مكانة المحروقات (النفط والغاز) في الوضع الإقتصادي والسياسي العربي / الطاهر المعز  

365

الطاهر المعز ( تونس ) – السبت 3/2/2024 م …

رابط المداخلة بالفيديو يوم الجمعة الثاني من شباط/فبراير على الساعة السابعة مساءً بتوقيت تونس والجزائر وباريس

المحروقات (الهيدروكربونات) مصدر قلق للشعوب العربية

إن مداخلة اليوم ( الجمعة 02 شباط/فبراير 2024) على الساعة السابعة مساءً بتوقيت تونس والجزائر وباريس، هي بمثابة مقدمة لثلاث أو أربع حلقات تتناول “المصائب” والأضرار الناجمة عن نهب الموارد الطبيعية العربية، بما في ذلك النفط والغاز، وتُعتَبَرُ حلقة اليوم مقدمة أو محاولة إظهار الرابط المشترك بين العدوان المستمر منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 والحروب على شعوب سوريا أو العراق أو اليمن أو الصومال وعلاقتها باكتشافات حقول النفط والغاز أو علاقتها بالمشروع الأمريكي الذي يهدف منافسة مبادرة طريق الحرير الجديد الصيني، من خلال إطلاق مشروع الطريق التجاري الذي يمتد من الهند إلى الإمارات، ويدمج الكيان الصهيوني في المشرق العربي

يتعرض فصل آخر لبعض المشاريع التي قدمت في بداية القرن الحادي والعشرين لجعل سوريا ملتقى خطوط أنابيب النفط والغاز، أهمها مشروع قَطَرِي يجعل من تركيا عنصرًا أساسيا والآخر إيراني يُركّز على العراق وسوريا، وربما لبنان، وكان اختيار النّظام السوري للمشروع الإيراني لأسباب براغماتية ( لأنه أكثر فائدة لها) فُتحت أبواب جهنّم على سوريا وطنًا وشعبًا وحكومةً وكان هذا الإختيار أحد عوامل تدمير البلاد، بدءاً من مارس/آذار 2011

سوف يتناول فصل آخر “المؤامرات” ضد مصر التي كانت أول دولة عربية تقيم علاقات سياسية ودبلوماسية مع الكيان الصهيوني، وبالغ النظام المصري في خَنْق وحصار وتجويع الشعب الفلسطيني،  ولكن تبين أن ذلك كان هدية مجانية للعدو، ولم تستفد لا الدولة ولا شعب مصر الذي وعَدَهُ الرئيس السادات بالإزدهار والرخاء جراء التطبيع العَلَنِي، ولكن تعددت الضربات التي تلقاها النظام والشعب المصريان، وتعتَبَرُ مشروعات الإستغناء عن قناة السويس أو منافستها من أحدث الأمثلة على عدم احترام الإمبريالية لعملائها…  

تتناول إحدى فقرات الحلقات القادمة الإكتشافات الحديثة نسبيا لحقول الغاز الضخمة بسواحل شرق إفريقيا وتأثيرها على شعوب كينيا ومومزمبيق وتنزانيا وغيرها وتأثيرها على أسواق الغاز في العالم…

 

الفصل الأول

دَوْر النفط والغاز في الحُروب الدّائرة في الوطن العربي – لعنة المحروقات

كان “خوان بابلو بيريز ألفونسو” (1903 – 1979) وزيرا للنفط في فنزويلا، وهو صاحب فكرة إنشاء منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) سنة 1961، للدفاع عن مصالح الدّول المنتجة والمُصدّرَة للمحروقات، وساهم في تأسيسها، ونُسِبَتْ له، خلال نفس السنة، مقولة وجّهَها لزملائه وزراء النفط في الدول المشاركة في تأسيس “أوبك”، ومفادها: “النفط هو براز الشيطان… سوف تَرَوْنَ بعد عشر سنوات أو عشرين سنة من الآن، أن النفط سيجلب لنا الخراب”، ولم يكن يدّعي النبوءة، ولكنه كان وطنيًّا، ودافع عن مصالح بلاده وشعبه، أثناء مُشاركته في أول حكومة ديمقراطية، سنتيْ 1947 و 1948، قبل أن يُطيح الجيش بتلك الحكومة، بدعم من الشركات النّفطية (وغير النّفطية) الأمريكية، وسُجِنَ الوزير “خوان بابلو بيريز ألفونسو”، ثم نُفِيَ لفترة عشر سنوات، قبل عودة الديمقراطية، حيث أصبح وزيرًا للمعادن والمحروقات في عهد الحكومة الديمقراطية الثانية، من 1959 إلى 1964، وعمل على إنفاق إيرادات النفط في مشاريع تَنْمِيَة البلاد

