حضور عربي واستجداء تركي.. القيادة السورية أدرَى بشِعابها! / فراس عزيز ديب

476

«الجميع سيحتاج إلى بشار الأسد.. أتمنى ألا نتأخر»، عبارة كتبها مواطنٌ فرنسي تعليقاً على تقريرٍ صحفي يتناول سؤالاً جوهرياً: بشار الأسد والشرق الأوسط من يُلقي طوقَ النجاةِ لمن؟

حال هذا المواطن كمن ينظر إلى السياسة وفقَ الحكمة التي تصلح لكلِّ العصور: إن أشد عقابٍ يلقاهُ الأذكياء الذين يرفضونَ العملَ بالسياسة أن يحكمَهم الأغبياء.

على وقعِ هذه التغيرات التي بدأ صداها يطرقُ حتى أبواب العواصمِ الأوروبية، نَسي العالم الحديث عن السعي التركي المستمر بشقيهِ الحاكم والمعارض لخطبِ ودِّ دمشق وبات في الذاكرة صورة واحدة هي تلك التي جمَعت الرئيس بشار الأسد بوزير الخارجية الإماراتي عبد اللـه بن زايد آل نهيان.

قيلَ سابقاً إن السياسة والمصادفة خطَّانِ متوازيان لا يلتقيان، فكيف والمصادفة الافتراضية هذه المرة هي الاجتماع السوري الإماراتي تحت مظلةِ التاريخ وأي تاريخٍ للعلاقةِ بينَ بلدين أهم من تلكَ الصورة التي تجمع الراحلين حافظ الأسد مقلِّداً الأمير زايد بن سلطان آل نهيان وسامَ الدولةِ السورية؟ ربما أن رمزيةَ هذهِ الصورة اختصرت الكثير من الكلام لمن يقتنع أن لا مصادفات في السياسة فكيف عندما تكون هذه السياسة هي لدولةٍ كسورية تزين كل ما يصدُر عنها ويُسرَّبُ منها بميزانِ الذهب، هذهِ العودة بين الأشقاء بشقيها الماضي والحاضر شرحٌ لما هو قادم، قادرة ببساطة أن تخلقَ زخماً أقوى بكثير مما كانَ عليهِ الحال قبلَ ربيع الدم الإخواني في عالمنا العربي فكيفَ ذلك؟

لا يبدو بأن انطلاقَ مسار عودة العلاقة بين دمشق وأنقرة الذي بدأ برعايةٍ روسية، سيواجهُ أي عوائق، تحديداً عندما تكون النقاط المشتركة أكبرَ بكثيرٍ من النقاط الخلافية، لن ندخلَ هنا بتفاصيلِ هذه النقاط لأنها مضيعة للوقت ولكون الشيطان يكمن في التفاصيل تحديداً أننا قلنا في أكثر من مناسبةٍ إن القضية ليست بلقاء الرئيس بشار الأسد بالرئيس التركي أردوغان لأن هكذا لقاءات عادةً تأتي تتويجاً لكل ما تم التفاهم عليه أمنياً وسياسياً وعسكرياً، وهو قد تم فعلياً تحديداً أن البلدين يستندان بالأساس إلى اتفاق أضنة الأمني الذي يشكل حجر أساسٍ صلباً يحمي حدود وسيادةَ البلدين وشعبهما من إجرام الإرهاب المتطرف بشقيهِ القومي والإسلامي.

لكن في المقابل دعونا نعترف بأن هناك من يبالغ كثيراً عندما يربط بين هذه اللهفة الرسمية التركية لعودةِ العلاقة مع دمشق والانتخابات التركية، ربما أن هذه الانتخابات هي سبب لكنهُ تراتبياً قد يكون في آخر الأسباب التي دفعت التركي نحو العودة إلى الواقع، فالمنطق يقول إن رجب طيب أردوغان سيفوز بالانتخابات الرئاسية التركية القادمة سواء أعادت العلاقة مع دمشق أم لم تعد، الأمر شبهَ محسوم ليس بسبب ترهل وتشتت المعارضة التركية فحسب، لكن لما يتمتع به أردوغان من كاريزما مناسبة للشعب التركي سواء اتفقنا أم اختلفنا معها، ربما أن القيادة السورية تدرك هذا الأمر ولو قرأت بهذه التراجعات التركية هرباً من جحيم الانتخابات فقط لما أعطت أردوغان هذه الفرصة، فسورية ليست جسرَ عبورٍ سياسي لأحد، لكن من الواضح بأن الحاجة التركية والإقليمية والدولية هي أبعد من مجرد انتخابات قد تبدأ بفكرة إعادة الربط الاقتصادي للمنطقة في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية والذي لا يمكن له أن يتم من دون سورية التي تشكل نقطة التلاقي المباشر الوحيدة برياً للعالم العربي مع القارة الأوروبية، ولا ينتهي إلا عند توافق دولي مُعلن أو غير معلن، على إعادة الاستقرار للمنطقة وفق الأمر الواقع، لكن ما علاقة الإمارات العربية المتحدة تحديداً بهكذا تفاهمات؟

إن الدخول الإماراتي على خط التفاهمات ليس من باب الاستعراض وليس من باب التدخل، هذا الدخول قد تراه القيادة السورية باتجاهين:

