قيامة البحرية اليمنية: هكذا بدأت صنعاء من الصفر
مدارات عربية – الثلاثاء 23/1/2024 م …
بعدما كان دورها هامشياً في أهم شريط ساحلي في المنطقة يصل طوله إلى 2400 كيلومتر، تمكّنت القوات البحرية اليمنية من فرض سيادتها في البحرين الأحمر والعربي، خلال الشهرين الماضيين. وبعكس توقّعات واشنطن التي وقفت وراء تأسيس قوات خفر السواحل في حضرموت، وقدّمت الدعم للفصائل الموالية للإمارات لبناء خفر سواحل مماثلة في الساحل الغربي، بهدف إسناد قواتها في البحر الأحمر وقبالة مضيق باب المندب، فوجئت البحرية الأميركية بتطوّر قوات صنعاء البحرية من الصفر، بعد استهدافها مطلع 2015 وتدميرها كلياً، لتعود عقب سنوات من البناء والتطوير إلى الجهوزية، وتدخل المواجهة مع البحرية الأميركية على رغم الفارق الكبير بين الطرفين.
بناء القدرات من الصفر
حتى مطلع 2015، لم تكن صنعاء تمتلك قوات بحرية قادرة على فرض قواعد اشتباك في البحر الأحمر ولا حماية مياهها الإقليمية. فقد ورثت قاعدة بحرية في الحديدة، تحتوي على بعض أسلحة الدفاع الساحلي المتقادمة، والتي تقول مصادر عسكرية إن الحكومات السابقة استعانت بخبراء صينيين لإعادتها إلى الخدمة قبل 2014، لكن هؤلاء أكدوا استحالة ذلك. وعلى رغم ما تقدّم، كانت القدرات البحرية اليمنية من أولويات أهداف تحالف العدوان، حيث تعرّضت الأسلحة التابعة للدفاع الساحلي اليمني، في النصف الأول من 2015، لتدمير شبه كلي بعشرات الغارات، وهو ما عدّته صنعاء مؤشراً إلى وجود مخطّط يستهدف البحر الأحمر والسواحل التابعة لها، فعملت على بناء القوات البحرية في ظروف معقّدة، وعكفت على تطوير قدراتها الدفاعية والقتالية والأمنية، بالتزامن مع بناء قوامها، لتتحوّل منذ مطلع عام 2020 إلى واحدة من القوات الرئيسة في إطار القوات المسلحة اليمنية. وخلال فترة التطوير وإعاده البناء، تمكّنت تلك القوات من إفشال عدد من عمليات الإنزال البحري التي حاولت دول «التحالف» تنفيذها لاحتلال الساحل اليمني، وفصل غرب البلاد عن الداخل.
البحرية في موقع الدفاع
تؤكد الإحصائيات الصادرة عن وزارة دفاع صنعاء أن القوات البحرية وقوات الدفاع الساحلي تمكّنت، بين 2015 و2021، من تنفيذ أكثر من 34 عملية نوعية استهدفت سفناً وفرقاطات وزوارق على امتداد الساحل الواقع تحت سيطرتها في محافظتي حجّة والحديدة، وصولاً إلى قبالة باب المندب، إضافة إلى أرصفة موانئ ومنشآت معادية، وإفشال عمليات إنزال وإبرار، واحتجاز عدد من السفن التي انتهكت المياه الإقليمية اليمنية. وكان من أبرز تلك العمليات استهداف السفينة «سويفت» الإماراتية بصاروخ بحري مطلع تشرين الأول 2016، ومن ثم اشتباك المقاتلين اليمنيين مباشرة من مسافات قريبة مع من تبقى من طاقم السفينة المستهدفة، انطلاقاً من زوارق سريعة، باستخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة لمدة 3 ساعات. ونتيجة الدمار الكبير الذي لحق بالسفينة، قام تحالف العدوان بسحبها إلى أحد موانئ بيع الخردة في اليونان. كذلك، تم استهداف فرقاطة «المدينة» السعودية في 30 كانون الثاني 2017، أثناء قيامها بأعمال معادية قبالة الحديدة.
