مُسلسل “كوفيد 19” … جولة حول العالم وشركات المختبرات والأدوية / الطاهر المعز

510

أقسام المختبرات الطبية - سطور

الطاهر المعز ( تونس ) – الجمعة 3/4/2020 م …

وصف بيان منظمة الأمم المتحدة، يوم 31 آذار/مارس 2020، انتشار وباء “كوفيد 19” بأسوأ أزمة تواجهها البشرية، منذ الحرب العالمية الثانية، بعد تجاوز عدد حالات الوفاة 45500 ضحية…

صرح نائب الرئيس الأمريكي “مايك بنس”، يوم الإربعاء 01 نيسان/ابريل 2020، لشبكة “سي إن إن”، بشأن وباء “كوفيد 19” إن الولايات المتحدة الأمريكية تسير على خطى إيطاليا، وخلال مؤتمر صحفي، قبل يوميْن، أعلن دونالد ترامب، الذي تجاهل الأمر في البداية، مكتفيا باتهام الصين، أن الأسابيع المقبلة ستكون قاسية، وذلك بعد توقعات “فرقة الطوارئ”، وكبار مسؤولي الصحة العامة، بأنّ ما بين 100 ألف و240 ألف أميركي قد يواجهون الموت في الأسابيع المقبلة…

اضطر دونالد ترامب وفريقه الحكومي إلى مواجهة الحقيقة، بعد تشخيص مائتيْ ألف وثلاثمائة إصابة (منها حوالي 85 ألف في نيويورك) و4400 حالة وفاة، منها 1900 في مدينة نيويورك

قُدّر عدد الإصابات المعروفة، والتي وقع تشخيصها في العالم بنحو مليون حالة، بنهاية شهر آذار/مارس 2020، وعدد الوفيات بنحو 45500 حالة وفاة، منها 32 ألف حالة وفاة في أوروبا، فيما قُدِّرَ عدد الإصابات في إيطاليا ب110600 إصابة وعدد حالات الوفاة بنحو 13200 حالة، وفي إسبانيا بلغ عدد الإصابات المعروفة حوالي 53 ألف، وحالات الوفاة 3540 حالة،  وسجلت بريطانيا ثلاثين ألف إصابة معروفة و2400 حالة وفاة.

قد يعود ارتفاع العدد في أوروبا إلى عمليات الإحصاء التي تشمل معظم حالات الإصابة ومن حالات الوفيات، ففي الهند، حيث يُقدر عدد السكان بنحو 1,3 مليار نسمة، وحيث يرتفع عدد الفُقراء، وتقل الرعاية الصحية والسّكن اللائق، قدر بعض زعماء المعارضة أن الإصابات قد تصل إلى خمسمائة مليون حالة، بسبب غياب التخطيط الحكومي، وقلة المرافق الصحية (0,7 سرير لكل ألف شخص) والإختبارات، وبسبب تدهور الوضع الإقتصادي والصحي للفقراء الخاضعين للحبس المنزلي، لمدة ثلاثة أسابيع، منذ الرابع والعشرين من شهر نيسان 2020، وهم يعيشون، حتى قبل “الحجر الصّحّي”، في ظروف عسيرة جدا، ولا تتجاوز حصة القطاع الصحي المتداعي في الهند 1,3% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي مِن بين أقلّ النسب في العالم، في بلد يضم أعدادًا ضخمة مِن الفقراء الذين يعيشون في ظروف غير إنسانية، ما يساهم في نشر الفيروس على نطاق واسع، وخصوصاً في ظلّ ضعف البنية التحتية للصحة العامة، مع وجود 0,7 سرير مستشفى فقط لكل 1000 شخص، بينما يوجد في إيطاليا 3,4 سرير في المستشفيات، لكل ألف ساكن، وفي الولايات المتحدة يوجد 2,9 سرير لكل ألف ساكن، ولا يصل عدد أجهزة التنفس في الولايات المتحدة خمسين ألف جهاز، لنحو 330 مليون نسمة…

