الحزب الشيوعي المصري … التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية – دورة محمود أمين العالم- مارس 2022 + تعقيب د. سعيد النشائي

836

مدارات عربية – السبت 2/4/2022 م …

أولاً: الوضع الدولي:

يتابع الحزب الشيوعي المصري باهتمام بالغ وقائع الحرب الروسية الأوكرانية، لما تسببه من مخاطر كبيرة على السلم العالمي، ومن مآسٍ إنسانية، ومن أزمات اقتصادية لن تكون مصر والمنطقة العربية والبلدان النامية بمنأى عن تبعاتها.

وقد نشبت هذه الحرب نتيجة لمحاولات قوى الإمبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو وقف التحولات الجارية على الساحة الدولية منذ سنوات وبقوة، من هيمنة القطب الأمريكي الواحد إلى عالم متعدد الأقطاب، وفي هذا الإطار تسعى أمريكا وحلف “الناتو” والتحالف الغربي إلىتقزيم دور روسيا في الساحة الدولية وتهديد أمنها الاستراتيجي، عن طريق تمدد حلف الناتو نحو بلدان الجوار الروسي، بعد أن ضم دول أوروبا الشرقية، ودول البلطيق الثلاث، ومحاولة ضم جورجيا، وأخيرا التلويح بضم أوكرانيا. كما قام الحلف بنشر الدرع الصاروخي على حدود بعض البلدان المتاخمة للحدود الروسية، وبخاصة، البولندية، وقامت مخابرات دول الحلف بتحريك الاضطرابات في كازاخستان وتحريك التوترات بين أرمينيا وأذربيجان.لقد دعم حلف الناتو ما سمي بالثورات الملونة، والتي أطاحت بالحكومة الأوكرانية المنتخبة عام 2014، وتم على إثر ذلك استيلاء الحكومة الموالية لأمريكا على قمة السلطة في أوكرانيا، وأخذوا في تكوين منظمات فاشية وعنصرية استهدفت الأقليات العرقية، وبخاصة الأقلية الناطقة بالروسية، والأخطر هو التلويح بالانضمام إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، وباستعادة أوكرانيا لقدراتها النووية التي ورثتها عن الحقبة السوفييتية قبل أن تتنازل عنها بحسب بنود اتفاقية الاستقلال. وهو ما جعل الإدارة الروسية تعتبر ذلك كله نوعا من التحدي العدواني والتهديد السافر لأمنها القومي.

واستخدمت أمريكا السلطة الأوكرانية كطعم وحرضتها على المماطلة وعدم احترام اتفاقية مينسك وذلك لجر روسيا وتوريطها في الحرب بهدف استنزاف قواها، وقد استجابت القيادة الأوكرانية للإغراءات الأمريكية الأوروبية بالدعم والمساندة، دون أن تحسب العواقب التدميرية للحرب على شعبها.

ويرصد الحزب الشيوعي المصري، ومن منطلق الأمن القومي المصري والعربي، التداعيات الخطيرة للحرب ومآسيها الإنسانية، وآثارها السلبية على الاقتصاد العالمي، والتي ليس آخرها زيادة أسعار الوقود والقمح وزيادة معدلات التضخم وتهديد حركة التجارة الدولية، إضافة إلى المحاولات الأمريكية الدائمة لتفجير الحروب والتوترات في مناطق مختلفة من العالم، ومنها منطقتنا العربية مثلما حدث في العراق وسوريا وليبيا وغيرها، ومثلما يحدث من دعم مستمر للعدو الصهيوني واحتلاله للأراضي الفلسطينية والعربية وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني.

ويدعو حزبنا كل الشعوب والبلدان المحبة للسلام للتكاتف والضغط على التحالف الإمبريالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لإجهاض ووقف محاولات هذا الحلف الدائمة لإشعال التوترات في مناطق العالم وتفجير الحروب ودعم منظمات الإرهاب بهدف وقف حركة التاريخ واستعادة هيمنتها المنفردة على العالم.كما يدعو إلى الإسراع بالتوصل إلى حلول دبلوماسية سلمية لوقف الحرب الروسية الأوكرانية واحترام متطلبات الأمن القومي الروسي، واحترام حق كل البلدان في حماية حريتها وسيادتها وأمنها، ولكن ليس على حساب تهديد أمن دول الجوار أو أية دول أخرى.

ويرى حزبنا أنه قد آن الأوان لتحرك دولي وشعبي عالمي لإقامة نظام عالمي جديد يتصدر أولوياته حق كافة الدول والشعوب في السلام والتنمية والتعاون المتكافئ وعدم التدخل من قبل أية دولة في شئون الدول الأخرى، ويسعى لتحقيق عولمة إنسانية وديمقراطية تحقق مصالح الدول النامية والفقيرة بديلة للعولمة الرأسمالية المتوحشة.

ويعيش العالم في الوقت الراهن ظرفا دوليا بالغ الخطورة والتعقيد نتيجة لعملية التحول الموضوعية الجارية نحو عالم متعدد الأقطاب على جميع المستويات الاقتصادية والعسكرية والسياسية، ويتضح ذلك من التراجع الملحوظ لنفوذ ودور الولايات المتحدة الأمريكية في العديد من مناطق العالم (انسحابها من أفغانستان والعراق وفشلها في بسط نفوذها على إيران وفنزويلا وكوريا الشمالية) وبروز دور الصين التي أصبحت تلعب دوراً محورياً على مستوى العالم نتيجة لما حققته من تقدم مذهل على المستوى الاقتصادي وتطور كبير في قدراتها العسكرية بالإضافة إلى تعزيز علاقاتها وتزايد دورها السياسي مع معظم بلدان ومناطق العالم، كما تصاعد دور روسيا بشكل ملحوظ لاستعادة نفوذها كدولة عظمى وخاصة في المجال العسكري والجيوسياسي على مستوى العالم وفي معظم المناطق الملتهبة، فضلا عن بروز دور عدد من الدول والتكتلات الإقليمية الأخرى.

ومن جانب آخر تتعمق الأزمة العامة للرأسمالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تستطع التعافي تماما من تداعيات أزمة 2008، ويتضح ذلك في تدني معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم والبطالة والتصاعد الخطير في نفوذ أحزاب وقوى اليمين المتطرف في معظم البلدان الرأسمالية المتقدمة، واتجاه الاقتصاد الأمريكي إلى التخلي تدريجياً عن الصدارة الاقتصادية أمام النمو الصيني الجبار والمتسارع، بل ولجوء الولايات المتحدة إلى أساليب الحماية وفرض العقوبات لمواجهة ضعف قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية، وخاصة في المجال التكنولوجي المتطور والذكاء الاصطناعي. ومن الجدير بالذكر أن الحلف الغربي ليس متماسكا بشكل كبير، وهناك خلافات وتناقضات أمريكية أوروبية، تجلت في أزمة الغواصات الفرنسية لاستراليا، وكذلك في الموقف من الأزمة الروسية الأوكرانية وفرض العقوبات على الصين وإيران.

وقد حدثت في العامين الأخيرين تطورات خطيرة في العالم تنذر بعواقب كارثية، ولعل أبرزها أزمة كورونا وتداعياتها، (حيث بلغ مستوى الإصابات على مستوى العالم في نهاية يناير 2022 نحو 370 مليون إصابة وعدد الوفيات 5,6 مليون نسمة)، وتفاقم أزمة المناخ العالمي نتيجة التلوث البيئي وتهديده لمستقبل البشرية. وتتحمل الدول الرأسمالية الكبرى المسئولية الأساسية عن تفاقم هذه الأزمات التي لا تهدد دول العالم فقط، بل وبلدانها ذاتها بسبب طبيعتها الإمبريالية ومصالحها الأنانية التي لا تستهدف سوى تحقيق المزيد من الأرباح على حساب حياة البشر.

ونتيجة لهذه التطورات تزايدت النزعة العدوانية للامبريالية العالمية وحلف الناتو بسبب رفض الولايات المتحدة الاعتراف بالمتغيرات الجديدة وإصرارها على ممارسة أساليب الهيمنة والبلطجة والحصار وفرض العقوبات على العديد من دول ومناطق العالم، مستخدمة نفس الذرائع التي فقدت أية مصداقية لها، خاصة بعد أن شاهد العالم النتائج الكارثية للعدوان الأمريكي على العراق وأفغانستان، كما زاد الإنفاق العسكري للولايات المتحدة بشكل خطير يهدد السلم والأمن الدوليين، وعودة سباق التسلح بشكل لم يشهده العالم منذ نهاية الحرب الباردة.

