عبدالله التل ومعركة قلب القدس / فيصل الوريكات
أثبت عبدالله التل حنكة ومهارة في ادارة معركة قلب القدس بحيث يستحق ان يكتب اسمه باحرف من ذهب في سجل القدس الخالد , فهي مع معركة اللطرون وباب الواد من أبقت القدس بأيدي العرب لتسعة عشر سنه قادمة وتتميز عن غيرها بكونها معركة تعرضية بادارة عربية كاملة من الكتيبة الى اللواء الرابع بقيادة أحمد صدقي الجندي , قال عنها الخبير الامريكي كينيث بولاك بان الجيش الاردني استطاع في هذة المعركة مزج المشاة مع الاليات المدرعة ببراعة داخل المدينة وباسناد من الهاون ورماية مباشرة من فرق القناصين, وشخصيا اقول بان الامر تعدى الحرب المشتركة فقد استخدم عبدالله اسلوب الحرب المختلطة عندما واءم بين العمليات التقليدية والعمليات غير التقليدية التي كانت تنفذه سرايا الجهاد الفلسطيني المقدس وتحت اشرافه المباشر.
حاييم هيرتزوغ والذي اصبح فيما بعد الرئيس السادس للاحتلال الاسرائيلي يزعم بان معركة الحي اليهودي هي النصر الوحيد الذي يمكن اعتباره بالمهم اثناء سير عمليات 1948 للجانب العربي.
مُنِح عبدالله التل قيادة الكتيبة السادسة بعد نجاحه في قيادة حرس القوافل واحتلاله السريع لمستعمرات كفار عتصيون قبل انتهاء الانتداب الانجليزي والتي اسر فيها 320 يهودي وقتل ما مجموعة 360 .
إنتقلت سرايا الكتيبة من موقعها الثابث في اريحا الى القدس بعد إلتماس أهالي القدس (أخر الوفود كان بقيادة الدكتور جودت طنوس) من الامير عبدالله بن الحسين للتدخل العسكري حيث كانت مسألة سقوط كامل القدس بيد الهاجاناة وعصابات الارغون هي مسألة وقت ولم يكن الانجليز متحمسين للدفاع عن القدس لانها تخضع للوصاية الدولية حسب قرار التفسيم .
كان هدف عبدالله التل هو السيطرة على قلب القدس الذي إحتمى به حوالي 1800 يهودي ولديهم مؤن كافية وذخيرة تكفيهم لسنة كاملة وأما الكتيبة السادسة فموجودها 600 مقاتل وقدر القائد عبدالله بان الهجوم الشامل على الحي اليهودي سيكلفه نصف الكتيبة لمنعة الدفاعات اليهودية ولذلك إبتكر اسلوب عمليات تفجير المباني والاسوار بالمتفجرات وأوكل هذه المهمة للجهاد المقدس الذين برعوا في التفجيرات وبحيث يعقب كل عملية تفجير تنفيذ لعمليات تطهير من افراد كتيبة المشاة.
ألامر الثاني الذي اتبعه التل للتاثير على معنويات المقاتلين اليهود والذين كانت أوامر الوكالة اليهودية لهم بعدم ترك الحي اليهودي يسقط تحت أي ذريعة والدفاع لاخر رجل هو إبقاء الحي تحت رماية الهاون المستمرة وبصورة متقطعة حتى في الليل مما ساهم بإفساد العلاقة القائمة بين المقاتلين والمدنيين داخل الحي حيث لم يعودوا قادرين على الحركة.
التكتيك الثالث الذي أستخدمه هو تمكنه من ادخال 3 اليات مدرعة الى الحي اليهودي بعملية غير متوقعة نظرا لجغرافية المنطقة وتميز القدس التاريخية بضيق الشوارع.
من الامور المهمة التي ساهمت بنجاح العملية هو منع وصول الامدادات للحي وأبقاؤه تحت الحصار , ولم تكن هذة العملية لتنجح لولا الصمود الاسطوري للكتيبة الرابعة بقيادة حابس المجالي فلو تمكن اليهود من عبور اللطرون لاستطاعوا تامين خطوط الامداد من تل ابيب للقدس.
