“أرض الأحلام الأمريكية” تفرغ مدنا وقرى أردنية من شبابها
الصورة من مقطع فيديو متداول لمهاجرين اردنيين إلى أمريكا | من المصدر
*** أهالي يستدينون في سبيل تسفير أولادهم للخارج
*** رحلة قاسية مليئة بالمخاطر.. وشبان يتحدثون عن دوافع أردنية طاردة
*** 10 آلاف دولار كلفة الرحلة.. والسماسرة يعملون في وضح النهار
*** تأشيرة بريطانيا أسالت لعاب كثيرين للهجرة عن طريق لندن
*** هجرة السوريين لأوروبا فتحت الآفاق للأردنيين في التفكير الجدي بالهجرة للغرب
**100 ألف أردني في أمريكا حتى العام 2015 .. و140 ألف أردني في مختلف الدول غير العربية 2021
ماجد الدباس – قبل سنوات كان الأردنيون يميلون إلى الرواتب والدخول الاعتيادية في داخل المملكة على الخروج والسفر للخارج بحثتا عن الرزق، بل أن منهم من كان يرفض التفكير أصلا بهذه القضية، وكأنك تحدثه عن امر جلل، بيد ان طلائع المهاجرين الأوائل في محتلف بقاع العالم لاحظوا ان الأردنيين صاروا يجوبون العالم بحثا عن الرزق والعيش الأفضل.
الأمر لم يقف عند هذا الحد، فالحديث الآن يجري عن محافظات وقرى بدأت تفرغ من الشباب الذين استدانوا وأخذوا القروض من البنوك والشركات ليس من أجل افتتاح مشاريع بالمملكة بل للهجرة “غير الشرعية” وتحديدا إلى الولايات المتحدة الأمريكية أرض الأحلام.
منذ أن فتحت بريطانيا التأشيرة السياحية للأردنيين هرع شبان في زهرة العمر لاستصدارها والسفر عقبها لدول أمريكا الوسطى ومنها إلى أمريكا في خطوة للهجرة السريعة بعيدا عن اجراءات السفارات الطويلة والأوراق والمقابلات الشخصية وغيرها.
وبحسب أرقام وزارة الخارجية فإن عدد الأردنيين المسجلين رسميا على انهم مغتربين في امريكا يبلغ 100 ألف في العام 2015، فيما وصل عدد الأردنيين المغتربين في امريكا والدول الأجنبية الأخرى 140 ألفا في العام 2021.
وفي التفاصيل فإن الأمر يبدأ عن طريق المهربين والسماسرة الأردنيين الذين يدلون الشباب على الطريقة وعلى أقران لهم في بريطانيا وفي دول أمريكا الوسطى قبيل الوصول لرؤوس العصابات في المكسيك الذين يأخذون حصة الأسد من المبلغ المرصود لغاية الوصول إلى أمريكا.
“عمون” اتصلت مع واحد من كبار السماسرة العاملين في المجال ويدعى “ي.ف” وسألته كزبون لا كصحافة وإعلام عن الطريقة والمبلغ الذي يحتاجه المهاجر، وعن الطريق المسلوك؟.
السمسار ذكر ان القصة في غاية السهولة ولا تحتاج اكثر من “فيزا لندن” وكرت المطعوم و10 الاف دولار يذهب جلها للمهرب الاخير الذي يرسلك لامريكا.
وعن المسار الذي يأخذه الراغبون بالهجرة فقال أن لندن هي الوجهة الاولى ومنها إلى بنما قبل الذهاب إلى نيكاراغوا أو الهندوراس ثم المكسيك فأمريكا.
السمسار الآخر “ح.ن” تحدث لـ”عمون” كزبون أيضا عن رحلة بمواصفات خاصة وسريعة لا تزيد على 6 أيام ويكون المهاجر في أمريكا مقابل مبلغ أكبر قليلا، لافتا إلى ان هذا المبلغ الزائد لا يعتبر زائدا عن المسار الأصلي، لأن بعض المهاجرين يقطنون فنادق وأماكن في دول بالطريق إلى أمريكا فيدفعون هذا المبالغ مقابل هذه الخدمات.
وعن المبلغ الذي يحتاجه المهاجر فقدره السمسار الأخير بـ8 الاف دينار، لافتا إلى ان المبلغ يزيد وينقص قليلا عن هذا الحد حسب المهرب الأخير وجدارته في إيصال الزبون حتى الوجهة النهائية.
الظاهرة أردنيا بحسب رصد عمون بدأت في الزرقاء وإربد قبل ان تنتقل لقرى في شمال المملكة ثم لتعم مختلف المناطق.
