متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الخامس والأربعون / الطاهر المعز

367

الطاهر المعز ( تونس ) – السبت 11/11/2023 م …

يتضمّن العدد الخامس والأربعون من نشرة “متابعات” الأسبوعية فقرة عن اليوم العالمي للصحة النفسية وفقرة للتذكير ببشاعة الإستعمار الإستيطاني الألماني بنهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، في إشارة إلى أُصُول الصّهيونية كفرع من الحقبة الإستعمارية/الإمبريالية الأوروبية، وفقرة عن “الروابط الخفية للرأسمالية العالمية” تستعرض بعض المنتديات النّخْبَويّة التي تُقَرّر مصير العالم تليها فقرة عن تجميع الثروات بين 1% أو 2% من أثرياء العالم، وفقرة عن وضع الإقتصاد العالمي على ضوء العدوان الوحشي على الشعب الفلسطيني في غزة، وفقرة عن خلفيات الإنقلاب “النّاعم” الذي أشرفت على تنفيذه الولايات المتحدة والسعودية، والذي أزاح رئيس الوزراء الباكستاني “عمران خان” وحكومته وفقرة عن التجارب التي تُجريها المختبرات العسكرية الأمريكية للبحوث البيولوجية، في نيجيريا كنموذج لهذه الأنشطة الخطيرة والمُضِرّة بحياة المواطنين، وفقرة عن الإضراب التاريخي لعمال صناعة السيارات الأمريكية الذي بدأ يوم 15 أيلول/سبتمبر 2023، والذي استمر 45 يومًا وفقرة عن المُستفيدين من ارتفاع أسعار اليورانيوم منذ الحرب في أوكرانيا…    

 

اليوم العالمي للصحة النفسية:

 أقرت المنظمات التي تعتني بالأمراض النفسية والإتحاد العالمي للصحة النفسية يوم العشر من تشرين الأول/اكتوبر من كل سنة، منذ 1992، يومًا عالميا للتوعية والدعم لقضايا الصحة النفسية، واتفقت هذه المنظمات على تخصيص الإحتفال هذا العام للتحسيس بضايا “الصحة النفسية في أماكن العمل”، حيث يُعاني عدد هام من العاملين من اضطرابات نفسية بسبب سوء ظروف العمل وضغط الرُّؤَساء إضافة إلى تدنِّي مستوى الرواتب ورداءة ظروف العيش، والمشاكل الأخرى التي يعيشها العامل في محيطه المهني أو العائلي أو الخاص، ويُقَدَّرُ عدد مرضى الإكتئاب في العالم بأكثر من 300 مليون شخصًا ويعاني نحو 260 مليون من اضطرابات القلاق، وقُدّرت تكاليف هذه الإضطرابات النفسية (خصوصًا تراجع الإنتاجية) بحوالي تريليون دولارا سنويا، واعترفت المنظمات المهنية أن بيئة العمل السلبية تسبب مشاكل في الصحة البدنية والعقلية، وقد تُؤَدِّي إلى اللجوء إلى المُسَكِّنات أو الكحول أو المُخدّرات، والتغيُّب عن العمل، ما يُؤَثِّرُ سَلْبًا على إنتاجية العامل أو المُوظّف… أهملت المنظمات النقابية للأُجَراء جوانب عديدة من ظروف العمل ومنها التّحَرُّش والضُّغُوطات النّفْسِيّة، ما يجعل ضحايا هذه الضُّغُوط يشعرون بالعُزْلَة، وما لا يُشَجِّعُهم على الإنخراط في العمل الجماعي النقابي أو السِّيَاسِي …  تعود الأرقام المذكورة إلى سبعة أو ثمانية سنوات، حيث لم اعثر على أرقام حديثة.

