السينما والدراما التليفزيونية وصورة الارهابي / د. عادل عامر  

280

د. عادل عامر  ( مصر ) – الثلاثاء 5/4/2022 م …

إن الفن العربي وخاصة المصري واجه الإرهاب بشكل مبكر، وحتى قبل أن يأخذ الشكل المباشر الحالي، لان صناع السينما لا يقدمون أعمالا عن الإرهاب إلا عندما تتعرض مصر أو غيرها من الدول العربية لعمليات إرهابية، وعن تأثر الفن العربي بالأعمال الإرهابية التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية في عدد من الدول العربية وتجسيد تلك الأعمال بالدراما العربية.  

 أنّ انتشار ظاهرة معالجة قضية الإرهاب في الدراما العربية منذ عشرات السنوات، عائد إلى الحضور الدائم لهذه القضية في المنطقة العربية، وهو ما توازى مع تصاعد أهمية الدور الذي يمارسه الإعلام في رفع درجة الوعي لدى المجتمعات، حيث كانت الدراما إحدى أدوات الإعلام الفاعلة في هذا الإطار، نظراً لشعبيتها الكبيرة بالمقارنة بالمواد الإعلامية الأخرى. عدة سلبيات نتيجة لذلك التناول، هي: “اعتياد مشاهد العنف: حيث يتعرض المتلقي للأعمال الدرامية التي تتناول الإرهاب لمشاهد عنيفة طول وقت عرض هذه المسلسلات”.  

أن تجسيد الإرهابيين بالدراما يكمن على وجه التحديد، في تشخيص الإرهابي اعتمادًا على شكل نمطي مبالغ فيه، وغير مطابق للواقع الفعلي، وفي أحيان كثيرة يفضل كتاب الدراما صياغة شخصية الإرهابي باعتباره مجرمًا وأفّاقًا وباحثًا عن المال، علمًا بأن ذلك تعميم خاطئ أنّ هذه المبالغة في تشخيص صورة الإرهابي في الدراما لن يصدقها المشاهد العادي.  

“يعد مفهوم ثقافة السلام مفهوما واسع النطاق، ويحمل أكثر من محور، وأكثر من اتجاه، فهناك السلام الذاتي النفسي، والذي يعد سلاما للفرد مع ذاته، والتصالح معها، والسلام الأسري، الذي يتوافر بوجود مشاعر التوافق الأسري، والاحترام المتبادل بين أفراد الأسرة،  

وسيادة مشاعر الحب والعدل والتسامح على طبيعة علاقاتهم، وهناك السلام المجتمعي بين أفراد المجتمع والمتحقق من خلال حصول كل فرد على حقوقه وأداء كل فرد لواجباته، والمساواة بين المرأة والرجل وعدم قهرها، والقضاء على ثقافة الحقد والكراهية وثقافة التخوين، والتي انتشرت في المجتمع الحالي في الفترة الأخيرة  

 وقضت على الأمن والأمان الذي كان يتمتع به المواطن المصري من قبل، وبالطبع هذه الثقافة تقضي على ثقافة السلام وتقف حائلا دون تحقيقها، ولا يمكن إغفال محورا مهما من محاور ثقافة السلام وهو ثقافة السلام الدولي السياسي، وتنصب ثقافة السلام الدولي السياسي على تحقيق الوفاق في العلاقات الدولية مع الدول وبعضها،  

 وإيجاد ثقافات مشتركة بينها، وتصحيح صورة العرب والمسلمين في الخارج، وتحديد مفهوم الإرهاب ومفهوم المقاومة تحديدا عالميا، وليس تحديدا ذاتيا معتمدا على وجهة نظر كل دولة، وبما يتفق مع مصالحها الذاتية. وتبحث هذه الرسالة عن الدور الذي يمكن أن تقوم به الدراما المصرية والتي تعرضها القنوات الفضائية في نشر ثقافة السلام لدى عينة من طلبة الجامعات، خصوصا بعد أن أثبتت دراسات عديدة في مصر، وغيرها من الدول على أن المادة الدرامية التي تعرض على شاشة التليفزيون من أهم المواد التي يقبل عليها المشاهد، والتي قد يكون لها تأثير إيجابي بل وسلبي على المتلقي.  

تناولت الدراما العربية ظاهرة الإرهاب في عدة أعمال فنية، وحاولت مناقشة تلك الظاهرة من حيث أسبابها، وطرق القضاء عليها، وصولا إلى محاولة الوصول لحلول جذرية للأسباب التي أدت إلى تنامي الظاهرة، باعتبار أن الفن يمثل مرآة للمجتمع، تعرض همومه وأوجاعه حيث تحاول الدراما التلفزيونية الاستحواذ على ذهنية المشاهد، وخطف بصره ووجدانه، بمشاعر كثيرة ومتناقضة، وكلّما استطاعت ذلك، وصفت بالنجاح.  

أن بعض الأفلام، والمسلسلات العربية التي قدمت مؤخرا، عالجت هذه القضية، مشيرا إلى أنه يمكن أن تقدم الدراما والسينما العربية الأعمال الفنية بنفس الطريقة، التي قدمت بها في الثمانينات والتسعينات، لأن الإرهاب نفسه يتطور، ويأخذ مناحي جديدة، وعلى صناع السينما والفن تدارك هذه المسألة، ومحاولة قراءة ما يدور في عقول الإرهابيين والجماعات التكفيرية للقدرة على التأثير عند العرض.  

