هل أخطأ حسن نصر الله أم أصاب في خطابه حول الحرب على غزة ؟ / الفريق موسى العدوان
الفريق المتقاعد موسى العدوان* ( الأردن ) – الإثنين 06/11/2023 م …
* فريق متقاعد في الجيش العربي …
العنوان المبين باعلاه، يشكل سؤالا يتردد على افواه الكثيرين من أبناء الوطن العربي، فمنهم من يعتبر أن حسن نصر الله قد أخطأ، في عدم الدخول المباشر بالحرب على غزة، نصرة لحماس ضد العدو الإسرائيلي، ومنهم من يرى عكس هذا الرأي، بأنه أصاب في الإحجام عن ذلك الفعل.
وفي محاولتي للإجابة على السؤال أعلاه من وجهة نظر شخصية، آخذا باعتباري أنني سأدخل في عش الدبابير المتربصة لمن يقترب من بيتها، فلابد لي من التنويه، بأنني لست من أتباع حزب الله اللبناني أو غيره، عدا ‘ن أنني مناصر للمقاومين بمختلف فصائلهم، وأنظر لهذا الموضوع بتجرد، بعيدا عن العواطف وردات الفعل الغوغائية، معتمدا على الحقائق التي تفرض نفسها على الموقف السائد في حينه.
يقول علماء النفس العسكري في تشخيصهم لهذه الحالة ما يلي : ” إن لحظة جنون واحدة، قد تؤدي إلى مجزرة كبرى، أو إلى حرب عالمية كبرى. وأن لحظة تعقل واحدة، قد تنقذ الكون من دمار شامل “. وهذا القول تؤكده الأمثلة التالية :
الحرب العالمية الأولى ( 1914 – 1918 )، كان السبب المباشر لإشعالها بسيطا، يتلخص في اغتيال ولي عهد النمسا ( فرانز فرديناند وزوجته ) بتاريخ 28 يونيو/ حزيران 1914، من قبل طالب صربي. فراح ضحيتها ما يزيد على 10 ملايين قتيل، عدا عن الأضرار المادية والإصابات والجسمانية.
أما الحرب العالمية الثانية فكان سببها المباشر، قيام ألمانيا بغزو بولندا بتاريخ 1 سبتمبر/ أيلول 1939، حيث امتدت لست سنوات، وتسببت بأكبر كارثة بشرية في العالم، عندما القت الولايات المتحدة الأمريكية بقنبلتين ذريتين على اليابان أدت لاستسلامها، يعد أن أودتا بما يزيد على 60 مليون قتيل، عدا عن المصابين والدمار الذي حل بكلا الطرفين.
وفي أزمة الصواريخ التي نشرها الاتحاد السوفييتي سرا على الأراضي الكوبية عام 1962، والتي كادت ان تتسبب بحرب نووية بين أكبر دولتين في العالم، إلاّ أنه ومن خلال التعقل والمحادثات السلمية سحب الاتحاد السوفيتي صواريخه من مواقعها في كوبا، فتحول الصدام النووي الذي كان وشيكا، إلى أساس لاتفاقيات كبرى، حدّت من نشر الأسلحة النووية على مستوى العالم.
ولمن يدعي بأن محور المقاومة الذي يترأسه حزب الله، قد قصّر في المشاركة إلى جانب حماس في حرب غزة، عليه أن يعرف بأن هذا الحزب يعمل باستراتيجية مدروسة، ويقوم بعملياته بعد تقدير دقيق للموقف يناسب المكان والزمان، ليقدّر المكاسب والخسائر التي يتوقعها من أية عملية يقدم عليها. وعلينا أن نتذكر ما جرى في حرب إسرائيل على لبنان عام 2006، والتي استمرت لِ 36 يوما، تحمل الحزب وزرها دون مساندة من أية دولة عربية، وقدم خلالها 800 شهيدا و43 آخرين من الجيش اللبناني، عدا عن الدمار المادي الذي لحق بمختلف أرجاء لبنان.