 

في جبهة الأعداء

الصّهيونية وليدة الإستعمار الأوروبي – نموذج ألمانيا

نقلت وكالة “رويترز” يوم الأربعاء الثّامن من تشرين الثاني/نوفمبر 2023، عن “مصدر بالحكومة الألمانية” ( وزارات الحرب والخارجية) إن الموافقات الخاصة بتصدير أسلحة ألمانية للكيان الصهيوني تضاعفت، نحو عشر مرات، على أساس سنوي، مقارنة بالعام 2022، وارتفعت من 32 مليون يورو مُعلَنَة سنة 2022 إلى 303 مليون يورو (ما يُعادل 323 مليون دولارا) خلال الأشهر العشرة الأولى من سنة 2023، وتعتبر كافة الحكومات الألمانية، منذ سنة 1953، تسليح الكيان الصهيوني ودَعْمِهِ ماليا، أولَوِيّةً مُطْلَقَة،  

بلغت قيمة صادرات ألمانيا من المعدات العسكرية، التي 8,76 مليار يورو خلال الشهور التسعة الأولى من سنة 2023، وتُشارك ألمانيا بنشاط في كافة الحروب العدوانية الأمريكية والأطلسية (من يوغسلافيا والصومال وأفغانستان والعراق إلى سوريا واليمن وليبيا) وتبيع ألمانيا غواصات ( 7 غواصات) قادرة على حمل رؤوس نوَوِية إلى الكيان الصهيوني بسعر تفضيلي لا يتجاوز نسبة 65% من سعر البيع المُعْلَن، كما منحت ألمانيا الكيان الصهيوني مُكونات أنظمة الدفاع الجوي ومعدّات الإتصالات والتّجسّس والعربات المصفحة وزجاج الأمان والشاحنات العسكرية، واشتهرت ألمانيا (منذ 1953) بعدم الإفصاح عن تفاصيل عمليات بيع الأسلحة ولا عن الشركات الألمانية المشاركة في صفقات البيْع.

لم تخرج أي مجموعة سياسية أو نقابية أو ثقافية في ألمانيا عن الإجماع المُعَبِّر عن الدّعم غير المحدود وغير المَشْرُوط للكيان الصّهيوني، تكفيرًا عن المسؤولية التاريخية لألمانيا النازية في اعتقال المواطنين الأوروبيين اليهود وحشرهم في محتشدات، غير إن ظهور الإيديولوجية الصّهيونية ( بنهاية القرن التّاسع عشر) سابق لظهور العقيدة النّازية التي لم تنبُتْ من فراغ من الماضي الإستعماري الألماني…

لم يتميّز موقف اليسار الألماني من خارج البرلمان عن اليسار المُمثَّل في البرلمان بشأن القضية الفلسطينية والدّعم المُطْلَق للإحتلال، ابتداءً من الحزب الإشتراكي الحاكم وحلفائه من حزب الخُضْر وهَرع المستشار أولاف شولتس (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) إلى تل أبيب مُباشرة إثر العملية الفدائية (07 تشرين الأول/اكتوبر 2023) دفاعًا عن “وُجُود وأَمْن إسرائيل” وتَسَابَقَت قيادات حزب الخُضْر وأعضاء الحكومة الإتحادية إلى سوق المُزايدات السياسية لإعلان تأييد الإحتلال الصهيوني وتبرير المجازر والإبادة…

يُشيع العديد من المُثَقّفين إن ألمانيا لم تكُن دولة استعمارية مُماثلة لفرنسا أو بريطانيا، وهذا خطأ لأن ألمانيا استعمرت العديد من البلدان، حتى هزيمتها بنهاية الحرب العالمية الأولى، منها ستّ مُستعمرات في إفريقيا (بوروندي والكاميرون وناميبيا ورواندا وتنزانيا وتوغو)  فضلا عن  الإستعمار الجُزْئي لأوغندا وإفريقيا الوسطى وتشاد والغابون وغانا وكينيا وموزامبيق ونيجيريا، فضلا عن مستعمراتها في أوروبا الشمالية والشرقية، منذ القرن السابع عشر، قبل الوحدة الألمانية، والجزر العديدة في المحيط الهادئ، بالإضافة إلى أجزاء من الصين، بين سَنَتَيْ 1898 و 1914، وارتكب الإستعمار الألماني جرائم فظيعة، منها مجازر 1904 بجنوب غربي إفريقيا ضد “الهيريرو” (إحدى قوميات أو أثنيات جنوب غرب إفريقيا) الذين تمرّدوا على الإستعمار الإستيطاني الألماني وقتلوا أكثر من مائة منهم في هجوم مفاجئ، احتجاجًا على مُصادرة أراضيهم طيلة العُقُود السابقة (خصوصًا خلال العقديْن الأخيرَيْن من القرن التّاسع عشر) وتوطين المُسْتعمِرِين في الأراضي الخصبة التي خَصَّصَها السّكّان المَحَلِّيُّون للرّعي، واحتجاجًا على فظاظة المُستعمرين الألمانيين الذين استَعْبَدُوا السّكّان الأصليين وجَمّعوهم في معازل بأراضي “ألمانيا الإفريقية” (نامبيبيا الحالية )…

