غزة جراد… ممنوع التضحية بدماء الضحايا / جمال زقوت
جمال زقوت – الإثنين 06/11/2023 م …
تواصل عصابة حرب الابادة الفاشية ارتكاب المجازر الجماعية، وتعلن إحكام حصارها على مدينة غزة من الشمال الغربي والبحر والجنوب والجنوب الشرقي. واقع الحال، وفي وقت تروج فيه هذه العصابة الدعوة لمغادرة غزة وشمالها نحو الجنوب فهي تواصل إبادة أحياء بأكملها في مدن وبلدات ومخيمات اللاجئين في الجنوب، ومراكز الايواء في مدارس وكالة الغوث في مختلف مناطق القطاع، بما في ذلك ابادة عائلات بأكملها والتي نزحت لمناطق الوسطى والجنوب، بل إن معظم ضحايا هذه المجازر من النازحين ومضيفيهم، سيما من الأطفال والنساء .
ما الذي تسعى اسرائيل لتحقيقه ؟
في وقت يجمع فيه معظم المتابعين، بما في ذلك في اسرائيل والولايات المتحدة عدم وضوح وأحيانا عدم واقعية بل استحالة تحقيق الاهداف المعلنة وغير المعلنة للحرب ، فإن خطة إسرائيل في حربها المتواصلة لابادة أكبر عدد من الفلسطينيين تحت ذريعة شعارات زائفة لاجتثاث حماس وحكمها وبنيتها التحتية؛ تستهدف أساساً تصفية القضية الفلسطينية بوصم مجمل النضال الوطني بالارهاب، وحماس بالداعشية والنازية الجديدة، في وقت أن هذا تماماً ما تقوم به الاستعلائية الصهيونية للتطهير العرقي الفاشي، الأمر الذي لن يقتصر على أهلنا وشعبنا في القطاع، بل سيمتد فيما إن تركت لتتمكن من ذلك، وسيشمل شعبنا في الضفة الغربية والقدس، سيما في ظل خطة الضم والعدوان الذي تنفذه عصابات الارهاب الاستيطانية وجيش الاحتلال.
حصار غزة مقارنة بحصار ليننجراد
إحكام الحصار على مدينة غزة، ومخططات جيش العدوان في الاستمرار بمنع الغذاء والدواء والكهرباء والوقود، وحرمان سكانها من كل مقومات الحياة والخدمات الصحية والمخابز، وتصعيد القصف العنيف للبيوت الآمنة ، لن يزيد شعبنا إلا مزيداً من التمسك بأرضه، والاستبسال في الدفاع المشروع عن مصيره. وكما هُزم النازي الألماني على أبواب ليننجراد، ستتحطم الاستعلائية الفاشية لعصابة الحرب في تل أبيب داخل أزقة وشوارع مدينة غزة، رغم الفارق الهائل والتاريخي بين الحصارين، فلينينجراد كان خلفها جمهوريات الاتحاد السوڤيتي ودول الحلفاء، بينما حلف شعبنا في غزة يختزل في وحدته وارادة الحرية والحياة لديه في مواجهة العنجهية والموت الذي تزرعه صواريخ قوات الاحتلال و دمويتها الجنونية، وأصوات الأحرار المتزايدة في عواصم ومدن العالم.
الأولوية لوقف حرب الابادة المتوحشة
الأولوية التي يتوحد خلفها الشعب الفلسطيني تتمثل أولاً بوقف حرب الابادة، ورفض الخضوع أو الاستسلام لهذه الحرب وأهدافها المباشرة وبعيدة المدى، والسؤال الذي يطرحه الشعب الفلسطيني برمته، وليس فقط في القطاع هو: هل وحدة الموقف والخطاب السياسي والجهد الدبلوماسي تتناسب مع الوحدة الشعبية وانعكاسها في وحدة الميدان وبسالة التصدي للعدوان ، وحجم التضحيات الهائلة التي يدفع ثمنها شعبنا في القطاع وبعض بؤر المواجهة ضد مخططات الضم التوسعي في الضفة؟ بالتأكيد فإن الجواب المباشر هو لا . فأي محاولة للوقوف أمام الأداء السياسي للقيادة الفلسطينية التي تبدو معدومة الحيلة والقدرة، وتعاني من عزلة شعبية، تظهر مدى العجز وانعدام المبادرة ازاء دورها المطلوب في امكانية توفير ولو الحد الأدنى من الحماية السياسية ضد مخططات حرب الابادة والتصفية التي تستهدف الجميع . وعلى السلطة أن تدرك وقبل فوات الاوان أن مجمل القضية والحقوق الوطنية هما المستهدفان من هذه الحرب التي ستطال الجميع، وفي مقدمتهم الصامتين عليها .
