عرب هند بنت النعمان بالأمس وعرب (غزة) اليوم! / د. كمال البعداني

350

د. كمال البعداني – الخميس 19/10/2023 م …

كان النعمان ابن المنذر  هو آخر ملوك مملكة الحيرة  في ارض العراق ، والتي كانت تخضع للفُرس ، مثلما كانت مملكة الغساسنة في الشام تخضع للروم ، كان للنعمان  بنت اسمها ( هند ) وكانت  احسن نساء زمانها خلقاً  وخُلقاً ، وادباً  ولطفا وفصاحة ،  وقد وصل خبرها الى ( كسرى الفُرس )  فطلب من الملك النعمان ان يزوجه إياها ، والواقع ان النعمان حتى ولو كان ملكا  فهو منصّب في مملكته من قبل كسرى الفرس وتحت حمايته ولا يستطيع ان يعصي له امرا ، لكن النعمان أنف ان يزوج بنته من أعجمي  كما هي عادةالعرب ، حتى ولو كان  كسرى الفُرس ملك ثاني قوة في العالم بعد الروم في ذلك الوقت  ،  فاخذ يماطل ويسوق الاعذار لكسرى ، بينما كان هناك من العرب في البلاط الكسروي  من يحملون الحقد على المنذر  لاسباب مختلفة ، فأخذوا  يوغرون صدر كسرى  ، الذي اشتد غضبه واخذ في طلب الملك النعمان  للحضور  ومعه ابنته ( هند ) تحت التهديد والوعيد ، ولما ايقن  النعمان ان لا مناص من الذهاب الى عاصمة ( الفُرس )، لجأ الى هانئ بن مسعود الشيباني زعيم قبيلة بني شيبان ، فاستودعه أهله وفي مقدمتهم ابنته ( هند ) كما استودعه ماله وسلاحه ، ثم توجه الى كسرى  الذي فوجئ بقدوم النعمان من دون ( هند ) فأمر بسجنه وتعذيبه  حتى لفظ انفاسه تحت اقدام الفيله ، ثم ارسل الى  هاني الشيباني  يطلب منه تسليم وديعة النعمان ،  ولكن الشيباني رفض ذلك ، فعرض عليه كسرى تسليم ( هند ) مقابل ان تكون بقية الوديعة من مال وسلاح من نصيبه  فلم يستجيب لذلك ، وادرك هانئ الشيباني  ان كسرى لن يتركه ، فاخذ يتجول بين قبائل العرب يشرح لهم الامر  ويطلب منهم النُصرة  للدفاع عن العرض والشرف العربي ، فاستجابة له قبائل بني بكر بن وائل والعديد من القبائل العربية  من جنوب العراق  وشمال الجزيرة العربية ، وتواعدوا الى مكان معلوم  لتدارس  الموقف ، وكان اللقاء في المكان المحدد ، فلم يقل احدهم  يا معشر العرب لاطاقة لنا بالفُرس  ! ولم يقل ثاني ليس هناك اي تكافؤ بالقوة  فالفُرس امبراطورية عظيمة ولديها ثاني اقوى جيش في العالم ، ولم يقل اخر :  يا قومنا لا داعي لاي بطولات  فالانسب لنا تسليم ( هند ) بنت النعمان وكل ما يطلبه كسرى حتى نحافظ على نسائنا وبناتنا من السبي  وديارنا من الخراب فالنصر  حليف الفُرس لا محالة ، لم يقل احدا منهم ذلك ، بل قالوا بصوت واحد  : ان هند  ليست بنت النعمان وحسب بل بنت العرب جميعا فمن  يطمع بهند اليوم  سيطمع بغيرها  من بنات العرب في الغد   ، فاتخذوا قرار المواجهة وليكن ما يكون ،  كسرى الفُرس بدوره طار صوابه  ولسان حاله يقول : كيف لهؤلاء الاعراب الاجلاف بدو الصحراء ان يقفوا في وجهي ويقررو مواجهتي  ، وانا من هزمت الروم اكثر من مرة ؟ فقرر استئصال بني شيبان  ليكونوا عبرة لغيرهم ، فجهز لهم جيشاً ضخما لم تعرفة العرب من قبل ويقوده اكفاء قادة الفرس  ومعهم من قبائل العرب الموالية ، وقبل توجه الجيش كان كسرى قد ارسل رسله لتطوف بين قبائل العرب  ، لتحذرهم من مساندة ( بني شيبان )  وان من تفعل ذلك من قبائل العرب سيكون عقابها  شديد ،

وتواجه الطرفان عند بطحاء ذي قار ، وهو المكان الذي اختاره العرب ، وهناك دارت  معركة ضارية  لم تعرف العرب مثيلاً لها من قبل . كان العقل والمنطق يقولان ان الفُرس سيدفنون العرب تحت بطحاء ذي قار  ، فهم جيش نظامي واكثر منهم عددا وعدة  ، لكن الفُرس فوجئوا بعرب  يقاتلون قتالاً  لم يعهدوه عليهم من قبل ، حتى العرب الذين خرجوا للقتال مع الفرس  تحركت فيهم النخوة العربية والدم العربي  فتواصلوا سرا  قبل المعركة مع اخوانهم العرب  ، واتفقوا على ان يمثلوا دور المنهزم اثناء القتال  فينسحبوا من المعركة حتى يفت ذلك في عضد جيش الفرس  وهو ما كان ، انتهت المعركة بهزيمة مدوية للفُرس  ونصر ساحق للعرب ، نصرُ  ترك دوياً هائلا في  انحاء الجزيرة العربية وخارجها ، حمل اخباره الركبان ، ونقله معه الزمان ، انتصر الحق امام العقل والمنطق ،  انتصر الايمان بالقضية  امام البطش والجبروت ، حتى قال الشاعر الأعشى  والملقب بصناجة العرب  واصفا المعركة .

لَمّا اِلتَقَينا كَشَفنا عَن جَماجِمِنا

قالوا البَقِيَّةَ وَالهِندِيُّ يَحصُدُهُم

وَلا بَقِيَّةَ إِلّا النارُ فَاِنكَشَفوا

   كانت  معركة ذي قار  في الجاهلية ،  والذي حركهم ودفعهم للقتال هي الحمية والنخوة العربية ، والغيرة على العرض .  انتهت معركة ذي قار  ولكن  اخبار ابطالها واسمائهم  لم تنسى   . فقد احتفظ بهم التاريخ ليتداولها العرب جيلا بعد جيل   ، كانت هذه هي اخبار  عرب الأمس عرب ( هند بنت النعمان ! فماذا عن اخبار عرب اليوم ، عرب غزة ؟  لقد خذلوا  نساء وبنات واطفال غزة  وتركوهم  للموت ، بعد ان قرر بايدن استئصالهم كما قرر كسرى بالامس استئصال بني شيبان ، استغاثوا بهم فلم يغيثوهم ، استنصروهم فلم يستجيبوا لهم ،  بل ان البعض منهم اخذ يلومهم  على انهم دافعوا عن ارضهم وعرضهم ، وكما ارسل كسرى بالامس رسله الى قبائل العرب ليحذرهم من مساندة قبائل بنو شيبان ، هاهو ( بايدن ) اليوم  يرسل رُسله الى الحكام العرب ليحذرهم من مساندة اهل غزة ! لكن عرب الامس كانوا اهل نخوة ونجدة وفروسية !! ، آه لو يجود لنا الزمان بحكام يحملون  نخوة ونجدة وفروسية عرب هند بنت النعمان !!

التعليقات مغلقة.