لا يأتي من الأعداء إلا كل شر مهما كانت صورة ما يأتي منهم محسنة مزينة ، وفي الحكمة : ” الخاسرون في الدنيا ثمانية ، أحدهم راجي الخير من عدوه .” ، وهذا ما يتحدد أن نقوله في شأن المستشفى الأميركي الذي يقام الآن شمالي غزة. أميركا وإسرائيل العدوان الأكبران والأخطران للشعب الفلسطيني ؛ كيف تأتيان له بأي خير في أي مجال ؟! ولا وزن للقول إن هذا المستشفى تنفيذ لاتفاق بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل رعته مصر وقطر والأمم المتحدة . لماذا يكون أميركيا تحديدا وأميركا ليست طرفا في هذا الاتفاق ؟! وكيف تقطع أميركا معونتها السنوية عن الأونروا التي تقدم خدمات صحية في مناطق اللاجئين الفلسطينيين الخمس وتقيم هذا المستشفى في غزة تخصيصا لتقديم شيء من هذه الخدمات ؟! ولا قيمة للزعم أن المؤسسة المقيمة للمستشفى ، مؤسسة ” صداقات ” ، مؤسسة مدنية الهوية . كونها مدنية قد لا يكون سوى ستار لهدف استخباري أميركي وإسرائيلي مشترك ، وحتى لو كانت مدنية صدقا وحقا فإنها ما كانت لتقيم هذا المستشفى إلا بإذن الحكومة الأميركية ، ولهدف يخص هذه الحكومة وإسرائيل ، ولن يكون إلا استخباريا تجسسيا.
ولننظر في: أولا: إقامته شمالي غزة قريبا من الحدود مع إسرائيل.
ثانيا: سيشرف عليه فريق أجنبي يقيم في المجدل داخل إسرائيل.
لو كان هدف إقامته بريئا لاختير له موقع داخل قطاع غزة ، ولما كان فريق العاملين فيه أجنبيا بالكامل . وجوده عند الحدود يسهل حمايته إسرائيليا وأميركيا ، وكون فريق العاملين فيه أجنبيا ، ولن يكون إلا إسرائيليا وأميركيا ، وربما تضاف للإسرائيليين والأميركيين جنسيات أخرى للتمويه ؛ سيكفل أداء وظيفته التجسسية . في عدوان 2014 على غزة ، أقامت إسرائيل مستشفى ميدانيا في ذات المنطقة لمعالجة جرحى عدوانها من الفلسطينيين ! ولم يذهب إليه منهم أحد ، فهدفه التجسسي كان مكشوفا عاريا . ومعروف ما يلقاه المرضى في معبر بيت حانون ( إيرز ) من ابتزاز استخباري إسرائيلي للسماح لهم بالوصول إلى مستشفيات إسرائيل أو الضفة أو الخارج ، والمستشفى الأميركي الجديد سيقوم بهذه المهمة بالتعاون مع إسرائيل . لا يأتي من الأعداء إلا كل شر ، وعن أي أعداء نتكلم ؟! عن أميركا وإسرائيل ، وما من شر إلا ويتصل بهاتين الدولتين اتصالا عضويا غريبا في تاريخ الدول ، ويمكن تفسيره جزئيا بتشابه نشأتهما بالاستيلاء على أرض شعوب أخرى ، والجدية الوحشية في إبادتها .
في القَصص الشعبي أن ذئبا شم رائحة لحم ، فركض باتجاه الرائحة ، وانتهى ركضه إلى شريحة لحم ، فتوقف متشككا مرتابا ، ولم يندفع لالتهامها رغم جوعه الشديد ، والذئب قليل التحمل للجوع ، وراح يدور حولها ناري الاشتهاء لها ، متخوفا من التهامها ، ثم ألقى عليها نظرة محروم خائب ، وابتعد يكلم نفسه : ” لحمة طرية في أرض خلية ما هي بلا قصية (مكيدة ) ” ، وصدق تقديره : كانت طعما في شرك صياد .
التعليقات مغلقة.