متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الخامس والخمسون / الطاهر المعز

385

الطاهر المعز ( تونس ) – السبت 20/1/2024 م …

يحتوي العدد الخامس والخمسون من نشرة متابعات الأسبوعية على فقرات تُتابع بعض تداعيات العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في غزة، ومنها فقرة عن نفاق الحكومة التركية (عضو حلف شمال الأطلسي) والبَوْن الشاسع بين التّصريحات والأفعال، وفقرة عن اقتصاد تونس في ظل توتر العلاقات بين الحكومة وصندوق النقد الدولي وفقرة تُلَخّص تأثيرات الأزمة الإقتصادية على العاملين والفُقراء من الرّاشدين والأطفال وفقرة عن التّدمير والتّخريب الذي تُسبّبه الشركات العابرة للقارات على المجتمعات المحلية، وتتناول الفقرة نموذجًا من تدمير شركة “بولوريه” الفرنسية المَنْشَأ في نيجيريا وفقرة للتعريف بمنظمة شنغهاي للتعاون، في إطار التّعريف ببعض المنظمات الدّولية الإقليمية، وفقرة عن المنافسة بين الصين والدّول الأخرى مجتمعة في مجال صناعة السيارات العادية والكهربائية

 

من تداعيات العُدْوان على فِلسْطِينِيِّي غزة

اعترضت الولايات المتحدة وأوروبا بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على مشروع قرار لوقف العدوان ولفك الحصار على فلسطينيي غزة، ولما قصفت المقاومة اليَمَنِيّة السفن الصهيونية أو التي تتعامل مع الكيان الصهيوني، والتي تعبر المياه الإقليمية لليمن، ثارت ثائرة الدّول الإمبريالية وصهاينة عرب النفط (عرب أمريكا) ودعت الأمم المتحدة، يوم الثالث من كانون الثاني/يناير 2024، إلى “تأمين خطوط التّجارة الدّولية بالبحر الأحمر”، وكانت القيادة المركزية للجيش الأمريكي (سنتكوم)، التي تشرف على العمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط من قاعدتها العسكرية الضّخمة في البحرين، قد هددت المقاومة اليمنية. وتحدثت المنظمة البحرية الدولية عن الآثار السلبية لتعطيل هذا الممر الملاحي الذي يمثل 15% من التجارة العالمية. أوقفت 18 شركة شحن، بما في ذلك شركات الحاويات العملاقة ميرسك وهاباغ لويد ووان، عملياتها في البحر الأحمر عن طريق إعادة توجيه سفنها حول رأس الرجاء الصالح، مما أدى إلى مضاعفة تكاليف تعريفات الشحن للتجارة بين آسيا وأوروبا وتمديد في عشرة أيام على الأقل في أوقات التسليم.

من تأثيرات العدوان:

أقرت حكومة الكيان الصهيوني قبل العدوان على فلسطينِيِّي غزة ميزانية العام 2024، وأعادت النظر فيها لتعديلها في بداية سنة 2024، كما أقرت حكومة العدو ميزانية حرب خاصة لعام 2023 بقيمة 30 مليار شيكل (8,33 مليارات دولار) لتمويل العدوان وتعويض المُستوطنين، وسبق أن نشرت وزارة المالية توقعات تفيد إن الحرب قد تستمر حتى شهر شباط/فبراير 2024، وستكلف ما لا يقل عن 50 مليار شيكل (14 مليار دولار) أخرى سنة 2024 مع تأزم الاقتصاد والركود وارتفاع عجز الميزانية إلى نحو 6% من الناتج المحلي الإجمالي، وفدّرت الأوساط غير الحكومية قيمة الإنفاق اليومي للعدو على الحرب بنحو 260 مليون دولارا، وقُدّر الإنفاق الإجمالي المُتَوقّع بنحو 51 مليار دولارا، وأدّى العدوان إلى انخفاض احتياطي النقد الأجنبي بنحو 7,3 مليارات دولارا خلال شهر واحد، وتُقدّر تكاليف استدعاء جنود الإحتياط بنحو 1,3 مليار دولارا، ودرست حكومة العدو هذا الوضع خلال جلسة يوم الخميس 11 كانون الثاني/يناير 2024، التي نظرت في ميزانية الحرب للعام 2024، بعد الإتفاق على دعم مالي بقيمة تسعة مليارات شيكل (أو ما يُعادل 2,5 مليار دولار) لجنود الاحتياط وأُسَرِهِمْ، فيما اقترحت وزارة المالية “إغلاق عشر مكاتب وزارية غير ضرورية…

