبعين جنيها خلال شهر كانون الثاني/يناير وستين جنيها خلال الأسبوعَيْن الأولَيْن من شهر شباط/فبراير 2024…
بعد مفاوضات طويلة، رفع صندوق النّقد الدّولي، يوم الإربعاء السادس من آذار/مارس 2024، حجم القرض لمصر من ثلاثة إلى ثمانية مليارات دولارا، بدعم من الولايات المتحدة، اعترافًا منها بدَوْر مصر في مُحاصرة فلسطينيي غزة وإحكام إغلاق معبر رفح، في حين يعاني الشعب المصري من تدهور مستوى العيش، ومن تراجع قيمة سعر الصّرف الرسمي للجنيه خلال فترة وجيزة من ثلاثين إلى خمسين جنيها للدّولار الأمريكي الواحد، رغم تدفقات استثمارات الخليج وبرنامج صندوق النقد الدولي، وإن كانت شروط القروض مجحفة، ومنها إصرار صندوق النقد الدّولي على “التحرير الكامل لسعر صرف الجُنَيْه”، في ظل انخفاض المخزون الإحتياطي من العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي المصري، وفي ظل المستوى القياسي للتّضخم…
ألمانيا
أضرب موظفو الأرض (المكاتب والإستقبال، باستثناء عملة الجو) بشركة الطيران الألمانية “لوفتهانزا” بداية من يوم السابع من شباط/فبراير 2024، بعد إضرابات عملة السكة الحديدية ووسائل النقل العام، من أجل الزيادة في قيمة الرواتب، وركّزت “لوفتهانزا” في بياناتها على “معاناة نحو 100 ألف مسافر تأثروا بالإضراب”، بدل الإستجابة لمطالب العاملين الذين أضربوا طيلة السنوات الماضية بهدف تحسين ظروف العمل، وعدم خفض عدد العاملين وزيادة الرواتب لمواكبة ارتفاع الأسعار وإيجار المَسْكن، وتراوحت نسبة الرحلات التي تم إلغاؤها بين 80% و 90% بمطارات فرانكفورت وميونيخ وبرلين وهامبورغ ودوسلدورف، وفق اتحاد نقابات الأُجَراء “فيردي” الذي نظّم الإضراب ويُطالب بزيادة الأجور بنسبة 12,5% لنحو 25 ألف عامل، أو ما لا يقل عن 500 يورو (537 دولارًا) شهريًا على مدى 12 شهرًا، بالإضافة إلى دفعة لمرة واحدة بقيمة 3000 يورو لتعويض التضخم، ورغم تحقيق أرباح تتراوح بين نسبة 8% و 10% منذ سنة 2021، تُمانع إدارة الشركة في زيادة الأُجور خلال المفاوضات الطويلة التي سبقت الإضرابات الطيارين سنة 2023 وعمال الجو وعمال الأرض، والإضراب الحالي الذي أدّى إلى انخفاض قيمة أسهم لوفتهانزا بنسبة 3,6%
دولار أمريكي واحد = 0,9247 يورو يوم الإربعاء 28 شباط/فبراير 2024
أوكرانيا في الإستراتيجية الحربية الأمريكية
بمناسبة الذكرى الثالثة لانطلاق الحرب في أوكرانيا، نشرت وسائل الإعلام ومراكز البحث الأمريكية مُلخصات لتقارير عديدة، تطرّقت إلى الدّروس المُستفادة من هذه الحرب وصياغة استراتيجية الدفاع المقبلة، ونشرت صحيفة واشنطن بوست بتاريخ 22 شباط/فبراير 2024، إن وكالة الاستخبارات المركزية تَوَلّت الإعداد الأميركي المسبق للحرب فأنشأت ما لا يقل عن 12 قاعدة تجسس في أوكرانيا بمحاذاة الحدود الروسية منذ سنة 2014 أي قبل ثماني سنوات من انطلاق الحرب، ومن بينها محطات تنصّت تحت الأرض، وإعادة هيكلة القيادة العسكرية الأوكرانية بإشراف وتمويل أميركي، ونشرت صحيفة نيويورك تايمز يوم 25 شباط/فبراير 2024، بيانات عن الشركة العسكرية بين جيوش واستخبارات أوكرانيا والولايات المتحدة، منذ سنة 2011، الهيمنة الأميركية شبه المطلقة على قرار دول الاتحاد الأوروبي التي تُشكّل العمود الفقري لحلف شمال الأطلسي الذي تَوسّعَ إلى أوروبا الشرقية، خدمة للمخططات والرؤيا الأميركية ولِمُجَمّع الصناعات العسكرية الأمريكية، وفق معهد كارنيغي 07 شباط/فبراير 2024…