وقد تجسدت هذه النزعة العدوانية للولايات المتحدة الأمريكية في تقارير الأمن القومي الأمريكي الأخيرة، والتي تؤكد أن الخطرين الرئيسيين على الولايات المتحدة يأتيان من الصين وروسيا الاتحادية؛ حيث تعتبر الولايات المتحدة أن الصين هي العدو والمنافس الاستراتيجي الأول لها. ولا شك أن القدرات الصناعية المتنامية الهائلة التي تتمتع بها الصين والمشروعات الاقتصادية العابرة للحدود مثل “مشروع الحزام والطريق” والتوسع في عقد العلاقات والشراكات الاقتصادية والسياسية مع مختلف البلدان والتفوق في مجال التكنولوجيا المتقدمة (الجيل الخامس) والذكاء الاصطناعي يقابلها تراجع في القدرات الاقتصادية والنفوذ الدولي للولايات المتحدة حيث أصبحت الولايات المتحدة أكبر دولة مدينة في العالم، وأصبح الدولار مهددا بالنزول من عرشه تدريجيا.

ومن هنا تبرز الحاجة الأمريكية لإيقاف تنامي القدرات الاقتصادية والعسكرية للصين. وهي في سبيل ذلك لن تتورع عن استخدام أساليب الترويع والتهديد لمنع العديد من دول العالم من التعاون مع الصين، وخاصة في المجالات العسكرية والتكنولوجية المتقدمة، كما حدث مع الإمارات مثلاً، وفي استخدام وسائل أكثر خطورة على الاستقرار والسلم العالميين. ولذلك تسعى الولايات المتحدة الأمريكية بكل الوسائل لاحتواء الصين وتشويه سمعتها؛ تارة بنشر الأكاذيب حولها بذريعة حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ، وتارة أخرى باللجوء إلى التصعيد العسكري والقيام بمناورات في منطقة بحر الصين الجنوبي وتحريض تايوان على استفزاز الصين، وإقامة حلف عسكري مع بريطانيا واستراليا لحصار الصين.

وفي مواجهة الغطرسة والممارسات العدوانية الأمريكية ينتج لدينا تناقض على مستوى العالم يجمع كلا من روسيا والصين وحلفائهما في ناحية والولايات المتحدة وحلفائها خاصة في حلف الناتو من ناحية أخرى، وهو التناقض الذي ينعكس في معظم بؤر الصراع والتوتر في العالم وعند تسوية النزاعات في مجلس الأمن [إيران – أفغانستان – فنزويلا – كوريا – سوريا – ليبيا – اليمن والموقف من الجماعات الإرهابية]. ومما يجعل المشهد أكثر سيولة وتعقيدا عدم وضوح وتذبذب وانتقال مواقف العديد من الدول الإقليمية في ظل هذا الصراع العالمي تبعاً لمصالحها والضغوط الواقعة عليها، ولعل تركيا هي خير مثال على ذلك.

ولا شك أن نجاح قوى اليسار ومرشحي الأحزاب الاشتراكية في انتخابات العديد من دول أمريكا الجنوبية -وآخرها في شيلي- في مواجهة مرشحي قوى اليمين المتطرف والليبرالي المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية هو مؤشر مهم على إدراك شعوب هذه الدول أن اليسار الاشتراكي هو القادر على إنقاذها من براثن التبعية والفقر والجوع والمرض، والسير في خطط تنمية حقيقية، خاصة وأنها اكتوت من الممارسات والسياسات النيوليبرالية للرأسمالية المتوحشة. ومن اللافت أن صعود موجة المد اليساري في أمريكا اللاتينية يتواكب مع الصعود الخطير لنفوذ قوى اليمين المتطرف في العديد من الدول الأوروبية، مما يعكس مدى عمق أزمة الرأسمالية العالمية وفشلها في حل أزمات هذه البلدان.

ويرى الحزب الشيوعي المصري أنه من المهم التوقف عند بعض النقاط في الوضع الدولي:

  • إن التناقض الرئيسي على المستوى العالمي هو بين الإمبريالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبين شعوب ودول العالم وقواها التقدمية والديمقراطية الساعية إلى حماية وحدة واستقلال دولها الوطنية وتحقيق التنمية الشاملة المستدامة والتخلص من الهيمنة والتبعية والتخلف والاستبداد ومواجهة الإرهاب بشكل حاسم.

وعلى البلدان النامية والفقيرة أن تتحرك وتتخذ مواقفها انطلاقا من مصالحها الوطنية في ضوء الفهم العميق لهذا التناقض. ولا شك أن المتغيرات الدولية ووجود عالم متعدد الأقطاب يتيح للدول النامية والفقيرة إمكانيات أوسع لتحقيق التنمية واختيار طريق تطورها الاقتصادي وشكل الحكم الديمقراطي الملائم لها ورفض الضغوط من الدول الإمبريالية والتدخل في شئونها الداخلية.

  • إن الصراع العالمي بين الأقطاب المختلفة يدور أساساً على خلفية العولمة الرأسمالية، تسعى فيه كل دولة كبرى إلى تحقيق مصالحها الإستراتيجية، ورغم أنه لا تبرز على السطح في هذا الصراع شعارات أيديولوجية بين الاشتراكية والرأسمالية، إلا أن الاتهامات الأمريكية المضمرة والمعلنة للصين تستهدف الحزب الشيوعي الصيني الذي يقود الصين، ورفعه شعار الاشتراكية والديمقراطية الشعبية. وعلى القوى الاشتراكية والدول النامية والفقيرة وقوى التقدم في العالم أن تسعى إلى الاستفادة من التجربة الصينية في التنمية والتخلص من الفقر، ليس باستنساخها وإنما وفقا لظروفها وإمكاناتها الذاتية. وتعميق التعاون مع الصين في ضوء المبادرات التي تطرحها من أجل مستقبل مشترك للبشرية يقوم على التعاون والفوز المشترك ورفض الهيمنة والتدخل في شئون الدول الأخرى، لتحقيق المصالح المشتركة للصين وهذه البلدان.

ولا يجب أن يغيب عن بالنا أن الصراع الروسي-الغربي هو صراع بين نظم رأسمالية تسعى فيه كل منها لتحقيق مصالحها، ولكن الفارق الجوهري أن الخطر الأكبر وخاصة على منطقة الشرق الأوسط يأتي من الدول الإمبريالية أساساً، وأن مواقف وممارسات روسيا هي مواقف واضحة ضد الجماعات الإرهابية، كما أنها ترفض المخططات الغربية والأمريكية لتدمير وحدة العديد من هذه الدول وجيوشها الوطنية كما فعلت في سوريا والعراق وليبيا.

  • إن التناقضات الأساسية المستعصية على الحل للنظام الرأسمالي ما زالت تتفاقم؛ فبينما يمتلك 1٪ من أغنى أغنياء العالم وأصحاب الشركات الاحتكارية الكبرى أكثر من 50٪ من ثروات العالم، يعيش مئات الملايين في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية في أوضاع غير إنسانية، ويعانون من المجاعات والحروب والأوبئة والإرهاب وظروف التغير المناخي القاسية. وتظل الاشتراكية هي الوحيدة القادرة على إنقاذ البشرية ومواجهة الأزمات الوجودية وإحلال السلام وتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية لشعوب العالم وضمان حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولن يتحقق هذا الأمل إلا من خلال نضال دءوب ومثابر وطويل الأمد للدول الاشتراكية والأحزاب الشيوعية واليسارية وقوى التقدم والسلام وأنصار البيئة في العالم.

ثانياً: الوضع العربي والإقليمي:

من المؤكد أن أزمة سد النهضة تعتبر هي الأزمة الأكبر والأخطر على مصر من الناحية الإستراتيجية، فاستمرار تدفق مياه النيل يعد قضية وجود بالنسبة للدولة والإنسان في مصر. ومن الجدير بالذكر أن التهديد بقطع مياه النيل عن مصر هو قديم منذ الحروب الصليبية في القرن الثالث عشر، وتكرر هذا التهديد من قبل الولايات المتحدة في عهد الإمبراطور هيلاسلاسي بعد الشروع في بناء السد العالي. والآن تبدو إثيوبيا أكثر إصرارا على استكمال ملء السد دون اتفاق، مدفوعة ومدعومة في ذلك بقوى خارجية وإقليمية، وهو ما سيؤدي إلى جعل مصر تعاني من حالة فقر مائي خطير ورهن السيادة واستقلال القرار السياسي المصري إلى قوى خارجية يهمها امتلاك عنصر ضغط خطير يهدد حياة المصريين.

