الحرب الاستباقية الإسرائيلية على لبنان: من منع الجنون؟ / د. ليلى نقولا

309

د. ليلى نقولا ( لبنان ) – الأحد 21/1/2024 م …

بغضّ النظر عن الجهة التي منعت حرب “إسرائيل” الاستباقية على لبنان، والتي كانت خياراً جنونياً ومكلفاً، ولن تخرج فيها “إسرائيل” منتصرة، فإنها أيضاً وفّرت على الأميركيين الانجرار إلى حرب.

يوماً بعد يوم، تتكشّف الحقائق بشأن حرب غزة، إن كان من ناحية عدد الشهداء الذين قتلتهم “إسرائيل” عمداً، أو خطط التهجير القسري للفلسطينيين، أو خطط الضربات الاستباقية، التي قال عضو كابينت الحرب الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، إنه من خلال وجوده في حكومة الحرب، منع “إسرائيل” من ارتكاب خطأ استراتيجي فادح في مهاجمة حزب الله في الأيام التي تلت هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر.

وأكد آيزنكوت أنّ “إسرائيل” كانت على وشك “ضرب حزب الله، على الرغم من أنّ الأخير لم يطلق النار بعدُ على “إسرائيل”، مشيراً إلى أنه “أقنع المسؤولين في حكومة الحرب بالتأجيل”.

يلاحَظ، في هذا الإطار، أن التقارير تتباين في الجهة التي منعت الحرب على لبنان. فبعض التقارير أشار إلى نتنياهو، وبعضها ينسب الإنجاز إلى الرئيس الأميركي جو بايدن.

واليوم، يخرج آيزنكوت لينسب هذا الأمر إلى نفسه، متفاخراً بأنه منع حرباً على لبنان. ولا شك في أن هذا التفاخر له مبرراته، في وقت تتخبّط “إسرائيل” في حربها على قطاع غزة، بحيث إنه بعد مرور أكثر من 100 يوم لم تحقق الأهداف المعلنة، التي تحدثت عنها، بل إنها لم تحقق أيضاً أهدافاً فرعية تُعَدّ أساسية لتحقيق الأهداف الأكبر، والمطلوب تحقيقها من الحرب العدوانية على غزة. 

وعليه، إذا كان الإسرائيليون لم يستطيعوا تحقيق أي أهداف أساسية يمكن البناء عليها لتحقيق إنجازات وفرض تصوراتهم لما يسمى اليوم التالي، فإن كشف الحقائق عن نيات إسرائيلية في الهجوم على حزب الله، الذي يمتلك أسلحة دقيقة ويتمتع بقدرات تنظيمية وعسكرية أكبر كثيراً من قدرات المقاومة في قطاع غزة المحاصَر منذ عام 2007، يشي بأن قيادات “إسرائيل” إمّا بالغت في تقدير قوتها واستخفت بقدرات أعدائها، وإمّا أنها أرادت أن تستغل الدعم، أميركياً وغربياً، ووجود حاملات الطائرات الأميركية في شرقي المتوسط، لتفتح حرباً ضد لبنان، مع العلم بأن التصريحات الأميركية، التي تحدثت عن وجود حاملات الطائرات لردع أعداء “إسرائيل”، ومنهم حزب الله وإيران، قد تكون “أغرت” نتنياهو باستغلال الحرب على غزة لتحقيق هدف إسرائيلي مستمر منذ ما بعد حرب تموز/يوليو 2006، وهو الانتقام من لبنان.

أمّا بالنسبة إلى الإدارة الأميركية، والتي كانت أعلنت أن أولويتها التفرغ لاحتواء الصين وروسيا، فهي تعرف جيداً تكلفة الانخراط في حروب مكلفة في الشرق الاوسط، وخصوصاً تكاليف الحروب الاستباقية، أو الوقائية، والتي قام بها جورج بوش في العراق، علماً بأن تلك الحروب محظورة في القانون الدولي.

وكان جورج بوش استخدم مبدأ الضربة “الوقائية” في حربه على العراق، على الرغم من أن مفهوم “الحرب الوقائية”، أو حق الدفاع الوقائي عن النفس، عمل محظور في القانون الدولي العام، ويتناقض كلياً مع ميثاق الأمم المتحدة.

كذلك مبدأ الضربة الاستباقية المعروف في العلم العسكري، وسبق أن استخدمته ألمانيا ضد النرويج، خلال الحرب العالمية الثانية، بذريعة منع غزو الحلفاء لألمانيا، لكن محكمة نورمبورغ رفضت الحجة الألمانية وأقرت بعدم شرعيتها، مع العلم بأن الضربات الوقائية تكتفي بتشخيص إمكان خطر قد يأتي من دولة أخرى من أجل شن حرب، وإن قامت دولة ما بشنها منفردة، على عكس الضربة الاستباقية، التي كانت تُعتمد في الحرب في حال وقوع خطر شديد وملموس، وتُستخدم قبل وقوعه لتشل قدرة الخصم.

في جانب آخر، كان قرار مجلس الأمن الدولي، رقم 486، دان بشدة استخدام الضربة الاستباقية ضد مواقع مشكوك فيها لتطوير أسلحة الدمار الشامل، وذلك بعد الهجوم الإسرائيلي ضد مفاعل تموز العراقي عام 1981، ودان أيضاً بشدة خرق “إسرائيل” لميثاق الأمم المتحدة وقواعد سلوك الدول.

وعلى هذا الأساس، وبغضّ النظر عن الجهة التي منعت حرب “إسرائيل” الاستباقية على لبنان، والتي كانت خياراً جنونياً ومكلفاً، ولن تخرج فيها “إسرائيل” منتصرة، فإنها أيضاً وفّرت على الأميركيين الانجرار إلى حرب مع لبنان، لا مبرر لها، علماً بأن لبنان ليس عدواً للولايات المتحدة، ولها نفوذ كبير فيه، وتتمتع بصداقات قوية مع معظم سياسييه.

في النتيجة، كما حدث بعد حرب تموز، ستكشف الأوراق الإسرائيلية، بعد حرب غزة، كثيراً من الحقائق عن تلك الحرب وما قبلها، والإخفاق الإسرائيلي فيها.

وإذا صح الحديث عن خطط إسرائيلية لشن هجوم استباقي على لبنان، كما قال آيزنكوت، فيكون انخراط حزب الله في هذه الحرب شبيهاً بدخوله الحرب السورية ومحاربة الإرهاب لمنع وصوله إلى لبنان.

التعليقات مغلقة.