مواطنون من مختلف محافظات المملكة اتصلت بهم عمون بعضهم وصل أمريكا وبعضهم الاخر في الطريق سأجمع في سطور كلامهم البسيط وهو بدون تفاصيل كثيرة لعدم رغبتهم بذكر المأسي التي قاسوها في طريق هجرتهم، علاوة على عدم رغبتهم في ذكر أسمائهم، أكدوا ان الاردنيين مرحب بهم في أمريكا؛ لأن سجلاتهم الأمنية نظيفة ولسهولة الحصول على المعلومات الأمنية والجنائية بين عمان وواشنطن.
تحدثوا عن الأسباب التي دعتهم لهذا الأمر الخطير والصعب، فأحالوه إلى غياب فرص العمل وقسوة العيش بالأردن وبحثهم المستمر عن العدالة الاجتماعية، علاوة على فقدانهم الامل بأي تغير أو تطوير على حياتهم، فكثيرون منهم أصحاب شهادات بل أن بعضهم استقال من وظيفته الحكومية من اجل الهجرة إلى امريكا بالطرق غير الشرعية.
آخرون قالوا انهم اخذوا قروضا بنكية ومن شركات تمويل من اجل تامين تكلفة هذه المخاطرة، مبينين ان بعضهم استدان ذووهم من اجل اخراجهم من البلد والذهاب للبحث عن فرص عمل وحياة أفضل من القائمة، مؤكدين ان ذويهم يرون في الاستدانة من اجل الهجرة خيرة عن الاستدانة وبيع الاملاك في سبيل الدراسة الجامعية التي اصبحت لا تطعم خبزا ولا مستقبل لها، وفق لوصفهم.
مواطنون من شمال المملكة قالوا ان جيراننا في في سوريا كانوا “الكسبانين” من الأحداث التي دارت في بلادهم فمن هاجر منهم ووصل أوروبا وأمريكا هم الآن في أفضل حال، فلماذا لا نصبح مثلهم؟
أما الرحلة وظروفها فبينوا أن بها من القسوة ما يكفي لتجعل غيرهم ممن ينون السير على دربهم بإعادة حساباتهم، فمن المكوث ببعض السجون إلى المسير لساعات طويلة في الصحراء، إلى السير على المياه الآسنة إلى السباحة في برك الصرف الصحي إلى الخوف اوالهلع المصاحب، إلى مهادنة أصحاب الأتوات وارباب العصابات وتجار المخدرات في دول أمريكا الوسطى من اجل الوصول لأرض الاحلام أو الملاحة بالقوارب الصغيرة في البحار والأنهار، و.. الى.. إلى، كلها ظروف مر بها مهاجرو الاردن الجدد.
ولم ينسوا الحديث عن مدة الرحلة التي تستمر 15 يوما وقد تصل إلى 20 يوما في بعض الاحيان.
مدير إحدى مكاتب خدمات الهجرة غسان عودة ذكر لعمون ان تأشيرة بريطانيا هي من فتحت هذه القصة للأردنيين، لافتا إلى أن تأشيرة بريطانيا أيضا سهلت اعطاء الاردنيين تأشيرات دول أمريكا الوسطى؛ فمن تعطيه بريطانيا تأشيرة لماذا تمنعها عنه دول أمريكا الوسطى؟
وبين ان ما يشجع البعض على هذه الطريقة في الهجرة غير الشرعية عدم التدقيق الكبير في عهد الرئيس جو بايدن بالمقارنة مع الرئيس السابق دونالد ترامب على موضوع المهاجرين من المكسيك.
وتابع بأن من المحفزات لبعض الشباب على هذا النوع من الهجرة هو أن ادارة الهجرة بأمريكا عندما تأخذ المهاجر وتسجل بياناته تتيح العمل لهؤلاء إلى حين استكمال اجراءات الهجرة، علاوة على أن بعضهم وفور دخول أمريكا يعمل لدى أرباب عمل وشركات بدون حقوق عمالية وفقط يأخذون رواتبهم ب”الكاش”.
وعن الفرق للمهاجر بين الهجرة الشرعية وغير الشرعية اوضح الرجل ان الاولى تعطي لصاحبها كامل الحقوق من اللحظة الاولى، بينما الثانية فهي بدون أي حقوق، علاوة على ان بعض المهاجرين يلجأون لمحامين من اجل تسريع العملية القانونية، بيد أن هذا المحامي يصبح شريكا للمهاجر في دخله، من حجم المبالغ التي يتقاضاها.
وعن رحلة الهجرة غير الشرعية تحدث عودة بأنها تزخر بالمخاطر، فعصابات التهريب تتعامل مع سلعة وليس بشر فمن يموت يتركوه مكانه ومن يتعرض لأي وعكة صحية لا يتعرف احد عليه، وكثيرون ماتوا في هذه الرحلة.
التعليقات مغلقة.