ولقد بذلت مصر جهودا سياسية ودبلوماسية مضنية في سبيل حل الأزمة على نحو سياسي سلمي، وتم إجراء سلسلة من المفاوضات الماراثونية لتصل كل هذه الجهود إلى طريق مسدود بسبب تعنت وصلف حكام إثيوبيا. بيد أن تطورا جديدا طرأ على المشهد الإثيوبي بعد أن هاجمت القوات الإثيوبية والإريترية إقليم تيجراي وقامت بقتل وتشريد الملايين بفظائع وخروقات وصلت إلى مستوى جرائم الحرب، مما أدى إلى فضح الحكومة الإثيوبية وأبي أحمد بشكل غير مسبوق أمام المنظمات الدولية ودول العالم، وهو ما سيؤثر عليها سلبيا في استكمال بناء السد بالمعدلات السابقة. ولقد تميز الموقف المصري إزاء كل هذه التطورات بقدر كبير من التعقل والتريث والإصرار على ضرورة الوصول إلى اتفاق ملزم بين مصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة، غير أنه لم يستفد من الجهود الشعبية التي قادتها الأحزاب والقوى السياسية المصرية، ولم يفتح المجال للتعبير بمختلف الوسائل عن الرفض الشعبي للتعنت الأثيوبي، باعتبارها معركة وجود للدولة والشعب معاً.

وفي ضوء الاستقطاب والتوتر الدولي وبتأثير كثير من مواقف أطرافه، تجري معظم أحداث منطقة الشرق الأوسط والقرن الإفريقي. ومن ناحية أخرى يبدو الوضع العربي أكثر تمزقاً من أي فترة مضت، حيث تتعرض القضية الفلسطينية لمخاطر التصفية في مواجهة المخطط الأمريكي الصهيوني، وتآمر عدد من الأنظمة العربية التي هرولت للتطبيع العلني الكامل مع إسرائيل، وسعيها لتكوين تحالف تتزعمه الولايات المتحدة ويجمع إسرائيل مع بعض بلدان الخليج وغيرها، مما يتيح لإسرائيل تنفيذ مخططاتها لابتلاع وتهويد باقي الأراضي الفلسطينية، وخاصة في الضفة الغربية، وتتويج إسرائيل كدولة إقليمية عظمى في المنطقة. وتواجه مصر خطراً وجوديا يتعلق باستمرار تدفق نهر النيل شريان الحياة للشعب المصري بسبب أزمة سد النهضة والتآمر الإثيوبي المدعوم من الإمبريالية وبعض دول المنطقة. كما يستمر مسلسل الأزمات التي تهدد الدول العربية كالعراق وسوريا واليمن وليبيا ولبنان والتي تواجه مخاطر التقسيم بسبب اشتداد الصراعات الطائفية والمذهبية والتدخل السافر من الدول الإقليمية في إطار المخطط الإمبريالي الصهيوني.

ولا شك أن خطر الإرهاب قد تراجع نسبياً في المنطقة في الآونة الأخيرة بسبب نجاح مصر في قطع شوط كبير في القضاء على الإرهاب في سيناء وعلى حدودها، ونتيجة لتطورات الأوضاع في سوريا والعراق وليبيا، ولكن هذا الخطر يظل قائماً خاصة بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان واستيلاء طالبان على السلطة فيها، وعودة بعض العمليات الإرهابية لكل من داعش والقاعدة في المنطقة. ولذا ينبغي أن تكون المواجهة شاملة وعلى النطاق العربي ولا تقتصر فقط على المواجهة العسكرية والأمنية رغم أهميتها.

وتعاني الشعوب العربية من تسلط وقمع أنظمة الحكم في العديد من بلدانها، والتي أدمجت اقتصادات بلادها في العولمة الرأسمالية واتبعت السياسات النيوليبرالية وتخلت عن أية مشاريع تنموية. وأدت ممارساتها وسياساتها إلى تكريس التخلف والتبعية والخضوع للهيمنة الأمريكية، والاستسلام للمخططات الإمبريالية والصهيونية الساعية إلى تقسيم المنطقة عرقيا ومذهبيا ونهب ثرواتها وإفقار شعوبها.

ولا شك أيضاً أنه في ظل هذا التردي العربي يزداد الدور والنفوذ الإيراني والتركي في المنطقة، والذي يتطلب ضرورة تفعيل الدور العربي – وخاصة المصري- في مواجهة المخاطر المحيطة بالمنطقة في ما يخص التسويات الجارية مع إيران في المنطقة، لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي، ليس فقط في إيران وإنما أيضا في إسرائيل التي تعتبر العدو الرئيسي للدول والشعوب العربية، وتمثل الخطر الأكبر على الأمن القومي المصري والعربي، ولا بد من التصدي لأطماع تركيا في سوريا والعراق وليبيا وشرق المتوسط. والتأكيد على رفض استخدام إيران للورقة الطائفية للتدخل في الشئون الداخلية لبعض الدول العربية وتبرير توسعها الإقليمي، وضرورة حل المشاكل مع إيران من خلال الحلول السلمية والحوار والتفاوض انطلاقاً من موقف عربي موحد وقوي، ورفض الانجرار لتصعيد المواجهة والحرب معها، والسير في ركاب الحملة الأمريكية الصهيونية الخليجية، لأن هذا لن يخدم سوى إسرائيل والمخططات المعادية لمصالح الشعوب العربية.

ويعمل حزبنا بالاشتراك مع كل القوى الديمقراطية والتقدمية العربية على حشد جهود القوى الوطنية والأحزاب الشيوعية والعمالية والمنظمات والروابط الجماهيرية على الصعيد العربي لدعم نضال الشعب الفلسطيني من أجل نيل حقوقه المشروعة وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس. ويرى الحزب الشيوعي المصري أن الشعب الفلسطيني مطالب -أكثر من أي وقت مضى- بإنهاء الانقسام في صفوفه، وتطوير المقاومة الشعبية الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي بكل الوسائل، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية بمشاركة جميع الفصائل واستعادة الصراع العربي الصهيوني لطابعه الوطني التحرري، ورفض أية محاولات لحرف هذا النضال إلى أرضية دينية لا تخدم سوى مخططات التوسع الصهيوني والدولة اليهودية.

ويرى حزبنا أن السلطة المصرية تنتهج سياسة خارجية متوازنة إلى حد ما في علاقتها مع الدول الكبرى، كما أنها تتبع سياسة ثابتة منطلقة من تنويع مصادر السلاح ورفض الأحلاف والتورط العسكري، والتمسك بدعم الحلول السلمية لكل النزاعات الساخنة في المنطقة وخاصة في سوريا وليبيا واليمن والعراق، ورفض التدخل الأجنبي فيها، ودعم شعوب دول المنطقة في تحقيق الاستقلال الوطني وضرورة الحفاظ على الدولة الوطنية والمؤسسات الحيوية، ومكافحة الإرهاب والجماعات الإرهابية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين.

ورغم سعي الدولة المصرية إلى لعب دور عربي وأفريقي أكثر فاعلية في السنوات الأخيرة، إلا أننا نرى أن هذا السعي يجب أن يتجاوز مرحلة الحذر والتردد، وأن يكون مبادراً وأكثر فاعلية بحكم وزن مصر ودورها التاريخي وموقعها الجغرافي وثقلها السكاني، وينطلق من ضرورة إحداث توازن في صراع القوى الإقليمية في المنطقة بما يحد من تجاوزات تركيا وإيران وطموحاتهما التوسعية، وتدعيم الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان والغطرسة الصهيونية؛ وهو ما يقتضي إعادة النظر في العلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، الداعم الأكبر للعدوالصهيوني والخصم الرئيسي للشعوب العربية.

ورغم أن النظام السوري تمكن من تغيير ميزان القوى نسبيا، بعد استعادة السيطرة على معظم المناطق السورية الرئيسية، إلا أنه ما زالت هناك مناطق سورية خاضعة لسيطرة القوات التركية والأمريكية، وما زال الطريق صعباً للوصول إلى حل سياسي يضمن تحرير سوريا وإقامة دولة ديمقراطية مدنية وعدالة اجتماعية ناجزة تنهي معاناة الشعب السوري الشقيق.

