ماذا يعني إغتيال الفلسطيني؟ / مهند إبراهيم أبو لطيفة

661


مهند إبراهيم أبو لطيفة  ( فلسطين ) – الإثنين 28/6/2021 م …

 

مع كل حادثة إغتيال يتعرض لها أحد الشخصيات الفلسطينية ، تكون ردة فعل الشارع الفلسطيني عالية الحساسية بشكل خاص، بغض النظر عن الجهة أو الجهات التي  قامت بهذا الفعل الإجرامي، ولعل أخر الشواهد على هذه الخصوصية حادثة إغتيال الناشط الفلسطيني نزار بنات.  

منذ الإحتلال البريطاني لفلسطين والذي اكتمل عام 1918م ، عرف التاريخ الفلسطيني المعاصر سلسلة من حوادث الإغتيال السياسي طالت نشطاء وفاعلين أو مقاومين فلسطينيين، تتحمل السلطات البريطانية والعصابات الصهيونية ، ومن ثم أجهزة الأمن الصهيونية المسؤولية المباشرة عنها ، وراح ضحيتها شخصيات وطنية فلسطينية بارزة (سياسية، عسكرية، ثقافية وأكاديمية)، ضمن السياسة العامة التي تقوم على الإغتيال المتواصل اليومي للأرض الفلسطينية بالإحتلال، وللإنسان الفلسطيني بالعدوان الدائم على وجوده وحياته وحريته وكرامته وإرادته المقاومة.  

كما عرف التاريخ الفلسطيني أيضا، سلسلة من الإغتيالات الداخلية ، التي قامت بها أطراف أو فصائل أو اجهزة أمن فلسطينية لدوافع مختلفة في مقدمتها الصراعات الحزبية والفئوية والشخصية، واغلبها بالطبع لم يتم  محاسبة من تورط فيها ، وتم التستر عليه، وقيدت ضد مجهول.  

من اشهر عمليات الإغتيال والتصفية والإعدام التي ما زالت محفوظة في الذاكرة الفلسطينية ، تلك التي تعرض لها كل من الشهداء : محمد جمجوم، فؤاد حجازي، عطا الزير (عام 1929)، الشيخ فرحان السعدي، الشيخ ياسين صادق البكري، القائد القسامي عطية محمد عوض (من حيفا مواليد 1902)، عبد القادر الحسيني، العقيد سعيد العاص، الشيخ عز الدين القسام،عبد القادر الحسيني، الشيخ أحمد ياسين، ياسر عرفات (أبو عمار)، سعد صايل، خالد نزال ( من قيادة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين)، خليل الوزير (أبو جهاد)، محمد الزواري (التونسي)، يحي عياش، عبد العزيز الرنتيسي، غسان كنفاني،  ناجي العلي، كمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار (عام 1973)، أبو إياد وأبو الهول وفخري العمري (1991)، محمد أبو شماله ورائد العطار، ومحمد برهوم (عام 2014)، أبو علي مصطفى (2001)، وعشرات الشهداء الآخرين.  

يضاف إلى سجل الشهداء الطويل، سلسلة من الشهداء الفلسطينيين الذين تمت تصفيتهم للأسف بأيدي فلسطينية، في لبنان على وجه التحديد، وفي بعض العواصم الأوروبية  والعربية، واشهرها عمليات قامت بها منظمة صبري البنا (أبو نضال) التي حملت إسم فتح المجلس الثوري، وآخرهم الناشط والحقوقي نزار بنات بعد اعتقاله من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية بتاريخ 24 يونيو 2021  

تعتبر جميع عمليات الإغتيال والتصفية، من حيث دلالتها،عدوانا مباشرا على القضية الوطنية الفلسطينية، وعلى جوهر النضال الوطني الفلسطيني، وعملا اجراميا في حق الذات الفلسطينية، ولا تصب سوى في مصلحة الكيان الإسرائيلي وسياساته. وهذه واحدة من الأسباب التي يدركها الوعي الفلسطيني وتجعله يشعر بالغضب الشديد ، ويرفع صوته مطالبا بتحقيق العدالة، ويعتبرها تهديدا مباشرا لوجوده ومسيرته الكفاحية المتواصلة وصموده في وجه الإحتلال.  

