الباقورة والغمر من منظور دستوري / د. ليث نصراوين

459
د. ليث كمال نصراوين ( الأردن ) – الأربعاء 13/11/2019 م …

دخل قرار إنهاء العمل بملحقي معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية المتعلقين بمنطقتي الباقورة والغمر حيز النفاذ بشكل رسمي، حيث تم إلغاء كافة حقوق استعمال واستغلال هذه الأراضي الأردنية التي كانت مقررة للجانب الإسرائيلي لمدة خمس وعشرين سنة، والتي كانت تقوم على منح الجانب الإسرائيلي مركزا قانونيا خاصا يتمثل بحرية الدخول والخروج من هاتين المنطقتين، والحق في الاستفادة من هذه الأراضي الزراعية دون تطبيق التشريعات الجمركية عليها، وعدم سريان القوانين الجزائية الأردنية على الإسرائيليين بسبب نشاطاتهم في منطقتي الغمر والباقورة طيلة فترة الاتفاق.

إن السيادة الأردنية على منطقتي الباقورة والغمر لم تكن في أي يوم من الأيام محل خلاف طيلة مدة سريان ملحقي معاهدة السلام، فالاعتراف الإسرائيلي بالسيادة الوطنية على هاتين المنطقتين مقرر صراحة في المادة الثالثة من المعاهدة المبرمة. وبهذا يأتي القرار الأردني بعدم تجديد ملحقي الباقورة والغمر منسجما من أحكام الدستور، والذي ينص في مادته الأولى على أن المملكة الأردنية الهاشمية دولة ذات سيادة مُلكها لا يتجزأ ولا يُنزل عن شيء منه. فما صدر عن الأردن من قرار فردي بإنهاء ملحقي معاهدة السلام يؤكد بأنها دولة تبسط سيادتها المطلقة على كافة أراضيها وفق أحكام الدستور.

كما ظهرت السيادة الوطنية للدولة الأردنية من خلال ردها على كافة التهديدات الإسرائيلية الأخيرة بضم غور الأردن واعتباره أراضي إسرائيلية، بالإضافة إلى مواجهة الغطرسة الإسرائيلية التي تجلت في الضغط نحو نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وسياسية التوسع في الاستيطان، وما صدر عن الكنيست الاسرائيلي من تشريعات تهدف إلى تهويد مدينة القدس، والتي كان آخرها قانون القومية الوطنية للشعب اليهودي.

ويمكن الاستناد إلى نصوص الدستور فيما بعد إنهاء ملحقي معاهدة السلام فيما يتعلق بالإدعاءات الإسرائيلية حول وجود مُلكيات خاصة لهم في هاتين المنطقتين. فالقانون الوطني هو الفيصل في تقرير صحة البيوع العقارية التي تمت على هذه الأراضي الأردنية ومدى توافقها مع قواعد تسجيل الأموال غير المنقولة، وذلك انطلاقا من قاعدة قانونية ثابتة تقضي بأن هذه الأراضي تعود للخزينة العامة للدولة ولم يتم تسويتها، وبأنها مال عام لا يسقط بالتقادم ومرور الزمن.

وعلى الفرض الساقط بأن الحق في الملكية الإسرائيلية قد ثبت وفق أحكام القانون الوطني، فإنه يبقى الخيار للدولة الأردنية بأن تقوم بتفعيل أحكام المادة (11) من الدستور، والتي تعطيها الحق في استملاك تلك الأراضي ونزع ملكيتها جبرا لغايات النفع العام ومقابل تعويض عادل يقرر وفق أحكام القانون. ولا يحد من تطبيق هذا النص الدستوري أي حجج بأن هذه الأراضي مملوكة لأشخاص غير أردنيين، ذلك أن القواعد القانونية الناظمة لحق الدولة في استملاك الأراضي تطبق على جميع المُلكيات الخاصة بصرف النظر عن شخصية مالكها وجنيسته.

التعليقات مغلقة.