وما تزال الأزمة الليبية تراوح مكانها بعد الفشل في إجراء الانتخابات بسبب التدخلات الدولية والإقليمية، على الرغم من الجهود الملموسة التي تبذلها الإدارة المصرية لدعم الدولة الليبية ومؤسساتها الوطنية ومواجهة الجماعات الإرهابية فيها، خاصة بعد الخط الأحمر الذي وضعته الإدارة المصرية وساهم إلى حد كبير في كبح جماح التدخلات التركية وتهيئة الأوضاع للوصول إلى حل سلمي.

كما أن الأزمة اليمنية لا تزال على اشتعالها بسبب عدوان التحالف الذي تقوده السعودية بدعم من أمريكا والغرب، والذي يتحمل المسئولية الأساسية عن الدمار والخراب والأوضاع المأساوية التي مازال يعاني منها الشعب اليمني، كما أن الفشل في التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة لا يعود فقط إلى استمرار هذا العدوان الخليجي، وإنما يعود أيضاً إلى تدخل القوى الخارجية سواء الإقليمية – وخاصة إيران- أو الدولية.

وتستمر انتفاضة الشعب السوداني الشقيق لإسقاط حكم سلطة انقلاب 25 أكتوبر الديكتاتورية، ويستمر خروج الشعب بالملايين لاستكمال ثورته المجيدة التي اندلعت في 19 ديسمبر 2018. ويدعم الحزب نضال القوى التقدمية والديمقراطية السودانية، وفي القلب منها الحزب الشيوعي السوداني الشقيق ولجان المقاومة وتجمع المهنيين من أجل حكم مدني ديمقراطي وتحقيق اتفاق سلام شامل وعادل في كل أقاليم السودان وتحقيق كل أهداف وطموحات الثورة في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

والحزب الشيوعي المصري إذ يدين بشدة كل أشكال القمع والقتل التي تتعرض لها الجماهير الشعبية السودانية في مظاهراتها السلمية، فإنه يطالب كل القوى التقدمية والديمقراطية في مصر والعالم بمساندة انتفاضة الشعب السوداني، كما يؤكد على ثقته في قدرة وإصرار الشعب السوداني على إنجاز كل أهداف ثورته.

ولا شك أن عدم استقرار الأوضاع في السودان وتعقدها يؤدي إلى إضعاف الموقف المصري والسوداني في مواجهة إثيوبيا في قضية سد النهضة، كما أنه يخلق بؤرة توتر على الحدود الجنوبية للبلاد، فضلا عن تأثيره السلبي على المصالح الاقتصادية المشتركة بين مصر والسودان. وانطلاقا من حرصنا على الأمن القومي المصري فإننا نؤكد على ضرورة مساندة انتفاضة الشعب السوداني باعتبارها السبيل إلى استقرار حقيقي في السودان وإلى سلام شامل بين جميع مناطقه يضمن وحدة الدولة السودانية وحماية مؤسساتها الحيوية وقواتها المسلحة.

ويناضل الحزب الشيوعي المصري مع كل القوى التقدمية والديمقراطية العربية من أجل تحقيق أشكال من الديمقراطية في البلدان العربية تعبر عن مشاركة شعبية حقيقية، تختارها شعوبها وتتوافق مع ظروفها وليست مفروضة عليها من الخارج. ومن أجل تحقيق تنمية شاملة وتكامل اقتصادي عربي يقوم أساسا على أنشطة إنتاجية غير ريعية، وإنجاز عدالة اجتماعية تضمن الحقوق الأساسية للمواطنين.

ثالثاً: الوضع الداخلي:

أكد التقرير الصادر عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المصري في دورتها الماضية (يوليو 2019) على أنه في ما يخص الأوضاع الداخلية، فإن الحزب عارض بشدة السياسات الاقتصادية والاجتماعية وقرارات تحميل المزيد من الأعباء على الطبقات الكادحة والوسطى، مع تخفيض الحد الأقصى للضريبة على الأثرياء وإعفاءهم من أي مسئولية اقتصادية أو اجتماعية، كما عارض بشكل حازم وموضوعي سلسلة القوانين المقيدة للحريات التي تخنق منافذ الحياة السياسية وتحاصر الأحزاب والمنظمات الجماهيرية (النقابات والجمعيات والاتحادات).

وقد استمرت بيانات الحزب ومواقفه العملية والسياسية، ومواقفه الجبهوية مع الأحزاب والقوى الوطنية، وفي القلب منها قوى اليسار، على هذا النهج طوال العامين ونصف العام الماضيين ضد تلك السياسات، وضد التشريعات الاجتماعية الصادرة في تلك الفترة، التشريعات الاجتماعية الصادرة في تلك الفترة، والمشروعات المعتزم إصدارها، في مجالات التأمين الاجتماعي والصحي والعمل، والتي كانت فلسفتها الرئيسية تحويل الحقوق الأساسية للمواطنين إلى مجالات للاستثمار، بالإضافة إلى التمييز بين المواطنين، ومنح أصحاب الأعمال سلطات تعسفية كبيرة، كما سيوضح التقرير لاحقاً.

الأوضاع الاقتصادية

عقب اجتماع اللجنة المركزية وأثناء إعداد هذا التقرير، قررت الحكومة يوم 21 مارس خفض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار بنسبة أكثر من 16٪ وهي الأكبر من نوعها منذ قفزة الدولار عقب تعويم العملة في نوفمبر 2016، مما سيترتب عليه آثار سلبية على الاقتصاد المصري وأعباء جديدة على الطبقات الكادحة والوسطى في المجتمع. إن هذه السياسة ستظل تدور في حلقة مفرغة ولن تؤدي إلا لزيادة الديون الخارجية التي بلغت مستوى غير مسبوق يهدد استقلال القرار المصري ويتحمل عبئها الأجيال الحالية والمقبلة، كما أنها فشلت في جذب استثمارات أجنبية ملموسة في مجالات الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، كما فشلت في سد الفجوة الهائلة بين الواردات والصادرات. كما أن اتخاذ القرارات دون رؤية سياسية شاملة تضع في حساباتها الأبعاد الاجتماعية إلى جانب الأبعاد الاقتصادية، وفي غياب أية خطة شاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، له عواقب خطيرة على الاقتصاد والاستقرار المجتمعي. (وقد أصدر المكتب السياسي للحزب بياناً بهذا الشأن عقب صدور القرار)

ولا شك أن المشروعات الكبيرة التي أقامتها الدولة، مثل مشروع قناة السويس الجديدة والمنطقة الصناعية الاستثمارية الجاري إنشاؤها في إطاره، ومشروعات الطرق والبنية التحتية، ومشروعات الإسكان وإقامة المدن الجديدة، ومشروعات الطاقة (الكهرباء والغاز والطاقة النووية “محطة الضبعة” والطاقة المتجددة)، ومشروعات البتروكيماويات وإقامة المواني الجديدة وإصلاح البحيرات وغيرها، هي مشروعات مهمة وإستراتيجية ويمكن البناء عليها حال وجود خطة للتنمية الشاملة المستدامة، ولكنها تفتقد الترتيب السليم للأولويات، ولا يمكنها دون تخطيط وإستراتيجية شاملين ومشروع تنموي قومي شامل ومستدام أن تكون وحدها طريقة النهوض بالاقتصاد، خاصة في ظل غياب الشفافية، وعدم الإفصاح عن تكلفتها الفعلية، وكيفية تدبير الموارد المالية لها، ومدى أولوية هذه المشروعات في إطار خطة التنمية الشاملة التي تحتاجها البلاد. كما أن تزايد الدور الاقتصادي للجيش -رغم إدراكنا لأهميته في الظروف الحالية في ظل انعدام كفاءة أجهزة الدولة وتفشي الفساد فيها- يثير مخاوف من إمكانية تأثير ذلك مستقبلاً على عملية التطور الديمقراطي ومدنية الدولة، خاصة في ظل استسهال إحالة حل أي مشكلة تواجه البلاد إلى القوات المسلحة بدلاً من تطهير جهاز الدولة والقطاع العام من الفساد الإداري بشكل جذري، لمواجهة فشل وعجز وتقاعس الرأسمالية المحلية الكبيرة ومواجهة مافيا الاحتكار بكل حسم.