فَرَضت الولايات المتحدة على الدّول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي ( منها 27 دولة أوروبية ) تخزين الأسلحة والذخائر الأمريكية، بما فيها الأسلحة النووية وتحديث البنى التحتية للصناعات العسكرية ورفع الميزانية الحربية إلى ما لا يقل عن 2% من إجمالي الناتج المحلي، وبذلك بالتوازي مع تحديث الآلة العسكرية الأميركية وتوسيع رقعة انتشار الجيش الأمريكي حول العالم، وخصوصًا في المناطق المُحيطة بالصّين، وتريد الولايات المتحدة مشاركة قوات حلف شمال الأطلسي – بإشراف الجيش الأمريكي – في محاصرة الصّين التي لم تَعْتَدِ على أي عضو من الحلف، ولا تقع الصين ( ولا روسيا ولا إيران) جَغْرَافِيًّا شمال الأطلسي، ونشرت الكلية الحربية الأميركية لسلاح الجو دراسة، خلال الرّبع الرابع من سنة 2023، تطرقت إلى الجوانب السياسية والعسكرية للدّور الأمريكي في تأجيج النزاعات العالمية، وركزت الدّراسة على إعادة الاعتبار إلى مبدأ خوض عمليات قتالية واسعة، وإعادة تشخيص بُعد الحد الأقصى في الاستراتيجية الأمنية والصراعات المستقبلية، ضمن الاستراتيجية الكونية الأمريكية التي ارتقت إلى وضعية الحرب الدّائمة، من خلال وضع أوكرانيا وحلف الناتو في مواجهة طويلة الأجل مع خصم قوي، كما تطرقت الدّراسة للخطط الأمريكية للهيمنة على القرار الأوروبي، وتمكنت الولايات المتحدة من تحميل أوروبا الكلفة المرتفعة للحرب في أوكرانية، فيما صادق الكونغرس الأمريكي على إنفاق نحو 113 مليار دولا سنة 2023، بهدف إلحاق “هزيمة استراتيجية بروسيا” ولو أدّى ذلك إلى استخدام السلاح النووي – وليس التّهديد به فحسب – وفق نظرية الجنرال كيرتيس لوماي من سلاح الجو الأميركي، بحسب ما ذكره جون ميرشايمر خلال مقابلة مع الشبكة التلفزيونية بي بي أس، يوم 22 شباط/فبراير 2024 – يُرجى مراجعة النشرة الدّوْرِية لمركز المعلومات الدفاعية (الولايات المتحدة) – Center for Defense Information- شباط/فبراير 2024
دُيُون
يُشكّل البنك العالمي وصندوق النّقد الدّولي وأعضاء “نادي باريس” الدّائن الرّئيسي للبلدان الفقيرة، كما أصبحت الصّين مُقرِضًا أساسيا للعديد من بلدان “الجنوب” وتتباهى بأنها لا تفرض شروطاً نيوليبرالية كما يفعل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، وتُعلن الصين بانتظام عن إلغاء الديون وتخفيفها، خصوصًا بعد جائحة كورونا ( سنة 2020) والحرب في أوكرانيا (2022) التي أفْضَت إلى ارتفاع أسعار المحروقات والحبوب والأسمدة الكيماوية، وإلى مُعاناة العديد من الدّول من الصعوبات المالية
ترتبط قُرُوض صندوق النقد الدولي بتطبيق السياسات النيوليبرالية، خصوصًا منذ قرابة أربعة عقود وتتمثل في خفض النفقات الاجتماعية، وإلغاء الدعم على السلع والمنتجات والخدمات الأساسية، والزيادات في ضريبة القيمة المضافة (ضرائب المبيعات)، والمزيد من الخصخصة، وفتح الأسواق أمام المنتجات المستوردة، ما يقتضي عدم حماية المنتجين المحليين، وما إلى ذلك من الشّروط التي أدّت إلى تدهور الظروف المعيشية لمئات الملايين من الناس.