أما عن الخسائر فهي متنوعة حيث انخفض الإستثمار الأجنبي وعائدات السياحة والزراعة وهاجر آلاف المستوطنين، وقد لا تعود نسبة منهم، وعلّقت العديد من شركات الطّيران رحلاتها من وإلى تل أبيب، وارتفعت أسعار تأمين الفضاء الذي تستخدمه وسائل النّقل البحري والجوي والبرّي من وإلى فلسطين المحتلة، حيث تمر نحو 98% من التجارة الخارجية للعدو وتصل نحو 70% من وارداته عبر البحر، وتَراجع نشاط ميناء أم الرشراش بنحو 85%، وارتفعت تكلفة الشحن البحري – من وإلى موانئ فلسطين المحتلة وبين آسيا وأوروبا وأمريكا – بنسبة 173% وفق موقع “فريتوس دوت كوم” وهي شركة متعددة الجنسيات مختصة في عمليات الشحن ورصد البيانات المتعلقة بالنقل البحري، بفعل هجمات المقاومة اليمنية على السُّفُن العابرة لباب المندب والبحر الأحمر، والتي تتعامل مع الكيان الصهيوني، منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وارتفع سعر شحن البضائع في حاوية 40 قدما من آسيا إلى شمال أوروبا من 1600 دولارا إلى أكثر من أربعة آلاف دولارا، وعلقت أكبر شركتين للنقل البحري في العالم: “إم إس سي” و “ميرسك” رحلاتهما التجارية عبر البحر الأحمر منذ منتصف كانون الأول/ديسمبر 2023، لتمُرّ سفنهما عبر رأس الرجاء الصالح بجنوب أفريقيا، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الشحن، كما علّقت شركة “هاباغ لويد” رحلاتها عبر البحر الأحمر وقناة السّويس، وأعلنت “شركة كوسكو” الصينية العملاقة للشحن والمملوكة للدولة إنها عَلّقت رحلاتها إلى موانئ فلسطين المحتلة، وهي رابع أكبر خط ملاحي للحاويات في العالم، وتسهم بنحو 11% من التجارة العالمية، أما الولايات المتحدة فقد أعلنت على لسان وزير الحرب، يوم 18 كانون الأول/ديسمبر 2023، تشكيل قوة عمل بحرية باسم “حارس الازدهار” تضم 10 دول (بعدما أعلن نفس الوزير مشاركة 25 دولة)، بهدف مواجهة المقاومة اليَمَنية، لأن ثلثَيْ صادرات النفط الخليجي تمر عبر البحر الأحمر وقناة السويس وكذلك نحو 12% من تجارة النفط، و8% من تجارة الغاز المسال، و12% من إجمالي التجارة العالمية، كما تَمُرُّ ثُلُثُ حاويات الشحن في العالم يوميا عبر قناة السويس (193 كيلومترا)، ومن نتائج العدوان كذلك توقُّف رحلات شركة الطيران المجرية “ويز إير” من وإلى فلسطين المحتلة حتى شهر آذار/مارس 2024، وكانت رحلاتها تفوق مائة رحلة أسبوعيا، وألغت العديد من شركات الطيران منخفضة التكلفة رحلات الجوية من وإلى تل أبيب بسبب الحرب، ما اضطر إدارة مطار بن غوريون إلى خفض رواتب ألف موظف وإجبار 600 موظف على الخروج في إجازة غير مدفوعة…

قدّرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” -يوم الأحد 07 كانون الثاني/يناير 2024- تكلفة ثلاثة أشهر من العدوان بما يزيد عن ستِّين مليار دولار، وتشمل التكلفة نفقات الجيش والمساعدات الحكومية للقطاعات الإقتصادية وتعويضات الشركات المتضررة والمجالات الأخرى، وتستنتج الصحيفة إن جيش الاحتلال فشل في تحقيق أهداف الحرب التي دخلت شهرها الرابع…