بالعودة إلى الهند، حيث تراجع النمو إلى أقل معدل خلال ست سنوات، وإلى عدم اكتراث حكومة حزب “بهارتيا جاناتا” اليميني المتطرف، وإهمالها، قررت حكومة “نانندرا مودي” إجراءات العزل والحجر الصحي، دون اهتمام بوضع مئات الآلاف مِن العمال المياومين (يعملون بأجرٍ يومي) الذين فقدوا عملهم، فجأة، واضطروا إلى مغادرة المدن الكبرى، والسير على الأقدام، عدة أيام، مع أفراد أُسَرِهِم، بدون طعام أو مياه أحيانا، لقطع مئات الكيلومترات أحيانًا، للعودة إلى بلداتهم وقراهم، ونشرت بعض وسائل الإعلام المحلية صورًا لهذه الجموع من العاملين الفُقراء، يسيرون في الطرقات “السريعة” الواسعة، والفارغة من السيارات…   

بعد انتقاد الطريقة التي عالجت بها الدولة انتشار وباء “كوفيد 19″، أعلنت الحكومة تخصيص أقل من 1% من الناتج المحلي الإجمالي لتوفير حصص غذائية وأسطوانات غاز مجانية لـ 83 مليون أسرة، وتحويلات نقدية بقيمة نحو 7 دولارات شهرياً إلى حوالي 200 مليون امرأة للأشهر الثلاثة المقبلة، فيما يتخوف الأطباء من زيادة متوقّعة في حالات الإصابة، إلى حوالي 200 ألف شخص، في ظل تداعي منظومة الرعاية الصحية، وارتفاع عدد الفقراء، نتيجة الأزمة الإقتصادية…

في البرازيل، لم يُخْفِ الرئيس “جايير بولسونارو” (ضابط متقاعد) آراءه الفاشِيّة، وأصبح يُشكل خَطَرًا بسبب تحديه للأطباء ولمسؤولي قطاع الصحة، وبسبب رفضه إقرار إجراءات تَحُدُّ من انتشار وباء الفيروس التّاجِي، وصرّح عَلنًا أنه يخاف على الإقتصاد أكثر من خوفه على صحة المواطنين، ولكن المحكمة العُليا أصدرت يوم 31 آذار/مارس 2020، قراراً قضى بمنع الرئيس من الاستمرار في حملته ضد الحجر الصحي، ما اضطر الحكومة إلى إعلان (يوم الثلاثاء 31 آذار/مارس 2020) الإستعانة بالجيش “لضمان أمن الأطباء والممرضات والمستشفيات، ولتوزيع المعدات الطبية والمنتجات الغذائية، وإجراء اختبارات التحقق من الإصابة بالفيروس، ولمنع عمليات النهب والتخريب، ولمراقبة إجراءات الأمن والنظافة في الموانئ ومحطات القطار والمطارات…”

بلغ عدد الإصابات التي وقع إحصاؤها في البرازيل ( حوالي 213 مليون نسمة ) حوالي 5800، وفاق عدد الوفيات مائتَيْ حالة، حتى نهاية شهر آذار/مارس 2020، بحسب وزارة الصحة، ويرفض الرئيس “بولسونارو” (تلميذ دونالد ترامب، والضباط الإنقلابيين في البرازيل سنة 1964 والذين حكموا البلاد حتى 1985) التدابير الوقائية، لأنها “تضر بالإقتصاد”، واضطر، بعد صراع مع جزء من حكومته، ومع منظمة الصحة العالمية، إلى اتخاذ إجراءات “عزل عمودي”، وعزل الأشخاص الأكثر عرضة للخطر، فيما يواصل بقية السكان التنقل والعمل والحياة، ومأن شيئًا لم يكن، وأدّى تشبُّثُ الرئيس برأيه الخاطئ، إلى ابتعاد بعض أنصاره عنه، وإلى احتجاج السكان، عبر تحركات شعبية، كما عبر طرق الأواني من النوافذ كل ليلة، ويطالب بعض معارضيه باستقالته بسبب استهتاره بالعِلْم وبالصحة العامة، بحسب وكالة “برينسا لاتينا”، يوم 31 آذار/مارس 2020.