كانت ممارسات السلطات الألمانية شبيهة بممارسات الصّهيونية، حيث كان الهدف “إبادة الهيريرو بمن فيهم النساء والأطفال، وإذا لم تكن الإبادة ممكنة يتعين إجبارهم على مغادرة البلاد”، وفق تعليمات إمبراطور ألمانيا آنذاك الذي وصف هذه الحرب بعملية التّطهير العنصري، وتم تنفيذ هذه التعليمات بوحشية، حيث تم تسميم الآبار التي يشرب منها السكان ومواشيهم من قِبَل الجيش الألماني المُسْتَعْمِر الذي قَبَضَ على المئات من الهيريرو غير المسلحين وأَعْدَمَهُمْ ونفى القادة والآلاف من السكان إلى الصّحراء حيث ماتوا جُوعًا وعطَشًا، وقَدّرت قيادة أركان الجيش الألماني في “ألمانيا الإفريقية” عدد القتلى بنحو 65 ألف من أصل 80 ألف من الهيريرو، وفقد العديد من النّاجين (15 ألف) حياتهم في مُحتشدات العَمَل القَسْرِي…

 

الروابط الخفية للرأسمالية العالمية

يتم إغراق وسائل الإعلام بالأخبار السطحية والبيانات التي تُمجّد الرأسمالية بمناسبة مُلتقى دافوس أو قمّة الدّول السّبْعة أو العشرين، لكن هناك أُطُر أخرى، غير رسمية، وأكثر تَكتُّمًا تجتمع بدون ضجيج ولا بيانات رسمية ولا ندوات صحفية، ومنها ملتقى بيلدربيرغ (منذ سنة 1954) وتتطرق الفقرات الموالية لما سُمّيت “اللّجنة الثُّلاثية” العابرة للقارات، التي أسّسها ثلاثة من ركائز النظام الرأسمالي الإمبريالي الأمريكي سنة 1973، ديفيد روكفلر وزبيغنيو بريجنسكي وجورج فرانكلين، بهدف خلق فضاء اقتصادي دولي يُرَسِّخُ الهيمنة الأمريكية على العالم من خلال شبكة من المصالح والاستراتيجيات والآليات التي تُغَلِّبُ المصالح الأمريكية على مصالح أوروبا الغربية واليابان، فضلاَ عن الإتحاد السوفييتي آنذاك والصّين التي لا تزال “متخلفة” وفق مقاييس القوى الرأسمالية الكبرى.

