بزنس الريااضة – شراكة مسمومة … أو ما العلاقة بين النّفط وكرة القدم؟ / الطاهر المعز

295

الطاهر المعز ( تونس ) – الثلاثاء 30/1/2024 م …

تجري هذه الأيام وقائع إحدى أهم التّظاهرات الرياضية الإفريقية، بساحل العاج، وترعى مجموعة “توتال إنرجيز” للمحروقات هذه التظاهرة، وهي هي شركة نفط متعددة الجنسيات، ذات مَنْشَأ فرنسي، وهي الشريك الرئيسي منذ سنة 2016 في بطولة كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم وعدد من التظاهرات الرياضية الأخرى في إفريقيا، وتجمع بطولة كأس إفريقيا أربعة وعشرين فريقًا من القارة كل عامين، وبالتالي، ترعى هذه الشركة الدّوْرَة الرابعة والثلاثين من كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم، والتي بدأت يوم السبت 13 كانون الثاني/يناير 2024 في ساحل العاج.

تبث اللوحات الإعلانية الرقمية، التي تصطف على جانبي الملعب، إعلانات من شركة النفط هذه، وخصوصًا بعد كل هدف يتم تسجيله، أمام 60 ألف متفرج، في المتوسط، حاضرين على مدرجات الملعب، بالإضافة إلى عشرات الملايين من الأُسَر التي تُشاهد المباريات على شاشات التلفزيون في أفريقيا وفي مناطق أخرى من العالم، وبنهاية كل مباراة، تمنح شركة المحروقات “توتال إنرجيز” أحد اللاعبين جائزة “رجل المباراة” الذي تُصَوِّرُه كاميرات التلفزيون وهو يبتسم في ممر تصطف على جانبيه شعارات تحمل صورة الشركة المتعددة الجنسيات، الشريك الرئيسي لهذه التّظاهرة، وأصبحت هذه الشركة الراعي الرسمي لكرة القدم الأفريقية لمدة ثماني سنوات، في مقابل دعمها المالي للمسابقات العشر الرئيسية لاتحادات كرة القدم الأفريقية (بما في ذلك كأس الأمم الأفريقية، التي أعيدت تسميتها كأس إفريقيا توتال إنجيز” ( CAN TotalÉnergies)، ليظهر اسمها وشعارها في كل مكان في الملعب وعلى الجوائز المميزة الممنوحة للاعبين، ضمن عملية إشهارية ضخمة تهدف تلميع صورتها من خلال الرياضة الشعبية الأولى في إفريقيا، وبذلك ترتبط صورة واحدة من أكبر الشركات المُلَوِّثَة بمآثر أشهر لاعبي كرة القدم، لجعل الناس ينسون التلوث والأمراض والاستغلال والقمع الذي تسببه هذه الشركات العابرة للقارات.

تعد مجموعة توتال إنيرجيز الفرنسية أكبر مطور لحقول النفط والغاز الجديدة في القارة الأفريقية، وفقا لوكالة الطاقة الدولية التي أوصت في تقريرها  ( Net Zero by 2050  ) ” صفر تلوث بحلول 2050″، بالوقف الفوري للتطوير أو تطوير أي مشاريع جديدة للنفط والغاز في أفريقيا من أجل الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، وبخصوص أفريقيا فهي تضم 17% من سكان العالم، وهي مسؤولة عن 4% فقط من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة، لكن القارة تدفع ثمناً باهظاً لتغير المناخ، غير متناسب مع انبعاثاتها، بل تُعاني من النتائج السلبية للإنبعاثات من بينها تكثيف موجات الجفاف والتصحر والمجاعات والفيضانات، حيث تقع سبعة عشر من البلدان العشرين الأكثر عرضة للتهديد بالانحباس الحراري العالمي في أفريقيا، وفقا للجنة الاقتصادية لأفريقيا (الأمم المتحدة). وتستخدم الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات المسؤولة عن هذه الكوارث الأحداث الرياضية لشراء صورة إيجابية، ولكن يجب أن نتذكر أنه في تاريخ أفريقيا، كانت شركة توتال إنيرجيز (وسَلَفها إلف – Elf Aquitaine – التي استحوذت عليها سنة 2000)  تستغل النفط والغاز في أفريقيا منذ تسعين سنة وساهمت بشكل مباشر  في تمويل الإنفصال في نيجيريا والكونغو والسودان وأنغولا وغيرها وفي تمويل الحروب الأهلية والفساد  والانقلابات، والاختلاس، وهي تتسبب الآن في إلحاق أضرار لا يمكن إصلاحها بالطبيعة وبمُحيط عيش الإنسان، كالسواحل والغابات والأَحْراج أو البحيرات والأنهار ومصادر المياه، أعلنت شركة “توتال إنيرجيز”  خلال شهر أيلول/ سبتمبر 2023، أنها تخطط لزيادة إنتاجها من المواد الهيدروكربونية بنسبة 2% إلى 3% سنويًا بحلول سنة 2028، بهدف ضمان إمداد أوروبا بالطاقة منخفضة التكلفة، حتى لو كان استغلال النفط والغاز يسبب التلوث والجفاف والمجاعات والهجرة القسرية، وبالتالي فإن مثل هذه الشركات تُواصل استعمار إفريقيا (وغيرها) بوسائل غير عسكرية.  