ولقد جاء إعلان رئيس الوزراء مؤخراً عن طرح نسبة من المشروعات التي تديرها وتشرف عليها الهيئة العسكرية في البورصة خلال الفترة المقبلة معبراً عن التزام الحكومة الصارم بسياسة الخصخصة، ضمن جملة السياسات الاقتصادية المطلوبة في الاتفاق الحكومي مع صندوق النقد الدولي.

ونتيجة لعدم التخطيط السليم وغياب الرؤية الإستراتيجية للتنمية الشاملة المعتمدة على الذات أساساً، فقد ارتفعت الديون بشدة وبمعدلات متسارعة، حيث ارتفع إجمالي الدين العام المحلي ليسجل 4,104 تريليون جنيهبنهاية ديسمبر 2020، وفقًاً لبيانات البنك المركزي المصري، وبنسبة نمو سنوي بلغت 20,25٪. كما ارتفع إجمالي الديون الخارجيةمن 82,92 مليار دولار في نهاية يونيو 2017 إلى 134,8 مليا ر دولار في نهاية يونيو 2021، أي ارتفعت بمعدل 62,8٪. وبذلك فإن نسبة الدين المحلي والخارجي معاً إلى الناتج المحلي الإجمالي تصل إلى 113,3٪، مما يدفع إلى التوجه الحكومي الخطير المعلن مؤخراً ببيع أصول مصرية، أو طرحها في البورصات العالمية، لمواجهة هذا الارتفاع الهائل في حجم الديون.

الأوضاع الاجتماعية

وواصلت السلطة خلال العامين ونصف العام الماضيين سياسة تحميل المزيد من الأعباء على الطبقات الكادحة والوسطى، بإطلاق آليات السوق الحرة للوصول بأسعار السلع والخدمات الأساسية (النقل والغاز والكهرباء والمحروقات) إلى المستوى العالمي، في ظل أجور ومعاشات متدنية للغاية مقارنة بمستوى الأجور العالمي، وترتب على ذلك زيادات تلقائية دورية في أسعار كافة السلع والخدمات.

واستمر التدهور الشديد في أحوال العاملين بأجر وأصحاب المعاشات والطبقات الكادحة والوسطى، والذي بدأ منذ تنفيذ روشتة صندوق النقد الدولي بصرامة بدءاً من مطلع ديسمبر 2016، ليتواصل الغلاء الفاحش مصحوباً بتآكل شديد في دعم الفقراء، وزيادات متوالية في أسعار الكهرباء والمياه والمحروقات، أدت بدورها إلى ارتفاعات شديدة متوالية في أسعار كافة السلع والخدمات، وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي، وتضاعفت الأعباء على الطبقات الكادحة والوسطى بتحويل كافة الحقوق الاجتماعية إلى مجالات استثمارية، خاصة الصحة والتعليم والنقل والإسكان، وبفرض زيادات كبيرة على كافة رسوم معاملات المواطنين مع الجهات الحكومية كتراخيص البناء ورسوم الشهر العقاري ورخص السيارات ورسوم استخراج جوازات السفر وغيرها. ويقابل ذلك زيادات هزيلة في المعاشات والأجور.

لقد ارتفعت أسعار الوقود مثلاً، خلال السنوات الأربع الماضية، أكثر من أربعة أضعاف، وأصبح المواطن المصري يشترى الوقود ومعظم السلع بالسعر العالمي تقريبا، رغم أن مرتبه لا يتجاوز 7 إلى 8٪ من الأجر العالمي، حيث تتراوح الأجور في انجلترا وفرنسا وألمانيا بين 13 و15 ضعفا للأجور في مصر وفي أمريكا 12 ضعف الحد الأدنى للأجور في مصر، والذي لا تحصل عليه الغالبية العظمى من العاملين في القطاع الخاص، بل وبعض العاملين في القطاعين العام والحكومي.

ومع إطلاق حرية السوق دون ضوابط أو رقابة حكومية، استغل التجار والمضاربون تلك الأوضاع لزيادة أرباحهم على حساب المواطنين الذين هوت شرائح كبيرة منهم إلى ما دون خط الفقر، وإن كان قد تم اللجوء إلى قيام جهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة بنشر أعداد من عربات بيع السلع التي يضارب فيها التجار بأسعار مخفضة نسبياً، مما ساهم إلى حد ما في ضبط زيادات الأسعار لكنه لم يوقف تصاعدها، كما استبدلت السلطة سياسات وقوانين “العدالة الاجتماعية”، بما يسمى “الحماية الاجتماعية”، التي لا تقدم سوى مساعدات خيرية هزيلة يستفيد منها شريحة ضئيلة ممن يقبعون أسفل خط الفقر والذين يبلغون أكثر من 30 مليون مواطن، فضلاً عن أن العدالة الاجتماعية سياسة وقوانين تضمن حقوقاً ثابتة ودائمة للمواطنين وتحمل الأثرياء الجانب الأكبر من أعباء التنمية، وهو ما يختلف جوهرياً عن “الحماية الاجتماعية” التي تعني التوسع في الاستغلال مع تقديم بعض الفتات للفقراء.

ولتفعيل القانون رقم 10 لسنة 2018 الخاص بحقوق الأشخاص ذوى الإعاقة وتوفير مظلة حماية اجتماعية في كافة المجالات وخاصة في قطاعات الصحة والتعليم والتأهيل والعمل والمواصلات يجب مراعاة تطبيق المعايير والمواثيق الدولية التي تؤكد على تعزيز وحماية وكفالة تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة تمتعا كاملا على قدم المساواة مع الآخرين بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية ، وتعزيز احترام كرامتهم المتأصلة… ومحاسبة كل من يعطل تفعيل القانون 10 في كافة المحافظات .

ولا شك أن الدولة بذلت جهوداً كبيرة في مواجهة جائحة كورونا، وفي توفير العلاج واللقاحات بالمجان لكافة المواطنين، إلا أن انتشار واستمرار وتحور فيروس كورونا زاد من معاناة فئات واسعة من المجتمع خاصة العمالة غير المنتظمة والعاملين في مجالات الخدمات والمقاهي وأعداد كبيرة من العاملين في القطاع الخاص نتيجة لما تطلبته مواجهة الجائحة من إغلاقات كلية أحياناً وجزئية غالباً، واستغلال أصحاب الأعمال الفرصة لتسريح كثير من العمال.

الديمقراطية والحريات العامة

أعلن رئيس الجمهورية منذ شهور عن “الاستراتيجيةالوطنية لحقوق الإنسان”، والتي تضمنت خططاً على الورق لتطوير أوضاع حقوق الإنسان وتلافي أوجه القصور القائمة، كما تضمنت نصوصاً واردة في الاتفاقيات الدولية والدستور المصري، إلا أن الممارسات الفعلية لم تتغير، ومنظومة القوانين المصرية لا زالت تتضمن الكثير من التشريعات المقيدة للحريات وللحقوق الاقتصادية والاجتماعية الواردة في الدستور، ومازال مستمراً حصار الأحزاب السياسية وخنق مظاهر الحياة السياسية والديمقراطية في البلاد، وغلق كل المنافذ الإعلامية أمامها، واستمرار حبس العديد من السياسيين والشباب بسبب آرائهم المعارضة، ولمدد غير محددة تمتد سنوات وفقاً لقانون الحبس الاحتياطي الجائر الذي نطالب بتعديله؛ كما تواصل الحكومة والأغلبية الكاسحة لمجلس النواب الموالي لها إصدار المزيد من القوانين الخانقة للحريات، والمخالفة للدستور والاتفاقيات الدولية.

وزادت هيمنة الدولة على وسائل الإعلام، فتم تكريس إعلام الصوت الواحد، وبالتالي ينصرف المواطنون للبحث عن إعلام خارجي يلبي حاجتهم في الحصول على المعلومات والآراء المتعددة.

ويصاحب ذلك غياب الشفافية وحرية تداول المعلومات، واستمرار وضع مصر في قائمة منظمة العمل الدولية للدول المعادية للحريات النقابية، وتراجع سمعة مصر الدولية في مجال حقوق الإنسان.

