عذرا غزة … فهذه هي حقيقة أنظمتنا العربية!! / سماك العبوشي

416

 سماك العبوشي ( العراق ) – الخميس 15/2/2024 م …

قيل بالأمثال:

“يوما ما ستأتي رياح الحقيقة لتعصف رماد الكذب والتدليس الذي يغطي وجوههم”، وهذا لعمري ما جرى في أعقاب عملية طوفان الأقصى، حيث عصفت فأزاحت الكذب والتدليس، وأظهرت حقيقة أن إسرائيل لا تخشى الجنائية الدولية، ولا تعترف بمحكمة العدل الدولي، ولا تأبه للرأي العام الدولي، كما ولا تقيم وزنا للنظام العربي الرسمي، وليس هذا فحسب، بل وعَرّتها تماما وأسقطت حججها وتبجحها بمظلوميتها ودفاعها عن نفسها، فجاء طوفان الأقصى ليكشف عن كل تلك الحقائق فكان آخر ورقة توت قد سقطت منها بارتكابها لأعظم مجزرة إنسانية في التاريخ!!

كنا نتوقع أن بصدور قرار محكمة العدل الدولي ومنحها لإسرائيل مدة شهر لرفع تقرير لها يُذكر فيه ما التزمت به إسرائيل من فقرات قرار محكمة العدل الدولي خلال هذا الشهر، أقول كنا نتوقع أن نرى احتراما إسرائيليا لهذا القرار، وتخفيفا منها لوطأة تجاوزاتها ومجازرها في غزة لنيل بعض التعاطف معها، إلا أننا رأينا عكس ذلك منها تماما، فبدا وكأن القرار الدولي لم يصدر أساسا بحقها، وكأن الأمر لا يعنيها، فبتُ على يقين تام بأن ما جعل إسرائيل  تستبيح الدماء الفلسطينية في غزة ولا تأبه لقرارات دولية، إنما يرتكز على عاملين اثنين ، اولهما الدعم والإسناد الأمريكي اللامحدود لها عسكريا ودبلوماسيا، وثانيهما لقناعتها التامة والراسخة بعدم وجود رد فعل عربي مناسب للإجرام الإسرائيلي!!

إن ما ذكرته في مستهل مقالي هذا من مثل عن (رياح الحقيقة) المتمثلة بمعركة طوفان الأقصى التي كشفت عن حقيقة إسرائيل، فـ (رياح الحقيقة) هذه قد عرّت الأنظمة العربية وكشفت عن سوأتها وحقيقة معادنها، فتخاذل الأنظمة العربية عن نصرة أبناء غزة في محنتهم الجارية الآن منذ ما يقارب أربعة أشهر ونيف إنما مرده ارتباط معظم الأنظمة العربية الحاكمة بالقوى المهيمنة عالميا وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ومدللتها إسرائيل، فكان لهذا التخاذل انعكاسات مريرة ومخزية على مجمل الواقع الرسمي العربي، ذلك الواقع الذي انقسمت فيه مواقف هذه الأنظمة العربية تجاه ما يجري الآن في غزة وكالتالي:

1-   موقف عربي متخاذل منبطح يتماهى مع الموقف الإسرائيلي في إلقاء اللوم على المقاومة الفلسطينية التي نفذت عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، فأطلقت العنان لوعاظ سلاطينها و(فقهائها الكذبة) كي يصدحوا بخطبهم على منابر الجمعة ومحاضراتهم ولقاءاتهم على القنوات الفضائية بغية تثبيط همم أبناء العروبة وتشويه المشهد كاملا من خلال ادعاءاتهم تارة بضعف الامة الآن وبهذا الظرف تحديدا عن محاربة عدوها تارة، وتارة أخرى من خلال إلقاء التهم على حركة حماس واصفة إياها بأنها من تسببت بمعاناة أبناء غزة، متناسين تماما أن ما قامت به حماس إنما مرتكز على واجبها الشرعي أولا، ومستند على حق مقاومة الاحتلال الذي يكفله القانون الدولي ثانيا!!

