هل يدرك المخططون الاستراتيجيون الأميركيون أن ساعة 7 أكتوبر قد أطاحت بـ”اسرائيل” الوظيفة والدور وجعلت منها عبئاً استراتيجياً؟ / الياس فاخوري

566

الياس فاخوري ( الأردن ) – الإثنين 6/11/2023 م …

(==) حيثما وردت كلمة ” ديانا ” في مقالات الكاتب، فهي تعني تحديدا زوجته الراحلة الكبيرة والمفكرة القومية ، شهيدة الكلمة الحرة والموقف الوطني ” ديانا فاخوري “… والصورة أعلاه لهما معا …

هل يدرك المخططون الاستراتيجيون الأميركيون أن “اسرائيل” لم تعد قادرة على الصمود من دون وجود مباشر للولايات المتحدة، وأنها فقدت دورها كقوة صدم أميركية في الشرق الأوسط، ولم يعد للاميركيين حاجة بها خاصة وقد أسقطت ساعة 7 أكتوبر/تشرين الأول “اسرائيل” الوظيفة والدور وجعلت منها عبئاً استراتيجياً!!؟

وهل ندرك، نحن العرب، وقد كُنّا “خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ” (آل عمران – 110)، أنه آن لنا ان نشفى من “المرض الأميركي” ونتعافى من “اللعنة الأميركية” فنخرج من الستاتيكو القبلي، ومن ثقافة داحس والغبراء، ومن قاع الازمنة ومن قاع الأيدولوجيات، ومن ثقافة شهرزاد والف ليلة وليلة!؟

الى جانب مواقف “ديموقراطيون من اجل العدالة” (Justice Democrats)، والسكان الأصليين (Turtle Island)، ورشيدة طليب، وانايا بريسلي مثلاً، هل يشكل تطرق “فورين بوليسي” لعاصفة داخل وزارة الخارجية، وداخل أجهزة الأمن القومي، وحتى داخل الوكالة الدولية للتنمية ضد السياسة الأميركية في غزة – هل يشكل هَذا مؤشراً تغييراً لما يحدث في أميركا في ظل وضع يزداد ضغطاً في الشارعين الغربي والعربي ومواقف تأخذ بالتبدل على الساحة الدولية!؟

فها هم وزراء سابقون للدفاع والخارجية، ومسؤولون سابقون في مجلس الأمن القومي يحذرون من “الانزلاق الى الوحول اللاهوتية في الشرق الأوسط” .. وها هي تظاهرات الاحتجاج على أبواب البيت الأبيض وفي العديد من الولايات الأميركية، كما هي عليه في الغرب!

اما روبرت كاغان (Robert Kagan)، وهو احد قادة المحافظين الجدد (American neoconservative scholar)، فيؤكد ان شيئاً غامضاً يحدث في الشّرق الاوسط!

لربما اذهلته ساعة 7 اوكتوبر/تشرين الاول حيث ظهر ابناء الله في الميدان يمتطون الدراجات النارية (لا مدمرات، لا دبابات، لا بوارج، لا فرقاطات، لا حاملات سفن، لا غواصات، ولا قاذفات) وهم يحتلون المستوطنات الحصينة، ويقبضون على الضباط والجنود “الاسرائيليين” وهم عراة الا من الملابس الداخلية!

ولربما أذهلته خشية هنري كيسنجر، وقد بلغ المئة، أن تفارق “اسرائيل” الدنيا قبل أن يفارقها هو!

وهل تراه، هو الاخر، ادرك ان لا مكان ل”اسرائيل” في المنطقة ما دامت القنبلة الفلسطينية على ذلك الصفيح الساخن!؟

وهل هي الضربة القاضية على رأس جو بايدن حيث تدنت قاعدته الشعبية من 59% عام 2020 الى 17% الآن؟

وهل يدرك الجميع ان تهديد عميحاي الياهو (الوزير الاسرائيلي الحالي وأحد رموز التيار الديني المتطرف) باستخدام السلاح النووي للتخلص من غزة ان هو الا اعتراف بالهزيمة (اليأس من الفوز بهذه الحرب، وتعبير عن حجم المأزق الكبير الذي تواجهه العملية البرية، وحجم الخسائر الكبير الذي يتكبّده جيش الاحتلال)!؟

