تنتهك القانون الدولي الإنساني….جرائم حرب بالجملة ترتكبها إسرائيل في غزة / د.خيام الزعبي

310

د. خيام الزعبي ( سورية ) – الخميس 19/10/2023 م …

إن الباعث على تقنين الجرائم الدولية هو خطورة تلك الجرائم ومدى بشاعتها وتحديداً تلك التي يتم إقترافها ضد المدنيين، ونتيجة إستمرار تلك الجرائم دون رادع لمرتكبيها تعاظم قلق الشعوب والمجتمع الدولي إزاءها، فبدأ بمحاولة تقنين الجرائم الأشد خطورة على البشرية إبتداءً من معاهدة لاهاى حتى المصادقة على المحكمة الجنائية الدولية في روما، ويتفاوت الموقف الإسرائيلي من الإتفاقيات الدولية، حيث توقع إسرائيل على بعض الإتفاقيات وتصادق عليها، كما في إتفاقية جنيف، فيما تراوغ بين الإعتراف والمصادقة على البعض الآخر، كما هو موقفها من المحكمة الجنائية الدولية وحتى المعاهدات والإتفاقيات التي تقرها إسرائيل، تتذرع بعدم إمكانية إنطباقها على حالة إحتلالها للأراضي الفلسطينية.

بالتالي يقوم القانون الدولي الإنساني، وهو القانون الذي تطبق أحكامه في حالة الحرب المعلنة أو حالة النزاعات المسلحة، دولية كانت أو غير دولية، على وجوب إحترام العديد من المبادئ والقيم الأخلاقية والإنسانية، ثم تقنينها جميعها بموجب كل من قانون لاهاى لعام 1868 وإتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والتي تتمثل أساساً في مبدأ حصانة الذات البشرية التي يقضى بعدم إستخدام الحرب كمبرر للإعتداء على حياة من لا يشاركون في القتال، إلا أن جميع هذه المبادئ والقيم الأساسية بقيت حبيسة المجال النظري، ولم تؤخذ بعين الإعتبار بتاتاً في حرب إسرائيل على غزه، التي شكلت إنتهاكاً بكل المعايير الدولية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية المكفولة دولياً، وخرقاً لقواعد القانون الدولي الإنساني ومبادئه.

بالرجوع إلى الوثائق القانونية الدولية لاسيما النظام الأساسي لمحكمة روما لعام 1998 وإتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية الأشخاص المدنيين خلال الحرب، والبروتوكول الإضافي الأول المتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة لعام 1977 واتفاقية لاهاى لقواعد الحرب البرية لعام 1907 وإتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، وإتفاقية تعريف العدوان لعام 1974 وغيرها من الوثائق القانونية الدولية ذات الصلة يمكننا أن نصف جرائم الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة إلى ثلاثة أصناف رئيسية هي جرائم ضد الإنسانية وجرائم ضد سلامة البشرية وجرائم حرب.

مما لا شك فيه أن إسرائيل سلطة إحتلال حسب القانون الدولي والإتفاقيات الدولية التي من ضمنها إتفاقية جنيف الرابعة، إلا أنه أمام عدم إمكانية التحرك الدولي القانوني تجاه الجرائم الإسرائيلية يصبح من الصعوبة بمكان توجيه الفعل الدولي نحو محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين كون المحطة الأولى في تقييم تطبيق القانون الدولي والمعاهدات عموماً تكون عبر إعتراف الدولة المعنية بها لتصبح القواعد القانونية ملزمة، ورغم إدانة الجمعية العامة إسرائيل أكثر من مرة إلا أن أي محاولة لإدانتها عبر مجلس الأمن يتم تحجميها عبر الفيتو الأمريكي لتكامل بذلك إستراتيجية الموافقة وعدم المصادقة على الإتفاقيات مع توجهات السياسة الدولية، وتكون النتيجة عدم إحقاق العدالة الدولية المنصوص عليها في المواثيق والمعاهدات الدولية،
وبذلك نفذت إسرائيل في تبرير كل ما إقترفته من جرائم من خلال نافذة السياسة التي وفرتها لها الولايات المتحدة الأمريكية.

