المأزق الأمريكي: هل حان وقت تقارب طهران والرياض ؟ / د.خيام الزعبي

459

د.خيام الزعبي* ( سورية ) – الثلاثاء 24/1/2023 م …

* استاذ العلاقات الدولية بجامعة الفرات 

اختياري لعنوان مقالتي هذه لم يأتي من فراغ وإنما جاء بعد نظرة شمولية لما لهذا الموضوع من أهمية على الصعيدين الإقليمي والعالمي، فهو من جهة، برز هذا الموضوع مجدداً على الساحة الإعلامية بشكل كبير، ومن جهة أخرى وهو الأهم دوره في تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد من خلال حسم ملفات عدة في المنطقة. 

كثيرة هي التصريحات التي تصدر هذه الأيام عن حدوث تقارب سعودي وإيراني، فالمتتبع لتطورات الأحداث الحالية يدرك جيداً بتصاعد وتيرة الجهود التي تبذلها قوى إقليمية ودولية للوصول الى حوار مباشر بين طهرا والرياض، ومن هذا المنطلق يرى الكثير أن المصالحة السعودية الإيرانية، رغم التعقيدات الحاصلة في المشهد السياسي، إلا أنها ما تزال ذاهبة باتجاه  خلق مزيد من الانفراجات في الحوار.

في الوقت نفسه عندما تقترب الجهود نحو إعادة العلاقات بين البلدين تشدد وتيرة التصعيد والتهديد الأمريكي الاسرائيلي تجاه ايران، بحجة الملف النووي، والهدف من ذلك هو الحيلولة دون إعادة العلاقات البناءة بين دولتين لهما وزنهما الإقليمي، لأن هذه العلاقة خطر على السياسة الأمريكية الإسرائيلية وهيمنتهما في المنطقة. 

بمعنى أخر، في الوقت الذي تنوي فيه السعودية اختبار آفاق حل دبلوماسي مع إيران، تسعى أمريكا أن تكون متيقظة حيال التحديات المقبلة، مدركة بأنها لن تضعف في سياستها الحازمة لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية متطورة، وضرورة الإبقاء على العقوبات على إيران، وأمام هذا الواقعِ تعيش واشنطن أزمة عميقة في خياراتها في التعاطي مع الملف النووي الإيراني يعززه خوفها من أن تَمضي إيران في مسيرة تطورها العسكري والاقتصادي حتى النهاية. 

هناك عدة عوامل يدفعان أمريكا والكيان الصهيوني بالتفكير لارتكاب حماقة لإشعال المنطقة بالحروب، منها التقارب بين إيران والسعودية، لأنهما يريان في إعادة العلاقات بين طهران والرياض خطراً استراتيجياً على وجودهما ومصالحهما، والعامل الأخر هو الوضع السياسي والاجتماعي والأمني المتأزم  في اسرائيل، وانقسام كبير في المجتمع الاسرائيلي بين مؤيد ومعارض للحكومة المتطرفة، والذين يرون بأن الوقت يسير لصالح ايران والمقاومة في المنطقة، فهي تتقدم ليس في المجال النووي فقط وانما في كافة المجالات العسكرية والتقنية والاقتصادية وتشارك المقاومة في فلسطين ولبنان كما انها تقف الى جانب سورية في معركتها ضد الارهاب، لذلك تستمر الحملات والمضايقات الإسرائيلية الأمريكية التي تستهدف إيران والمقاومة. 

فالحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين إن أمريكا لا تريد أن يكون هناك تقارب إيراني- سعودي بل ترغب أن تستمر العداوة حتى تبقى المنطقة مشتعلة وتستمر في إستغلال الدول العربية عبر بيعها الأسلحة وإستنفاذ ثرواتها، فلو لم يكن هناك صراع لن يكون هناك بيع أسلحة من قبل واشنطن، وبالتالي هي تدرك تماماً بان كل من إيران والسعودية يمكن أن يؤديا دوراً تاريخياً في المنطقة من خلال حل الأزمات والمشكلات التي تتعرض لها المنطقة

ومن هذا المنطلق أوافق تماماً على أن السعودية وإيران تمتلكان الطاقة والإمكانيات والنفوذ العميق لحل سلسلة الأزمات الموجودة في المنطقة، لذلك يقع على عاتق إيران والسعودية مسؤولية تاريخية بإنهاء الحرب الطاحنة في سورية والشروع في تحقيق مصالحة وطنية يشارك فيها الجميع، فهما اللاعبان الأكثر تأثيراً هناك، وإمكانية تعاون البلدين في أكثر من ملف، لكن المشكلة الرئيسية بين إيران والسعودية تتمحور حول غياب الثقة بينهما، وستكون الأزمة السورية الاختبار الحقيقي لمستقبل العلاقات  بين البلدين. 

في هذا السياق إن كل هذه المعطيات تشير الى أن الأيام المقبلة قد تحمل مفاجآت كثيرة،  فالسعوديون يشعرون بالإحباط جراء عدم قدرتهم على حجب ما يرونه عودة إيران إلى الساحة الدبلوماسية والدولية، وتراجع حظوظ “إسرائيل” في حشد العرب ضد إيران. 

 وخلاصة القول أتوقع حصول إنفراج في العلاقات السعودية- الإيرانية ، لأن ما يجمع هذين البلدين مصالح مشتركة، وما يهدّدهما من مخاطر مشتركة أيضاً، وبالتالي فإن هذه التطورات تشير إلى وجود نوايا للتهدئة فيما يخص المسائل والقضايا الشائكة والمعقدة بين البلدين، إلا أنها لا تحمل حلولاً نهائية لها، كما أن الفترة المقبلة ستوضح مدى فاعلية هذه التحركات، وتأثيرها على إحتمالات التقارب أو التصعيد ومع هذا الإنفراج المرتقب ستشهد المنطقة إنفراجات متعدّدة في بعض الملفات الاقليمية والدولية.