بعد قرابة ستة عُقُود من تاريخ هذا التصريح، أصبح النفط وبالاً على فنزويلا والبرازيل والعراق وليبيا وأنغولا ونيجيريا، وغيرها، وأصبح الخليج العربي قاعدة أمريكية ضخمة، وتجمُّعًا للبوارج الحربية ولحاملات الطائرات ومختلف أنواع أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها حلف شمال الأطلسي

 

النفط ضدّ التّحرّر والتنمية

رفض آل سعود وشُيُوخ النفط الخليجيين استخدام النفط كسلاح لوقف العدوان على فلسطينيي غزة بذريعة عدم الخلط بين السياسة والإقتصاد والتجارة، غير إن السعودية استخدمت النّفط كسلاح سياسي واقتصادي في خدمة الإمبريالية مرات عديدة ومنها إغراق الأسواق بالنفط، سنة 2014، رغم انهيار الأسعار، استجابة لأوامر الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” وكانت قد فعلَتْ نفس الشيء، منتصف ثمانينيات القرن العشرين، بهدف تَفْلِيس الإتحاد السوفييتي، الغارق في احتلال أفغانستان، حيث “تبرعت” السعودية بأموال عائدات النفط التي استخدمتها الولايات المتحدة لتسليح المجموعات الإرهابية (طالبان والقاعدة وما تولّد عنهما)، وكان انخفاض إيرادات النفط، بداية من 1985، سببًا من مجموعة أسباب داخلية وخارجية أَطاحت بالإتحاد السوفييتي، وفتّتَتْهُ إلى خمسة عشر دولة، ويعتبر سعر تكلفة استخراج النفط السعودي منخفضًا وعالي الجودة (كما في روسيا والعراق وليبيا بمعدل 2,8 دولارا للبرميل الواحد من النفط السعودي)، لكن ميزانية السعودية تحتاج إلى أسعار لا تقل عن ستين دولارا للبرميل، أي ضعف ما تحتاجه ميزانية روسيا، خصوصا وإن الإحتياطي السعودي ينخفض يوميا، منذ سنة 2015

تم اكتشاف النفط في العالم سنة 1859، ما مَكّن من تصفيته واستخدامه وقُودًا بدلا من الفحم، وتم اكتشاف النفط في العراق سنة  1908 في الأهواز (عربستان) وهي منطقة مَنَحتها بريطانيا إلى إيران سنة 1920 وساهم عُمّال استخراج النفط وتصفيته في مدينة وميناء عَبَادان المُطِل على الخليج العربي، وفي كركوك ومناطق أخرى من العراق، ثم في البلدان الخليجية خلال الفترة التي تلت الحرب العالمية الأولى، وقُدّرت احتياطيات النفط العالمية – باستثناء النفط الصّخري- (سنة 2020)، بنحو 1,27 تريليون برميلا منها حوالي 720 مليار برميلا بالدّول العربية أو ما يعادل 40% من الإحتياطي العالمي، وفقا لتقرير منظمة الدول  العربية المصدرة للنفط أوابك، وتعاني فنزويلا من الحظر الأمريكي لأن نظامها السياسي يريد السيطرة على ثرواته، حيث تضمأكبر احتياطي عالمي للنفط، بحوالي 304 مليار برميل  أو ما يعادل 17% من إجمالي الاحتياطي العالمي تليها السعودية وكندا، وأصبح الوطن العربي من أغنى المناطق المنتجة للنفط في العالم، ويتميز نفط البلدان العربية بجَوْدَتِهِ، لأن معظمه من النّفط الخفيف، وبسهولة استخراجه بسبب قرب الآبار من سطح الأرض حيث يبلغ عمق الآبار ما بين 2000 و4000 متر مما يقلل كلفة إنتاجه، حيث لا يصل معدّل استخراجه خمس دولارات للبرميل الواحد من النفط الخام، وخصوصًا في العراق وليبيا…