تكثّف الإستثمار في التكنولوجيا، منذ سبعينيات القرن العشرين، ما زاد من تعميق الهوة، داخل كل بلد، بين من يستخدمون هذه التقنيات ومن لا يُحسنون استخدامها، وبين البلدان الغنية، حيث بدأ ترويج التقنية على نطاق واسع، مقارنة ببلدان “الأطراف” التي بقي بعض أجزائها المُستقلة حديثا، تفتقر إلى الكهرباء والمياه النّقية (مياه الشّرب) والبُنية التحتية وما إلى ذلك، وساهمت التكنولوجيا  في إعادة تشكيل الاقتصاد، وأعادة هيكلة الطبقة العاملة والمجتمعات، باندثار العديد من القطاعات والحِرَف والوظائف التقليدية، وبتَحَوّل أساليب الإنتاج والسويق، ليحل محلّ القطاعات والوظائف التقليدية الحاسوب وما يُسمّى “الذّكاء الإصطناعي” والروبو، والبيع عن بُعْد بواسطة الشبكة الإلكترونية التي تدعو إلى مزيد من التنافُسية والإبتكار ومن تَكَيُّف الطبقة العاملة مع التكنولوجيا التي غيّرت العلاقة بين رأس المال والعمل وكذلك بين المنتج والمُستهلك، وأحدثت التكنولوجيا ثورة في مجال الإتصالات والتجارة والتعليم، كما خلقت وظائف جديدة، أُقْصِيَ منها ذوي التعليم المحدود والخبرات والمهارات المحدودة، ما يُحتّم على البلدان الفقيرة زيادة الإستثمار في التعليم والتّدريب وتنمية المهارات بدل الإستثمار في الأمن ووسائل القمع واستيراد السّلع والخدمات الضّرُورية…

تميزت فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين بتزايد المنافسة الاقتصادية بين مُكَوّنات “الثالوث الرأسمالي”: الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان، من أجل زيادة حصّة كل منافس من السوق العالمية، وتمثل ابتكار “اللجنة الثّلاثية” في نشر النيوليبرالية، بذريعة انتهاج “استراتيجية التّرابط الإقتصادي بين الأقطاب الرأسمالية لحماية الأرباح من التهديدات الدّاخلية (الطبقة العاملة والفُقراء) ومن الأطراف الخارجية كالإتحاد السوفييتي وحلفائه ومُصَدِّرِي المواد الأوّلية…” فكانت اللجنة الثلاثية رائدة لزيادة انتشار العولمة قبل أن تفرضها منظمة التجارة العالمية، منتصف العقد الأخير من القرن العشرين، ما أفْقَد الدّول الأقل تطورًا استقلاليتها، خصوصًا بفعل حظر صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي أشكال التدخل الحكومي في التجارة والتعريفات الجمركية وحركة رأس المال الذي أطْبَقَ سيطرته على الشعوب، من خلال إعادة تشكيل العلاقة بين القطاعين المالي وغير المالي، والحد من دور الدولة في التنمية الاقتصادية والرفاهة الاجتماعية، وتعزيز دور المصارف المركزية لضمان مصالح المساهمين والدائنين، بزيادة حصة الثروة أي رأس المال وأرباحه، على حساب حصة العاملين وأغلبية السّكّان، وطَوّرت “اللجنة الثلاثية” استراتيجيات السيطرة على منظومة التعليم ووسائل الإعلام، بهدف بث الإيديولوجية الرأسمالية النيوليبرالية، وخلق الظروف السياسية والثقافية لإعادة تشكيل عقول الأفراد لكي يعتبروا “إن سيادةَ النظام الرأسمالي أمر طبيعي”، وبذلك يُساهم ضحايا رأس المال في استمراره وإعادة إنتاجه، بدون إكراه ظاهر، بل من خلال التلاعب بالعقول، ولذلك يُعْتَبَرُ إرث اللجنة الثلاثية عظيم الأهمية إلى غاية اليوم، فقد نجح في تهميش النضال لمجابهة الرأسمالية، من أجل إرساء العدالة الاجتماعية والمساواة.