نجاح العدوان وتحالف الحرب ليس قدراً
نجاح اسرائيل بمخططات التصفية ورغم المساندة الأمريكية الغربية المطلقة للعدوان الاسرائيلي ليس قدراً، وبالقدر الذي يشكل خطراً حقيقاً في ظل العجز وقلة الحيلة وانعدام المبادرة والحركة السياسية الفاعلة، فإن صمود غزة ومنع انكسارها تمثل مصلحة وطنية عليا للشعب الفلسطيني وكل مكوناته. فهذا الصمود في مواجهة حرب الابادة بات يحُدث تحولات كونية هائلة ليس فقط ازاء ضرورة وقف هذه الحرب، بل ولمعالجة جذور الصراع الدائر منذ النكبة وعلى مدار الخمسة وسبعين عاماً الماضية.
وقف الحرب وفضح فاشيتها مقدمة لانهاء الاحتلال
وقف الحرب بافشال مخططات عصابة حكومة تل أبيب، سيفتح بالتأكيد بوابة انهاء الاحتلال وانتزاع حق تقرير المصير والكرامة والحق المتساوي لشعبنا في الأمن والسلامة، الذي أشارت له نائبة الرئيس الأمريكي كاميلا هاريس كنتاج لانتفاضة قطاعات واسعة من الشعب الأمريكي، وشعوب دول صناعة القرار الدولي في أوروبا والدول المساندة لهذه الحرب على شعبنا.
مسار تسوية على أسس جديدة، تُقر ُسلفاً بحقوق شعبنا المشروعة وحقه في الحياة بكرامة كباقي شعوب الأرض، وتنهي الاحتلال وتمكن شعبنا من ممارسة حقه في تقرير مصيره وسيادته على أرض وطنه وبناء دولته الحرة وعاصمتها القدس، يتوقف على وحدة الموقف والخطاب الوطني في مؤسسات الوطنية الجامعة بمساندة الصمود الأسطوري ضد الحرب، وليس بالارتهان لوعود و أفخاخ بلينكين المساندة لحرب التصفية، وكلماته فاقدة المصداقية عن حل الدولتين وهدن وممرات ومساعدات انسانية تتحكم فيها اسرائيل وفق خطتها الحربية، بما في ذلك على معبر رفح الذي من المفترض أنه حدودي بين مصر وفلسطين.