وبالعودة إلى ما تحدث به حسن نصر الله في خطابه يوم الجمعة الماضي، عن دور حزبه في حرب غزة، فقد شكّل برأيي موقفا عقلانيا بعيدا عن التهور والارتجال، وحافظ على بقاء الصراع المسلح ضمن نطاق محدود ولكنه قابل للتصعيد، إذا ما حدث تطور جديد، يهدد مصير حماس أو يهدد استقرار لبنان.
من الأمور الهامة التي على القائد – متخذ القرار – في الدولة أو القوات المسلحة أو في الحزب، أن يأخذ في حسبانه الثمن الذي سيدفعه مقابل تحقيق الهدف الذي يبتغيه. فالنصر لا يعتبر مكتملا إن كان ثمنه غاليا ويجهز على أرواح الكثيرين من البشر. وقد عبّر الرئيس الراحل أنور السادات عن هذا الحال قبيل حرب أكتوبر 1973 بالعبارات التالبية :
” إن القرار بالنسبة لغيري، تعامل مع الأفكار والتقديرات والاحتمالات. وأما بالنسبة لي فإن القرار تعامل مع الحياة والموت، والمسألة لا تتعلق بشخصي، فقد عرفت الحياة وواجهت الموت، ولكنها تتعلق بألوف . . مئات الألوف من الرجال، سوف يأخذون الكلمة مني . . وفوق ذلك هناك كرامة ومستقبل وحياة أمّة في الميزان “.
فلو أعلن حسن نصر الله انضمامه المباشر إلى الحرب بجانب المقاومة الفلسطينية في غزة، لأدى ذلك إلى تهديد الأمن الوطني لعدد من الدول العربية، وأثار حربا في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما وأن الولايات المتحدة قد حشدت أساطيلها وطائراتها، في شرقي البحر الأبيض المتوسط، متحفزة لأي تدخل خارجي في تلك الحرب، لتحولها من حرب محدودة إلى حرب عالمية ثالثة لا يمكن التنبؤ بنهاياتها. وما حدث في الحرب على العراق قبل عقدين، يشكل درسا بليغا نأخذ منه الدرس والعبرة.
لقد اكتفى حسن نصر الله بإشغال القوات الإسرائيلية في شمال إسرائيل، بضربات متفرقة من المدفعية والصواريخ، التي تتصاعد يوما بعد يوم، وقدم خلالها ما يزيد على 60 شهيدا من رجاله. كما أنه اجبر العدو على تخصيص قوات كبيرة، للمرابطة على واجهة الحدود اللبنانية، وحرمانها من التدخل في الحرب على غزة، وطالب بوقف الحرب على غزة، منذرا بأن كل الخيارات الأخرى مفتوحة، في حالة تطور الأوضاع الميدانية إلى الأسوأ.
من يلوم حزب الله في عدم إعلانه الحرب المباشرة على إسرائيل مشاركة لحماس، فعليه من باب أولى أن يلوم المنظمات الفدائية الفلسطينية وعلى رأسها منظمة فتح وجيش دايتون الذي يبلغ تعداده 70 ألف مقاتل والتي تتمركز في الضفة الغربية، دون أي فعل يسند المقاومين في غزة. كما عليه أن يلوم في الوقت نفسه 22 دولة عربية بجيوشها الجرارة، لم تحرك جنديا واحدا تهدد به العدو، لوقف حرب الإبادة على السكان المدنيين.
وإجابة على السؤال المطروح بأعلاه أقول : أن المصالح الوطنية والقومية للدول العربية المعنية مباشرة بالصراع العربي الإسرائيلي، تؤكد أن السيد حسن نصر الله، قد أصاب واعتمد العقلانية في خطابه المتلفز يوم الجمعة الماضي، فلم يورط العالم بحرب عالمية ثالثة، كانت قاب قوسين أو أدنى، بعيدا عن المزايدات والشعارات الفارغة، التي لا تخدم المصلحة الفلسطينية ومصالح الدول العربية بشكل عام.
التعليقات مغلقة.