وتضيق الحكومة ذرعاً باستقلالية النقابات المهنية وخاصة المؤثرة منها حيث تريد فرض وصايتها على مجالس إدارتها المنتخبة. وتعاني الطبقة العاملة من القيود البيروقراطية والمعوقات أمام سعيها لإنشاء نقابتها بحرية ودون تدخل حكومي.

وتماطل الحكومة في إجراء انتخابات المجالس المحلية، كما تعتزم إعداد مشروع قانون لإجراء انتخاباتها بنظام القوائم المطلقة، بما يتيح لها احتكار تلك المجالس على كافة المستويات، بينما يدعو حزبنا وكافة الأحزاب الاشتراكية إلى إجراء الانتخابات المحلية بنظام القوائم النسبية، كما يدعو إلى تفعيل دور تلك المجالس في الرقابة على كافة وحدات الحكم المحلي في جميع المستويات بدءاً من القرية والمدينة والمركز وحتى المحافظة، ومحاسبتها وانتخابها وسحب الثقة منها.

 

أوضاع العمال وأصحاب المعاشات 

خلال العامين ونصف العام الماضيين لم تتوقف إضرابات وتحركات الطبقة العاملة، خاصة في مواقع القطاع الخاص والاستثماري التي نجح عمالها في تشكيل نقابات تقود تحركاتهم الجماعية، احتجاجاً على تأخر صرف أجورهم ومستحقاتهم المالية لشهور طويلة، أو خفض نصيبهم المستحق من الأرباح والحوافز، أو تسريح أعداد كبيرة من العاملين، وغيرها من المطالب المتعلقة بتحسين شروط وظروف العمل، والحماية من الفصل التعسفي، وتوفير شروط السلامة والصحة المهنية في بيئة عمل آمنة.

ورغم ذلك أعدت الحكومة مشروع قانون جديد للعمل، بالتشاور فقط مع رجال الأعمال وقيادات اتحاد نقابات العمال “الحكومي”، يتضمن المزيد من الإجحاف بحقوق العمال في كل تلك المجالات، ومنح أصحاب العمل مزيداً من سلطات التعسف في الأجور وفي الفصل من العمل، ويتجاهل حماية العمالة غير المنتظمة ويستبعد عمال وعاملات المنازل من الحماية القانونية، ويؤكد استمرار شركات توظيف العمالة “مقاولي الأنفار” في تشغيل العمال حتى في شركات القطاع العام والحكومي، فضلاً عن القطاع الخاص، واستقطاع نسب كبيرة من أجورهم لصالحها، وعدم تمتع هؤلاء العمال بأية حماية قانونية أو تأمينية، بل إن أعضاء مجلس الشيوخ أدخلوا تعديلا في الأجور بخفض العلاوة الدورية السنوية من 7% من الأجر الأساسي في المشروع إلى 3% من الأجر التأميني الذي يتم التلاعب فيه من قبل أصحاب الأعمال بالقطاع الخاص، باعتراف رئيس الهيئة القومية للتأمينات.

وصدر قانون التأمينات الاجتماعية فلم يستجب لنص الدستور بإنشاء هيئة مستقلة للتأمينات، يمثل فيها أصحاب المعاشات، تدير وتشرف على أموال التأمينات، واكتفى بنقل الأموال من وزارة المالية إلى صندوق المعاشات الذي تديره الهيئة القومية التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، كما شابه الكثير من العوار خاصة في إعطاء امتيازات تأمينية للوزراء والمحافظين ووكلائهم وأعضاء المجالس النيابية لا يتمتع بها بقية المؤمن عليهم، وعدم وضع نصوص تضمن التأمين على العمالة غير المنتظمة البالغة نحو 14 مليون عامل.

ويعاني العمال من غياب الأمان الوظيفي لاستمرار التخلي الحكومي عن سياسات التوظيف وخلق فرص عمل جديدة، والتصعيد في سياسات تصفية القطاع العام وإضعاف الصناعة الوطنية، وإدماج الشركات والمؤسسات العامة بهدف تصفيتها أو خصخصتها، والتخلص من العمالة إما بتصفية مواقع العمل أو خصخصتها ليقوم المستثمرون بالانتفاع والتربح السريع من بيع أصولها. كما تؤدي تلك السياسات إلى الدفع بملايين العاملين إلى صفوف العاطلين وتزايد التضخم والغلاء.

وتعاني الطبقة العاملة المصرية من غياب تنظيم نقابي قوي يعبر عن مطالبها وينظم تحركها الجماعي (يوجد نحو 20 مليون عامل غير منظمين نقابياً) وذلك بسبب انفراد التنظيم النقابي الحكومي بالساحة النقابية العمالية لستة عقود متصلة اعتماداً على العضوية الإجبارية للعاملين في الحكومة والقطاع العام،، مما حوله إلى أداه مترهلة منفصلة عن العمال يقودها أصحاب مصالح خاصة يحتفظون بمقاعدهم ويرتزقون من الولاء للسلطة الحاكمة – أي سلطة- وتبرير سياساتها بكل ما فيها من تعديات على مصالح العمال، غير أن الحركة العمالية تمكنت من انتزاع بعض الحقوق في قانون الحرية النقابية والحق في التنظيم رقم 213 لسنة 2017، وتعديلاته في 2019، مما أوجد ثغرة في جدار احتكار الاتحاد “الحكومي”، وقد أدى ذلك إلى وجود عدد محدود من المنظمات النقابية المرتبطة بعمالها والخاضعة لإدارة جمعياتها العمومية لتشكل بارقة أمل قابلة للامتداد والتوسع مع تواصل نضال الحركة العمالية.

تدهور أوضاع الزراعة والفلاحين

ولا شك أن مشروع حياة كريمة لتطوير الريف المصري، والذي تضخ فيه الحكومة استثمارات كبيرة لتطوير البنية التحتية من طرق وصرف صحي ومياه نقية وتوفير الخدمات الأساسية، سوف يؤدي إلى تحسن نسبي في أوضاع السكان في المناطق الريفية، إلا أن أوضاع الزراعة والفلاحين، الذين يشكلون النسبة الأكبر من المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر، ما زالت تواجه مشكلات كبيرة بسبب التحول من زراعة المحاصيل الرئيسية والضرورية لمواجهة احتياجات الغذاء والصناعة (القطن والقمح وقصب السكر) إلى زراعة محاصيل التجارة والتصدير، وغياب التخطيط والإرشاد الزراعي، وإفساد وإضعاف التعاونيات الزراعية وتحول بنك التسليف الزراعي من بنك يساعد الفلاحين بشروط ميسرة إلى بنك ائتمان استثماري يسعى بكل السبل لتحقيق أقصى أرباح ممكنة، وعدم توفير مياه الري والبذور والسماد ومستلزمات الإنتاج والتسويق العادل للفلاحين، وارتفاع تكاليف الزراعة للمحاصيل الأساسية مع تدني العائد منها.

وعلى سبيل المثال فإن تكاليف زراعة الفدان من قصب السكر تتراوح بين ٣٧ ألفاً إلى ٤٢ ألف جنيه، بينما متوسط إنتاجية الفدان من ٣٥ طنا إلى ٤٠ طنا يوردها الفلاح بسعر ٧٢٠ جنيها حالياً للطن، أي أن عائد الفدان يتراوح بين ٢٥ ألفاً إلي ٢٩ ألف جنيه، محققاً خسائر فادحة للفلاحين، مما دفع شرائح واسعة منهم إلى هجر زراعة المحاصيل الأساسية، والاتجاه إلى أنشطة تجارية وريعية، الأمر الذي يهدد أيضاً بتعثر ٨ مصانع لسكر القصب و6 مصانع لسكر البنجر ومصنعي تكرير بجانب الصناعات التكميلية، وكل ذلك لصالح كبار المستوردين.

واستمر بقايا وورثة الإقطاع في محاولات طرد الفلاحين من أراضيهم التي تملكوها بقوانين الإصلاح الزراعي، وقاموا بزراعتها لعدة أجيال وتعيش على عائدها أسرهم، في عدة قرى بمحافظات المنوفية والبحيرة والدقهلية، مستندين إلى نفوذهم في أجهزة الدولة.

الطلاب والشباب

ورغم النتائج الكارثية لحظر النشاط السياسي والثقافي والإبداعي في الجامعات منذ منتصف السبعينات، والمتمثلة في هيمنة جماعات الإسلام السياسي والفكر السلفي والمتطرف والإرهابي على الساحة الطلابية. وإذا كانت تلك الجماعات في حالة كمون بعد إسقاط حكم جماعة الإخوان الإرهابية، فقد حل محلها مناخ التسطيح السياسي والفكري وسيادة أنشطة الرحلات والحفلات الخالية من أي مضمون جاد أو إبداعي.