من تداعيات العدوان

أعلن الجيش الأمريكي تنفيذ عمليات عدوانية ضد اليمن يوم الثلاثاء 16 كانون الثاني/يناير 2024، إثْرَ إصابة سفينة ترفع العلم اليوناني وتُبْحر من فيتنام إلى موانئ فلسطين المحتلة، عبر البحر الأحمر، ويُدْرِج قادة وجيش أمريكا هذا العدوان – كما عشرات الإعتداءات الأخرى عبر العالم – ضمن “حماية الأمن القومي الأمريكي” الذي يُشبه في ضبابيته حدود الدّولة التي أنْشَأها الكيان الصهيوني على أرض شعب فلسطين، فلا أحد يعرف أين تبدأ حُدُود الأمن القومي الأمريكي وأين تنتهي، فهي على ما يبدو تشمل جميع أجواء العالم وبحاره وبَرَارِيه، وتدّعي الولايات المتحدة الدّفاع عن حرية الملاحة، تلك الملاحة التي تَحْظرها على السّفن التي تقترب من جزيرة كوبا أو من فنزويلا وكوريا الشمالية، وكانت صواريخ المقاومة مُوَجّهَة إلى السفن الصّهيونية أو المُتعاملة مع الكيان الصّهيوني، إلى أن أعلنت الحكومة الأمريكية الحرب – تضامنًا مع الكيان الصهيوني – من خلال إنشاء وقيادة قُوّة عسكرية دولية في البحر الأحمر، بعد عَجْزِ قوات السعودية والإمارات والمرتزقة والقوات الخاصة للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها عن إلحاق الهزيمة بالمقاومة اليمنية التي تُدافع عن أراضي اليمن وحدوده البحرية (البحر الأحمر) والبَرِّيّة، وأعلن مسؤولون أمريكيون إن حكومة بلادهم تُخَطّط لإعادة ترسيم المقاومة اليمنية ضمن قائمة المنظمات الإرهابية بعد أن شطبتها منها سنة 2021…

لا يحظى إنشاء القوة العسكرية الدّولية – بقيادة الولايات المتحدة – بإجماع حلفاء أمريكا من حلف شمال الأطلسي، بينما تتردّد قيادات الإتحاد الأوروبي (رغم إعلانها الدّعم المبدئي للولايات المتحدة وبريطانيا) وتمتنع دول أخرى، مثل فرنسا – على سبيل المثال – عن المُشاركة، وأعلنت السعودية والإمارات ومصر عن المُشاركة (وهي التي شاركت في العدوان على العراق وسوريا وليبيا واليمن)، فيما أعلن بعض المديرين التنفيذيين للمجموعات المصرفية الدولية في منتدى دافوس عدم ارتياحهم للتصعيد الأمريكي في البحر الأحمر لأنه “قد يسبب ضغوطا تضخمية وقد يؤدي إلى تأخير أو عكس تخفيضات أسعار الفائدة وتعريض الآمال في هبوط اقتصادي ناعم في الولايات المتحدة للخطر… كما تؤدّي اضطرابات البحر الأحمر إلى تعطيل الواردات الأوروبية وارتفاع تكلفة البضائع القادمة من آسيا إلى أوروبا وإلحاق الضّرر بالمستهلكين الأوروبيين وبالاقتصادات المتقدمة فضلا عن ارتفاع أقساط التأمين على الشحنات العابرة للبحر الأحمر…

أدّى التّأخير في تسليم المواد الخام إلى احتمال وقف الإنتاج في أربعة مصانع مملوكة لشركة صناعة الإطارات الفرنسية ميشلان، بأسبانيا، بسبب توقُّف سفن الحاويات مؤقتًا عن عبور البحر الأحمر، أو تغيير مسارها من البحر الأحمر المؤدي إلى قناة السويس، أسرع طريق شحن من آسيا إلى أوروبا (تمر حوالي 12% من حركة الشحن العالمية من هذه الطريق)، للإبحار حول رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا بدلاً من ذلك، مع تأخير بمعدل 12 يوما للرحلة الواحدة، وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال يوم الثلاثاء 16 كانون الثاني/نوفمبر 2014، أن الولايات المتحدة أوقفت جميع الشحنات عبر البحر الأحمر إلى أجل غير مسمى، فيما أوردت وكالة رويترز، يوم الإربعاء 17 كانون الثاني/يناير 2024، تحذيرات الرأسماليين ورجال الأعمال المُشاركين في منتدى دافوس من تعطيل الشحن الذي قد يؤثر على سلاسل الإمداد لعدّة أشهر ويؤدي إلى نقص الناقلات اللازمة لنقل الوقود وإلى ارتفاع أسعار الشحن التي تضاعفت خلال شهر كانون الأول/ديسمبر 2023، وإلى تباطؤ التجارة بين آسيا وأوروبا عبر البحر الأحمر، أحد أهم شرايين التجارة وسلاسل الإمداد العالمية، وتتخوف السلطات الإيطالية من استمرار تعطيل الموانئ الإيطالية التي أثّرت على تدفق الإمدادات وعلى نشاط الشركات…

