طريق الحرير الجديدة تصل إلى أوروبا / الطاهر المعز

693

نتيجة بحث الصور عن طريق الحرير

الطاهر المعز ( تونس ) الجمعة 22/11/2019 م …

اغتنمت الصين تأثيرات أزمة 2008 في أوروبا والعالم، لتنفذ خطط التّوسّع التّجاري نحو أوروبا، فاستحوذت على عدد من الشركات، ومن بينها: ميناء بيرايوس اليوناني بنسبة 49% في البداية، ثم بنسبة 100%، واستحوذت على ميناء “فالنسيا” في إسبانيا، وعلى ميناء “تريست” الإيطالي، وميناء “فادو” (قريبًا من “جنوة”) في شمال إيطاليا، وموانئ في بلجيكا (من بينها ميناء “زيبروغ” )، وفرنسا (موانئ “مرسيليا” و”لوهافر” و”دنكيرك” و”سان نازير”…)، وغيرها من دول الإتحاد الأوروبي، كما استحوذت شركة “جيلي” الصينية لصناعة السيارات على شركة “فولفو” سنة 2010، ثم استحوذت على شركة “بيريللي” وعلى قسم هام من شركة “كلوب ميد” للسياحة، سنة 2015، وغيرها من الشركات في قطاعات مُتنوعة، كما استهدفت الصينُ الموانئَ الأوروبيةَ، ضمن خطتها الإستراتيجية “الحزام والطريق”، أو “طريق الحرير الجديدة”، ومنذ سنة 2016، تاريخ الإستحواذ الشامل على ميناء “بيرايوس” اليوناني الإستراتيجي، تطبيقًا لشروط الخَصْخَصَة التي فَرَضها صندوق النقد الدولي، تمكنت الشركات الصينية للشحن للبحري، “كوسكو” و “تشاينا ميرشانتز”، من السيطرة على 13 ميناء في دول الإتحاد الأوروبي، بشكل جُزئي أو كُلِّي، ولا تزال الصين تستثمر، بشكل منهجي، في الموانئ والأرصفة ومحطات الحاويات التي هجرتها الشركات الأوروبية، وأصبحت الشركتان الصينيتان تُسيطران على نحو 10% من حجم (أو سِعَة) النقل البحري الأوروبي، مما جعل المُفوّضية الأوروبية (التي فَرَضَت الخصخصة وخفض الإستثمار العُمومي) تعتبر هذا الإستحواذ “تقويضًا للسيادة الأوروبية”، ولكنها لا تعتبر القواعد العسكرية الأمريكية، المُنتشرة من موانئ إيطاليا إلى موانئ اسكندينافيا، ومن البرتغال إلى بحر البلطيق، انتقاصًا من السيادة الأوروبية. أما الصين فقد جعلت من ميناء “بيرايوس”، الذي يمكن وصول السّلع إليه من قناة السويس، خلال يومَيْن، محطة رئيسية في “طريق الحرير الجديدة”، وهو برنامج ضخم، خصّصت له الحكومة الصينية مبالغ مالية كبيرة، بهدف تطوير العلاقات التجارية بين الصين وأوروبا، عبر “أوراسي”، أي مُرورًا بآسيا الوسطى (المتاخمة للصين) وروسيا وأوروبا الشرقية، نحو أوروبا الغربية، ويتضمن المشروع بناء الطرقات البَرِّيّة والبَحْرِيّة، والجسور والسكك الحديدية، وخطوط أنابيب نقل النفط والغاز…

أعلنت الحكومة الصينية تخصيص مبلغ لا يقل عن 6,5 مليارات يورو سنويا، أو ما يُعادل 26 مليار يورو، طيلة أربع سنوات، لدعم نشاط شركات الشحن البحري، وإدارة الموانئ، وإصلاح السفن، العاملة في دول الإتحاد الأوروبي، ضمن خطة طريق الحرير الجديدة، وذلك بعد استحواذ الشركات الصينية على عدد من الموانئ والمرافق في جنوب وشمال وشرق وغرب أوروبا…