وهل يدرك الجميع ان السلاح النووي الذي بحوزة الكيان المحتل ان هو الا عهدة أميركية بالكامل، ولن يتسنى استخدامه إلا بقرار أميركي الامر الذي يؤدي لابادة الكيان من ناحية، ولنهاية المصالح الأميركية والحضور الأميركي في المنطقة من ناحية اخرى، الى جانب دعوة مباشرة وعملية لإيران لتفعيل برنامج نوويّ عسكريّ طالما رفضته رغم اتهامات دول المحور الاوروبيكي!؟

يقودنا هذا، بالضرورة، لمقال “ديانا فاخوري” المنشور على هذا الموقع في يناير/كانون الثاني 2019 بعنوان: “كما عبء التوراة على الإنجيل (العهد الجديد)، كذلك عبء اسرائيل على أمريكا والعالم!” حيث اشارت الى الدراسة المعروفة لجون ميرشايمر(John Mearsheimer) وستيفن والت (Stephen Walt): اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة (The Israel Lobby and U.S. Foreign Policy) .. وكانت هذه الدراسة بالذات قد اثارت ضجة ملحوظة ربما لكون المؤلفين ينتميان لصرحين علميين عملاقين هما جامعة شيكاغو (جون ميرشايمر)، وجامعة هارفارد (ستيفن والت)!

يؤكد المؤلفان ان السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل تتشكل على حساب الولايات المتحدة في معظم الأوقات، وتساءل “والت” عن الحكمة من العلاقة الخاصة القائمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، معتبراً إياها معادية للمصالح الاستراتيجية والدولية الأمريكية حول العالم. كما أوضح “ميرشايمر” أن جهود اللوبي الإسرائيلي تقوض المصالح الأمريكية! وعلى الرغم من أن إنشاء إسرائيل كان استجابة للمعاناة التي عرفها اليهود على مدار تاريخهم إلا أن ذلك تسبب في معاناة طرف ثالث هم الفلسطينيين. أما عن التفوق الأخلاقي لإسرائيل فقد أشار الأستاذان إلى أن إقامة دولة إسرائيل بالقوة صاحبه قيامها بأعمال تطهير عرقي وإعدامات، ومذابح واغتصاب بما يكذب أي ادعاءات بالتفوق الأخلاقي. أما عن الزعم بوجود قيم ديمقراطية مشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل فيقول “ميرشايمر” و”والت” إن تلك القيم غير موجودة في إسرائيل التي نشأت كدولة يهودية والتي تقوم المواطنة فيها على ما يسمونه مبدأ النقاء العرقي. وبالنسبة للزعم الخاص بأن إسرائيل تمثل مكسباً استراتيجياً فإن الباحثين يقولان إن وجود إسرائيل لم يحل مثلاً دون اندلاع الثورة الإيرانية، كما أنها كانت عبئاً في حروب الخليج، وفي الحرب على الإرهاب.

ورغم ذلك فإن الولايات المتحدة الأميريكية تغض النظر بل وتعطي إسرائيل الصلاحية في معارضة سياسة حلف الناتو واغمضت عينيها عن تطوير إسرائيل للأسلحة النووية وأحبطت وأجهضت وجمدت الجهود العربية لوضع الترسانة النووية الإسرائيلية على أجندة أعمال الوكالة الدولية للطاقة الذرية .. كما انخرطت الولايات المتحدة الأميركية في تغذية النزاعات والتفتيت والعبث بالخرائط وبالمصالح (والخطط والتوجهات المشبوهة في هذا الإطار تملأ تقارير مراكز الأبحاث الأميركية) .. وهي، جميعاً، تتحدث عن تقسيم المنطقة ودولها وتجزئتها وإعادة فكّها وتركيبها لمصلحة اسرائيل وحدها!