 

 

 

تركيا الأطلسية المُتَصَهْيِنَة:

لم تُدِن الحكومة التركية العملية التي نفّذتها المقاومة الفلسطينية يوم السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، وتُدِين الحكومة التّركية ظاهريًّا “الأعمال التي ترتكبها إسرائيل في غزة”، ويُصَرّح الرئيس التّركي وأعضاء حكومته وحزبه “العدالة والتنمية” (إخوان مسلمون) بضرورة إحالة ملف الإحتلال الصّهيوني إلى المحكمة الجنائية جرّاء الجرائم التي يرتكبها جيش الإحتلال في غزة (وليس في الأراضي الفلسطينية الأخرى؟)، وَشَّبَه الرئيس أردوغان علنًا “نتنياهو” بهتلر بسبب “جرائم الحرب الإسرائيلية المرتكبة في غزة”، غير إن الوقائع تُكَذِّبُ التّصريحات العَنْتَرِية لرجب طيب أردوغان وصَحْبه، فقد ارتفعت قيمة صادرات تركيا نحو الكيان الصهيوني، سنة 2023، بنسبة 34,8% من 319,5 مليون دولار خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر إلى 430,6 مليون دولار بنهاية كانون الأول/ديسمبر 2023، وبينما دعا “بلال”، أحد أبناء أردوغان إلى مُقاطعة الكيان الصهيوني، كان شقيقه ( بوراك) يعقد الصفقات التجارية مع الصهاينة وكانت سُفُنُه تحمل السلع التركية إلى فلسطين المحتلة، بدون انقطاع، وتواصلت العلاقات التجارية والسياحية والعسكرية حيث شحنت السفن التركية، انطلاقًا من ميناء “جيهان”، أسلحة إلى الجيش الصهيوني، ودافع وزير الحرب التركي “هاكان فيدان” خلال تصريح علني يوم 01 كانون الأول/ديسمبر 2023، عن “فوائد التجارة الثنائية بين تركيا وإسرائيل، التي لا تضر بالقضية الفلسطينية”، وقَدَّرَ معهد الإحصاء التركي (TurkStat) صادرات الأسلحة التّركية إلى الكيان الصهيوني، خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر 2023، بقيمة 105 آلاف دولار، وبلغت القيمة المُعْلَنَة لهذه الصادرات الحربية طيلة سنة 2023، بأكثر من 823 ألف دولارا

 

تونس

تميّزت العلاقات بين حكومة تونس وصندوق النّقد الدّولي بالإضطراب والتّوتُّر منذ الرّبع الأخير من سنة 2022، وطلبت السّلطات التُّونسية – التي أشارت إلى ضّغوط وشروط الصّندوق التي قد تُؤَدِّي إلى تهديد الأمن الإجتماعي للبلاد – إلغاء الزيارة التي كانت مُقَرَّرَة لبعثة صندوق النّقد الدّولي إلى تونس في كانون الأول/ديسمبر 2023، وتم تأجيلها إلى أجل غير مُحَدّد، وفي الخامس من كانون الثاني/يناير 2024، أدرج صندوق النقد الدولي تونس، لأول مرة، منذ أكثر من ستة عُقُود، ضمن قائمته السلبية المُحَيَّنَة، وهي قائمة الدّول التي طالت المفاوضات مع حكوماتها وتجاوزت 15 شهرًا، ومن بينها فينزويلا واليمن وبلاروسيا وتشاد وهايتي وميانمار وقد يُعَسِّرُ هذا التّصنيفُ الحصولَ على تمويلات خارجية،لأن الدّول الغنيّة تشترط التّوصّل إلى اتفاق مع صندوق النّقد الدّولي قبل الموافقة على القُروض في إطار الاتفاقات الثنائية،

