وداعا … د. حياة الحويك عطية المسكونة بالأماكن والأمل تترجّل عن صهوة الحياة

799

مدارات عربية – الثلاثاء 13/7/2021 م …

كتب يحيى زيدو …

مسكونة بحكايا الأماكن، بدءاً من قريتها حلتا في قضاء البترون في لبنان، إلى دمشق و عمان و القاهرة، إلى القدس التي عشقتها و كتبت لها، و دافعت عنها مأخوذة بأساطير و عطر المدن التي أحبتها.. ممتلئة بالإيمان بقوميتها السورية التي لا تتناقص عندها مع انتمائها العربي، رحلت اليوم، في مدينة القاهرة، الكاتبة و الباحثة و الإعلامية المتميزة حياة الحويك عطية عن عمر ناهز 72 عاماً، بعد صراع مع المرض الذي واجهته بقوة و ثقة.
تقول حياة: “إن المرض لم يعد مهيباً، بل فقد الكثير من “برستيجه ونخبويته” كونه أصبح في متناول القاصي والداني وهو متاح للجميع من دون تمييز كبير. غير أنه يظل القاسم المشترك الأعظم والعلامة الفارقة في السجلات الطبية للمثقفين، إذ يمكن اعتباره رديفاً لحيوات المشتغلين في حقول الإبداع والفكر على وجه الخصوص.
كانت “حياة عطية” كاتبة مبدعة، و نموذجاً للمرأة المثقفة التي تكتب المقال السياسي باحتراف كبير، متألقة دوماً عبر شاشات الفضائيات العربية، كشخصية مثقفة ذات انتماء قومي لم يفقد يقينه رغم كل شيء، بذلك الحضور الطاغي، القادرة على الحوار و المحاججة، مدافعة عن معتقدها السياسي والفكري والإنساني بثقة و إيمان عزّ مثيلهما.
ربما يختلف البعض معها، غير أنها تظل دوماً مثار إعجاب خصومها قبل أصدقائها، نظراً لمبدئية مواقفها وشجاعتها في التعبير عن نفسها بوضوح، من دون مواربة أو مهادنة، منسجمة مع رحلة عمر قائمة على التميز من حيث المبدأ.
تقخر “حياة” بأنها سورية قومية، و رغم إقامتها في الأردن لمدة 43 عاماً فإنها لم تحمل سوى جواز السفر اللبناني. و عندما وقعت الحرب على سورية انبرت للدفاع عن سورية عبر شاشات التلفزيون، و الكتابة في الصحف، و إلقاء المحاضرات، و كانت موضع إعجاب الجميع في مبدئيتها و صدق انتمائها.
و لعل السجال الشهير بينها و بين الصحفي اللبناني المعروف “سامي كليب” بعد محاضرة له في النادي الأرثوذكسي في الأردن، و التي افترى فيها على سورية بكثير من الفبركات مدفوعة الأجر، يُظهر مدى الصدق و عمق الانتماء إلى جانب الثقافة و الموقف المبدئي الذي كانت الراحلة الكبيرة “حياة الحويك عطية” تتحلى بها. حيث فنّدت ليس فقط فبركاته، بل و فضحت مقاصده في “أسرلة” النظرة إلى الحرب على سورية.
برحيل الكبيرة موقفاً و فكراً و انتماءاً “حياة الحويك عطية” تخسر الثقافة العربية عقلاً غزير العطاء في ميادين البحث العلميّ، ونبعاً من منابع المعرفة المُستفيضة بالبذل السّخيّ الباني في بلادنا، ومشعلاً جاب أروقة العلوم فأزهر نوراً يُغني المكتبات ومسارات الإنتاج العلميّ، و تخسر سورية قلماً و صوتاً مدافعاً عنها و منتمياً إليها فكراً و روحاً و عقيدة.
—————————————
الرّاحلة “حياة الحويك عطية” مواليد 1949. حائزة على إجازة في الحقوق من الجامعة اللّبنانيّة، ودبلوم دراسات معمّقة في “الميديا” و “الملتيميديا” ودكتوراه في وسائل الاتصال الجماهيريّ من جامعة باريس الثّانية بانتيون حيث حازت مرتبة الشّرف الأولى.
عملت في الصّحف والمجلّات في لبنان والأردن، وكتبت في العديد من صحف العالم العربيّ، كما عملت في القنوات التّلفزيونيّة، فكان لها الإسهام الفاعل في وضع خطّة المجلة الثّقافيّة، برامج النّاشئين في التّلفزيون الأردنيّ، والمشاركة في تقديم وإدارة النّدوات التّلفزيونيّة وإعداد برامج وثائقيّة لقناة دبي الفضائيّة.
صدر لها العديد من المؤلّفات منها: “محاولة اكتشاف الوطن”، “عواصف الصّمت”، “اليوم التّاسع والتّسعون” و “حضور أم دور المرأة في الفضائيّات العربيّة”، وكتب مشتركة تحت عناوين “أيّ نظام عربيّ إعلاميّ جديد”، “الجنرال ديغول والعالم العربيّ”، “إكتشاف الوطن”، “مئة سنة على القضيّة الفلسطينيّة” و “الحرب على سورية وثائق ودراسات” و” إعلام في الإعلام”، ودراسة علميّة تحت عنوان”الفضائيّات العربيّة بين عولمتين”، كما صدر لها العديد من الأعمال المسرحيّة منها:” وتبقى الأرض”،” نساء” و “مَن سرق الصّهيل”، ولها العديد من الابحاث في مجال الإعلام، السّياسة والثّقافة، كم ترجمت الكثير من الكتب من الفرنسيّة إلى العربيّة، منها: رواية قصر الأحلام إسماعيل كاداري، حرب ميتران، عالم صوفي- رواية حول تاريخ الفلسفة جوستيان جاردير (دار المنى- السويد)، الأساطير المؤسسة للسياسة الصهيونية روجيه جارودي، حق الرد- روجيه جارودي (اتحاد الكتاب العرب).
كما ترجمت كتب من العربية إلى الفرنسية منها عرار شاعر الأردن، حياته و قصائده، الجمعيات الأهلية، إنشاؤها وعملها مصر، الأردن، سوريا، لبنان- دراسة قانونية مقارنة.
شاركت في العديد المؤتمرات العلميّة الدّوليّة وفي العالم العربيّ، وحملت الكثير من الدّروع والجوائز.