الاتجاه الأول فردي يتعلق بدولة الإمارات ذات نفسها، فهي من ناحية كانت أول من أعاد الانفتاح على دمشق بعدَ القطيعة العربية، بل هناك الكثير من المصادر التي أكدت أن الرسائل الإماراتية حتى خلال القطيعة كانت إيجابية بالمطلق بعكس المواقف العلنية التي لها أسباب تتفهمها القيادة السورية، فربما أن هذه الاستضافة والحديث عن استضافة دولة الإمارات للاجتماع الثلاثي المنتظر لوزراء خارجية سورية وروسيا وتركيا والذي سيشكل حجر أساسٍ لكل الاتفاقيات القادمة هو نوعٌ من رد الموقف الإيجابي بالمثل الذي تتقنه القيادة السورية، إضافة لما تتمتع بهِ دولة الإمارات العربية المتحدة من علاقاتٍ مع تركيا ذات نفسها، دون أن ننسى أن هذهِ الدولة من أوائل الدول العربية التي وافقت القيادة السورية بوجهة نظرها حول الخطر الإرهابي والفكري الذي يمثله تنظيم الإخوان المسلمين.

الاتجاه الثاني، عربي، أرادت القيادة السورية من خلال ذلك الرد على كل من اتهمها سابقاً بالانعزال عن العمق العربي بأن سورية لم تغادر الجامعة العربية ولم تنعزل عن العمق العربي لكن هناك من تعمدَ عزلها، تحديداً قطر التي كانت ولاتزال ترفض العودة السورية إلى الجامعة العربية، إن إعطاء التفاهمات التركية السورية رعاية عربية، هو تأكيد المؤكد أن قلب العروبة النابض لم ولن تنعزل عن عروبتها، قد تبدو هذه الخطوة ضرورية جداً لإعادة مد جسور الثقة مع الدول العربية الفاعلة، وقبل أسابيع تحدثنا عن عودة مثلث سورية مصر السعودية، الذي كان يشكل صمامَ أمانٍ للأمن القومي العربي، اليوم ليسَ هناك احتمالية لعودة هذا المثلث فحسب بل إننا نتحدث عن إمكانيةِ تشكيلِ حلقةٍ مغلة تضم دولاً كثيرة كالإمارات والجزائر وسلطنة عُمان وكل من يرى في العمق العربي أساساً لوجودنا وبقائِنا على هذهِ الأرض، لكن مع ذلك تبدو الأسئلة الموضوعية لم تنته بعد لأن أي استقراءٍ لما هو قادم يجب أن يجيب عن كل ما يلي: السؤال الأول، أين الولايات المتحدة من كل ما يجري؟

في السياقِ العام علينا أن نعترف بأن دور الولايات المتحدة في إتمامِ هذهِ التفاهمات في المنطقة هو دور جوهري، لكن ما هو مسلَّم بهِ أن انتظارَ موقفٍ حاسم ومباشر منها مضيعة للوقت، قبل أيام أكد مسؤول أميركي طلبَ الولايات المتحدة من الحلفاء ما سماه «عدم الانفتاح على دمشق» لكن التصريح يبدو رفع عتب لا أكثر أو لنقل هو الاستمرار ببيع الوهم للمعارضات السورية ليسَ خوفاً على مشاعرهم ولكن خشية انعكاس ذلك على صورة الأميركي في دعم المعارضات عبرَ العالم، ربما كان السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد على حق عندما قال إن الولايات المتحدة لم تكن أبداً في موقعٍ أساسي لتوجيهِ مسار الصراع في سورية، مطالباً الإدارة الأميركية بما سماه «حسن اختيار المعارك في المرات القادمة لأن الأسد سينتصر»، على هذا الأساس لا يبدو الأميركي بعيداً عما يجري، ربما الإيجابية الوحيدة في السياسة الأميركية أنها خصم ذكي يعرف كيف ينهزم أو يتراجع بعدَ كل ما يحدثه من خراب، بل تبدو الترتيبات النهائية تسير وفق الحد الأدنى لخطوطهِ الحمر، وهناك الآن من سيسأل: وهل ستضع القيادة السورية يدها بيد الأميركي؟ الجواب هنا بسيط جداً، وهل في أدبيات السياسة السورية ما يمنع هكذا حدث؟

سورية اليوم تبدو أمام فرصة تاريخية ليس بهدف لملمة الجراح وطي سني الحرب فحسب بعدَ أن وصلَ الحال إلى ما وصل إليه، لكن الأهم هو استعادة الدور الذي لم يستطع أحد ملأه، لكن استعادة الدور هذا يجب ألا يتم من دون تحديثٍ للكثير من التوازنات والنظر إليها بصورةٍ واقعية ربما كنا قد افتقدناها في بعض التفاصيل لا بعين الشعارات الرنانة، والعودة يجب أن تكون أقوى لأننا نمتلِك الكثير من القواعد التي يمكن البناء عليها في الداخل أولاً قبل الانتقال إلى الخارج، وبمعنى آخر دعونا نعد إلى عبارة المواطن الفرنسي.. ليس هو فحسب، لكن نحن أيضاً نحتاج الرئيس بشار الأسد وعلينا ألا نتأخر!