بين المقاومة والمساومة.. هل تُسقط معركة رفح ما تبقى من أقنعة؟ / فراس عزيز ديب

361

فراس عزيز ديب ( سورية ) – الإثنين 12/2/2024 م …

العالم يحبس أنفاسه، هل يبدأ الهجوم الإسرائيلي على مدينةِ رفح حيث يتجمع عشرات الآلاف من الهاربين من المجازرِ الإسرائيلية وما يعنيهِ هذا الهجوم من احتمالية ارتكاب أكبر مجزرة جماعية وأكبر عملية تهجير جماعي في العصر الحديث؟

مبدئياً عندما نتحدث عن حبسِ الأنفاس فإننا نتحدث عن ردة فعل منطقية على حدثٍ استثنائي، لكن ومع كل ما ارتكبه الاحتلال من مجازرَ حتى يومنا هذا، تحول حبس الأنفاس إلى حبسِ اللسان أو مواجهة اتهام «معاداة السامية»، بذات السياق ومع صور الدمار والخراب والضحايا التي رآها العالم أجمع، لم يعد هناك استثنائية في الحدث، لأنه بات مشهداً اعتيادياً قد لا يرتقي حتى لكي يكون عنواناً عريضاً في نشرات الأخبار في كثيرٍ من الدول العربية كما الدول الغربية، فهل يستيقظ العالم أخيراً لمنع هذا الهجوم أم إن لقادة الإجرام في الكيان الصهيوني رأياً آخر؟

في انتظارِ حدوث الجريمة من عدمهِ لابُدَّ لنا أولاً وعلى طريقةِ علم النفس الجنائي، من فهمِ الحالة النفسية للمجرم التي قد تدفعهُ أو تعوقهُ عن تنفيذِ جريمته، والظروف المحيطة التي تُحدِّد سلوكياتهِ الإجرامية، هنا ويا للأسف قد يتنحَّى هذا العِلم جانباً لأن الحالة النفسية للمجرم تخطَّت كل النظريات الإجرامية لدرجةٍ باتَ معها كمن يقدِّم جرائمهُ على أنها عمل إنساني يهدف لإنقاذ البشرية!

هذا الكلام ينطبق فعلياً على قادةِ الكيان بل إن هناك شبهَ إجماع حتى بينَ من يسمونهم «قادة اعتدال» في الكيان بأن التسويق لفكرة «حق الكيان في الدفاع عن نفسه» التي تبنّتها الدول الكبرى كان النجاحَ الأكبر للعمل السياسي الإسرائيلي، وأزاحَ عن كاهلهم الكثير من الخطوط الحمر التي كانت مرسومة بعد اتفاقيات أوسلو، أما تصريحات رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو قبل أمس، والتي اعتبرَ فيها معركة رفح إن تمت هي اقتلاع للإرهاب، فهي ليست مجردَ توكيدٍ على النيات المُبيَّتة فحسب، لكنها بذات الوقت تبدو كقبولٍ ضمني من قبلِ داعميهِ بأن ماتبقى من فلسطينيين لجؤوا إلى رفح ليسوا أكثر من مجرد إرهابيين.

بواقعيةٍ تامة يبدو هذا التصريح كأنه يقدم لنا فعلياً المدخل نحو الظروف المحيطة بالمجرم والتي تدفعهُ لارتكاب جريمته، قد يبدو أولها إدراكه بأنه بعيد عن العقاب وهو ماحدثَ مع جرائمِ الكيان منذ وعد بيلفور المشؤوم حتى يومنا هذا، الظروف المحيطة بالمجرم قد تبدو على شكلِ هدية تقدمها لهُ الضحية، فمثلاً هناك أكثر من شخصية سياسية فرنسية ليست منحازة للكيان للصهيوني ترى بواقعيةٍ مطلقة أن ما جرى في السابع من تشرين الأول كان أكبر هدية يمكن لإسرائيل الحصول عليها، لأنها قدمت لها المبررات لكل ما ترتكبه من مجازر وحولتها من جلاد إلى ضحية، قد نتفق وقد نختلف مع وجهة النظر تلك، تحديداً أن من يتبنى هذه الفكرة تجاهل الكثير من الجرائم التي ارتكبها الكيان ولم تكن في إطار الرد على هجوم، لكن في النهاية علينا ربما الاعتراف بأن ما جرى في يوم السابع من تشرين الأول كان بلا رؤى واضحة للنهايات.