لم تُنْجِز الدّول العربية ثورة صناعية، بل كانت خاضعة للهيمنة العثمانية منذ القرن الخامس عشر، ثم الإستعمار الأوروبي بداية من القرن التاسع عشر، ولا تزال المنطقة وبلدانها خاضعة للهيمنة الإمبريالية، ولذلك كان اكتشاف النّفط وبالاً على الشعوب، فقد أعلن ونستون تشرشل، لما كان وزيرًا للبحرية البريطانية ضرورة السّيطرة على منابع النّفط، لتتمكن بريطانيا، خلال الحرب العالمية الأولى، من التّحول من استخدام الفحم إلى استخدام النّفط لتسيير الأسطول البحري العسكري ثم التجاري، وتم استغلال النفط لخدمة المصالح الاقتصادية والإستراتيجية والعسكرية للقوى الإمبريالية واستفادت الشركات “الغربية” من استغلاله فيما لم تحصل شعوب البلدان المنتجة للنفط والغاز سوى على الفتات، وأنفقت بعض أنظمة الدّول النفطية جزءًا من العائدات على مشاريع البنية التحتية التي تدر أرباحًا كبيرة للشركات الكبرى الأجنبية، ولم يتم الإستثمار في القطاعات الإنتاجية بل ارتفعت الواردات من السلع الغذائية والأدوية والتجهيزات والآلات ووسائل النقل، ولم يتم تطوير وتأهيل القوى العاملة لتتحكم في عملية استخراج وتصفية النفط أو في التصنيع وتطوير البحث العلمي والإبتكارات التقنية، وبالإضافة إلى ذلك تُهيمن الشركات النفطية الأمريكية الكبرى على الإستثمار في حقول النفط والغاز بالسعودية والعراق والكويت والإمارات وقطر وغيرها، مثل إكسون موبيل وشيفرون وهاليبرتون وشركات الخدمات النفطية الغربية الأخرى مثل شل وبي بي وتوتال، وغيرها، وتستفيد الولايات المتحدة من النفط والغاز العربيين على جميع المستويات ومن أهمها تسعير النفط بالدولار ما يُعزز ما يعزز دوره كعملة احتياطية دولية وهيمنته على حركة المبادلات التجارية والتحويلات المالية، رغم الإنخفاض البطيء لهيمنة الدّولار بفعل المبادلات بالعملات المحلية التي دعمتها الصين وروسيا وأعضاء مجموعة بريكس…

ارتفع احتياطي البلدان العربية إلى 54,3% من الإحتياطيات العالمية المؤكدة من النفط الخام (سنة 2022)، و29,3% من الإنتاج العالمي للنفط وحصة 30% من إجمالي الصادرات النفطية العالمية، ويُتَوقَّعُ أن تتزايد مساهمة الدول العربية من الإمدادات النفطية العالمية إلى 38,1% سنة 2050، وتمتلك البلدان العربية حوالي 55,2 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي أو حوالي 26,9% من الاحتياطي العالمي من الغاز الطبيعي، وبلغ إنتاج الدول العربية من الغاز الطبيعي خلال العام 2021 حوالي 661,5  مليارات متر مكعب وتَبلغ حصتها حوالي 16% من صادرات الغاز الطبيعي المسوق عالميا، وقد ترتفع إلى 19,8% سنة 2050، في حال استمر ارتفاع واردات الصين ( رغم ترتيبها كرابع أكبر منتج عالمي للغاز الطبيعي) التي تُعَدُّ أكبر مستورد عالمي للنفط والغاز الطبيعي بنسبة 41% من إجمالي الطلب العالمي على الغاز سنة 2022، وفق الأمين العام لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط يوم 21 أيلول/سبتمبر 2023، خلال مشاركته في فعاليات الدورة السابعة لمؤتمر التعاون العربي-الصيني في مجال الطاقة، ورغم التحولات القائمة وزيادة إنتاج الطاقات المتجددة، يُتوقّع أن أن تبقى حصة النفط والغاز الطبيعي مرتفعة تعادل 53% من الإحتياجات العالمية سنة 2045، رغم اتجاه الإستثمار نحو الإنخفاض، وتُلبِّي منطقة الخليج (بما فيها العراق) حوالي ثُلُثَ العرض العالمي من النّفط وتعبر نسبة 20% من الإمدادات العالمي للنفط مضيق هرمز، أو ما يُعادل 30% من النفط الذي يتم نَقْلُهُ بَحْرًا…    