لجأ قادة الحي الى الصليب الاحمر والتوسل بنقل النساء والاطفال وكبار العمر الى خارج الحي ولكن عيدالله التل رفض الالتماس لعلمه بان ذلك قد يقوض فرص النجاح حيث ستقاتل القوة المتبقية بدون عوائق نفسية ولأن تلك العملية تستوجب الحصول على هدنة مؤقتة وأي توقف لعمليات جيش على وشك الانتصار عادة ما يمهد لتحول في مسار الاحداث ولم يكترث التل بإحتمالات محاكمته كمجرم حرب بعد تهديده من قبل مندوب الصليب الاحمر .
عندما وصل الحصار الى الكنيس اليهودي الكبير واحتمى داخله المقاتلون اليهود, إقترحت مجموعة الجهاد المقدس بان يهدموا الكنيس على من تحته من المقاتلين ولكن عبدالله رأي في ذلك فرصة سانحة لإجبار اليهود على الاستسلام وأصدر الانذار النهائي في 27 ايار من خلال الصليب الاحمر بانه اذا لم يستسلم المقاتلون خلال عدة ساعات فانه سينسف الكنيس عليهم وقد رفض المحتمين بالكنيس الاستسلام في مشهد مشابه للمتسادا التي حدثت قبل الميلاد عندما إنتحر المقاتلين على ان يستسلموا للرومان.
سقط الحي اليهودي في اليوم التالي في 28 ايار بأيدي الكتيبة السادسة والفضل الاول هو للامير عبدالله بن الحسين الذي ادام الاتصال اليومي مع قائد الكتيبة و كان يطالبه بالاستعجال قبل وصول اي امدادات أو تعاظم الضغوط الدولية وخاصة من قبل الرئيس الامريكي ترومان الذي أحدث تغير هائل في السياسة الامريكية بمناصرة اليهود بعد روزفلت المتوازن في مواقفه .
قاد مفاوضات الاستسلام من الجانب الاردني عبدالله التل ومحمود موسى العبيدات ومن الطرف الاخر المختار اليهودي وموشيه روزنك قائد الهاجاناه في القدس وكانت مطالب عبدالله هي تسليم الاسلحة والذخائر واخذ الرجال أسرى حرب وتسليم النساء والاطفال وكبار السن والجرحى الى الصليب الاحمر وتسليم الحي .
نتائج العملية كانت أسر 340 مقاتل و مقتل 300 مقاتل منهم 136 من الارغون وأما من الجانب الاردني ومن المجاهدين الفلسطينيين فكان استشهاد 14 وجرج 25 .
برزت أخلاق عبدالله التل العالية وحرفيته العسكرية بالمعاملة الحضارية لليهود المستسلمين حيث لم يسمح لأحد بالتعرض لهم ولم يأسر النساء علما بان ذكرى دير ياسين كانت ما زالت حاضرة في الاذهان.
حاييم هيرتزوغ في كتابه ( الحروب الاسرائيلية العربية ) يورد بان ما تبقى من المقاتلين كان فقط 36 قادر على حمل السلاح وعدد ضئيل من الذخيرة لا تتجاوز 300 طلقة وبان السبب الرئيسي للاستسلام هو الضغط الذي مارسه رجال الدين على المقاتلين بوجوب الاستسلام وهذا يتوافق مع نظرية عبدالله التل , ولكن هيرتزوغ يزعم بان حجم التدمير كان كبير للحي وبان 58 كنيس قد تدمرت اثناء العملية.
الباحث الاسرائيلي رونيين يتسحاق في كتابة ( عبدالله التل ضابط في الجيش العري) يقول ( قليلون هم من الضباط العرب الذين نالوا اعجاب اليهود وربما يكون عبدالله التل هو الوحيد ) واما يائيل زايزر البروفيسور في جامعة تل ابيب فيقول عن حياة عبدالله التل بانها جميلة وظاهرة وتستحق ان تكون فيلم ملحمي .
المراجع المستخدمة :
عبدالله التل / كارثة فلسطين
حاييم هيرتزوغ / الحروب الاسرائيلية العربية
كينيث بولاك / العرب في الحروب
رونين يستحاق / عبدالله التل ضابط الجيش العربي .
التعليقات مغلقة.