همجية العدو الإسرائيلي .. وبالأسلحة الأمريكية يقتلون أطفال غزة / م. ميشيل كلاغاصي

339
م. ميشيل كلاغاصي ( سورية ) – الثلاثاء 17/10/2023 م …
لأن وحشية الإحتلال الإسرائيلي والظلم والحصار لم تتوقف يوماً, لأن اّلة البطش وقضبان السجون والمحاكم المزورة لا تزال تفتك بالشعب الفلسطيني, لأن العالم يرى ويصمت ويسمح بسفك دماء الأبرياء, لأن المقاومة أرادتها تحريراً للأرض واستعادةً للحقوق وحماية المقدسات, لأنهم العدو لم ينفك عن ابتلاع الأرض وتهويدها, كان لا بد من جولة مصيرية , اختارتها المقاومة الفلسطينية لتكون عملية طوفان الأقصى, التي باغتت قوات الإحتلال الإسرائيلي في ثكناته ومواقعه, في 7 تشرين الأول 2023 , لتأكيد إرثها وعظمة إنتصار تشرين 1973 وفي يوبيله الذهبي, في هجومٌ نوعي, وأساليب قتالية فريدة فاجئت العدو وأربكته, وأسقطت مستوطنات غلاف غزة بسرعة كبيرة, وسط هروب جنود الإحتلال وتركهم أسلحتهم واّلياتهم ومدرعاتهم ورائهم, وسط سقوط أعدادٍ كبيرة منهم قتلى وجرحى, وأسر وإستسلام العديد من جنودهم وضباطهم.
حالة من الهلع والخوف والإنكسار, وصفها رئيس وزراء العدو بالأيام “الصعبة التي لم ير لها مثيل”, عكست العمى والفشل الإستخباري لأجهزة العدو الأمنية, وهشاشة الوضع الداخلي, وعدم قدرة سلطات الكيان على حماية مستوطنيه وقطعانه, اقتصرت فيها ردوده بقصفٍ عشوائي لمنازل المدنيين في غزة, والمشافي , والبنى التحتية , وبتكرار قصف ذات المواقع.
خطرٌ وجودي كبير شعر به الإسرائيليين, واختاروا الهروب نحو الأمام, وتعمدوا إقحام حزب الله وسوريا في المعركة لإجبار واشنطن وباريس وعواصم الشرّ الدفاع عنهم.
مواجهات ساخنة, بدأت على إيقاعها الماكينات الإعلامية الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية, شن أكبر عملية تضليلٍ إعلامي, لتشويه صورة المقاومة والمقاومين وأهدافهم, مهدت الطريق لمواقف أمريكية وغربية تتهم المقاومة وتحديداً حماس بالإرهاب, وتقارنها بتنظيم “داعش”, وبدأت تختلق الروايات حول إغتصاب وقطع الرؤوس وقتل المدنيين الإسرائيليين “المسالمين”, لتشويه صورة المقاومة والمقاومين, وذهب نتنياهو بعيداً في أكاذيبه بالحديث عن هجوم المقاومين, وأنه كان بهدف “القتل وليس تحرير الأرض”.
في الوقت الذي كانت فيه الصورة الحقيقية معاكسة تماماً, لم يتوقف فيها المستوطنون المسلحون وجنود الإحتلال عن إرتكاب الفظائع بحق الفلسطينيين, واستهداف البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك سيارات الإسعاف والمستشفيات، وهدم منازل المدنيين وقصفها وقتل من فيها سواء كانوا أطفال أم نساء أم مسنين, وسط استمرار القصف الإسرائيلي على غزة، وإستمرار قطع الكهرباء والغذاء والوقود, بما ينسف إدعاءات “غالانت” وبأنها بهدف “تدمير قدرات حماس العسكرية”، إن صمت العالم على وحشية العدو الإسرائيلي وداعميه والمتعاطفين معه, بات يطرح التساؤلات حول فداحة التواطىء الدولي على الشعب الفلسطيني, ويفضح أخلاقيات قطعان الهمج الإسرائيلية المدنية والعسكرية.
بدأت المواقف الأمريكية والفرنسية والبريطانية والألمانية وغيرها, تتصدر تصريحات ساستهم, بالتعبير عن وقوفهم إلى جانب العدو, وبحقه بـ “الدفاع عن النفس”, لتأتي بعدها مرحلة الإعلان الأمريكي عن إطلاق الدعم المالي والعسكري واللوجستي للكيان الغاصب.. وتحدثت واشنطن عن تحريك قواتها بهدف الردع, وبإرسال حاملة الطائرات يو إس إس فورد, وبوارجها الحربية وغواصاتها نحو شواطئ المتوسط, ولم تتوان عن تهديد سوريا والمقاومة اللبنانية, في محاولة يائسة لمنعهم من دخول المعركة, وأقله قبل استكمال وصول قواتها إلى المنطقة.