لم تستخدم الدّول العربية ثروات النفط والغاز ولا عائداتها طيلة عُقُود، للإستثمار في الفلاحة والصناعة والبحث العلمي والتّدريب والتنمية المُستدامة، بل لا يزال العراقيون يعانون من نقص التيار والكهربائي ولا يزال الجزائريون يُخاطرون بحياتهم في البحر الأبيض المتوسّط متجهين إلى أوروبا بحثًا عن عمل، ولا يزال اقتصاد الرّيع سائدًا في جميع الدّول النّفطية العربية التي لم تستثمر في تطوير طاقة الشمس والرياح، ولا تزال هذه الدّول تعتمد على النفط والغاز الطبيعي لتلبية متطلباتها من الطاقة، حيث يشكل هذان المصدران حوالي 98% من إجمالي استهلاك الطاقة في الدول العربية سنة 2021، وفقًا للتقرير الصادر عن صندوق النقد العربي تحت عنوان “التقرير العربي الاقتصادي الموحد”…

حين سُئل وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل صَيْف سنة 2006، أثناء العدوان الصّهيوني على لبنان، عما إذا كان يجب استخدام سلاح النفط إذا تصاعدت الحرب ، أجاب “تعتقد السعودية – أكبر مصدر للنفط فى العالم – إنه يجب عدم استخدام النفط كسلاح لأنه الشريان الاقتصادي والرئيس للدول العربية ولا يجب عدم الخلط بين المسائل الإقتصادية والسياسية لأن النفط يُمثل إحدي القدرات الاقتصادية التي تحتاج إليها الدول للوفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها…”، ولفهم هذا المنطق المُتخاذل حدّ العمالة وجب التّذكير إن القواعد العسكرية الأمريكية تحتال دُويْلات الخليج وإن الأُسَر الحاكمة في الجزيرة العربية تدين بحكمها للإمبريالية الأمريكية، ولم تُطَوِّر الأنظمة العربية (الجمهورية كالجزائر والعراق) ولا الملكية (كالسعودية وأمثالها) اقتصادًا متطورًا ولا يزال النفط يُشكل (وفق بيانات سنة 2022) أكثر من 83% من إجمالي قيمة الصادرات العربية وأكثر من 75% من الإيرادات العامة للدول وحوالي 45% من إجمالي الناتج العربي، حققت السعودية سنة 2022 إيرادات نفطية بلغت 253,37 مليار دولارا بزيادة 83,6% عن سنة 2021 بسبب ارتفاع أسعار النفط بعد انطلاق الحرب في أوكرانيا…

 

مظاهر التّبَعِيّة

رغم مطالبة بعض الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للنفط “أوبك” بخفض الإنتاج وخفض المعروض، بهدف رفع الأسعار، إثر انهيار سعر البرميل منتصف سنة 2014، رفضت السعودية والإمارات والكويت ذلك، بل رفعت إنتاجها ليتخطى سقف الإنتاج المتفق عليه في “أوبك”، ورغم تضرر اقتصاد السعودية من انخفاض السعر، فإنها واصلت إغراق السوق، بالتزامن مع زيادة إنتاج النفط الصخري الذي جعل الولايات المتحدة تخفض وارداتها، ما أضر باقتصاد عدد من دول أوبك منها نيجيريا (التي توقف تصديرها للنفط الخفيف إلى أمريكا الشمالية)، وطورت الشركات الأمريكية تقنيات الحفر فأصبح سعر النفط الصخري المنخفض يتيح تغطية تكلفته، وتحقيق أرباح هامة على المدى البعيد، ما قد يؤدي إلى إفلاس السعودية وأخواتها، التي بدأت تُرَاجِعُ وتُجَمِّدُ برامج الإنفاق، بعد تورطها في شراء كميات هامة من الأسلحة لاستخدامها ضد بلدان عربية أخرى (سوريا وليبيا واليمن)، وقدرت آنذاك وكالة الطاقة الأمريكية ان يستقر سعر النفط في حدود 70 دولار للبرميل، وسعر الغاز الطبيعي 3,75 دولار لكل مليون قدم مكعب، لسنوات عديدة قادمة، وهي أسعار منخفضة لكنها تساعد الولايات المتحدة على ربح “حرب النفط” ضد محمياتها في الخليج، ومن ورائها “أوبك” التي يمتلك أعضاؤها أكثر من نصف احتياطيات النفط (التقليدي) المؤكدة، وتمكنت الولايات المتحدة من تطوير تقنيات الحفر وخفض تكاليفها، ما يجعل من المستبعد ارتفاع أسعار النفط إلى 100 دولار خلال السنوات القليلة القادمة، وأصبحت دول “أوبك” تتنافس فيما بينها من أجل المحافظة على حصتها من الأسواق، قبل استقرار إنتاج العراق وعودة نفط إيران وليبيا إلى السوق العالمية، فيما تتابع الشركات الأمريكية الإندماج فيما بينها وزيادة إنتاج النفط الصخري بتكاليف منخفضة بنسبة تتراوح بين 30% و40%، ليصبح منافسا جديا للنفط التقليدي في السوق العالمية، وحازت شركات النفط الصخري الجديدة على ثقة المستثمرين ما جعلها تصدر أسهما بقيمة 11 مليار دولارا خلال النصف الأول من 2015 أي أكثر من إصدارات العام 2014 كاملا، في حين تنخفض الإحتياطات في بلدان الريع النفطي، ما يهدد استقرارها على مدى قريب ومستقبل الأجيال اللاحقة على مدى بعيد، وفق مجلة “فوربس” بتاريخ 15 تموز/يوليو 2015  