في سياقٍ متصل، فإن الظروف المحيطة التي تدفع المجرم لارتكاب جريمته قد تكون على شكلِ أهدافٍ طال انتظار تحقيقها وبمعنى آخر:

ماذا لو قرر الكيان الصهيوني غداً مقايضةَ وقف الهجوم باستسلام حماس؟

هناكَ حُكماً من سيسخر من فكرةِ المقايضة تلك، لكنهُ قبل أن يسخر عليهِ أن يتذكر بأن من يفاوض باسم حماس موجود في قطر قربَ أكبر قاعدة أميركية في المنطقة، من يُفاوض باسم حماس طالبَ بأن تكون تركيا التي تتمتع بأفضل العلاقات مع الكيان الصهيوني وينتظرون رئيسها لتحريرِ القدس ضامناً لأي اتفاقٍ قادم لوقف إطلاق النار، عندما ندقِّق ملياً بهذهِ التناقضات ستبدو بالنسبةِ لنا فكرةَ استسلام حماس لإنقاذ ما تبقى من فلسطينيين هي فكرة من يسمونهم «الضامنين» أكثر من كونِها فكرة إسرائيلية، بل هي فعلياً فكرة مطروحة وما يعوق الدخول في تنفيذها هو رفض الكيان الصهيوني حتى الآن لمقترحِ الخروج الآمن للقادة العسكريين للمقاومة باعتبارهم تورطوا في دماء إسرائيليين.

ترى قيادات الإجرام الإسرائيلية بأن أحد أهم مزايا نجاح هكذا مقايضة بالنسبة للكيان الصهيوني أنها تُبعد عن قادتهِ شبح المحاكم الدولية لكونِ الكيان سيخرج بصفة «المنتصر على الإرهاب»، أما إعادة الإعمار في القطاع الذي أمسى أثراً بعدَ عين بما فيها البدء بالمرافقِ الحيوية والبنى التحتية فهي مشروطة بانتهاء المقاومة في غزة، لذلك نرى الكثير من التصريحات اليوم التي تتحدث عن مستقبل القطاع بوجود بعض البؤر الاستيطانية التي تُريد استعادة شكل القطاع قبل الانسحاب الإسرائيلي منه، لكن أينَ الأميركي من كل ذلك؟

دائماً ما نُعيد ونكرر فكرةَ أن الأميركي يراوغ في التصريحات والمواقف، هذا الكلام لايمنع أبداً فكرةَ وجودِ خلافٍ بين قادة الكيان والإدارة الأميركية لكنهُ حُكماً ليس الخلاف الذي سيقلب كل الموازين، بل إن الولايات المتحدة تسير مع الكيان بالتوازي في سياسة الاغتيالات التي تنفذها في سورية والعراق ولبنان، آخر هذهِ المواقف كان ما تم نقله عن قيام الإدارة الأميركية بالطلب من المملكة العربية السعودية لوقف كامل مفاوضات التطبيع مع إسرائيل لضمانِ وقف الهجوم على رفح وضمان اقتناع الكيان الصهيوني بفكرةِ حل الدولتين.

في الحقيقة تبدو هكذا تسريبات لا معنى لها وهي لا تعدو كونها تهرّباً أميركياً من المسؤولية لأنها مدركة بأن المعركة في رفح قادمة، لكنهُ مجرد توريط ولو إعلامياً للملكة العربية السعودية تحديداً أن التصريحات السعودية منذ السابع من تشرين الأول حتى اليوم لم تقل إننا سنطبِّع غداً، بل إن التطبيع له شروط أهمها ضمان الحقوق الفلسطينية، من ناحيةٍ ثانية كيف للولايات المتحدة بجبروتها أن تقفَ عاجزةً عن منع المجازر الإسرائيلية ومنع أي قرار من الأمم المتحدة لفرض وقف إطلاق النار أو حتى وقف تدفق المساعدات العسكرية للكيان الصهيوني فيما تطلب من الدول العربية ذلك؟ لماذا لم تطلب من مصر مثلاً تعليقَ اتفاقيةَ السلام؟ هل ستصغي الدول التي سيزورها ملك الأردن عبد اللـه الثاني لتخوفاته من عواقب هكذا هجوم؟

بالتأكيد لا، لأن جميع الدول التي يزورها هي بالنهاية تنتظر ما يريدهُ الأميركي، والأميركي يراوغ لدرجةِ توريط الآخرين، هل كان حديث الرئيس جو بايدن عن رفض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فتح معبر رفح للحالات الإنسانية عبثياً؟ بالتأكيد ليسَ كذلك لكنهم يعرفون متى يطلقون التصريحات التي تُغطي على موقفهم الحقيقي فماذا ينتظرنا؟

لا تبدو معركة رفح بعيدة عن الحصول ولا يمكن الحديث عن سعي لوقفها تحت أي ذريعةٍ كانت، ببساطة لأن المجتمع الدولي ومنذ أربعة أشهر يناشد الكيان بوقفِ مجازرهِ فماذا كانت النتيجة؟ لكن ما يميز معركة رفح هذه المرة بأنها ستكون آخر الأعمال العسكرية الممكنة إن قرر الكيان عدم إشعال ما تبقى من جبهات، فهل تنتهي كما يريدها هو بمساومةٍ ما أم إن للمقاومة كلاماً آخر؟ كنت أتمنى لو كان للمقاومةِ كلام آخر بعيداً عن أصدقاء إسرائيل، لكننا في زمن ضاعت فيهِ الحقيقة، وحدهم من سيدفع الثمن هم الذين ينتظرون مصيرهم المجهول!

التعليقات مغلقة.