كي لا ننسى شهداء شعوبنا العربية … الشيخ راجح غالب لبوزه ، أول شهداء ثورة 14 أكتوبر في اليمن !

633

الأربعاء 11/10/2017 م …

الأردن العربي – ناصر الريمي –

ولد الشيخ راجح غالب لبوزه في ردفان محافظة لحج في وادي دبسان وله من الاخوة واحد فقط هو محمد غالب لبوزة توفي والدهما وهما في سن الطفولة حيث كفلتهما والدتهم، وترعرعا في منطقة ردفان، تزوج الشهيد في العام 1914م وله من الابناء أربعة أكبرهم بليل راجح الذي يعد من الطلائع الأولى لانطلاق أول شرارة لثورة 14 اكتوبر المجيدة، وكان مع أبيه في ذلك اليوم عند استشهاده>

مارس في حياته التجارة على ظهر جمل وكان يقوم باستيراد الحبوب من إب وقعطبة والضالع إلى جانب غيرها من المواد الغذائية ليتاجر بها في بلدته، بدأ الشهيد يحس أن بلاده محتلة من قبل الاستعمار البريطاني وأن عليه مقاومة هذا الاستعمار الغاشم فبدأ بتشكيل خلايا سرية من أبناء ردفان وأعدهم لمقارعة المستعمر، ولكنها كانت جماعات غير منظمة شكلت بداية الانتفاضات وكان بداية عملها المسلح في عام 1942م حيث كانت توجد ثكنة عسكرية لجيش شبره التابع للقوات البريطانية في منطقة ردفان في جبل الحمراء الحبيلين، كان يقود أول مجموعة تهاجم هذا المركز وبالأسلحة الشخصية، وقد تم القضاء على هذا المركز نهائيا.

وفي عام 1956م ذهب إلى السخنة ومعه مجموعة من أبناء ردفان حيث حصلوا على سلاح «زاكي كرام» الماني زودهم به الإمام أحمد ومن ثم عادوا إلى ردفان،وكان لهم لقاء في منزل شيخ قبيلة «آل قطيب» في قرية الثمير الحبيلين، وعندما وصلت الأخبار إلى الضابط السياسي البريطاني أمر بقصف المنزل بالطائرات «هوكر هنتر» قاوم الثوار تلك الطائرات حتى تم اسقاط طائرتين مهاجمتين وكان ذلك في العام 1957م.

وعند انتصار ثورة 26 سبتمبر 1962م عمل الشهيد صلحاً بين قبائل ردفان، وذلك من أجل أن يتمكنوا من الذهاب إلى شمال الوطن للدفاع عن الثورة الوليدة، وانطلق لبوزة من مسقط رأسه من وادي دبسان حتى وصل منطقة «ذي ردم» حيث توجد قبيلتا الداعري والمحلاتي المتقاتلين فيما بينهما وعقد صلحاً فيما بينهما لمدة سنة وكان يتواجد هناك سيف مقبل عبدالله وأبناؤه حيث ذهبوا معاً ومجموعة كبيرة من أبناء ردفان إلى قعطبة وكانوا حوالي «150» شخصاً، وتم ترحيلهم إلى إب ثم إلى الحديدة، وهناك سلمت لهم أسلحة شخصية وذخيرة،وكان الشهيد يترأس تلك المجموعة،في تعز الشيخ سيف مقبل لاستقبال المجاميع التي سوف تلحق بهم وواصل الشهيد المسير من الحديدة إلى منطقتي عبس برفقة قائد لواء إب الشهيد أحمد الكبسي وكان في استقبالهم هناك قائد القوات المصرية المرابطة في عبس والمحابشة وتم تمركز القوة التي كان يقودها الشهيد لبوزة في المحابشة في منطقة الوعلية والمفتاح الخاليتين من السكان ولاتتواجد فيهما إلا القوات المصرية الشهيد لبوزة، الشهيد أحمد الكبسي، وعبدالمنعم رياض قائد القوات المصرية في المحور>

وكانت تتواجد هناك مجاميع من القبائل المتمردة على الثورة حاصرت تلك المجاميع القبلية أبناء ردفان والقوات المصرية حيث تقدم الشهيد لبوزة بمجموعة تتجاوز خمسين مقاتلاً، وفكت الحصار عنهم،فكان أن استشهد مجموعة من مقاتلي ردفان في تلك المعركة وبوجود الشهيد أحمد الكبسي برفقة الشهيد لبوزة طلب من القيادة بصنعاء لكي تعود مجموعة الشهيد إلى صنعاء وذلك للالتقاء بالقيادة هناك والتشاور حول عودة المجموعة إلى ردفان وتفجير الثورة هناك لمقاومة الاستعمار البريطاني وانطلاق أول ثورة منظمة ضده، وثم عودة المجموعة مع أسلحتهم الشخصية.