في موزمبيق، تعمل شركة توتال إينرجيز على تطوير مشروع للغاز بقيمة عشرين مليار دولار في منطقة كابو ديلغادو، حيث تم اتهامها بتأجيج الصراعات، وتعتزم أن تقوم قبالة سواحل جنوب أفريقيا بالتنقيب عن النفط والغاز، رغم التهديدات التي يتعرض لها الصيادون والأسماك وتدهور الحياة البحرية، ومنذ كانون الثاني/يناير 2023، قامت نفس الشركة ببناء خط أنابيب نفط بطول 1443 كيلومترًا بين أوغندا وتنزانيا، وبدأت عمليات حفر 400 بئر، بما في ذلك 130 في مَحْمِية وطنية، ويتوقع أن يطلق الحقل 34,3 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا، أي أكثر من انبعاثات أوغندا وتنزانيا مجتمعتين، وتَطَلَّبَ إنجاز هذا المشروع مصادرة – كليًا أو جزئيًا – لأراضي أكثر من 118 ألف مواطن، وتم طرد بعض العائلات بالقُوّة، دون الحصول على تعويض في حالات كثيرة، كما يخشى السكان من تسرب النفط، إذ يضم احتياطي الحقل النفطي بحيرة ألبرت، مما يهدد النظام البيئي الذي يعتمد عليه الصيادون والسكان المحليون، وفي تنزانيا، سيعبر خط الأنابيب خمسة وثلاثين نهرًا ومجرى مائيا، بالإضافة إلى حوض بحيرة فيكتوريا، ثاني أكبر بحيرة للمياه العذبة في العالم، وأحد المصادر الرئيسية لنهر النيل.

في أوغندا، ترتبط شركة TatalEnergies بالشركة الصينية China National Offshore Oil Corporation (CNOOC) في مشروعين كبيرين للطاقة يُدءعَى أحدهما “Tilenga” والثاني مد خط أنابيب النفط الخام في شرق إفريقيا، ويُعاني السكان المحليون، منذ سنة 2017، من عمليات الإخلاء القسري بعد مُصادَرَةِ أراضيهم ومن الاعتقالات وتدمير المَحْمِيّات الوطنية ويتهمون شركة توتال إنيرجيز- المدعومة من الحكومة الفرنسية –  بتدمير حياتهم بسبب مشاريعها العملاقة، ومن ضمنها حفر أكثر من 400 بئر نفط تقع في صخور بحيرة “ألبرتين ريفت”، الذي  يقع في قلب شلالات مورشيسون وهي إحدى أهم المحميات الطبيعية في أوغندا، التي تحتوي على  احتياطي ضخم من النفط يُقَدّر حجمه بنحو 6,5 مليارات برميل، وعندما يُستخرَج النفط فإن السكان المحليين لا يستفيدون منه بل سيتم تصدير الإنتاج عبر أطول خط أنابيب ساخن ومدفون في العالم بطول 1443 كيلومترا من الأنابيب كماذكرنا، يعبر أوغندا وتنزانيا (ميناء طنغة على ساحل المحيط الهندي)، مرورا بمئات القرى وبحيرة فيكتوريا، ويتطلب تدفق النفط عدم هبوط درجة الحرارة عن 50 درجة، لمنع تَجَمُّدِه، ويتطلب تنفيذ المشروع طرد 100 ألف شخص، معظمهم من المزارعين الذين تمت مصادرت أراضيهم وطرد عدد منهم في ظروف لا تطاق.

هذه بعض النماذج من إجرام شركة “توتال إنيرديز” في إفريقيا التي تريد “غَسْلَها” برعاية رياضة كرة القدم الإفريقية.

التعليقات مغلقة.