وإذا كانت الجامعات الخاصة متاحة لأبناء الأثرياء والشرائح العليا من الطبقة الوسطى، فإن أبناء الطبقات الكادحة والوسطى يعانون من التمييز في الدراسة حتى داخل الجامعات الحكومية ومن ارتفاع المصروفات الدراسية فوق قدرة أهاليهم، مما يؤدي إلى حرمان الطلاب من دخول الامتحانات، وتتفاوت المصروفات من جامعة لأخرى ومن كلية لأخرى طبقاً لآليات السوق.

ويعاني الطلاب في جميع الكليات من الضغط المتواصل بسبب تتابع الامتحانات وعدم وجود وقت للراحة أو التفكير أو ممارسة أي نشاط فكري أو إبداعي.

أما بالنسبة للشباب المصري عموماً من كافة الطبقات وفي المدن والقرى، فإنهم خارج خريطة الاهتمام الحكومي، فقصور الثقافة معظمها تهيمن عليه بيروقراطية فاسدة، إما جاهلة أو معادية للثقافة، ومراكز الشباب لا تلقي من الدعم الحكومي إلا قدراً هزيلاً، ونتيجة لغياب الديمقراطية يسيطر عليها، موالون للحكومة أو أصحاب فكر سلفي، وتسلل إليها الفساد الضارب في معظم المؤسسات والأكاديميات الرياضية التي تحولت إلى مجال للاستثمار، والأغلبية الساحقة من الشباب تم حشو أذهانهم على مدار عقود بمفهوم اختزال السياسة في الموالاة للسلطة التي تملك تقديم المنافع الشخصية، وبالعداء للتعددية السياسية والحزبية.

وانحصر اهتمام السلطة بفئة مختارة من شباب الأحزاب الموالية لها، تعقد لهم مؤتمراً سنوياً لا يدري المشاركون فيه شيئاً عن الاحتياجات الحقيقية لعموم شباب مصر بتنوعاته الطبقية والجغرافية، من فرص العمل والحقوق الاجتماعية وممارسة الأنشطة المتنوعة والإبداع، ويتم اختيار المحظوظين منهم في بعض المناصب بالوزارات والمحافظات، دون أي معايير لتكافؤ الفرص وللكفاءة والتميز.

الحق في الصحة والتعليم

ورغم تأكيد النظام باستمرار على ضرورة النهوض بالتعليم والصحة إلا أنه حتى الآن ما زال لم يلتزم بنسب المخصصات التي قررها الدستور للإنفاق على هذين القطاعين.

أولاً : الصحة

ولا شك أن المبادرات الرئاسية المتعلقة بعلاج مرضى فيروس سى الكبدي وعلاج الحالات العاجلة على نفقة الدولة، وإجراء التطعيمات المضادة لشلل الأطفال وكورونا مجاناً، وغيرها قدمت خدمت كبيرة ومهمة للمرضى وفي مواجهة الجائحة، إلا أن حال المستشفيات الحكومية والجامعية لا يرقى إلى الحدود الدنيا مما ينبغي توافره من إمكانيات ومستلزمات علاجية وأجهزة وكادر طبي وتمريض، خاصة مع ظاهرة هجرة الأطباء بسبب تدني شروط وظروف عملهم. وهو ما يجعل الكثير من القادرين يذهبون إلى المستشفيات الخاصة، وغيرهم من المسئولين والأثرياء يذهبون للعلاج بالخارج، وهو ما يشهد على تدنى الثقة في قدرات المستشفيات الحكومية، التي لا تجد فيها الطبقات الكادحة والوسطى ما يمكنها من حقها في الصحةً.

وتصر الحكومة على رفض وتجاهل الاستماع إلى ما تطرحه منذ سنوات لجنة الدفاع عن حق المصريين في الصحة من رؤى شاملة وواقعية لتطوير المستشفيات الحكومية والجامعية وقطاع التأمين الصحي، بدلاً من تحويلها إلى قطاعات استثمارية تجعل الفقراء عاجزين عن الحصول على الخدمات الصحية، وتصر على تطبيق مشروعها في التأمين الصحي والسير على خطى إرشادات البنك الدولي الذي يتعامل مع الخدمات الأساسية على أنها سلعة وليست حقاً دستورياً وإنسانياً للمواطنين لتحقيق العدالة الاجتماعية.

ثانياً : التعليم

وفي مجال التعليم يتواصل فشل وتعثر خطة الإصلاح الحكومي، وذلك لغياب الرؤية والتخطيط العلمي الواقعي والشفافية، والانحياز للأغنياء على حساب الفقراء، حيث أنها تتعامل مع قضية التعليم كمجال استثماري وليس حقاً لكل المواطنين، كما أنها تفتقد الرؤية الشاملة لتطوير أوضاع المعلمين والأبنية المدرسية والمناهج الدراسية وأساليب التدريس، والتي توفر البيئة التعليمية القادرة على تنمية الوعي بقضايا الوطن وتأكيد الهوية المصرية وحفز الطلاب على التفكير العقلي والبحث العلمي، والقضاء على وجود أنماط متعددة للتعليم بعضها لا يخضع لرقابة وإشراف الجهات الحكومية والبرلمانية عليها.

وتراجع الإنفاق الحكومي على التعليم ولم يبلغ الحد السنوي الذي نص عليه الدستور وهو 4٪ من الموازنة العامة للدولة. وقد جاء هذا التردي في الإنفاق مصحوبا مع زيادة سكانية هائلة بلغت في العام الأخير 2,5 مليون إنسان. مما فاقم من عدم قدرة استيعاب المدارس لهذه الأعداد الهائلة ممن هم في سن التعليم. وهو ما أدى إلى ظهور مشكلة التكدس في الفصول والتي وصلت في بعض الأحيان إلى أكثر من مائة تلميذ في الفصل الواحد.

وتتدنى أجور المعلمين إلى حد فاضح، قياسا بالأجور العالمية، خاصة وأن الدولة قلصت التعيين الحكومي إلى أدنى درجاته، على الأقل، مما زاد من أعباء المدرسين مقارنة بتلك الدخول المنخفضة، وهو ما أدى إلى تفاقم ظاهرة الدروس الخصوصية والمراكز الملحقة بالمساجد والكنائس، وتراجع دور المدرسة إلى أدنى درجة، وتحميل الأسرة المصرية بالأعباء بأكثر مما هي مثقلة، كما أدى إلى ما هو أخطر بدخول جهات غير معلومة التوجه في العملية التربوية، وتقوم تلك الجهات بتوجيه وتشكيل وعى وعقول أطفال ويافعين لا يزالون في مرحلة التلقي المباشر ولا يدركون خطورة ما قد يتم زرعه في عقولهم، وقد يكون من هذه الجهات من هو اخطر من الجهل وعدم التعلم بحد ذاته.

وتعاني الجامعات الحكومية من تدنى مستوى الصيانة والدعم للقاعات والمدرجات والمعامل، كما أن حجم المنفق على البحث العلمي لا يزال أقل من كثير من دول العالم، وبخاصة من دول الإقليم، كما أن أجور الأساتذة وأعضاء هيئات التدريس لا تزال في مستويات متدنية للغاية قياسا بقطاعات أخرى داخل الدولة المصرية، أو بدول تنتمي إلى العالم الثالث، وهو ما يجعل من التفرغ والإخلاص للبحث والتأليف والتدريس أمرا بالغ المشقة.

وقامت الدولة بإنشاء عدد كبير من الجامعات في السنوات الخمس الأخيرة، لكنها جميعاً تم اعتمادها كجامعات أهلية وليست حكومية، أي أن قبول الطلاب فيها سيكون مقابل مبالغ كبيرة، قد لا تصل لمستوى الجامعات الخاصة أو الأجنبية، لكنها بكل تأكيد لن تكون بمستوى الجامعات الحكومية، والتي تعانى بدورها من زيادة المصروفات بمبالغ كبيرة لا يطيقها إلا فئات محدودة من المواطنين.