وهذا الرأي وهذا المنطق لم يكن قصرا على الدراسة الرصينة لكاتبيها “ميرشايمر” و”والت” وحدهما بل سبقهم الى ذلك وشاطرهم ويشاركهم كثيرون مثل “سمحا فلابان”، و”باروخ كيمرلنج”، و”بيني موريس”، و”الفريد ليلينثال”، و”نعوم تشومسكي”، و”شيري روبينبيرج”، و”نورمان فينكلشتاين” وغيرهم من الباحثين في امريكا والعالم .. كما أكد المرشح السابق لانتخابات الرئاسة “باتريك بوكانان” أن “هناك عصابة تسعى عمداً إلى توريط البلاد في سلسلة من الحروب التي ليست في مصلحة أميركا” .. واتهم السيناتور “إيرنست هولينجز” الرئيس “بوش” بشن حرب على دولة ذات سيادة (العراق) من أجل مصلحة إسرائيل.

وفي دراسة تحليلية بعنوان “الاستعداد لشرق اوسط مابعد اسرائيل” (قام بها المجتمع الاستخباراتي الامريكي الذي يتكون من 16 جهاز مخابرات وتصل ميزانيته السنوية الى 70 مليار دولار) تم التوصل الى ان المصالح القومية الاميركية تتعارض في الاساس مع اسرائيل الصهيونية. ويستنتج المؤلفون ان اسرائيل حاليا هي اكبر خطر على المصالح القومية الامريكية بسبب طبيعتها وتصرفاتها التي تمنع اقامة علاقات امريكية طبيعية مع الدول العربية والاسلامية والى حد ما المجتمع الدولي الاوسع. وتضيف الدراسة انه لا يمكن التغاضي عن التدخل الاسرائيلي الكبير في الشؤون الداخلية الامريكية من خلال التجسس وتهريب الاسلحة الامريكية غيرالشرعي. وهذا يشمل دعم اكثر من 60 منظمة واجهة وحوالي 7500 مسؤول امريكي يقومون بتنفيذ اوامر اسرائيل ويسعون الى ترهيب وسائل الاعلام والاجهزة الحكومية الامريكية والسيطرة عليها.

كما لم يعد لدى حكومة الولايات المتحدة الموارد المالية او الدعم الشعبي لاستمرار تمويل اسرائيل، ولم يعد ممكنا تقديم مايزيد على 3 ترليون دولار في شكل مساعدات مباشرة وغير مباشرة من دافعي الضرائب الامريكان لاسرائيل منذ 1967. وتشير الدراسة لتزايد الرفض الشعبي ضد استمرار التدخل العسكري الاميركي في الشرق الأوسط حيث لم يعد الرأي العام الامريكي يدعم تمويل وتنفيذ حروب امريكية غير شرعية لصالح اسرائيل. وهذا الرأي يسود ايضا اوربا وآسيا والمجتمع الدولي لى درجة كبيرة .. وتلقي الدراسة الضوء على حاجة الولايات المتحدة لاصلاح العلاقات مع العرب والمسلمين البالغ عددهم 1.8 مليار نسمة يؤمنون بأن احتلال فلسطين وسكانها الاصليين غير شرعي ولا اخلاقي ولا يمكن ان يدوم .. وتخلص الدراسة الى الحاجة لتجنب عبء تحالفات تنفر الكثيرين في العالم وتحمل المواطن الامريكي نتائجها فلم يعد من الممكن انقاذ اسرائيل بسبب احتلالها الغاشم وتصرفاتها العدوانية اكثر من انقاذ نظام جنوب افريقيا العنصري الامر الذي يشكل عقبة امام الآمال الامريكية في علاقاتاتها الثنائية مع 194 دولة في الامم المتحدة.

لم تشكل اسرائيل يوما مصلحة أميركية استراتيجية، بل كانت دوما عبئا استراتيجيا .. ولعقود عديده خلت ، وعلى أية حال ، وخاصة بعد حرب الأيام الستة عام 1967م  كان محور ومركز السياسة الأمريكية الخارجية وبوصلتها في منطقة الشرق الأوسط يتمثل ويتلخص بمصلحة اسرائيل على حساب المصالح الوطنية الاستراتيجية والمخاطرة بها عداك عن تعريض و كشف الأمن الأميركي القومي من أجل تقديم مصالح إسرائيل؟

هزمتك يا موت غزة وستمشي الأشجار على رؤوس أصابعها، تستقبل “ديانا” ومعها كلُّ أطفال فلسطين ..

الدائم هو الله، ودائمة هي فلسطين ..

نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..

– كاتب عربي أردني

التعليقات مغلقة.