وكان لقاء صنعاء يضم المشير عبدالله السلال رئيس الجمهورية وبرفقته قحطان محمد الشعبي ومحمد علي الصماتي وثابت علي وعبدالحميد بن ناجي وغيرهم وخرج اللقاء بقرار عودة المجموعة برئاسة الشهيد لبوزة إلى ردفان إلا أنه لم تحدد ساعة الصفر لانطلاق الثورة.

وترك الأمر للمجموعة لتحديد المكان والزمان المناسبين، ألا أن الاقدار شاءت ذلك، وذلك عندما سمع الضابط السياسي البريطاني الموجود في الحبيلين بعودة الشهيد لبوزة ومجموعته إلى ردفان مع أسلحتهم وكذلك امتلاكهم لقنابل يدوية،أرسل رسالة يطلب فيها من الشهيد لبوزة ومجموعته تسليم أنفسهم وأسلحتهم إليه،وعدم عودتهم إلى الشمال بضمانة قدرها خمسمائة شلن آنذاك، وعندما استلم الشهيد رسالة الضابط السياسي البريطاني دعا فوراً إلى عقد لقاء يضم جميع العائدين من الشمال على أن يكون اللقاء في وادي عقيبة وجبال ردفان، وكان اللقاء عصراً حضره أكثر من 200 مقاتل وتم قراءة الرسالة المرسلة من الضابط الانجليزي على الحاضرين، فسألنا لبوزة ما الذي تريدونه الاستسلام أم الرد والمواجهة؟فاختار جميع من في المجلس خيار الرد والمقاومة..

على هذا خرج اللقاء بضرورة الرد على الانجليز فكانت الرسالة التالية:

إلى حضرة الضابط السياسي البريطاني.. وصلت رسالتكم الخاصة الموجهة إلينا بخصوص عودتنا من الجمهورية العربية اليمنية والتي تضمنت تسليم أسلحتنا وكل مابحوزتنا من قنابل وغرامة خمسمائة شلن وضمانة بعدم عودتنا إلى اليمن وتسليم ذلك إلى حكومتنا حكومة الاتحاد..

نحن نعتبر حكومتنا هي الجمهورية العربية اليمنية وليس حكومتنا حكومة الاتحاد.. وغير مستعدين لكل ماهو في رسالتكم، ونعتبر حدودنا هي من الجبهة وما فوق وأي تحرك لكم من تجاوز حدودنا فنحن مستعدون لمواجهتكم بكل امكانياتنا ولاتلوموا إلا أنفسكم .. والسلاح ختام.

التوقيع … الشيخ/راجح بن غالب لبوزة،

 عن مجموعة العائدين إلى ردفان من الجمهورية العربية اليمنية.

وتم ارسال الرسالة مظرفة وبداخلها طلقة نارية وعلى اثر ذلك تقدم الجيش العربي الاتحادي والبريطاني إلى وادي المصراح حيث هجموا على شخص من مجموعة لبوزة أثناء عمله في الحصاد فأخذوا سلاحه وتم حجزه وأخذوه إلى الحبيلين، وأثناء ذلك دعا الداعي إلى الشهيد لبوزة ومجموعته، وتحركوا ليلة 13 اكتوبر إلى جبل البدوي، ووزعت المجموعة على قمة الجبل وأسفله وكانت المواجهة يوم 14 أكتوبر في معركة استمرت حتى الساعة الثانية عشرة ظهراً، استشهد فيها المناضل لبوزة من جراء القصف المدفعي الشديد للعدو البريطاني، وتم دفنه بعدها في وادي عقيبة وواصل من بعده أبناء ردفان وأبناء الجنوب مسيرة الكفاح المسلح في الريف والمدينة حتى تم اجلاء المستعمر البريطاني دون قيد أو شرط في 30 نوفمبر المجيد.

من الذي أتى بفكرة وضع الرصاصة في المظروف إلى جوار رد الرسالة؟

الشيخ لبوزة طبعاً.. أنا كتبت الرسالة «الرد» لأنني كنت الوحيد الذي يجيد القراءة والكتابة بين المجموعة حينها، وكلفت اللجنة قاسم شائف بإيصالها إلى الضابط السياسي البريطاني «ميلن» فقال قاسم شائف للشهيد لبوزة ماذا أقول لهم؟

تحرك لبوزة فوراً وأخرج من حزامه طلقة رصاص زاكي كرام عليمان وأمرني أن أودع تلك الرصاصة داخل المظروف إلى جوار الرد.. وقال لقاسم شائف قل لهم لايوجد معنا إلا من هذا العيار..

أخذ قاسم شائف الرسالة وأوصلها فقامت قيامة الانجليز..