حجم التضحيات وبسالة الصمود تفرضان:
أولاً – على القيادة الرسمية الفلسطينية مغادرة السياسية الإنتظارية وحالة العجز والرهان على سراب الوعود الأمريكية وسياستها المنحازة والمشاركة في الحرب، والتي سبق وأن أدت إلى تمكين اسرائيل من تدمير ما توقعته هذه القيادة بأن تفضي الاتفاقات التي التزمت بها لانهاء الاحتلال، وما خلفته من عزلة شعبية جراء فشل برنامجها واصرارها على قلة الحيلة، ورفض مراجعة أسباب الفشل، بما في ذلك التعايش معه وفق المصالح الفئوية لحالة الانقسام، والتي أدت إلى استفراد اسرائيل بالضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، واستشراسها في مواصلة خطة الضم، كما أدت إلى ما يعانيه شعبنا في غزة من ظلم وحصار منذ ما يزيد عن عشرين عاماً ، الأمر الذي شكل عاملاً أساسياً لانفجار السابع من أكتوبر، الذي كسر هيبة “الجيش الذي لا يقهر”. إن المسؤولية الوطنية تستدعي تصدي كل مكونات الشعب الفلسطيني، سيما قيادته الرسمية لمحاولات وسم النضال الفلسطيني منذ انطلاقته بالارهاب، ومواصلة حرب الابادة بشيطنة غزة ودعشنة حركتي حماس والجهاد، ولا سبيل لذلك سوى بازالة كل العقبات المصطنعة أمام مشاركة القيادتين السياسيتين للحركتين في صنع القرار الوطني بالمشاركة في المؤسسات القيادية لمنظمة التحرير بصفتها الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا، والاتفاق في اطارها على حكومة وحدة انتقالية مدعومة من الاجماع الوطني، تفوض بالعمل وفق الصلاحيات الممنوحة لها في النظام الأساسي، على أساس المضي بالاصلاح الديمقراطي للمنظمة والحكومة عبر انتخابات عامة يتفق على موعد اجرائها في مدة زمنية تُمكِّنها من معالجة نتائج الحرب الدموية وما سبق أن خلّفه الانقسام من تداعيات، وظلم لشعبنا في القطاع.
ثانياً – في الوقت الذي يتصدى فيه شعبنا ومقاومته الباسلة لحرب الابادة في غزة، فإن المصلحة الوطنية العليا لشعبنا، ومن أجل استنهاض القدرة الوطنية الشاملة لاسناد هذا التصدي الملحمي، فقد بات لزاماً على القيادة السياسية لحركة حماس التقاط المبادرات الداعية لمثل هذا المسار الداخلي، والتحرك الجاد نحو استعادة الوحدة وصون الانجازات التي سبق أن حققها ويحققها شعبنا اليوم بهذا الصمود الاسطوري. فجدية المرتكزات التي اطلقها اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة ازاء وقف العدوان وفتح المعابر واجراء عملية تبادل الأسرى بتبييض السجون تمهيداً لمسار سياسي، على أهميتها، تظل ناقصة وعرجاء ما لم تستند لوحدة فلسطينية شاملة تتصدي للعدوان وتفشل أهدافه السياسية المباشرة وبعيدة المدى. فالمصالح العليا للشعب الفلسطيني والتضحيات التي قدمها ويقدمها يجب ألا تضيع هدراً في الصراع على شرعية التمثيل مهما كانت المبررات. إنها لحظة الحقيقة التي تستدعينا جميعاً، ولن ترحمنا إن خذلناها أو قصرنا بالأثمان الغالية التي يقدمها شعبنا، وفي صون ما تحقق ويتحقق من انجازات دفع شعبنا ثمنها على مدار عقود طويلة من نضاله الوطني.
ثالثاً – على الصعيدين العربي والدولي :
إن جبهة مناهضة الحرب واتساع الرأي العام الكوني الداعي لوقفها ، يستدعي من الأشقاء العرب وضع مواقفهم في أطر وآليات قابلة للتنفيذ، سيما في سياق معادلة توازن المصالح خاصة مع الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين، وبالتأكيد فهناك أوراق قوة يُمكن استخدامها، سيما لجهة سؤال التطبيع الذي تُفقده شراسة العدوان واستهداف الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء أي مبرر أو قيمة لجهة انعدام امكانية التأثير على حكومة الحرب، وكذلك ازاء المصالح الخاصة بهذه الدول التي يغلي الغضب والألم في دماء شعوبها. هذا بالاضافة لدورها المطلوب في التصدي لمحاولات دعشنة المقاومة و وسم النضال الفلسطيني بالارهاب ، الأمر الذي يستدعي بذل جهود جدية مع القوى والدول المناصرة لحقوق شعبنا في انجاز الوحدة الفلسطينية، ولجم العدوانية الارهابية للحركة الصهيونية وأجنحتها الفاشية التي باتت تعرض مجمل المنطقة وأمنها واستقرارها لأخطار فادحة .
التعليقات مغلقة.