تُؤَدِّي بعثات صندوق النّقد الدّولي ما لا يقل عن أربع زيارات بالإضافة إلى “المشاورات” السّنوية التي تُتِيح لبعثة الصّندوق الإقامة بتونس على حساب قُوت الشّعب والإطلاع على كافة الوثائق الرسمية ولقاء الأحزاب والنقابات والجمعيات وموظفي الدّولة، بهدف “الاطلاع على الأداء الاقتصادي للبلاد”، ويُطالب الدّائنون، وفي طليعتهم صندوق النقد الدّولي وأخوه البنك العالمي كافة البلدان المُقْتَرِضَة بتنفيذ “برامج إصلاح هيكلي” أو “تَكَيُّف اقتصادي” يتضمن خفض الإنفاق الحكومي (باستثناء الإنفاق العسكري والأمْنِي) وإلغاء نظام الدعم لأسعار السلع والخدمات الأساسية، وإلغاء دعم قطاعات الفلاحة والنقل والسّكن، وإلغاء الوظائف وخفض الأجور وزيادة الضرائب غير المباشرة وخصخصة مؤسسات القطاع العام وخفض قيمة العُملة المَحلّيّة التي خسرت 52% من قيمتها (مقابل الدّولار) خلال عشر سنوات، أي منذ سنة 2013، سنة الإغتيالات السياسية للمُعارضين لأداء حكومات الإخوان المسلمين…

استمر الوضع المالي هَشًّا وبقيت الدّولة التونسية مُهَدّدة بالتّخلّف عن سداد الدّيون التي حل أجل تسديدها، وعجزت الدّولة عن توريد الحبوب ومشتقاتها والأرز والحليب والسّكّر والقهوة، والأدوية، ولئن نجحت الحكومة في الخروج من هذا الوضع السّيّء للغاية وتخفيض العجز التجاري وعجز ميزانية سنة 2023، فإن ذلك كان على حساب المواطنين الذين لا يُمكّنهم دخلهم الضّعيف من مُواكبة الإرتفاع الجنوني للأسعار وشح العديد من السّلع والأدوية، وقَدّرت وزارة المالية – من خلال وثيقة موازنة 2024 – حجم القُروض التي تحتاجها الحكومة هذا العام (2024) بنحو 28,4 مليار دينارًا أو ما يُعادل 9,2 مليار دولارا، منها 5,3 مليار دولارا من القُروض بالعملات الأجنبية، وأعلن الرئيس قيس سعيد استبعاد اللجوء إلى صندوق النّقد الدّولي بسبب الشروط القاسية التي يفرضها بعنوان “الإصلاحات الإقتصادية والمالية” التي أدّت إلى تَغَوُّل المنظومة المصرفية التي أقرضت الدّولة بفائدة مرتفعة، ما جعل قطاع المصارف يُحقق أرباحًا بنسبة 13% سنة 2022، وقد تكون أعلى من ذلك سنة 2023…

تضاعف حجم الدُّيُون الخارجية، بين سنتَيْ 2012 و 2021، وارتفع حجم التداين بنسبة 20% بسبب خفض قيمة العملة المحلية (الدينار) أما الدّيْن العام فقد ارتفع بنسبة 30,5% من الناتج المَحلِّي الإجمالي، خلال خمس سنوات ( من 2013 إلى 2018) – وردت معظم البيانات بموقع وكالة تونس إفريقيا للأنباء التي تم الإطلاع عليها يوم العاشر من كانون الثاني/يناير 2024

 

هشاشة الوظائف

حذرت منظمة العمل الدولية منذ بداية سنة 2023 من أن أصحاب العمل يستغلون الأزمات الأزمة الاقتصادية لإجبار المزيد من العمال على قبول وظائف غير مستقرة وذات جودة منخفضة وزهيدة الأجر دون حماية اجتماعية، مما يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة، كما أشارت المنظمة إن تباطؤ النمو الاقتصادي وتراجع التَّوْظِيف وارتفاع تكاليف المعيشة يهدد بدفع المزيد من الناس إلى الفقر، في حين تزداد الحاجة إلى العمل اللائق والعدالة الاجتماعية، وتوقّعت أن لا يتجاوز النمو العالمي – سنة 2023 – نسبة 1% (مقارنة بـ 2% سنة 2022)، ومن المتوقع أن يرتفع مُعدّل البطالة العالمية إلى 5,8%، أي أكثر من 3 ملايين شخص في عام 2022، بتفاوتات كبيرة بين الدّول، علاوة على ذلك، بلغ عدد العاملين بالقطاع غير الرّسمي، سنة 2022 حوالي ملْيَارَيْ عامل ويعيش 214 مليون عامل في فقر مدقع (بدخل يَقِلُّ عن 1,90 دولار في اليوم)، أو حوالي 6,4% من عمال العالم، فيما يتجاوز معدل البطالة 8,5% في الدول العربية و7,4% في دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وترتفع نسبة البطالة لدى فئات النساء والشباب.