 

مَسار تجميع الثروات لدى قلّة من أثرياء العالم

من العسير استيعاب النتاقض المتمثل في ارتفاع الفقر والبُؤْس مقابل ارتفاع ثروة أثْرى الأثرياء، وفي الواقع لا يمثل ذلك تناقُضًا بل إنه جوهر النظام الرأسمالي الذي يُتيح مراكمة الثروة لدى أقلية من الأشخاص والكيانات (شركات أو مصارف…) بفعل استغلال عمل وجهد أغلبية المواطنين من كادحين وفُقراء، واستغلال الأراضي والمعادن والثروات العمومية، لكن ما هي السُّبُل التي مَكّنت من تركيز الثروة العالمية لدى هؤلاء الأثرياء  (concentration of the world’s wealth )

نَشَر قُبطان أسترالي (بريندان أوشاناسي ) كتابًا يصف حياة الأثرياء، مثل جيف بيزوس  في اليخوت الفاخرة ( القُصُور العائمة) التي كان يقودها، وهي حياة خيالية لا يستطيع مثلنا تصوّرها، كما ينشر الإحتياطي الإتحادي الأمريكي بحثًا مُعَمّقًا كل ثلاث سنوات يدرس توزيع الدخل والثروة بالولايات المتحدة، وميزانيات الأسر الأمريكية ومعاشات التقاعد والدخل والخصائص الديموغرافية وما إلى ذلك، وصدر أحدَثُ تقرير خلال الأسبوع الأخير من شهر تشرين الأول/اكتوبر 2023، ودَرَسَ “التغييرات في الشؤون المالية للأسرة الأمريكية ” بين سنتَي 2019 و 2022، حيث

على مدى هذه السنوات الثلاث، ارتفع دخل الأسرة الأمريكية النموذجية على مدى هذه السنوات الثلاث “بنسبة متواضعة بلغ مُعدّلها 3% ” وفق الإحتياطي الإتحادي، لكن ارتفعت دخول الأسر ذات الدخل المرتفع بمعدل أسرع كثيرا، خصوصًا بفعل المضاربة العقارية (وليس بفضل الإنتاج) ما زاد من اتساع فجوة الثروة وبلوغ معدل الثروة الصافية لأثرى 1% من الأمريكيين حوالي 13,7 مليون دولارا، وعمومًا تثبت كافة الدّراسات اتساع الفجوة بين 10% من الأسر التي تمتلك 73% من ثروة البلاد، ونسبة 50% من الأُسَر التي لا تمتلك سوى 2% من ثروة البلاد.

لا يختلف الأمر كثيرًا في أوروبا – القُطب الآخر للرأسمالية الإحتكارية – حيث نَشَرَ مرصد الاتحاد الأوروبي للضرائب دراسة أكاديمية شارك في إنجازها أكثر من 100 باحث على مستوى العالم، بعنوان “تقرير التهرب الضريبي العالمي 2024″، وتوضح هذه الدراسة أن أغنى أثرياء العالم يتمتعون “بمعدلات ضريبية لا تكلفهم سنويا أكثر من 0,5% من ثرواتهم الشخصية”، أي إن الدّولة (وتشريعاتها ومؤسساتها) تُساعد الأثرياء على مراكمة الثروة وتركيزها لدى قِلّة من الأفراد والمجموعات، لأن الأثرياء يُسيْطرون على أجهزة الدّولة التي تُمثل مصالحهم، وتهضم جانب الفقراء والكادحين، وأشارت الدّراسة إلى الثغرات والإستثناءات والحوافز الضريبية التي ساعدت الشركات متعددة الجنسيات، سنة 2022، على  تحويل (تهريب) ما لا يقل عن تريليون دولار إلى الملاذات الضريبية، أي ما يفوق ثلث الأرباح التي حققتها الشركات متعددة الجنسيات سنة 2022 خارج بلد المَنْشَأ، رغم خفض قيمة الضريبة على الأرباح إلى 15% (من الأرباح)، منذ سنة 2017، في 140 دولة، أما الأجراء فإنهم يُسدّدون الضريبة على الدّخل، وليس على الأرباح، إن وُجِدَتْ، فضلا عن الضرائب غير المباشرة، مثل ضريبة الإستهلاك التي لا تُفرّق بين الغني والفقير… 

يقترح الكينزيون الجدد مثل جوزيف ستيغليتز و سام بيزيغاتي وتوماس بيكيتي زيادة الضريبة بنسبة 1% أو 2% على الثروات الضخمة، وقد يرفع هذا الإجْراء من إيرادات الدّولة، لكنه لن يحدّ من الفقر ومن الفوارق الطبقية المجحفة، لأن الحل يكمن في مَشْرَكَة وسائل الإنتاج والثروات وإعادة توزيع الثروة وفق مبدأ من كل حَسَب جهده أو قُدراته، ولكل حسب احتياجاته…