في سياق متصل تظل الإدانات والقرارات بحق الإسرائيليين عديمة الجدوى مادامت واشنطن مصرة على تسيّد إسرائيل وإنقاذ مشروعها، وإعلان إبادة الفلسطينيين والتبشير بالدولة اليهودية على كل فلسطين، واعتبار سياسة الهدم والتفكيك والإبادة والاغتيال سياسة رسمية مشروعة ما دامت المقاومة الفلسطينية قائمة، وفى كل الأحوال التي إنعقد فيها مجلس الأمن بسبب الجرائم الإسرائيلية، كانت الجلسات تتحول إلى مسرح لإستعراض القوة الإسرائيلية، ثم يعجز المجلس عن مجرد التعبير عن القلق، وقد فشل مجلس الأمن في إصدار قرار يدين إسرائيل بسبب حصارها لغزة فضلاً عن عجز المجلس عن إدانة المستعمرين اليهود الذين ألحقوا أكبر الأذى بالسكان الفلسطينيين، لذلك فقد إستفادت إسرائيل من السلطة التي تفرضها الدول المساندة لها ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية في إخراج نصوص القانون الجنائي الدولي عن مضامينها وفق تفسيرات تقود إلى عدم تكييف الجرائم التي ترتكبها بحق الفلسطينيين.

إن إسرائيل اليوم، أصبحت لغماً خطيراً في الجسد العربي كله، وتحت أقدام العرب كافة، فهي كيان فوق القانون الدولي، وهي حالة شاذة عن السياق الإنساني العالمي بمجمله، وهي حظيرة عسكرية خالصة، لا وجود في نهجها لعرف أو مبدأ أو قيمة، فقد منحها الدعم اللامحدود من جانب القوى الكبرى، حتى وهي تغتصب أرض الآخـــرين، والصمت الدولي المريب عن جرائمها عبر العقود، منحها قناعـــة راسخة، بأن منطق القوة العسكرية وحده، هو سبيلها للبقاء والهيمنــة .

في إطار ذلك يمكنني القول إنه بالرغم من كل هذه الممارسات الصهيونية الأمريكية ضد أبناء الشعب الفلسطيني داخل فلسطين المحتلة لم تنل من عزيمتهم، وإنما حفزتهم على مواصلة النضال جنباً إلى جنب مع الكفاح المسلح الذي تخوضه حركة المقاومة الفلسطينية، ففى كل يوم تندفع جموع الفلسطينيين متحدية كل حراب العدو الصهيوني بمظاهرات وهجمات بالأيدي والحجارة والسلاح الأبيض، حيث زلزلوا الأرض تحت أقدام المحتلين، فأربكت ثوراتهم الكيان الصهيوني وإنكشف ضعفه أمام قوة الإرادة الفلسطينية حيث لم تنفع كل حملات القمع والإرهاب والإضطهاد في عزيمة الفلسطينيين من المطالبة بحقهم في تقرير المصير والعودة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وإنطلاقاً من الاتفاقية الخاصة بعدم القبول بفكرة التقادم في الجرائم الدولية، فإن المجتمع الدولي والضمير العالمي، وبخاصة الأمم المتحدة، مطالبون، ومهما طال الزمن بتقديم القادة الإسرائيليين والضباط والجنود وكل المشاركين في الجرائم ضد الإنسانية والعسكرية إلى المحاكم الدولية والوطنية لينالوا العقاب المناسب استناداً إلى القانون الدولي.

 

مجملاً…على الرغم من حجم الفظائع التي أحدثتها آلة الحرب الإسرائيلية في غزة، إلا أن هذه الحرب ومهما كانت نتائجها الميدانية، فإنها لا تمثل نصراً إستراتيجياً لإسرائيل بأي معنى من المعاني فهي لن توفر لها الأمن، ولن تجلب لها السلام، بل أضرت كثيراً بسمعتها على الصعيد العالمي باعتبارها دولة مارقة لا تحترم الشرعية الدولية وأوغلت قتلاً في النساء والأطفال في إنتهاك صارخ لأبسط مبادئ القانون الدولي الإنساني.

 

خلاصة القول…اتخذت إسرائيل الإرهابية من عدوان غزة سبيلاً لتصفية القضية الفلسطينية، وبخاصة في ظل الموقف العربي الهزيل والبائس الذي اتخذه النظام العربي الرسمي تجاه العدوان، فهذا الواقع ، يدق ناقوس الخطر عند رؤوس العرب والمسلمين جميعاً فنحن نعرف استراتيجيتهم العسكرية، وندرك خططهم الأمنية، ونعرف أنهم يستهدفون منطقتنا العربية، فلنحذر ولننتبه، ولنفتح عيوننا لحماية بلادنا وأمنها، وضمان مستقبلنا المشرق، وإلا فإننا سنصحو يوماً على حقيقة اختراق الكيان الصهيوني لعمقنا، وامتلاكه لكل شيء عنا، كونه ينظر إلى العرب والمسلمين جميعاً على أنهم أعداء وخصوم له ينبغي قتالهم.

التعليقات مغلقة.