تحمسوا وقالوا من هؤلاء الذين يتحدوننا؟! وطبعاً هم عندهم امكانيات، عندهم مدفعية،عندهم طائرات عندهم.. أما نحن لم نكن نملك سوى سلاحنا وثلاث قنابل كان قد زودنا بها الشهيد أحمد الكبسي فور عودتنا إلى ردفان وكنا نعتقد أننا سنفجر بها اليمن كلها.

ماذا حدث بعد ذلك بالتفاصيل على اعتبار أنك شاهد عيان شاهدت الموقف وشاركت فيه أيضاً؟

بعد ذلك يوم 13 أكتوبر تحركت القوات البريطانية في وادي المصراح واخترقوا الوادي فاعتقلوا واحداً من زملاء الشهيد لبوزة وهو أحمد مقبل عبدالله كما ذكر سلفاً وصادروا سلاحه واحتجزوه فتناقل المواطنون الخبر من شخص إلى شخص ومن قرية إلى قرية حتى وصل الخبر إلى لبوزة الذي أمر الجميع بتجهيز أنفسهم حينها طالباً منهم التحرك باتجاه وادي «ضرعة» وحيد ردفان لاشعار الناس في تلك المناطق بما يجري على أن يكون اللقاء رأس جبل «البدوي» في المساء وكان غرض لبوزة من جمع المقاتلين في رأس جبل البدوي الاعداد للقيام بهجوم على مركز القوات البريطانية في منطقة الحبيلين رداً على اعتقالها لأحمد مقبل، وفي منتصف الليل بعد أن تجمع الثوار وفاق عددهم الـ 70 رجلاً أمرهم لبوزة بالتفرق على شكل مجاميع صغيرة حتى إذا جاء الصباح بدأت مجاميع أخرى تنظم إلى المجاميع الأولى فقام لبوزة باعداد خطة قسم فيها الثوار إلى أربع مجموعات..

المجموعة الأولى كانت بقيادة ابنه بليل راجح لبوزة وأنا كنت ضمن هذه المجموعة وكانت مهمتنا النزول من رأس جبل البدوي والتمركز في القمة على يمين قرية البيضاء بحيث تكون المواجه الأول للعدو أثناء عبوره لوادي المصراح.

 

أما المجموعة الثانية فكانت بقيادة محسن مثنى حسين وهذه كان مهمتها التمركز في أسفل الجبل خلف المجموعة الأولى لحمايتها.

والمجموعة الثالثة كانت أكبر مجموعة وهذه بقيادة الشيخ راحج لبوزة نفسه وهذه كانت مهمتها السير إلى غرب الجبل وتطويق العدو وعدم السماح له بالانسحاب.

أما المجموعة الرابعة فكانت بمثابة قوة احتياطية لحراسة المجموعتين الأولى والثانية من ناحية ولاستقبال الوافدين من الثوار من ناحية أخرى.

بدأت المعركة بعد أن تحرك الجيش الانجليزي مع الصفوف الأولى فأطلقنا النار على مقدمة القوات وتصدينا لها بقوة ولم نسمح لها بالانتشار وعندما شاهدت المجموعة الثالثة الاشتباك بيننا وبين القوات الانجليزية قامت باطلاق النار على مؤخرة الجيش البريطاني فلجأت قواتهم إلى القصف المدفعي المكثف وكان التركيز بكثير على المجموعة الثالثة التي كان يقودها الشهيد لبوزة في أكمة «الضاجع» وكان الشهيد قد تقدم على مجموعته هو وشخص آخر اسمه سعيدحسين العنبوب فيما رأى مقدمة القوات تراجعت للوراء،وفي الساعة الحادية عشرة ظهراً أصيب موقع لبوزة بخمس طلقات مدفعية ثقيلة فأصابته منها شظية في الجانب الايمن تحت الابط اخترقت جسده حتى الجانب الايسر على موقع القلب في حين كان قابضاً على سلاحه يطلق النار على مؤخرة القوة..

حينها دعا الداعي أن لبوزة قد استشهد مما جعلنا نشعر بالهزيمة .. الهزيمة طبعاً لأنه القائد وعندما يقتل القائد يعد الجيش مهزوماً لامحالة .. استشهد وكان عمره «46» سنة رحمه الله.

في اليوم الثاني لاستشهاد لبوزة تم دفن جثمانه في قرية الذنب بمنطقة «عقيبة» وكان قد حضر حشد جماهيري كبير جمعيهم وقفوا على قبر الشهيد هناك ليتعاهدوا على أنفسهم وبصوت واحد بمواصلة الكفاح الذي بدأه الثوار بقيادة الشهيد/راجح غالب لبوزة.

بعد هذا أصدرت الجبهة الوطنية بياناً عن انطلاق الثورة من ردفان واعتبرت أن الشهيد لبوزة هو أول شهيد في ثورة 14 أكتوبر.

التعليقات مغلقة.