الفدائي والفدائيون والفداء / فيحاء عبد الهادي

529

فيحاء عبد الهادي ( فلسطين ) – الخميس 19/1/2023 م …

«ويطل الفداء شمساً علينا/ ما عسانا نكون لولا الفداء/ من جراح المناضلين ولدنا  ومن الجرح تولد الكبرياء/ قبلهم، لم يكن هـنالك قبـل/ ابتداء التاريخ من يوم جاؤوا».   
             
      نزار قباني

كلمة واحدة تدغدغ حواسّنا، وتنعشنا، وتبعث الأمل في نفوسنا، كانت وما زالت، الفدائي/ الفدائيون/ الفداء.
كلمة اختصرت الكثير، وجمالها يكمن في دلالاتها الثقافية الإنسانية العميقة، إلى جانب دلالاتها السياسية الكفاحية.
كلمة اكتسبت بعداً أسطورياً، ارتبطت بالفدائيين/ات الفلسطينيين، الذين مثّلوا أمل الشعب الفلسطيني، وشعوب العالم الحرّ في القضاء على الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي، والذين يدافعون عن قضيتهم/ن العادلة، بكل ما يستطيعون من وسائل، حتى لو كلّفتهم أرواحهم/ن،
كيف يمكن للفداء أن يحرِّر الإنسان من الأنانية، والغرور، والغطرسة، والفوقية، والفردية؟
كيف يمكن للفداء، أن يحرِّر الشعوب المستعمَرة من الاستعمار؟
وكيف يمكن للفلسطيني أن يعيش ويموت فدائياً، حتى العودة؟ كما يردّد صغاره وكباره ضمن النشيد الوطني الفلسطيني: «سأحيا فدائي/ وأمضي فدائي/ وأقضي فدائي/ إلى أن نعود».
*****
طالما ارتبطت صورة الفدائي والفدائية بالبسالة، والشجاعة، والإقدام، والعزم، والإباء، والوفاء، والثبات، والبأس، والتحدّي، كما ارتبطت بالقدرة على الخلق من العدم، واجتراح التغيير بأبهى صوره: «الله أكبر/ هذه آياتنا فاقرأ/ باسم الفدائي الذي خَلَقا/ من جرحه أفقا».
ورغم أن الصورة فقدت بعض بريقها منذ اتفاقية أوسلو المشؤومة، إلّا أنها ما دأبت تعود لتتوهج وتضيء مع كل فعل فلسطيني مقاوم.
*****
ماذا عن المنتخب الفلسطيني لكرة القدم «الفدائي»؟ لماذا سمي بهذا الاسم؟ وهل التسمية تتعارض مع المعنى المحفور في أذهاننا عن الفدائي، أم تتقاطع معه، وتضيف إليه؟
ولِمَ لم يتأهل المنتخب إلى نهائيات كأس العالم عام 2022؟
هذا ما حاول الإجابة عنه فلم «الفدائي»، الذي عرّف المشاهدين/ات بالمنتخب الفلسطيني لكرة القدم، وسلَّط الضوء على بعض المباريات التي خاضها، والصعوبات التي اعترضته وتعترضه، من خلال متابعة برنامج التأهل لكأس العالم 2022 المنعقد في قطر.
الفيلم الذي أخرجته المبدعة «مروة جبارة طيبي»، وأنتجته وبثته على شاشاتها قناة الجزيرة الوثائقية، يوم 12 كانون الأول عام 2022، وكان المنتج المنفِّذ له: شركة زينب للإنتاج.
*****
وإذا كانت تسمية الفرق الوطنية لكرة القدم عبر العالم تعتمد على رموز تاريخية للبلد الذي تمثله، يصبح لقب «الفدائي» مناسباً لاسم المنتخب الفلسطيني، الذي يتحدّى حصاره، وشروط تعجيزه كافة – منعه من اللعب، ومن السفر، وصعوبة التنقل، واعتقال وقتل بعض أفراده، لينضموا إلى قافلة شهداء الوطن، والضغوط النفسية، والعراقيل التي تحول دون حضور المنتخبات العربية لفلسطين، ونقص الإمكانات والتجهيزات اللازمة – ويصمد أمام التحديات الكبرى التي تواجهه كفريق رياضي لبلد محتلّ، ويقاوم العقبات أمامه بإرادة صلبة وعزم لا يلين.
عبّر لاعب من أفراد المنتخب الفلسطيني عن الصعوبات التي واجهته، ومنعته من المشاركة في بطولة التحدي، وبطولة كأس آسيا، التي كانت قد نظمت في أستراليا، والتي تلخّصت في احتجازه بعد عودته من معسكر تدريبي في الدوحة، واعتقاله مدة ثمانية أشهر، واحتجازه مرة ثانية، ومنعه من السفر، وحمّل لاعب آخر الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية لعب الفريق 80% من مبارياته البيتية خارج فلسطين، لأن المنتخب بدأ باللعب على أرضه منذ العام 2008 فقط، بعد أن جدّد ملعب فيصل الحسيني الدولي، في منطقة الرام الشمالية بالقدس.
تطوّر أداء الفريق بعد هذا التاريخ، وتجلّى هذا التطور حين حقّق المنتخب أول بطولة له بالمالديف عام 2014، وحين نجح في التأهل لكأس آسيا 2019، لكن العوائق السياسية العديدة أمامه كانت سبباً في عدم تأهله إلى نهائيات كأس العالم.
كشف الفيلم التداخل الكبير بين السياسي والثقافي والاجتماعي، ومحاولة الفلسطينيين كسر الحواجز التي تحول بينهم وبين وجودهم الثقافي الحيّ والفاعل، في المحافل الثقافية العربية والدولية، ما يكسر عزلتهم وحصارهم، ويصلهم بمحيطهم الثقافي الإنساني.
*****
ما الرسائل التي أراد المنتخب الفلسطيني «الفدائي»، إيصالها إلى العالم؟ المنتخب الذي ضم لاعبين فلسطينيين من فلسطين والشتات، من القدس، ورفح، ونابلس، وجنين، وقلقيلية، والفريديس، وبيت لحم، مدنها ومخيماتها.
أراد المنتخب – الذي يتّشح أفراده بالكوفية الفلسطينية أينما كان، قبل كل مباراة، وينشد النشيد الوطني الفلسطيني الملهم – أن يرفع علم فلسطين عالياً في كل محفل عربي ودولي، كما أراد أن يسمع نداء حرية الوطن إلى العالم عبر الرياضة، آملاً أن يحقِّق الرياضيون ما لم يحققه السياسيون: «نريد أن نُسمع صوتنا إلى العالم بالرياضة، ونحقِّق بها ما عجزت السياسة عن تحقيقه».