حَوّلت الشركة الحكومية الصينية “كوسكو”، ميناء “بيرايوس” اليوناني، بعد استحواذها الكامل عليه في نيسان/ابريل 2016، إلى منطقة تجارة حُرّة، باتفاق مع حكومة اليونان، ضمن مفاوضات عملية الخصخصة، وتعاقدت شركة “كوسكو” مع عدد من شركات “المُناوَلَة” (التعاقد من الباطن)، لتنفيذ الأعمال المطلوبة، ومعظمها شركات مُسجّلة في قبرص، ويعسر معرفة مالكيها الحقيقيين، لكن عقود العمل (قصيرة الأجل) تتضمن عدم تنفيذ الإضرابات، واستغلت الصين فترة الأزمة اليونانية لفرض شروط مُجحفة على العاملين، واستثمرت الصين في صيانة البُنية التحتية وتجهيزات الميناء، واستوردت كافة المواد الضرورية من الصين، ليرتفع عدد الحاويات التي استقبلها الميناء، من تسعمائة ألف حاوية، سنة 2008، إلى 4,9 ملايين حاوية مُتوقّعة، سنة 2019، وتعتبر شركة “كوسكو” أن الميناء لا يعمل سوى بنصف طاقته القُصوى، وتُخَطّطُ لاستثمار حوالي مليار دولار لبناء فنادق ومواقف سيارات وميناء سياحي وحوض لبناء السفن، وغيرها من عمليات توسيع نشاطها في اليونان، واستخدام الميناء والبلاد كنفطة ارتكاز نشاطها المُستقبلي داخل الإتحاد الأوروبي، ونجحت الخطة، إذ توسّع نشاط الشّحن البحري إلى إيطاليا، لكن ارتفعت بالمقابل شكاوى أصحاب الشركات اليونانية التي كانت تتعامل مع الميناء، لأن الشركة الصينية “كوسكو” خَفَّضَت عددهم من 390 إلى 120 شركة يونانية، وتشتكي نقابات عُمّال الميناء اليونانيين الذين تم تسريحهم، في ذروة الأزمة، ورفضت الشركة الصينية إعادتهم لمواقعهم، بتواطؤ حكومة ائتلاف “سيريزا” التي كان يرأسُها “ألكسيس تسيبراس”، فيما احتفظت قِلّة من العاملين اليونانيين بوضعهم السابق أو تمكنوا من التفاوض مع الحكومة اليونانية على مغادرة الميناء، والعمل في قطاعات أخرى، بعد فترة تأهيل…

في إسبانيا أيضًا يتذمر العمال والنقابيون من ظروف العمل والمُعاملات السيئة، منذ استحواذ شركة “كوسكو” الحكومية الصينية على ميناء “قلنسيا” (فالنسيا)، رابع أهم ميناء أوروبي، وأبْقَت الشركة الصينية على المُدير السابق، الذي اشتهر بحقده على النقابيين ومحاولة طردهم من العمل، طيلة عشر سنوات، وتعهدت شركة “كوسكو” عندما استحوذت على نسبة 51% من الميناء، سنة 2017، بقيمة 203 مليون يورو، باستثمار 26,5 مليون يورو، لتحسين البُنية التحتية والتجهيزات، لكنها لم تستثمر فلسًا واحدًا، لغاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2019 (تاريخ تحرير هذه الورقة)، واستحوذت على عدد من المواقع والقطاعات الأخرى في مُدُن “بلباو” والعاصمة “مدريد”، وفي سرقسطة، وغيرها…

في إيطاليا، تشترك الشركة الصينية “كوسكو” مع الدولة في إدارة ميناء “تريست”، لتفرة خمسين سنة قادمة، وكان نشاط الميناء يشمل بشكل أساسي نقل المسافرين والسلع إلى جزيرة “سردينيا” الإيطالية وجزيرة “كورسيكا” الفرنسية، ثم اقترحت شركة “كوسكو” مخططا طويل المدى، لبناء رصيف جديد قادر على استقبال سفن الشحن الكبيرة، على مساحة كبيرة، وتجهيز الرصيف برافعات عملاقة (كُلُّها صينية)، لزيادة سِعة ونشاط الميناء، لكن ممثل نقابة الأُجراء (الإتحاد العام للعمل) يؤكد ان الشركة الصينية تفرض شروطَها المُجْحِفَة، في ظل وجود نسبة بطالة كبيرة في صفوف الشباب (تحت 25 سنة) تُقدّر بنحو 30,5%، منذ إغلاق منجم الفحم سنة 2015، ولم يخلق النشاط الجديد للميناء سوى 400 وظيفة، بعقود هَشّة، وبشروط عمل رديئة ومُجْحِفَة…