تعرّضت أسلحة الدفاع الساحلي لتدمير شبه كلّي في 2015، وهو ما عدّته صنعاء مؤشراً إلى مخطّط يستهدف البحر الأحمر
وفي أعقاب تلك الأحداث، عمدت دول «التحالف» إلى إثارة المخاوف الدولية من نفوذ قوات صنعاء في البحر الأحمر، متّهمة «أنصار الله» باستخدام الألغام البحرية وتعريض الملاحة الدولية للخطر. جاء ذلك في أعقاب الكشف عن تمكّن مهندسين يمنيين من إعادة تطوير صواريخ «سي ـ 801» البحرية الصينية الصنع، وإعادتها إلى الخدمة باسم «مندب 1» في تشرين الثاني 2017. وتقول مصادر عسكرية مطّلعة، لـ«الأخبار»، إن هذا الصاروخ جرى استخدامه في 3 عمليات دفاعية لاستهداف قطع التحالف البحرية خلال 2018، وخضع للتطوير وأُنتجت أجيال متعدّدة منه. كما أن قوات صنعاء البحرية كشفت عن بدء إنتاج نوعين من الألغام البحرية الغاطسة بمسمّيات وطُرز متعدّدة، أبرزها اللغم البحري «ثاقب» المحلي الصنع الذي يتميّز بآلية مغناطيسية للتثبيت على بدن القطعة المعادية، عبر الضفادع البشرية. وخلال الفترة نفسها، أكدت صنعاء حرصها على الأمن البحري وسلامة الملاحة الدولية وحركة التجارة الدولية، متهمةً التحالف السعودي ـ الأميركي بتهديد مصالح العالم في البحر الأحمر عبر التحركات العسكرية المعادية.
المعادلة البحرية تتغيّر
مطلع أيلول 2022، ومن ضفاف البحر الأحمر، كشفت القوات المسلحة اليمنية عن اكتمال تطوير وبناء قوات ردع بحرية، وذلك في عرض عسكري أطلق عليه اسم «وعد الآخرة»، جرى بمشاركة أكثر من 25 ألف مقاتل من قوات المنطقة الخامسة والقوات البحرية والدفاع الساحلي والقوات الجوية والدفاع الجوي. وآذنت صنعاء، وقتها، بتغيير المعادلة العسكرية البحرية، بالإعلان عن دخول أسلحة بحرية جديدة المشهد لأول مرة، ومنها صواريخ «مندب 2» بعيد المدى، و«فالق 1» متوسط المدى، وهما صناعة يمنية محلية، ومنظومة «روبيغ» الروسية المتطورة بعيدة المدى، والتي تُستخدم لضرب السفن والغواصات في أعالي البحار، ولم تدخل المعركة حتى الآن، وتعدّ أحد أهم الأسلحة التي تملك قدرة على إحداث تدمير كبير وإغراق بوارج عسكرية. وهذا النوع من الصواريخ البحرية يصل مداه إلى 80 كيلومتراً، ووزن رأسه الحربي إلى 513 كيلوغراماً من إجمالي وزن الصاروخ البالغ 2523 كيلوغراماً، وسرعته إلى 1100 كيلومتر في الساعة. كذلك، ثمة أسلحة بحرية نوعية تجاوزت المرحلة التجريبية لتصل إلى مستوى الجاهزية. وفي أعقاب العرض العسكري المذكور، أعلنت صنعاء امتلاكها أسلحة بحرية نوعية كفيلة بفرض سيادتها على كل المياه الإقليمية اليمنية لأول مرة منذ عقود، فضلاً عن إمكان استهداف أيّ هدف معادٍ في أيّ نقطة في البحرين الأحمر والعربي.
كذلك استمرت صنعاء في تطوير قدراتها الدفاعية البحرية، وأثبتت خلال المواجهات الحالية التي تجري مع البحرية الأميركية على خلفية موقف الأولى المساند للشعب الفلسطيني، أنها عصيّة على الانكسار أمام البوارج والمدمرات الأميركية والبريطانية. ورغم اعتراف الجانب الأميركي بامتلاك صنعاء أسلحة متطوّرة، إلا أن الأميركيين يخفون الكثير مما جرى لبوارجهم في البحر الأحمر، أثناء اشتباكها مع القوات اليمنية، ويموّهون أمام الرأي العام الأميركي حقيقة ضربات تعرّضت لها البارجة «مايسون» الأسبوع الماضي، وعمليات أخرى.
التعليقات مغلقة.