لقد وجدت “إسرائيل” نفسها تخوض حرباً لم تقررها بنفسها, اختار فيها نتنياهو نهج الإنتقام, لجروح العنجهية والغطرسة والهزيمة العسكرية, ولتحويل المستوطنات والأراضي المحتلة إلى ساحات للمعارك, وسط أسراب المسيرات المتأهبة لدخول المعركة من لبنان وسوريا والعراق واليمن, ووسط استراتيجية وحدة الجبهات وغرفة العمليات المشتركة وصلابة محور المقاومة الداعم لغزة ومقاوميها.
استشعرت “إسرائيل” وداعميها في الولايات المتحدة وأوروبا, خطر المواجهة الكبرى, بعدما وصلتها الرسائل الصاروخية لحزب الله والتي استهدفت تلة الرادار ومزارع شبعا المحتلة, وصواريخ اُطلقت من الجولان, وبأنها باتت أمام معادلة مخيفة وبأن غزة لن تُترك بمفردها.
تخطى الإهتمام الأمريكي والأوروبي تقديم مختلف أشكال الدعم للكيان الغاصب, وقرأوا ضعفه ووهنه, مقابل أهبة واستعداد محور المقاومة للمشاركة في المعركة, وبأنه لن يقف على الحياد, الأمر الذي أضاف المزيد من الضبابية والتعقيد على المشهد الميداني, والجيو – السياسي, خصوصاً مع وصول الإسطول الأمريكي كجزء من المعركة أو من المشهد الإستعراضي للقوة الأمريكية, الأمر الذي دفع الرئيس الروسي للسؤال عمن “يريدون إخافته”, فيما أكد حزب الله بأن هذا “لا يخيفنا”.
في الوقت الذي تدرك فيه واشنطن أنها وحاملات طائراتها وأسطولها الحربي, بالإضافة إلى ما تمتلكه قوات الاحتلال الإسرائيلية من طائرات وصواريخ وأسلحة فتاكة, أنهم غير قادرين على قلب الموازين, أو حسم المعركة لصالحهم, بالمقارنة بما يمتلكه محور المقاومة من أسلحة وتكتيكات لا يمكنهم تصورها وأثبتت جدارتها في الجولات السابقة, الأمر الذي يفرض على الولايات المتحدة تجنب أية حماقة, فوجودها العسكري وقواعدها في سوريا والعراق والخليج, في مرمى المقاومة, وعليها التفكير بحتمية خروجها المذل من الشرق الأوسط.
لم تكتف الإدارة الأمريكية والإعلام الأمريكي بتبني الأكاذيب والرواية الإسرائيلية, ولم يكتف الرئيس بايدن بدعم القتلة بالأسلحة الأمريكية, وبالحديث عن معاداة السامية, وبعدة إتصالات لطمأنة المجرم نتنياهو, ولم يكتف مستشار الأمن القومي جون كيربي بالبكاء, وبتأكيد الوزير بلينكن من “إسرائيل”, أنه يأتيها “ليس كوزير خارجية أمريكا, وإنما كيهودي فرّ أجداده من القتل”, وعلى غرارهم أتت المواقف الفرنسية الكثيفة للرئيس ماكرون, ولزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان, والخارجية الفرنسية وكافة الساسة الفرنسيون, وكذلك فعل هندي الأصل رئيس الحكومة البريطانية سوناك, والعجوز الأوروبية أورسولا فون دير لاين, ورئيس الدبلوماسية الأوروبية جوزيب بوريل, وغيرهم.
حتى اللحظة لم تقرر قوات الإحتلال شن الهجوم والتوغل البري وإجتياح غزة, كما وعدت وسبق لها أن أجرت المناورات والتدريبات على هذا المشهد, وتذرع الكيان “بالطقس” , لكنهم فعلياً لا يجرؤون ويدركون أنها لحظة ينتظرها المقاومون, ولا يمكن للإسرائيليون التعامي عن هزيمتهم في مخيم جنين مؤخراً, كذلك هزيمة محاولة التوغل البري في غزة عام 2014, يدركون أن العواقب ستكون وخيمة على غرار إنتصار تموز عام 2006.
إن صمود المقاومة الفلسطينية أمام همجية ووحشية القصف الإسرائيلي, واحتفاظهم بقدراتهم على إطلاق الصواريخ والبقاء بقوة في أرض المعركة, يؤكد أن اشتراك محور المقاومة في المعارك سيضمن الحسم والإنتصار.
منذ بداية عملية طوفان الأقصى، برزت أهمية التعاون في غرفة العمليات المشتركة, خارج غزة وداخلها، وتقوم مراكز القيادة والسيطرة بدور فعال في توجيه المعركة على جبهات متعددة, بدءاً من التكتيكات الميدانية وحتى الإستخبارات والتخطيط الإستراتيجي.
لقد كشفت عملية طوفان الأقصى حجم ودقة العمليات التي نفذتها حماس والجهاد الإسلامي في غزة, وعن التحضيرات السرية وكافة مستلزمات المعركة, وجمع وتحديث المعلومات الإستخبارية الإستراتيجية, بما في ذلك الإنتقام الإسرائيلي المتوقع.