بدأت الصين تستخدم خطوط السكك الحديدية، لشحن السلع من الصين إلى أوروبا (ألمانيا وبريطانيا…)، وتمكنت من خفض مُدّة الرحلة، من أربعة أسابيع، إلى أُسْبُوعَيْن، في المُتَوسّط، وتُعول شركة “كوسكو” على ميناء “زيبروغ” في بلجيكا، الذي سيطرت عليه في بداية سنة 2018، لاستخدامه كمحطة لإرسال نحو 17 مليون طن من السلع الصينية (سنويا) نحو بريطانيا، وقد يتضاعف حجم السلع، بعد خروج بريطانيا النهائي من الإتحاد الأوروبي، وتعتزم الشركة الحكومية الصينية “كوسكو” استثمار 85 مليون يورو، لزيادة حركة الشحن في الميناء البلجيكي، وتوسيعها، وإنشاء منطقة نشاط خدمات تجارية وصناعية، تبلغ مساحتها نحو ثلاثين هكتارًا، بنهاية سنة 2020…

أنشأت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 800 قاعدة عسكرية في العالم، خارج الولايات المتحدة، ومع ذلك يُصرح مسؤولون حكوميون أمريكيون بأن نشاط شركة “كوسكو” الصينية يشكّل “تهديدًا إضافِيًّا للأمن الدولي”، أما الصين فإنها تُحاول منذ سنة 2013، الإلتفاف على الحصار الذي فرَضَتْهُ الولايات المتحدة عليها (سنة 2012، خلال فترة رئاسة باراك أوباما)، حيث حَوّلت الولايات المتحدة نحو 60%  من قُواتها وعتادها العسكري البحري إلى المناطق القريبة من الصين، وأنشأت قاعدة ضخمة شمال أستراليا، وطورت قواعدها في اليابان وكوريا الجنوبية، وعادت إلى قاعدة “دانانغ” البحرية، التي حررها الثوار الفيتناميون سنة 1975…

ترغب الولايات المتحدة السيطرة بمفردها على العالم، دون منافسة، ولكن الصين أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وإذا كانت الولايات المتحدة تُهدّد وتحتل البلدان وتعتدي على جيرانها في أمريكا الجنوبية، وعلى شعوب آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية، وتُحاصر وتُعلن حَظْرًا وعُقُوبات اقتصادية على المافسين والخُصُوم وحتى الحُلفاء (من حلف شمال الأطلسي)، فإن الصين تقتصر لحد الآن على التّوسّع الإقتصادي، ولا تُهدد ولا تضغط، بل تلُفاوض، وتستغل حاجة الحكومات للإستثمار، لتُسيْطر على قطاعات اقتصادية، وعلى الموانئ وعلى مناجم المعادن وحُقول النفط والغاز وعلى شبكات التجارة والأسواق، ولم تُنشئ لحد الآن سوى قاعدة واحدة في جيبوتي، ولذلك، ورغم احتمال تحوّل الصين إلى قوة عسكرية غازية ومُعتدية، فإن الولايات المتحدة لا تزال العدو الأول للشعوب، وأكبر داعم للكيان الصهيوني وأكبر مُدبِّر للإنقلابات العسكرية الرجعية…   

المعلومات من مجلة “أمريكان إنترست” + سويس انفو + بي بي سي + موقع صحيفة “الشعب” الصينية + صحيفة “لوفيغارو” اليمينية الفرنسية، ذات الطابع الإقتصادي + صحيفة “لوسوار” البلجيكية، خلال فترة تتراوح بين نيسان/ابريل 2015 وتشرين الثاني/نوفمبر 2019

التعليقات مغلقة.