 

وضع الإقتصاد العالمي

ارتفعت المخاطر على الإقتصاد الرأسمالي العالمي في الأسبوع الرابع من العدوان الصهيوني الوَحْشِي على فلسطينِيِّي غزة، لأن العدو وحلفاؤه كانوا يأملون القضاء على المقاومة في حرب خاطفة، غير إن تراكم مشاكل النظام الرأسمالي الدّولي منذ انتشار وباء “كوفيد – 19” وتأثيرات الحرب في أوكرانيا وركود النمو وارتفاع نسبة التضخم وتراجع أداء الأسواق المالية زاد من احتمالات امتداد الأزمة إلى كافة القطاعات، وفق صحيفة “فاينانشيال تايمز” التي أشارت إلى احتمال زعزعة حكم الأُسَر الحاكمة بالخليج النّفطي، بسبب الغضب الشعبي، ومطالبة الشعوب العربية بإقرار “الحظر النفطي”، خصوصًا بعد ارتفاع عدد القتلى، خلال ثلاثة أسابيع إلى حوالي عشرة آلاف فلسطيني وعدد فاقدي المأوى إلى أكثر من نصف سكان القِطاع، وتُشير وثائق إحصائيات وكالة الطاقة الدّولية، سنة 2023، إن منطقة الخليج وإيران التي تمر منها نسبة تفوق 20% من إمدادات النفط العالمية (عبر مضيق هرمز) تحتوي نحو نصف ( 48% ) الاحتياطيات العالمية المؤكدة للمحروقات وأنتجت 33% من النفط العالمي سنة 2022، وقد يُؤَدِّي امتداد الحرب في الزمان والمكان إلى إغلاق المضيق وانخفاض إمدادات النفط وإلى ارتفاع سعر البرميل، كما حَدَثَ في مناسبات سابقة، لأن النفط – رغم زيادة استخدام ما سُمِّيَ “الطاقة النظيفة” – لا يزال الوسيلة الأرخص والضرورية (إلى جانب الغاز) لتشغيل المصانع ووسائل النقل، ويؤثر ارتفاع أسعار المحروقات على مستوى أسعار السلع (وأهمها الغذاء) والخدمات، وفق تقارير خُبراء البنك العالمي الذين يتوقعون وصول سعر برميل النفط الخام 157 دولارا إذا استمر العدوان الصهيوني بكثافته ووحشيته الحالية على فلسطينيي غزة، ما يزيد من احتمال حدوث امتداد إقليمي للحرب إلى لبنان وإيران، رغم هَرْوَلَة الأنظمة العربية الحاكمة نحو التّطبيع الشامل للعلاقات مع كيان الإحتلال الصهيوني

وعبر رئيس البنك العالمي وكذلك المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي عن تخوفاتهما من “تراجع انتشار العولمة، وانسداد الآفاق الاقتصادية، وانخفاض حجم التبادل التجاري والسياحة وارتفاع تكلفة التأمين”، بفعل الحرب التجارية التي أطلقتها الولايات المتحدة ضد منافسيها وخصومها، وفاقم العدوان الحالي هذا الوضع الذي “يُؤَثِّرُ سلبا علي التضخم والسياسة النقدية وعلى القُدْرَة التنافسية ويؤدّي إلى انخفاض نمو الناتج الإجمالي على مستوى العالم…”

 