2-   مواقف نفاق وتدليس لبعض أنظمة عربية تظهر عكس ما تخفيه في الباطن، فتراها تُعلن عبر الإعلام عن شجبها لما يجري من جرائم في غزة ذرا للرماد في أعين جماهيرها، إلا أنها ترسل من خلف الكواليس بالرسائل عبر مبعوثيها الى الولايات المتحدة الأمريكية بأنها لا تأبه لما يجري من سفك للدماء في غزة، وأنها تؤيد إسرائيل في مسعاها وهدفها في القضاء على حركة حماس!!

3-   ومواقف تقف علانية بالضد من نصرة أبناء غزة غير آبهة للمشاعر القومية والإسلامية وحتى الإنسانية، فيما تقوم بإمداد إسرائيل بكل مقومات الحياة اليومية من مأكل ومشرب وحاجات إنسانية من خلال إقامتها جسرا بريا كسرا للحصار البحري الذي فرضه الاخوة اليمنيون في البحر الأحمر!!

4-   ومواقف خجولة مهزوزة لا طعم فيها ولا رائحة اكتفت بإطلاق تصريحات بين الفينة والفينة تدعو فيها إلى تحقيق هدنة إنسانية مؤقتة من أجل إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين!!

5-   ومواقف أخرى قد اكتفت بالصمت والتفرج على ما يجري من مذابح ومجازر في غزة!!

منذ المؤتمر (العاجل والطارئ !!) للقمة العربية الإسلامية المشتركة التي التم شملها في الرياض وانعقدت بعد 35 ( يوما !!) من بدء المجازر الاسرائيلية في غزة، أقول، منذ مؤتمر القمة تلك وصدور قراراتها، فإننا للأسف الشديد لم نشهد أي ضغط حقيقي مؤثر على إسرائيل لإجبارها ودفعها على وقف مجازرها في غزة العزة والكرامة، مما يعطينا دليلا ساطعا دامغا على تفاهة تلك القرارات وعدم جدية واهتمام الأنظمة العربية والإسلامية بما يجري في غزة، وما يؤكد المواقف الخمسة الوارد ذكرها آنفا، وإلا لكنا تلمسنا تأثيراتها الجادة على دولة الاحتلال!!   

إن أبسط مظاهر ومؤشرات فشل القمة العربية الإسلامية المشتركة، التي عقدت بالعاصمة السعودية، الرياض يتمثل فبفشلها التام عن تنفيذ أهم قراراتها بخصوص عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وهي كسر الحصار المفروض على سكان القطاع، ولا نجافي الحقيقة أبدا لو قلنا بأن عدم تفعيل أو تنفيذ قرار القمة العربية الإسلامية الاستثنائية بكسر الحصار على غزة، وفرض إدخال الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع، بشكل فوري، إنما هو مشاركة في جريمة حصار غزة، وقتل أهالي غزة بالتجويع والتعطيش ومنع الدواء والوقود. وهي جريمة لا تقل بشاعة عن القتل والقصف المتعمد.!!

كنا حقيقة نتأمل خيرا من هذه الأنظمة العربية في أن تتخذ إجراءات وقرارات مؤثرة دعما لصمود ورباط أبناء غزة، وأبرزها استخدام ورقة النفط العربي بوجه دول الاستكبار العالمي وعلى رأسهم الولايات المتحدة الامريكية المساندة لدولة الاحتلال، وتلويح الأنظمة العربية المطبعة منها وتهديدها بإنهاء التطبيع مع إسرائيل، وطرد سفرائها!!

ختاما …

تحية اعتزاز وإكبار لأبناء الرباط والصمود في غزة العزة الذين أثبتوا قوة إيمانهم، وأنهم متمسكون بأرضهم، لا يفرطون بشبر منها رغم آلاف الشهداء الأبرار الذين رووا بدمائهم الزكية أرض غزة الطاهرة، الذين قال بحقهم نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم): “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله، وهم كذلك”، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس.

الخزي والعار لكل من تآمر على غزة وخذل أبناءها، وتقاعس عن نصرتهم والدفاع عنهم.

سماك العبوشي
العراق