نزار حسين راشد يكتب: “جنرال عالبال … سعد الدين الشاذلي”

420

الجنرال سعد الدين الشاذلي على الجزيرة الثقافية

مدارات عربية – الأربعاء 13 / أيار ( مايو ) / 2020 م …
كتب نزار حسين راشد …
مشكلة المؤرخ أو كاتب السير أنه يلتزم بحرفية الأحداث،ولا يتعداها لقراءة النوايا،أو دوافع السلوك البشري،هكذا صُورت معاهدة السلام التي عقدها الرئيس انور السادات مع إسرائيل،على أنها مبادرة نبتت فجأة في عقل السادات فهبط فجأة في مطار تل أبيب،هذه الصورة هي التي أراد السادات وإعلامه أن يسوقوها للذهن الجماهيري منتهزين الزهو بالنصر العسكري والمشاعر الجماهيرية العارمة.

والحقيقة أن الخطوات السياسية الكبيرة يسبقها تمهيد طويل،فلا يوجد رئيس دولة في العالم يهبط في مطار دولة أخرى على حين غرة مغامراً بكل المحاذير،التي قد تصل إلى إسقاط طائرته،وأقلُها إرغامه على العودة أو استقباله بشكل مهين،فإذا كان يحمل في جيبه مشروعاً سياسياً فمن بابٍ أولى أن يكون هذا المشروع قد تم تدارسه على مهل،وحظي بالموافقة من الطرف المقابل.

المؤرخون أيضاً لا يتعرضون لتحليل الشخصية إلا لماماً،فالإستعراضية التي طبعت شخصية الرئيس السادات ومحاولاته الإنفراد بالمشهد،عداك عن توفر النية المسبقة لعقد اتفاقية مع إسرائيل،هي التي قادت إلى اصطدامه برئيس أركانه الفريق سعد الدين الشاذلي،صانع النصر والعبور الحقيقي بشهادة أعداءه قبل رفقائه.

الفريق الشاذلي كعسكري لم يخطر بباله أن السادات أراد إيقاف تقدمه لأن بينه وبين الإسرائيلين اتفاق مسبق،فهو بعيد تماماً عن كواليس السياسة وخفايها،ولذا وصف قرارات السادات العسكرية إبان الإشتباك بالتهور والجهل العسكريين وليس بالخيانة.

روى لي أحد العسكريين أن الفريق الشاذلي هاتف السادات في عز المعمعة بأنه يمكنه التقدم نحو تل أبيب.

ولذا لم يكن مفهوماً بالنسبة إليه أن يوسع السادات المعركة لتشمل المضائق مشتتاً بذلك قوى الجيش،ولا أن يعزز الجبهة بألوية مدرعة دون غطاء جوي،فتتعرض للقصف والإبادة على يد العدو.

والحقيقة أن السادات اراد أن يوقف زخم المعركة ويمنح اليهود نقطة تفوق ليهيء الأرض للتفاوض ومن ثم الاتفاقية،

التي هي هدفه الأصلي،الذي سيظهره كبطل سلام تاريخي،حسب تقديره وحلمه، وبناءً على خطة مرسومة سلفاً.

وحتى نفهم الصورة جيداً فإن الخلفية العقائدية العسكرية،للفريق الشاذلي،على النقيض من عقيدة السادات وذلك في ضوء الحقائق التالية:

-اختصر الفريق الشاذلي شعار المعركة وصيحة الهجوم بكلمتين على حد تعبيره”الله أكبر”،مسقطاً كل الموروث العسكري الناصري من موسيقات وأناشيد حماسية: والله زمن يا سلاحي  .. الخ.

وهذا القرار لم يأت من فراغ،فالفريق الشاذلي وكما أظهرت الحوارات المتلفزة التي أجريت معه،كان على اطلاع تام على عقيدة اليهود العسكرية لا بل إنه أكد انها مستمدة من نصوص التوراة،حتى أنه استشهد بالإصحاحات والأسفار التوراتية التي تحث على إبادة الخصم واستعباده وسبي عذاراه وقتل رجاله ونسائه وذلك بلفظ”حرّمها”

والمقصود القرى او المدن التي تدخلها.

وهذه حقيقة ضمّنها الفريق الشاذلي كتابه”عقيدتنا طريقنا إلى النصر”.

وعلى النقيض من ذلك كان السادات انتهازيا استعراضيا بلا عقيدة ولا مباديء فهو شخصية متمركزة حول الذات ومصابة بجنون العظمة ولا يختلف كثيراً عن شخصية” بلحة” في فيلم الدنيا على جناح يمامة والتي أدى دورها محمود عبد العزيز.، الذي يعتقد أنه كبير في عيون الآخرين وأن خطاباته وتأثيره تقع موقع التأثير البالغ في نفوسهم ،ومع ذلك لم تفته أهمية الفتوى الدينية،ولكن ليوظفها لا ليقدسها او يأخذ بها،ولذا وضع على يمينه الشيخ الشعراوي صاحب الجماهيرية الواسعة فأفتى له مستشهداً بالآية الكريمة”وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله”.

ومن الطريف أن مجالس الشعراوي قاطعتها الأغلبية من جمهوره ومريديه عقب هذه الفتوى الشائنة التي أساء فيها تأويل النص،وأنزله في غير موضعه، فلم يعد يحضر دروسه إلا نفر قليل،فثبت أن الوعي الجماهيري لا يمكن غشه أو خداعه لا من شيخ ولا من سياسي،ولذا فليس غريبا أن ينتهي السادات إلى نهايته الدموية ويلقى حتفه على يد ضباط من الجيش الذي ظن انه أصبح بطلاً مطلقاً في نظره!

الفريق الشاذلي جُرّد من أوسمته وحُرم من تقاعده وتم سجنه بعد عودته من الجزائر عام ١٩٩٢ عقب لجوء سياسي دام أربعة عشر عاماًُ.

كان ذلك في عهد حسني مبارك،ولسبب سخيف جداً هو أن مبارك أراد ان يظهر كبطل للهجوم الجوي الذي أراد الإيحاء أنه هو الذي حسم المعركة وقاد إلى النصر في أكتوبر،وأن يغطي الشمس بغربال ويطمس سيرة الشاذلي.

حسني مبارك تم عزله في اليوم الذي توفي فيه الشاذلي،وفي اليوم التالي خرج الآلاف في جنازته ثواراً وعسكريين وأعيدت إليه أوسمته ومستحقاته انسجاماً مع الضغط الجماهيري وظروف الثورة.فلم يكن للمجلس العسكري ألا ينتهز هذه اللحظة ليزين موقفه في عيون الجماهير ويكسب ثقتها.

وإذن فإن الحرب هي بين عقيدتين ونهجين وليس بالضرورة مع أبناء العم وإنما بين إخوة الدم أيضاً.

طبعاً أثنى كل من موشى دايان وإرييل شارون على عبقرية الشاذلي العسكرية في سبيل الحقيقة والتاريخ كما قالوا.

رحم الله الفريق سعد الدين الشاذلي فقد كان مخلصاً لدينه ووطنه وعقيدته وأوضح أن الوطنية والعقيدة الدينية لا يمكن فصلهما ابداً أو فك لحمتهما لحساب أي عقيدة أو مشروع سياسي.وأن هذا الفصل هو أول الطريق إلى الهزيمة،وأن التحامهما معاً هو أول أشراط النصر.

 

 

التعليقات مغلقة.