الصين وباكستان

كشفت وثائق مسربة أن الولايات المتحدة ساعدت باكستان في الحصول على خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي مقابل صفقة سرّيّة تتمثل في تسليم باكستان أسلحة إلى أوكرانيا، وفق موقع صحيفة إنترسبت ( آب/أغسطس 2023 ) الذي كشف تورّط الولايات المتحدة في الإطاحة برئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان سنة 2022، وكان عمران خان قد أشار عديد المَرّات إلى التّدخّل الأمريكي للإطاحة به بسبب امتناعه عن التنديد بروسيا منذ بداية الحرب في أوكرانيا، لأنه اعتبرها “حربًا بالوكالة بين حلف شمال الأطلسي وروسيا في أوكرانيا”،  وتغير الموقف الرسمي للحكومة الباكستانية بعد الإطاحة بعمران خان، واستبدال حكومته بوكلاء موالين للولايات المتحدة، المدعومين من قِبَل السعودية، وأبرمت هذه الحكومة صفقة لتسليح أوكرانيا.

ونشر موقع “إنترسبت” مقالا يوم الأحد 17 أيلول/سبتمبر 2023 تضمّن “ساعدت الولايات المتحدة باكستان في الحصول على خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، مقابل صفقة أسلحة سرية لتسليح أوكرانيا، وفق الوثائق المسربة…” كما نشرت العديد من وسائل الإعلام الآسيوية تقارير تتعلق بعمليات نقل الأسلحة من باكستان إلى أوكرانيا عبر الولايات المتحدة، بعد الإطاحة بحكومة عمران خان  التي كانت تستورد النّفط الرّوسي بأسعار تفضيلية، كما تستضيف باكستان مشاريع اقتصادية صينية، في إطار مبادرة الحزام والطّريق (طريق الحرير الجديدة)، حيث أنفقت الصين عشرات المليارات من الدّولارات في مشاريع تنموية بباكستان قبل أن تعود باكستان إلى لعب دَوْر وكيل الولايات المتحدة في جنوب آسيا بعد الإطاحة بعمران خان، وعودة الاعتماد على صندوق النقد الدولي.

 

البرامج البيولوجية الأمريكية

تمتلك الولايات المتحدة برنامجًا عسكريا ضخمًا للأسلحة البيولوجية منذ أكثر من نصف قرن، يتم تقديمه كبرنامج أبحاث عالمي يهدف “تحسين الخدمات الصّحّيّة” و “مكافحة الأوبئة” في بلدان فقيرة وفي بلدان أوروبا الشرقية بعد انهيار الإتحاد السُّوفييتي، بإشراف وزارة الحرب الأمريكية، وبمشاركة بعض الدّول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، وتزعم الدّعاية المُرافقة لهذا البرنامج “إن منشآت الأبحاث البيولوجية هذه غير ضارة ومفيدة لسكان الدول التي تستضيفها»، وهي عادةً دول ذات كثافة سُكّانية مرتفعة مثل مصر أو نيجيريا أو بنغلادش…

أثبتَ محققون مستقلون إن وزارة الحرب الأمريكية تمتلك، اعتبارًا من سنة 2018، ما لا يقل عن 336 “منشأة بحث بيولوجي” في 25 دولة، وتَضَرّر المئات من المواطنين الذين يعيشون بالقرب من هذه المختبرات “المفيدة” بأمراض “غامضة” وخطيرة، مثما حدث في نيجيريا حيث تمتلك وزارة الحرب الأمريكية (اعتبارًا من عام 2018) ما لا يقل عن أربعة مختبرات بيولوجية تزامن وجودها مع ارتفاع حالات تفشي أمراض سببتها الإشعاعات والمواد الكيميائية والمواد البيولوجية للسكان المقيمين بالقرب من هذه المرافق، وتحاول الوكالات التابعة لوزارة الحرب الأمريكية التقليل من مخاطر هذه المختبرات…