تستفيد الولايات المتحدة من صادرات المحروقات وتستخدمها في أغراض عديدة، فأسعار النفط مُقَوَّمة بالدّولار (مثل معظم المواد الأولية) وتُسيطر الولايات المتحدة على منابع النفط الأساسية في المشرق العربي، وتعمل على محاصرة البلدان التي تحاول الخروج من دائرة النفوذ الأمريكي (إيران وفنزويلا) ونظرًا لأهمية المحروقات في الإستراتيجية الأمريكية فإنها قادرة على حشد الحُلَفاء (حلف شمال الأطلسي) لمحاربة أي دولة تدعو إلى حظر النفط عن الأسواق الأمريكية والدولية بذريعة “تهديد الأمن القومي الأمريكي” و”تخريب الإقتصاد الدّولي” أو بذريعة “الأرهاب الاقتصادي”، وتُشكل هذه التُّهَم ذريعةً لتجميد الأموال التي تودعها الدّول بالمصارف الخارجية (أموال الصادرات أو الأموال التي تعتزم استخدامها لتوريد السلع والخدمات…) كما حصل مع إيران وأفغانستان وفنزويلا وروسيا، وبلغ الأمر حدّ تصويت نواب الكونغرس الأمريكي خلال شهر آذار/مارس 2002 على قرار تشريعي (أمريكي يُطبّق في أي مكان خارج الولايات المتحدة) يقُضي بفرض عقوبات علي دول أوبك التي ترفض زيادة الإنتاج.

 

قدرات الدول العربية في قطاع النفط :

تُعدّ السعودية أكبر الدول العربية المنتجة للنفط، وثاني أكبر منتج عالمي، بعد الولايات المتحدة، وأكبر مُصدّر عالمي (بما بين 10 و 11 مليون برميل يوميا)، وبلغت إيراداتها من النفط الخام، سنة 2020، سنة وباء كوفيد 119,3 مليار دولارا و206 مليار دولارا سنة 2021، ولذلك فهي قادرة على فَرْض القرارات على أعضاء منظمة الدّول المُصَدِّرَة للنفط وخصوصًا دويلات الخليج، باسم الحفاظ على “أمن الطاقة العالمي” لأن اقتصاد العديد من دول العالم يعتمد على النفط القادم من الوطن العربي…  

يحتل العراق المرتبة الثانية عربيا، وكان ذلك أحد أسباب العدوان سنة 1991 والإحتلال سنة 2003، خصوصًا بعد إعلان الرئيس العراقي الراحل صدام حسين اعتزامه بيع النفط بعملات أخرى غير الدّولار، وينتج العراق أكثر من أربعة ملايين برميل يوميا بعائدات بلغت 84 مليار دولارا سنة 2021، لكن لم تستفد الشعوب من هذه العائدات الكبيرة ولم تُستَخْدم في تطوير البُنْيَة الإقتصادية أو في انتقال البُلْدان المُصدّرة للنفط من مُستورد للغذاء والدّواء والتجهيزات والآلات ووسائل النّقل إلى مُكتفية ذاتيا أو مُصدّرة…

تقع أهم منابع النفط العربي كذلك عند مُلتقى عدة ممرات نقل نفط مهمة، تربط حقول الإنتاج وبلدان الخليج – بما فيها العراق – والجزيرة العربية، بالبحر الأحمر وقناة السويس والبحر الأبيض المتوسط، ومن بين هذه المَمَرّات المائية مضيق هرمز وقناة السويس ومضيق باب المندب… 

التعليقات مغلقة.