أن الرقابة في الدول الأجنبية، تسمح بالتفكير، وتقديم الأعمال الإرهابية بلا حدود، وهو ما يساهم في إنتاج أعمال متميزة على عكس الرقابة في بعض البلاد العربية، التي تقلق من التعاطف مع الإرهابيين، لانة على الرغم من تعرض الدول العربية للكثير من العمليات الإرهابية، فإنها لن تسمح بالخيال المطلق في تقديم الأعمال السينمائية، وستراقبه معتمدة على مواصفاتها فقط لتقديم مثل هذا النوع من الأعمال تخوفا من نشر العنف وتأثر البعض بمشاهد العنف فيه.  

 أن صناع الدراما دائما يرددون أنّ مادتهم الخام هي الواقع، إلا أنّهم يطلقون العنان لخيالهم، لممارسة الصدمة والرعب، خارج حدود الواقع، وهذا حقّ، لكنّ الإشكالية هي في نقل ممارسة تنظيم متوحش كداعش إلى قلب الدراما الاجتماعية دون الإشارة إليه، فيقعون في فخّ تحوّل الاستثناء الكريه إلى فعل اجتماعي معتاد، وهو ما تترتب عليه محاولة تقليده عند ممارسة العنف والانتقام بين المجتمع، وهنا قد تكمن الخطورة.  

أن تنظيم داعش حاول عبر عناصره من ذوي الخبرة الغربية في الميديا، أن يبثّ الرعب في قلوب الناس، بالوصول إلى أقصى خيال متوحش، في تعذيب وقتل خصومه من الأسرى والمعتقلين لديه، مستندًا بعد ذلك إلى وقائع تاريخية ذات سياقات قديمة، هي في الواقع ابنة تاريخها وظروفها وملابساتها موضحا أن الإشكالية هي في تأثّر خيال كاتب الدراما التلفزيونية والسينمائية بالمجتمع العربي، في الخيال المتوحش لـ«داعش»، فيستخدم البطل المنتقم، وصاحب الحقّ في أنّ ينكل بالشخصية الشريرة، من خلال فعل «إجرامي»، يتصور أنّه يصل بالمشاهد إلى أقصى حالات التشفي والشعور بالرضاء لما حلّ بذالك الشرير.  

أن مشهد قتل الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، من قبل تنظيم داعش، كان مشهدا مؤثرًا على الرغم من أن التنظيم الإرهابي بثّ فيديوهات للتعذيب والقتل أكثر قساوة من مشهد حرق «الكساسبة»، إلا أنّها لم تحظَ بمشاهدات كبيرة كالمشاهد العنيفة التي يمارسها ضد أناس من البشر بالمناطق التي كان يتواجد بها في أعمال لا تمت للإنسانية بأي صلة. وكانت الدراما المصرية جسدت شخصية الإرهابي أوائل التسعينيات؛ كرد فعل على تصاعد المواجهات الدامية مع التنظيمات الإرهابية، وجاء نموذجاً لذلك الجزءُ الرابع لمسلسل “ليالي الحلمية”، عام 1992، للسيناريست أسامة أنور عكاشة، الذي قدم شخصية توفيق البدري، المنتمي إلى جماعة إرهابية في جنوب مصر، مروراً بمسلسل “العائلة”، للسيناريست وحيد حامد، والذي أفرد مساحة أكبر لفكرة الإرهاب، التي تفشت في المجتمع المصري عقب نكسة يونيو عام 1967، وهي الفترة التاريخية التي يدور في رحاها العمل.  

العملان عبّرا بشكل كبير عن السياق التاريخي للفترة التي قُدما خلالها، وهي الأكثر دموية في تاريخ صعود جماعات الإسلام السياسي في المشهدين، المصري والعربي، والتي شهدت مواجهات مسلحة بين الدولة والجماعات الإرهابية، بداية التسعينيات.  

أن دور صناع الدراما العربية يجب أن يتمثل في كشف الأفكار التي يعتنقها هؤلاء الإرهابيون حتى لا يتأثر بها غيرهم من العامة والعمل على كشف المفاهيم الخاطئة في الدين لما يمثله هذا الأمر من تأثير سلبي على المشاهدين وهو أمر وارد، فقد يتأثر المشاهد حتى بمشاهد الأكشن في الأعمال الأجنبية الأميركية فعلى سبيل بعض الأعمال الفنية التي جسدت الإرهابيين جسدتهم في إحدى المرات بشكل كوميدي وهو أمر خاطئ  

يجب أن تتلاشاه الدراما العربية حتى لا يميل إليهم المشاهدون والبعض الآخر جسد الأعمال الإرهابية والإرهابيين بشكل غير دقيق أو مبالغ فيه وتجاهل الجانب النفسي لدى الإرهابي وهو أمر يجب الالتفات إليه وكشفه أمام المواطن العربي حتى يعرف أن هذا الذي يقوم بمثل تلك الأعمال هو شخص غير سوي ومريض نفسي لأنه يعتقد أمورا بعيدة كل البعد عن المنطق والعقل والاتزان النفسي.