إضافة لذلك ، يتعرض الفلسطيني لشتى أنواع القمع والإرهاب الجسدي والنفسي والحصار الإقتصادي، وتثقل ذاكرته التضحيات الكبيرة التي قدمها في معركته الوطنية، بتقديم الشهداء، الأسرى، الجرحى، هدم البيوت، الإعتقالات، التوسع الإستيطاني، المنفى والشتات، التمييز العنصري، الإنقسام في الحركة الوطنية، مظاهر الفساد والمحسوبية ومحاولات تصفية قضيته الوطنية، وحملات الشيطنة التي ترافق التطبيع، وكثير من الأزمات التي يعاني منها أينما تواجد.  

وحيث أن الشعب الفلسطيني يسعى للحفاظ على هويته الوطنية ، وتحقيق حريته وإستقلاله، فهو يعتبر هذه الممارسات ضربة توجه لحُلمه وتطلعه لتعزيز صموده وبناء قدراته الذاتية في زمن رديء بكل المقاييس، ولذلك وعن وعي بتاريخه المعاصر، يصب جام غضبه على بعض قياداته ومن هم في موقع السلطة، لأنه يرى في ممارساتهم عوامل تراجع وهدم لمشروعه الوطني وعدم تقدير لمعاناته.  

يفرض واقع الإحتلال، وهمجية المستوطنين، والمواقف الدولية وبعض المواقف الرسمية العربية، تداعيات نفسية على سيكولوجية الإنسان الفلسطيني ، وتجربته المريرة، تجعله يدرك أهمية أن يُعبر بصوته المرتفع، عن رفضه وتحديه، بلغة سياسية هي أقرب إلى صرخة المظلوم الذي يقاوم السجن والسجان ، وعندما يحس بالتحايل اللفظي على آلامه ومطالبه ، يبدأ برفع سقف مطالبه أكثر ويزداد تحديه، لأنه شعب حر وذكي وكريم وأصيل يرفض الهوان والخنوع والذل ، مهما كانت التضحيات، كما أثبت طوال تاريخيه المعاصر.  

على القيادات الفلسطينية ، أن تدرك جيدا أن من يبتسم اليوم عندما تلقي سلطات الإحتلال القبض عليه ، وتكبله بالأغلال ، فخورا لأنه ينتصر بقيده على الجندي الصهيوني ، ويدخل سجل الشرف الوطني ، لن يبتسم لأي تجاوز على كرامته الوطنية بنفس الإبتسامة، بل على العكس ، ستكون ردة فعله عنيفة جدا.  

 على من هم الآن في موقع النفوذ والسلطة ، وتحديدا  الشرفاء منهم، أن يعيدوا حساباتهم ، ويتعلموا من درس استشهاد نزار وردة فعل الشارع الفلسطيني، وعلى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ، أن ترتقي أكثر في تحمل مسؤولياتها وان يكون موقفها أكثر حزما ووطنية ، وبكل صراحة ووضوح، لا تخدعوا شعبكم ببيان هزيل أو بوقفة مع المحتجين الغاضبين على اغتيال نزار وكأنكم لستم شركاء في السلطة، بل أنتم من ذات جوهرها، وتتحملون بنفس القدر ما يجب أن تتحمله أجهزة السلطة، ولا تحملوا حركة فتح (كالعادة) وحدها كل ما يجري كما كنتم تفعلون في معظم محطات النضال الوطني، ثم نراكم  في المحصلة شركاء في كل سياسات ومشاريع وتوجهات حركة فتح التي عليها أن تعود لمنطلقاتها الثورية كما عرفها شعبنا، بشرفائها ومناضليها ، وان تدرك أنها تفقد جماهيريتها بالتدريج .  

من حق الفلسطيني أن يغضب ويثور وأن يرفع صوته، من حقه أن يعبر عن حساسية مفرطة عندما يشهد عملية إغتيال بربرية، ومن حقه أن يضع إصبعه في عين الكبير من قياداته ، لأنه صاحب السلطان، صاحب القرار، وكبير القوم خادمهم، فارفعوا أيديكم عن شعبنا الفلسطيني أذا كنتم تريدون أن يعتبركم الشعب من الكبار!، من يغتال الفلسطيني جسديا أو معنويا، يغتال الأرض والإنسان.  

 

التعليقات مغلقة.