روجت بعض شركات المختبرات وإنتاج اللقاحات والعقاقير، بأنها على وشك “اكتشاف” لقاح ضد الفيروس التاجي، ومعظمها أخبار زائفة، لأنها تدعي اكتمال البحوث والتجارب خلال أسابيع قليلة، بينما تقتضي تجربة أي لقاح فترة تتراوح بين سنة ونصف وسنتَيْن، وادّعت الشركة الأمريكية العملاقة “جونسون أند جونسون” أنها قامت بِبُحوث مشتركة مع شركة صهيونية لتُنتج لقاحًا في وقت قريب، فهل جربت الشركة الصهيونية الدواء أو اللقاح على الأسرى الفلسطينيين أو على ذويهم، في السجن المسمى الصفة الغربية أو الجليل أو المثلث أو النقب؟

تضاعفت قيمة مبيعات الشركات متعددة الجنسية، المنتجة للأدوية، وقيمة أسهمها في البورصة، خلال عقدَيْن، وأصبحت تُعادل خمسمائة مليار دولارا، سنة 2019، وتكاد تُنافس أرباحها أرْباحَ شركات صناعة السيارات العالمية، وشركات استخراج النفط، وتحاول هذه الشركات عرقلة إنتاج دواء يُشفي نهائيا بعض الأمراض، لتحويلها إلى أمراض مُزْمِنَة (مثل السُّكّرِي)، وصُنع أدْوِية تُحَسِّنُ حالة المريض، وتُطيل عُمره، بشرط تناول الدواء باستمرار، وبدون انقطاع، لتكون هذه الشركات أول مستفيد، وترفض هذه الشركات الإستثمار في أمراض أو أَوْبِئَة تنتشر في البلدان الفقيرة، أو تُصيب الفُقراء، مثل “الملاريا”، لأنها تعتبر الأرباح ضعيفة. أما بالنسبة لوباء “كوفيد 19″، فإنه يُعتبر سليلاً لأوبئة أخرى، تُصيب الجهاز التنفُّسِي، مثل “سراس” و “حمى الشرق الأوسط” (سميرس)، وغيرها، أي إنه بمثابة فيروس متحول، ومتأقلم، ولكن لم تكتشف الشركات لقاحًا للوقاية منه، وتتسابق من أجل اكتشاف لقاح، وهو ما يتطلب فترةً تتراوح بين 18 و 24 شهرًا، لإتمام التجارب والإختبارات “السريرية”، ومعرفة التأثيرات الجانبية، غير المَرْغُوبة، خاصة بعد افتضاح أمر تضحية هذه الشركات بآلاف الأطفال في نيجيريا ومصر وغيرها من فُقراء الدول الفقيرة، وتَدّعي شركات المُخْتَبَرات والأدوية أنها هامش الربح من عملية بيع اللقاحات لا يتجاوز 3,3%، لكن الحكومات تحالفت مع الشركات وفرضَت بعض اللقاحات على جميع السّكّان، رغم الشكوك بشأن نجاعة بعضها، ما جعل سوق اللقاحات تنمو بنسبة 25% خلال ست سنوات، وفي حال اكتشاف لقاح ضد الوباء التاجي “كوفيد 19″، سوف تكون المبيعات بالمليارات، ليكون الربح وفيرًا، خاصة في الدول الرأسمالية المتطورة.