نفذ معهد والتر ريد للأبحاث التابع لوزارة الحرب الأمريكية أنشطة مماثلة في منشآت وزارة الدفاع النيجيرية، حيث أجرى اختبارات بحثًا عن مسببات الأمراض الخطيرة، دون إخطار السلطات المحلية، مُعَرِّضًا الآلاف النيجيريين (وربما الملايين على المدى الطويل) إلى مخاطر بيولوجية خطيرة، وتسببت هذه التجارب العسكرية الأميركية في أمراض السل والملاريا وجدري القرود وكوفيد-19 والإيدز، إضافة إلى أمراض خطيرة أخرى، بحسب مصادر محلية تشير إلى أن عشرات الآلاف من العينات والمواد الجينية يتم نقلها سرا إلى المختبرات البيولوجية في دول أخرى، ما قد يزيد من خطر انتشار الأوبئة على صعيد عالمي، بسبب هذه الأنشطة التي يقوم بها البنتاغون، والتي تتميز بالافتقار التام للشفافية، حتى تجاه البلد المضيف، مثل نيجيريا حيث يُسيطر البنتاغون على الجيش وعلى المنظومة الصّحّيّة.

أما الاتحاد الأوروبي فإنه يُخْفِي هذا النوع من النشاط بادعائه “إنه نشاط علمي يهدف تحسين الوضع الصحي والوبائي”، باستخدام مواطني الدول الطَّرَفِيّة كفئران تجارب من قبل الوكالات الحكومية “الغربية” التي يتم تقديمها كمنظمات إنسانية أو من قبل مختبرات الأدوية الكبيرة، أو الشركات الكبرى التي تحتكر صناعة الأدوية “، وتشكل هذه المختبرات خطراً بيولوجياً قاتلاً يهدد حياة الملايين من البشر في أفريقيا وفي جميع أنحاء العالم، من أجل زيادة أرباح شركات الأدوية هذه.

المقال الأصلي باللغة الإنجليزية بعنوان : الأسلحة البيولوجية الأمريكية في نيجيريا تُعَرِّضُ أفريقيا والعالم أجمع للخطر InfoBrics – – 22 أيلول/سبتمبر 2023.

 

ارتفاع أسعار اليورانيوم بفعل ارتفاع الطّلب

ارتفع سعر اليورانيوم قبل بدء الحرب في أوكرانيا (24 شباط/فبراير 2022) – بعد عُقُودٍ من التّراجع – وكانت المواد الخام معفاة من “العقوبات” والحَظْر المفروض على روسيا، زتهدف الولايات المتحدة وحلفاؤها تَجَنُّبَ الإرتفاع المُشِط لأسعار المواد الخام التي تستخدمها الصناعات الأمريكية والأوروبية واليابانية وغيرها، لكن الأسعار ارتفعت بنسبة 50% خلال سنة 2022، لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ كارثة فوكوشيما النووية سنة 2011، بفعل ارتفاع أسعار المحروقات والوقود التّقليدي، وبفعل اقتصاد الحرب، وأجندة الأمم المتحدة التي حدّدت سنة 2030 لإنجاز التّحوّل نحو الطاقات المتجدّدة أو “النّظيفة”، ولذلك، يشهد سوق اليورانيوم العالمي حاليًا نقطة تحول، حيث ارتفعت الأسعار ولكن إذا استمر الاتجاه التصاعدي، فإن أسعار السلع الأساسية الأخرى سوف ترتفع، فتعَلّلَ الشركات بزيادة أسعار المحروقات والسلع الأولية لِتبرير زيادة الأسعار التي تُغذّي التّضخّم وتراجع القيمة الحقيقية لرواتب الأُجَراء. أما الشركات المُستغلّة لليورانيوم فقد استفادت من ارتفاع الأسعار مثل شركة “كازاتومبروم”، أكبر منتج لليورانيوم في العالم، ومقرها كازاخستان، التي استفادت من ارتفاع الطلب ومن الإبتكار في المجال النووي بتَطَوّر استخدام المفاعلات المعيارية الصغيرة في ظل تطوير البنية التحتية النووية القائمة، وتحايُل الشركات الكُبرى وحكومات الدّول الرأسمالية المتطورة لإدراج الطّاقة النّوَوِيّة ضمن الطّاقات “الخضراء” أو النّظيفة”، لكن العديد من البلدان المُنتجة (مثل النّيجر) لم تستفد من ارتفاع الأسعار بفعل هيمنة الشركات العابرة للقارات على عملية الإنتاج…

 

التعليقات مغلقة.