عمالة الأطفال

كما يستغل أصحاب العمل الفقر لتشغيل الأطفال، وقَدَّرَ تقرير مشترك لمنظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في بداية العام 2020، إن أكثر من 160 مليون طفل – 63 مليون فتاة و97 مليون فتى – يضطرّون للعمل (168 مليونًا سنة 2021)، أو 8,4 مليون إضافِيّين بين سنتَيْ 2017 و 2020، أو واحد من كل عشرة أطفال تقريبًا في العالم، ويقوم ما يقرب من نصف هؤلاء الأطفال بأعمال خطيرة تهدد صحتهم الجسدية والعقلية، وأشار تقرير لمنظمة العمل الدولية نشر سنة 2022 إلى زيادة في عدد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 11 سنة الذين يقومون بأعمال خطرة، ولئن انخفض معدل انتشار عمالة الأطفال في آسيا وأمريكا الجنوبية، فإنه زاد في أفريقيا بين سَنَتَيْ 2012 و2021.

 

نيجيريا، استعمار أخضر غير مباشر

توسّعت مجموعة الملياردير الفرنسي “فانسنت بولوريه” في إفريقيا بفعل علاقاته مع السّلطة وبالأخص نيكولا ساركوزي ومن جاء بعده، وتمتلك إحدى شركاته (سوكفين – Socfin ) في جنوب نيجيريا، مزرعة ضخمة للمطاط ونخيل الزيتفي جنوب نيجيريا، أكبر دولة إفريقية بعدد السّكّان ( 215 مليون نسمة) وبحجم الناتج المحلّي الإجمالي (441 مليار دولارا سنة 2021) وهي أكبر منتج إفريقي للمحروقات، وأدّى فساد السلطات المتتالية في نيجيريا إلى استغلال سُكّانها ( وكذلك سكان مصر والهند…) من قِبَل شركات الأدوية لإجراء التجارب السَّرِيرِيّة قبل الحصول على ترخيص لترويجها في الأسواق، ومن قِبَل الشركات العابرة للقارات في مجالات عديدة من بينها شركات المزارع الكُبرى مثل “سوكفين – Socfin ” التي واجه السّكّان المحلِّيُّون تَوسُّعَها الذي أدّى إلى مُصادرة الأراضي والتهجير القَسْرِي للسّكّان وتلوث المياه والبطالة، وفق “مرصد الشركات متعدّدة الجنسيات”، وأنشأت مجموعة بولوريه شركة أخرى تحت إسم ( Okomu Oil Palm Company PLC ) تُدِير مزرعة مطاط شاسعة (ثمانية آلاف هكتار) ومزرعة نخيل الزيت بمساحة عشرين ألف هكتار جنوب غرب ولاية إيدو بنيجيريا، يتم تصدير إنتاجهما إلى أوروبا، وقُدِّرت أرباح المزرعَتَيْن بأكثر من أربعين مليون دولارا سنة 2021 وبنحو ستين مليون دولار سنة 2022، ولا يجني السّكّان الذين رَفَضُوا منذ سنة 2010 التوقيع على مذكرة تفاهم، سوى التلوث والفقر، وتنص مذكرة التفاهم هذه أن يعترف السّكّان القرويون بأن أراضيهم مملوكة لشركة أوكومو لزيت النخيل وأنهم مجرد مستأجرين…

