العنف المسكوت عنه / ابراهيم غرايبة

796
إبراهيم غرايبة ( الأردن ) – الجمعة 29/11/2019 م …

ما يزال العنف الاجتماعي وخاصة ضد النساء والأطفال والفئات المستضعفة مثل كبار السن والمعوقين سائدا ومسكوتا عنه، بل ويحظى بقبول واسع او تواطؤ، وقصة السيدة التي اقتلع زوجها عينيها وإن كانت حالة نادرة وصارخة تخفي حالات واسعة من الضرب والإهانة والشتم والإهمال تتعرض لها النساء زوجات وبنات وأخوات، والأبناء والتلاميذ في المدارس على يد معلمين أو زملاء، ويعيش عدد كبير من كبار السن والمرضى في حالة مزرية من الإهمال والإهانة والتهميش، وفي استطلاع الرأي الذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية أجاب 86 في المائة من الناس أنهم يعلمون عن حالات عنف اجتماعي في البيوت والمدارس، وندرك جميعنا او أغلبنا أنها نسبة منطقية، إذ نعرف جميعا ونشاهد ونلاحظ قصص العنف الكاسح في مجتمعاتنا والمتقبل والمتواطأ عليه، وأسوأ من ذلك أنه عنف يقع معظمه في إطار عائلي.

وأتذكر أنني كتبت في “_” قبل سنوات عن الظاهرة وقد تعرضت المقالة لردود غاضبة وواسعة في الصحافة ووسائل الإعلام باعتبار الضرب جزءا من الدين والذين ينتقدون ضرب الزوجات إنما كما قال أحد أساتذة كلية الشريعة في الجامعة الأردنية إنما يفتئتون على كتاب الله، وكتب أستاذ آخر وعضو في مجلس النواب يصف انتقاد الضرب بأنه اعتداء خطير على الشريعة ومصادرها،.. وشغلت الإذاعات الدينية الغيورة على الدين في البلد بالدفاع عن ضرب الزوجات!! بل إن زميلة صحفية أعدت لصحيفتها تقريرا عن الظاهرة وجاء عنوان التقرير خلافا لإرادتها ومعاكسا للمضمون “رجال يضربون زوجاتهم من غير مبرر!” وكأن هناك ضربا بمبرر! أن يكون الضرب مباحا لا يعني أنه لا يجوز للدولة أن تمنعه، طالما أن هناك محاكم ومؤسسات اجتماعية وتنظيمية ذات وضع قانوني وسيادي تفصل بين الناس وتحمي حقوقهم، .. لم يعد مجال في ظل دولة ذات سيادة وقوانين نافذة وملتزمة بحماية مواطنيها أن يضرب أحد أحدا آخر حتى لو كان ابنه أو بنته أو أخاه أو أخته.

والحال أن حياتنا اليومية تفيض بالكثير من الكراهية والعنف المادي والرمزي، في السلوك الاجتماعي واللغة والشتائم والتحريض والسخرية من الآخر ورفض الاختلاف والتنوع،

ومعلوم بالطبع أن الآية القرآنية “واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن بالمضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا” تستند إليها حالة اجتماعية تجعل الضرب مبررا ومقبولا، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة منع تجريم ضرب الزوجة، هو بالتأكيد كما يبدو في النص من وسائل حماية الأسرة وتفادي “النشوز”، ولكن عندما يكون لدى الدولة والمجتمع من التشريعات والتدابير والمؤسسات لحماية الأسرة وتنظيمها وحفظ حقوق الزوجين فإن الضرب لا يعود مقبولا ولا جائزا أيضا، لأن الدولة والتشريعات والمؤسسات المنظمة لعملها تتكفل بحماية الأسرة كما الحقوق العامة والخاصة لجميع المواطنين، وتلزم كل مواطن بل والحكومة أيضا إذا كانت طرفا في الخلاف بالأهداف والمبادئ والحقوق العامة للأسرة والمجتمع والأفراد، وهي في هذه الحالة تنوب عن الزوج والزوجة أيضا في تحصيل الحقوق ورد الظلم إذا اعتدى أحدهما على الآخر.

لا نحتاج للقول إن ضرب الزوجة حرام لمنعه أو تجريمه أو رفضه، الرق مثلا كان مقبولا، ولم ينص القرآن صراحة على منعه أو تحريمه، فالإنسانية بعامة والمجتمعات يتشكل لديها من الوعي والارتقاء والتطور التنظيمي والمؤسساتي والتشريعي ما ينشئ قواعد ومبادئ وأفكارا وتشريعات وتنظيمات وثقافات جديدة تنظم الحقوق والواجبات. لا يتعارض منع أو تجريم أو رفض ضرب الزوجة مع القرآن الكريم، ولا يعني ذلك أيضا رد الآية أو الاعتراض عليها أو رفضها، فهذه الولاية للزوج ليست بالضرورة حقا مطلقا في جميع الظروف والأحوال لا يجوز المساس به أو تنظيمه، فالدول والمجتمعات تمنح وتمنع مسائل كثيرة وفق ما تنظم به مصالحها ووفق ما ترقى ثقافتها ووعيها، هل يحق لأحد اليوم أن يتجاوز الإشارة الضوئية الحمراء لأن ذلك ليس حراما؟ ألم يصبح هذا الفعل جريمة؟

التعليقات مغلقة.