لقد تطلب الأمر تخطيطاً دقيقاً لشن الهجوم واسع النطاق بنجاح, وعلى عدد كبير من المستوطنات, وأن يتم التسلل إلى عدة قواعد ومواقع عسكرية, على الرغم من مساحة غزة, ووسط المراقبة الإلكترونية المتقدمة للعدو الإسرائيلي، لجعله عاجزاً عن إكتشاف أي تحرك للمقاومين على الأرض, وهذا يؤكد مدى نجاح التعاون الإستخباراي, وتبادل الخبرات بين فصائل المقاومة.
لقد زلزلت عملية طوفان الأقصى “هيكل” العنكبوت, ودفعته على الرغم من تدعيم صفوفه بإستدعاء 300 ألف جندي من الإحتياط, وها هي المقاومة تدفعه نحو تشتيت تجمعاته العسكرية عبر أكثر من 20 نقطة إشتباك حقيقية, ناهيك عن النقاط المحتملة على جبهات غزة، ولبنان وسوريا، والعراق، واليمن, وباتت تجبر العدو الإسرائيلي بأن يحسب ألف حساب للتعقيدات التي ستفرضها عليه الحرب على جبهات متعددة.
عشرة أيام للمواجهة, وما بين المشاهد المحتملة والمتوقعة, اُجبر العدو الإسرائيلي على اللجوء إلى حلفائه في الولايات المتحدة وفرنسا وقطر ومصر، وتحدث وزير دفاعه بأن :”لا مصلحة لدينا بحرب في الشمال وإذا ضبط حزب الله نفسه فسنحترم ذلك”, في موقف واضحٍ يؤكد أن العدو فقد “استراتيجية الردع” وتحول نحو “إستراتيجية إستجداء حزب الله” لمنع تكثيف وتوسيع الصراع.
لم يجد تحذير وتهديد بايدن لمحور المقاومة اهتماماً واّذاناً صاغية, وبات على إدارته تجنب المغامرة غير معروفة النتائج سلفاً بالنسبة لواشنطن والغرب وللعدو الإسرائيلي بحد ذاته, وأصبح من الضروري للولايات المتحدة تصور حجم الكارثة بهزيمة واشنطن العسكرية في الشرق الأوسط , والأهم هي التداعيات المحتملة لمصير”إسرائيل” مستوطنيها.
بدا من الواضح رهان نتنياهو على العضلات الأمريكية والأوروبية, وتباهى بعدد الدول التي أعلنت وقوفها إلى جانب “إسرائيل”, وأراد إستخدامهم للإنتقام لنفسه ولكرسي حكمه, وسمعته ومصيره السياسي, وبتصميمه على استمرار الحملة العسكرية الهمجية في غزة , وبالتدمير الممنهج، والتهجير, والتهجير القسري للفلسطينيين إلى سيناء, لكن واشنطن والغرب يفكرون بطريقة مختلفة وبأهمية وحجم تعقيد مصالحهم في الشرق الأوسط,  لذلك وعلى الرغم من تأييدهم المطلق “لإسرائيل”, لم يمنح الرئيس بايدن نتنياهو تفويضاً يتخطى حدود غزة, كذلك حاول بعض القادة الأوروبيون كبح إندفاعته, واتهموا “إسرائيل” بإنتهاك القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة, ووجهوا إنتقادات لاذعة للممارسات الإسرائيلية جراء قيامها بقطع الماء والكهرباء والوقود والغذاء والدواء, وبضرورة فتح المعابر الإنسانية وإدخال المساعدات العاجلة إلى قطاع غزة, ولقد لعب الدور المصري دوراً هاماً بإفشال مشروع التهجير القسري وإفراغ غزة من أهلها , ونقلهم نحو سيناء.
في وقتٍ ركزت المقاومة الفلسطينية قصفها واستهدافها, وجعلت من “التهجير بالتهجير” معادلةً جديدة, بدت قادرة على منع أي تهجير جماعي للفلسطينيين, وإلى تأكيد وموازنة قوتها العسكرية بمواجهة الأحلام والمخططات الإسرائيلية.
عشرة أيام للمواجهة الحالية في غزة, لم يتفاجىء العالم بمواقف الإدارة الأمريكية والرئيس بايدن ووزيره بليكن, بإنحيازها التام والمطلق لوحشية قوات الاحتلال الإسرائيلي, وبحديثها عن الهولوكوست وعن معاداة السامية وبلينكن “اليهودي”, كذلك أثبت من حذوا حذوها من الأوروبيين, بأنهم يؤيدون همجية الكيان ووحشيته, وكالت مواقف بمكيالين مختلفين, بعدما ساووا الجلاد بالضحية, وشاركوا بحملة شيطنة أصحاب الحق, تحت شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

التعليقات مغلقة.