أما الصين فإنها ليست “صديقة” للدّول الفقيرة كما تدّعي ولكنها تُمارس سياسات مختلفة عن الولايات المتحدة أو الإتحاد الأوروبي أو صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي، وتتمثل في الحصول (مقابل القروض والإستثمارات) على استغلال المواد الأولية والبُنية التحتية (موانئ وسكك حديدية ومصادر الطاقة…) وعلى عقود تشغيلية تمكنها من استغلال التجهيزات، وقُدِّرت قيمة قروض الصين لخمسين دولة إفريقية، بين سنتَيْ 2000 و 2018، بنحو 132 مليار دولارا أو ما يُعادل 21% من الدين العام الخارجي المستحق لقارة إفريقيا، وفق صحيفة لوموند بتاريخ 31 كانون الأول/ديسمبر 2021، فيما كتبت وكالة أنباء الصين الجديدة “شينخوا” إن حجم القروض الصينية لدول إفريقيا لا يتجاوز 12% من الديون الخارجية للدول الأفريقية، بسعر فائدة لا يتجاوز 2,7% فيما يبلغ متوسّط سعر الفائدة لقروض الدّائنين “الغربيين” 5% ( وكالة شينخوا – 07 تموز/يوليو 2023) وارتفع حجم القروض الصينية منذ إطلاق مبادرة الحزام والطريق (BRI) سنة 2013 ومعظمها قروض من مصارف حكومية صينية بسعر فائدة متغير، وفق ما يُسمّى مَرْجع أو معيار أو مُؤَشِّر “ليبور”، بدل مُؤشّر “يوريبور” ( Euribor ) الذي تعتمده الوكالة الفرنسية للتنمية أو الوكالة الألمانية وغيرها من الدول الأُوروبية المُقْرِضة لإفريقيا، ويُجْبِر المُقترضين على فتح حساب يتم فيه إيداع جزء من الدخل الناتج عن المشروع الممول ويمكن للوكالات الأروبية للتنمية السحب منه، في حالة التوقف عن الدفع،
شكّلت الصّين مَصْدَرَ تمويل بديل لصندوق النقد الدّولي والبنك العالمي ونادي باريس، بشروط مختلفة، ما غَيَّر من العلاقات بين الدّول والمُؤسّسات المُقْرِضة والدّول المُقْتَرِضة، غير إن هذا الإختلاف ليس جوهريا، وتفضل الصين التفاوض بشكل ثنائي مع كل دولة مدينة على حدة، ولكن لم يتغير جوهر العلاقات بين الدائنين والبلدان المَدينة، إذ ترفض الصّين – كأي نظام رأسمالي يلهث وراء الرّبح – إلغاء ديون بلدان تضرّر اقتصادها كثيرا مثل سريلانكا والكامرون وباكستان، وتفرض استغلال موارد طبيعية أو بُنية تحتية لفترة طويلة…
الحرب الإقتصادية
تتنافس بضع شركات عابرة للقارات ( Intel و TSMC و Samsung Electronics ) على صناعة رقائق الذكاء الاصطناعي، سريعة التّطور، وكثفت الحكومة الأمريكية، منذ 2022، حجم الدّعم المالي لهذه الشركات ( إنتل وTSMC وسامسونغ ) التي تقوم ببناء مصانع في الولايات المتحدة ومن المرجح أن تحصل جميعها على الدعم الأمريكي لتحقيق هدف تعزيز إنتاج شرائح الذكاء الاصطناعي المُستخدم في مجالات عديدة مثل الزراعة والطاقة ومنظومات الدّفاع والتّسلّح، حيث خصصت الحكومة الأمريكية ما يقرب من ثلاثين مليار دولار من المال العام لدعم شركات تصنيع أشباه الموصلات المتقدمة، بهدف جلب تطوير وتصنيع شرائح الذكاء الاصطناعي المتطورة إلى الأراضي الأمريكية، غير إن تحقيق هذا الهدف ليس مؤكدا على الإطلاق وفق وزيرة التجارة الأمريكية، في ظل تردّد الشركات، ومنها شركة (TSMC) التايوانية الرائدة عالميًا في تصنيع رقائق الذكاء الاصطناعي، وعدم التزامها، رغم الإغراء المالي، بجلب تقنياتها الأكثر تقدمًا إلى الولايات المتحدة لتصنيع الجيل الخامس من “الذكاء الإصطناعي” سنة 2027 أو 2028، لأن الحكومة الأمريكية متحيزة لشركة إنتل لتجعل منها شركة رائدة بفضل المال العام، وإزاحة “تي إس إ مسي” و”سامسونغ” من السوق الضخمة لشرائح الذكاء الاصطناعي المتقدّمة، دون إقصائهما تمامًا، لتبقى الشركات الثلاثة متحالفة في إطار قطع الطريق أمام الشركات الصينية المنافسة مثل هواوي
التعليقات مغلقة.