الانسحاب الروسي من خيرسون / العميد ناجي الزعبي
العميد ناجي الزعبي ( الأردن ) – الإثنين 14/11/2022 م …
صفحات الحرب ، اي فنون القتال التي تدرس بالجيوش والمعاهد العسكرية اربعة وهي ؛ الدفاع ، والهجوم ، والتقدم ، والانسحاب .
اي ان الانسحاب احد فنون القتال الذي تلجأ اليه الجيوش عندما ترى ذلك مناسباً وضرورة لتحقيق النصر ، وتفادي الخسائر ، واعادة تنظيم الصفوف ، وتشتيت جهود العدو وجره لمناطق تقتيل ، كما حصل للنازيين الاوكران ، الى آخر غايات عدة ، وليس هزيمة كما قد يخطر للبعض ، لكنه وبرغم اثره التفسي السيئ على الشعوب يبقى مناورة عسكرية في سياق المعارك ، والامور تقاس بنتائجها وكذا الحروب .
وقد كان الانسحاب التكتيكي الروسي العبقري من خيرسون والذي ينبغي ان يدرس بالمعاهد العسكرية وفقاً لهذه القاعدة ويسمى الانسحاب المدبر الذي يجري تنفيذه والعدو تحت نيران القوات المنسحبة ، والعمل السياسي والامني والدبلوماسي والاقتصادي .
كانت القوات الروسية التي تحتل الضفة الشمالية الغربية من نهر دينبرو والغربية من نهر كوشيفو مطوقة بما يناهز ١٠٠ الف جندي نازي اوكراني تم حشدهم لخوض معركة خيرسون ، ومهددة بالسد الذي يسيطر عليه النازيون الاوكران والذي لو فجروه كما كانوا يهددون ، او فتحوا اماكن تدفق المياه لاغرقوا الجيش الروسي واوقعوا به خسائر فادحة ، وحالوا دون عبوره النهر لضفته الشرقية .
وكان الجيش الروسي امام خيارين ؛ إما خيار تطوير المعركة والمضي بها للامام لتحقيق نصر تكتيكي سريع حاسم – لا تسعى اليه روسيا على المستوى الاستراتيجي – او الانسحاب للضفة الجنوبية للنهر واعادة تنظيم قواتها ، وبناء مواقع دفاعية حصينة ، والاستعداد لاطالة امد المعركة ” وهو الخيار الروسي الاستراتيجي” ، وتجميد ٥٠ الف جندي اوكراني على الاقل في حالة جهوزية وتأهب دائم استعداداً لمجابهة الجيش الروسي الذي سيعود لعبور النهر وتحرير خيرسون التي تعتبر اراض روسية ، وجر الجيش النازي الاوكراني الى مناطق تقتيل وتضعهم تحت رحمة تفجير السد الذي كانوا يهددون به الجيش الروسي على قاعدة ” تيجي تصيده يصيدك” ، وبذا وضع الجيش النازي الاوكراني واميركا اوروبا في حيص بيص وفي حالة ذهول مما يجري ، وقلب الطاولة على المعتدين الذين لا يكادوا يصدقون ان الجيش الروسي ينسحب بعد تنفيذه خطة خداع استراتيجي على مدار اكثر من شهر واعلانه بعدم نيته الانسحاب برغم تفريغ المدنيين من المدينة وانزال الاعلام عن مبانيها .
من الجلي ان روسيا تسعى لاطالة امد الحرب التي استنزفت قدرات الاوروبيين والاميركيين ومخزوناتهم من الاسلحة والذخائر والمعدات فعلى سبيل المثال طلبت اميركا من كوريا الجنوبية تزويدها ب١٠٠ الف قذيفة مدفع ١٥٥ ملم هاوتزر لارسالها لاوكرانيا نظراً لنفاذ مخزونها من القذائف ، برغم اعلان كوريا بعدم نيتها التورط بالحرب ضد روسيا .
لقد جرت روسيا الجميع للاستمرار بالمعركة بانتظار قدوم الشتاء في الوقت الذي تحشد به ٣٠٠ الف مقاتل لزجهم في المعركة في الوقت الذي تتآكل به قدرات اوكرانيا الاقتصادية وتتفكك وتتشظى فقد انسلخت اربعة اقاليم من الجسد الاوكراني ، وما يناهز الثمانية ملايين نسمة بعد انظمامهم لروسيا ، وغادرها ما يناهز الثمانية ملايين نسمة هرباً من جحيم الحرب ، وتعرض جيشها لدمار وخسائر فادحة وتشتت جهوده وقدراته وتفككت بنيته ، وتتعرض به اوروبا كلها لخطر التجمد والظلام في الشتاءً الذي اصبح على الابواب لوقف تزويد روسيا بالطاقة لاوروبا بحيث ستجابه شتاءً بارداً برغم سخونة المعركة ، وتتعمق به الانقسامات وتفكك حلفاء الامس ، والانقسامات بالادارة الاميركية ، وهاهو مستشار الامن القومي الاميركي جيك سوليفان ينصح زيلينسكي بالتفاوض ، ولا يخفى على احد ان المنتصر يستثمر فوزه ويطور نصره ، ووحده المهزوم يلجأ للتفاوض .
التعليقات مغلقة.