تردّدت حكومات العالم، وخصوصًا حكومات الولايات المتحدة ودول أوروبا في اتخاذ القرارات المناسبة، بمحاصرة وباء “كوفيد 19″، بقطع النّظر عن مسؤولية رأس المال في انتشار بعض الأمراض والأوبئة، لأن الوباء ليس سبب الأزمة، بل لم يكن سوى الشّرارة التي أجّجت نار الأزمة الرأسمالية، حيث سبق أن تدخل الإحتياطي الإتحاد الأمريكي (المصرف المركزي)، منذ كانون الأول/ديسمبر 2019، والمصرف المركزي الأوروبي، وبعض المصارف المركزية الأخرى، لضخ كميات ضخمة من السيولة، لمنع الأسواق من الانهيار، وعند انطلاق وباء “كوفيد 19” حاولت السلطة السياسية المُحافظة على مصالح الشركات (السّوق)، ضد صحة وحياة البشر، في الولايات المتحدة وفي بريطانيا والبرازيل ودول الإتحاد الأوروبي التي رفضت مساعدة إيطاليا، فيما سهرت حكومة الصين (وهي ليست اشتراكية) على تنفيذ الفحوص وتزويد السكّان بالمواد الضرورية والأدوية والموادّ الغذائيّة، بل أرسلت الصين وكوبا أطباء وأدوية وتجهيزات لدعم الشعوب في إيطاليا (حيث يوجَدُ خمسون طبيبا كوبِيًّا) وإسبانيا وفرنسا، وهي دول رأسمالية غنية، ثم تعاملت جميع حكومات الدول الغنية (كما غيرها) مع الأزمة (انتشار “كوفيد 19” ) كعادتها، وخاصة الولايات المتحدة، بتشديد العقوبات ضد شعوب إيران وفنزويلا وسوريا ولبنان، وبإقرار أوامر فَوْقِيّة وجب على المواطنين تنفيذها، بدون نقاش، وحرمانهم من العمل ومن الرزق القليل أصْلاً، في عملية قمع جماعية (حبس منزلي بدون دعم وتوفير المواد الضرورية والأساسية) تشمل ما لا يقل عن ثلاثة مليارات إنسان، أما الشركات فإنها سوف تستفيد من المال العام، مال الأُجَراء والمُنْتِجِين والمُستهلكين (الضريبة المباشر وغير المباشرة، أو ضريبة الإستهلاك) والفُقراء، بقيمة فاقت تريليُونَيْ دولار (كدفعة أولى) في الولايات المتحدة، وبقيمة 7,5 تريليونات دولار، في بقية العالم، على أن يرتفع المبلغ، في مراحل أخرى، بدون فائدة، أو بفائدة منخفضة، كما حصل خلال أزمة 2008/2009، ولا تملك القوى المناهضة للرأسمالية (على ضُعْفِها) بدائل قادرة على منافسة الرأسمالية النيوليبرالية، على صعيد كل بلد، كما على صعيد عالمي، لأن قُوّتهم من ضُعْف خُصُومهم…

يمكن للتقدّميين في الدول الفقيرة المطالبة بإلتوقف عن سداد الدين العام، وإلغائه، واستخدام الأموال التي خصصتها الميزانية لسداد الديون وخدمتها، في إعادة الإعتبار للقطاع العام، في مجالات التعليم والصحة والنقل والسكن، والبحث العلمي، والخَدمات الأخرى، وحَظْر خصخصة القطاعات الحيوية، وإعادة تأميم بعضها، وإعادة النظر بالإتفاقيات الدولية غير المتكافئة، والخروج منها، إذا لم تكن مراجعتها ممكنة، مثل اتفاقيات الشراكة بين الإتحاد الأوروبي ودول المغرب العربي، واتفاقيات الصيد البحري واتفاقية احتجاز المهاجرين غير النظاميين في معتقلات خاصة بالمغرب العربي (ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا)، بتمويل من الإتحاد الأوروبي، وغيرها…   

التعليقات مغلقة.