يتهم السكان الشركة بتهديم ثلاث قرى وحرمان الأطفال من مدارسهم وتدمير الأراضي الزراعية، بين سنتَيْ 2005 و 2008، مما أدى إلى التهجير القسري للسكان الأصليين، وتدمير الأراضي الزراعية لتوسيع مزارع الشركة التي استحوذت على حوالي أَربعة آلاف هكتار إضافية لتُسيطر على أكثر من 33 ألف هكتار من الأراضي الزراعية على ضفاف النّهر الذي كان يستخدمه المُزارعون لرَيّ أراضيهم، كما استحوذت على مَحْمِيّة غابات أوكومو، بتواطؤ من السّلطات المَحلِّيّة والحكومة التي لم تَسْتَشِر السّكّان ولم تدفع لهم تعويضات وبقي سُكّان قُرى ومنطقة أوكومو معزولين لا يمكنهم التنقل سوى عبر الأراضي التي استحوذت عليها الشركة وأصبحت ملكًا لها، ما حَرَمَ السكان الصيادين والمزارعين من نقل منتجاتهم إلى سوق المدينة.والأطفال من الوصول إلى المدرسة البعيدة عن المُخَيّمات التي نُقِلُوا إليها، ثم حَفَرت شركة “سوكفين” خندقًا ضخمًا حول مزرعتها سنة 2022، ولم يعد بإمكان السكان الدخول أو الخروج.، خصوصًا خلال موسم الأمطار، حيث تُلَوِّثُ مياه الخنادق المحملة بالأسمدة نهر “أوكومو”، المصدر الوحيد لمياه الشرب، وتقتل الأسماك، ونظّم السّكّان احتجاجًا خلال شهر أيار/مايو 2022، عند مدخل الشركة، مطالبين بإغلاق الخندق وبإعادة فتح الطريق الوحيد المؤدي إلى قراهم وأطلقت مليشيات الشركة النّار على المتظاهرين وجرحت بعضهم، وفق بعض أشرطة الفيديو التي نشرتها منظمة حقوق البيئة النيجيرية ( ERA ) وبعد ستة أشهر من الإحتجاجات فتحت الشركة بوابة لعبور السّكّان، لكن الشركة لا تزال تضخ المياه المُلوثّة من المزرعة نحو نهر أوكومو الذي أصبحت مياهه تحتوي على مستويات عالية من المواد الصلبة الذائبة والكلور والأسمدة الكيماوية، فضلا عن مستويات عالية من الأكسجين المذاب الذي يمكن أن يضر الإنسان والحيوانات والأسماك والحياة البَرِّيّة والبحرية، وقَدّمَ السّكّان المحلّيّون شكاوى عديدة إلى رئاسة الجمهورية والمحافظ، دون نتيجة…

 

منظمات دولية إقليمية – منظمة شنغهاي للتعاون

أسست الصين وروسيا وكازاخستان وقيرغيستان وطاجيكستان وأوزباكستان منظمة شنغهاي للتعاون سنة 2001، لتحل محل “مجموعة شنغهاي” التي نشأت سنة 1996، وهي منظمة حكومية دولية أوروآسيوية ذات توجه سياسي واقتصادي وأمني. تستند المنظمة إلى ما يُسمّى بـ“روح شنغهاي”، وهي بذلك تركّز على بناء الثقة المتبادلة وحسن الجوار بين الدول الأعضاء، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. كانت المنظمة تعنى في بداياتها بالمسائل المتعلقة بالأمن بشكل أساسي، مثل مكافحة الإرهاب والنزعات الانفصالية والتطرف الديني وتجارة المخدرات، ثم توسعت تدريجيًا لتشمل الهند وباكستان ولتُصبحَ – في فترة قصيرة نسبيا – أكبر منظمة إقليمية في أوراسيا، حيث يمثّل الدول الأعضاء ما يقرب من 40% من سكان العالم، وثلث الناتج الاقتصادي العالمي، وتستعدّ للنظر في طلبات الإنضمام التي قدّمتها دول أخرى، بعد ضَمّ إيران ومُشاركة مصر وقَطَر كملاحِظَيْن خلال قمّة سمرقند (أيلول/سبتمبر 2022 ) قبل التحاق الإمارات والسعودية والبحرَيْن والكُوَيت، ما ساهم في تعزيز التبادل التّجاري بين مَشْيَخات الخليج ودول جنوب وشرق آسيا وبالخصوص مع الصّين، ثاني أكبر اقتصاد عالمي، وكانت الصّين قد طرحت ( بدعم من روسيا والهند وهي دول عضوة في مجموعة بريكس) تمويل مشاريع البنى التحتية في منطقة غربي وشرقي آسيا التي تحتاج إلى الطرقات البرّية والحديدية والموانئ البحرية والجوية وخطوط الإتصالات ونقل المحروقات والكهرباء، دون فَرْض شُرُوط سياسية، ما يُعَدُّ منفَذًا للدّول التي تستهدفها عُقوبات الولايات المتحدة، مثل روسيا وإيران، غير إن الصّين تبتَزُّ هذه الدّول (إيران وروسيا) من خلال فَرْض شراء المحروقات بأسعار مُتَدَنِّيَة ومن خلال زيادة صادراتها نحو هذه الدّول وغزْوِ أسواقها، كما استفادت الصّين من اهتمام دُوَيْلات الخليج بمنظمة شنغهاي لتصبح الصين أكبر شريك تجاري لها سنة 2021، بقيمة 230 مليار دولار، أو حوالي أربعة أضعاف حجم التجارة بين دويلات مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة، فضلاً عن التعامل بالعملة الصينية “الرنمينبي”، في مجال الطاقة، واستفادت الصين من توسيع مبادرة الحزام والطريق (طرق الحرير الجديدة) وزيادة استثماراتها لتبلغ 140 مليار دولار في الخليج وتعمل الصين على توسيع نفوذها الإقتصادي ليشمل النقل والصناعة والإتصالات والطاقات المتجددة، في إطار استراتيجيتها من أجل الإطاحة بنظام “القُطب الواحد” الذي تُهيمن عليه الولايات المتحدة، وبناء “عالم مُتعدّد الأقطاب”…