كما أن جهود الدولة للارتقاء بالعملية التعليمية، مثل توزيع أجهزة الحاسوب (التابلت) على الطلاب برسوم زهيدة، أو إلغاء الكتاب الجامعي الورقي وتحويله إلى كتاب إلكتروني، في إطار مشروع لرقمنة العملية التعليمية برمتها، هي كلها دون تخطيط، فالبنية الأساسية اللازمة لذلك غير جاهزة، بدءا من حالة الأبنية التعليمية، حتى شبكات الانترنت ومستوى المعلم المادي والعلمي.

الثقافة

يكاد عمل وزارة الثقافة يقتصر على فعاليات محدودة. حيث تعقد بشكل دوري معرض القاهرة الدولي للكتاب، وقد شهد تطورا ملحوظا في الدورات الأخيرة، كما أن دار الأوبرا تقوم بنشاط جيد، أما هيئة قصور الثقافة بما تمتلكه من إمكانيات كبيرة فتكاد تكون مشلولة، باستثناء عدد محدود من قصور الثقافة في ظل غيبة مشروع ثقافي قومي، كما أن جوائز الدولة يشوبها الكثير من اللغط والطعن في مصداقيتها. كما أن الرسالة الثقافية الوطنية المصرية من دوريات ومجلات وكتب ومواد مرئية ومسموعة، تلك الرسالة المنوط بها تسليح عقول الشباب وعامة الشعب وتنويرهم بقضايا الوطن والفكر والفن وعلوم العصر، والمعبرة عن دور وقدر وقيمة مصر على الصعيد الإقليمي والدولي، هذه الرسالة الثقافية تحقق تراجعا ملحوظا لصالح مراكز ثقافية أخرى، بعضها متسلح بقوة المال كبعض دول الخليج، وبعضها الآخر يتميز بانفتاح أكبر على الثقافة العالمية المعاصرة كبعض بلدان المغرب العربي.

مهامنا في المرحلة الراهنة

يواصل حزبنا التمسك بضرورة توحيد جهود كل القوى الوطنية والديمقراطية المصرية، وفي القلب منها قوى اليسار، لمواصلة النضال بكل الوسائل السلمية من أجل تحقيق أهدافه في التخلص من التبعية وفي الحرية والعدالة الاجتماعية، والتي لم تتحقق بعد وأهمها:

  1. مواجهة المخططات الأمريكية الصهيونية التي تستهدف مصر والمنطقة العربية وتصفية القضية الفلسطينية، والنضال من أجل استعادة مصر لدورها ومكانتها من خلال الحفاظ على استقلال القرار الوطني المصري، ورفض الانخراط في الحلف الاستعماري الرجعي في المنطقة بقيادة الولايات المتحدة، وبذل كل الجهود مع القوى الوطنية للحفاظ على حق مصر في مياه النيل باعتبارها قضية وجود وأمن قومي.
  2. انجاز التنمية الشاملة المستدامة المعتمدة على الذات أساساً والتي تستند إلى اقتصاد إنتاجي -وليس ريعياً- مؤسس على مفهوم التخطيط والاستناد على دور الدولة والقطاع العام إلى جانب القطاع الخاص المنتج، وحشد الجهود الوطنية وتعبئة طاقات الشعب في مواجهة محاولات الإلحاق والتبعية التي تدمر أي إمكانية للتقدم، والمواجهة الشاملة والحاسمة للفساد والاحتكار والاستفادة من علاقات التعاون غير المشروطة في عالم متعدد الأقطاب.
  3. تحقيق عدالة اجتماعية حقيقية تجسدها سياسات وقوانين وإجراءات ملموسة منحازة للعمال والفلاحين الفقراء والكادحين وأغلبية شرائح الفئات الوسطى، وتحمل الأثرياء النصيب الأكبر من أعباء التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
  4. المواجهة الشاملة للإرهاب، بما يجفف منابعه، وعدم الاقتصار على المواجهة الأمنية رغم أهميتها، والتصدي الشامل لأية محاولات لجماعة الأخوان الإرهابية في العودة بأي شكل للمشهد السياسي المصري، وحل أحزاب الإسلام السياسي، والتي تعتبر محظورة بموجب الدستور.
  5. إحياء الثقافة الوطنية واحترام حرية الفكر والإبداع وإعلاء قيمة المواطنة تعزيزاً لروح الانتماء الوطني والعربي في مواجهة ثقافة التبعية والفكر الظلامي التكفيري الإرهابي ومواجهة مؤامرات إشعال الفتنة الطائفية.
  6. إلغاء كافة القيود والقوانين والممارسات المقيدة للحريات التي تخنق الحياة السياسية المصرية وتحاصر نشاط الأحزاب، وإطلاق حرية الصحافة والإعلام بدلاً من الممارسات التي تكرس لهيمنة الصوت الواحد، والتأكيد على أن ديمقراطية المشاركة الشعبية وإطلاق حرية تشكيل الأحزاب والنقابات والجمعيات وممارسة أنشطتها دون حصار هي السبيل الوحيد لتحقيق هذه الأهداف والحفاظ على الدولة المصرية وحمايتها من المخاطر الخارجية والداخلية.
  7. الدعم الكامل للتحركات العمالية والجماهيرية السلمية ولمطالبها المشروعة في تحسين ظروف وشروط العمل والمعيشة، والدفاع عن مواقع العمل والإنتاج ضد التصفية، وضخ استثمارات في القطاع العام وتطويره وتطهيره من الفساد.

القاهرة في 27 مارس 2022                         

     اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المصري

**********************************************************

تعقيب د. سعيد النشائي …

تقرير مهم لما يدعى الحزب الشيوعى المصرى. به كثير من المزايا والجوانب الوطنية والديمقراطية والاشتراكية الأولية القوية والجيدة ولو نقلوا كل ذلك إلى ساحة جماهيرية واسعة سوف يكون ذلك مفيدا جدا لمصر وحركة التحرر الوطني في المنطقة وتحقيق درجة انتقالية من  العدالة الاجتماعية. ولكن التقرير به نقاط ضعف كثيرة فى هذه المرحلة , أهمها:
1- تجاهل البيان موقف النظام المصري الحالي , والسابقين , السلبي من الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين عن طريق اتفاقية كامب ديفيد الخيانية التي كانت فاتحة الاعتراف بهذا الكيان والتطبيع معه.
2- أعطى البيان تقيم مخفف جدا لكارثة الاعتقالات الغير عادلة لوطنيين ووطنيات شرفاء والذين قد تجاوز عددهم 100 ألف!!! وهذه جريمة بشعة للنظام وهى من خواص كل الأنظمة السابقة ولكن هذا النظام قد بالغ فيها بشكل بشع وأيضا ينكرها بشكل لا يقل بشاعة.
3- على النظام أن يرفض كل ما يدمر الحياة السياسية فى مصر من قانون منع التظاهر إلى منع الإضراب وتزوير كل الانتخابات.
4- إعجاب البيان “بإنجازات” النظام فى الطرق والكبارى والمشاريع الغير جدية والتى ليست ذات أولوية هى على حساب لقمة الغلابة وديون لن يستطيع أن يسددها وقد تؤدى لأفلاس البلاد, تطبيل البيان لهذه الجرائم هى مشاركة فى خداع الجماهير لصالح رأسمالية عميلة وليست وطنية.
5- يستنكر البيان  جريمة سد الإجرام الأثيوبى ولكن لا يكشف حقيقة أن هذا النظام مسؤول عن جريمة أتفاقية 2015 وأنه لا زال متمسك بها مما يضعه فى سلة أعداء الوطن .
6- يساوى البيان بين تركيا -أردوغان عميلة الإمبريالية والصهيونية وإيران عدوتهم وحليفة حركة التحرر وهذا خطأ استراتيجي كبير.
7- يحدد أعداء الشعب اليمنى فى السعودية وإيران, وهذا خطأ ضخم فإيران هي حليفة الشعب اليمنى وتساعده دون التدخل في شؤونه بينما أعداءه هم ليست السعودية فقط ولكن أيضا الإمارات وأمريكا النازية والكيان الصهيوني النازي                            و الدلاديل الآخرين لأمريكا النازية.

هذه بعض الملاحظات على هذا البيان وأكيد أن كثير من الزملاء والزميلات لهم ملحوظات أخرى. ورغم الملحوظات فتحية لأصحاب البيان وأتمنى أن ينجحوا فى تحويله إلى عمل جماهيرى مكثف
ا.د.م.سعيد النشائى-جامعة واترلو- أونتاريو- كندا

التعليقات مغلقة.