لا تزال منظمة شنغهاي للتعاون هَشّة لكنها نشأت وتمكّنت من التّوسُّع في منطقة كانت منطقة نفوذ أمريكي، وتتحول تدريجيًّا إلى منطقة نفوذ القوى المَحَلِّيّة، مثل روسيا والصّين

 

صناعة السيارات – منافسة

ارتفعت مبيعات السيارات الصينية بنسبة 62% وارتفع حجم صادراتها بشكل ملحوظ، بفعل تَطَوُّر صناعة السيارات الكهربائية، ما جعل جمعية سيارات الركاب الصينية تتوقّع خلال مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء 09 كانون الثاني/يناير 2024 أن تتفوق الصين على اليابان كأكبر مُصَدّر للسيارات في العالم سنة 2023، كما أصبحت الصين أكبر سوق للسيارات في العالم، ومن المتوقع أن يصل إجمالي صادرات الصين من السيارات إلى 5,26 مليون وحدة للعام 2023 بأكمله بقيمة حوالي 102 مليار دولار أمريكي، فيما لا يُتَوَقَّعُ أن تتجاوز صادرات اليابان للعام بأكمله حوالي 4,3 مليون وحدة، وفقًا للجمعية الصّينية، وتفوقت شركة “بي ي ودي” ( BYD) الصينية على شركة تسلا الأمريكية في مبيعات السيارات الكهربائية خلال الربع الرابع من سنة 2023، ما أثار خوف شركات صناعة السيارات الأمريكية والألمانية واليابانية، التي كانت تحتكر الأسواق العالمية، وحاولت السلطات الأمريكية والمفوضية الأوروبية ( الهيئة العُليا للإتحاد الأوروبي، والتي تُمثل الحكومات ) عرقلة التقدم الصيني، ففتحت تحقيقات خلال شهر أيلول/سبتمبر 2023، بشأن الدّعم الحكومي للسيارات الكهربائية الصينية، كمُقدّمة لرفع قيمة الرُّسُوم الجمركية على السلع الصينية، بما فيها الألواح الشمسية والحواسيب والهواتف المحمولة والسيارات الكهربائية، وبعضها تصنعه شركات أوروبية وأمريكية في الصّين التي غَيّرت توجهاتها الإقتصادية منذ أزمة 2008/2009 – دون الخروج عن مبادئ الإقتصاد الرأسمالي – فزادات الأُجُور وشجّعت الفئات الوسطى الصينية على شراء السيارات والتجهيزات المنزلية الجديدة، من خلال تقديم دعم مالي، وبذلك أصبحت برامج التنمية تعتمد على ارتفاع الطّلب الدّاخلي، بدل الإعتماد على التّصْدِير، ولذلك انتعشت سوق السيارات المحلية في الصين، وهي الأكبر في العالم، سنة 2023، حيث ارتفعت مبيعات السيارات بنسبة 5,3% إلى 21,93 مليون للعام الثالث على التوالي من النمو، وارتفعت مبيعات السيارات التي تعمل بالبطاريات النقية في الصين بنسبة 742% في عام 2022 وبنسبة 20,8% سنة 2023، ونمت مبيعات السيارات الهجينة، وهي بأسعار معقولة اقتصاديًا أكثر من السيارات الكهربائية النقية، بنسبة 160,5% سنة 2022 وبنسبة 82,5% سنة 2023، وبالمقابل انخفضت مبيعات السيارات الأجنبية في الصين، وأعلنت شركة الهواتف المحمولة “شوامي” ( Xiaomi ) دُخول سوق صناعة السيارات الكهربائية وتهدف أن تصبح واحدة من أكبر خمس شركات لصناعة السيارات في العالم، وفق ما أوردَتْهُ وكالة رويترز 09 كانون الثاني/يناير 2024

التعليقات مغلقة.