لولا تدخل الدولة العميقة لسقط النظام الأمريكي / داود عمر داود

259

داود عمر داود ( الأردن ) – الجمعة 8/1/2021 م …

في اللحظة الأخيرة، الحاسمة والمناسبة، تدخلت الدولة العميقة وحالت دون سقوط النظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية. فقد شهد يوم الأربعاء، السادس من شهر يناير 2021، قيام المليشيات المسلحة، التابعة للرئيس دونالد ترامب، بمحاولة تنفيذ خطة إنقلاب جهنمية، كانت تستهدف (التخلص) من السلطة التشريعية بكاملها، في لحظة واحدة، بغرض إدخال البلاد في فراغ سياسي ودستوري، وحالة فوضى تؤدي، في نهاية المطاف، إلى بقاء السلطة بيد ترامب. وكانت الخطة تقضي بإقتحام مبنى الكونغرس، و(التعامل) مع أعضاء مجلسيه، الشيوخ والنواب، الذين كانوا يعقدون جلسة مشتركة، للمصادقة النهائية على نتيجة انتخابات الرئاسة، التي فاز فيها مرشح الحزب الديمقراطي، جو بايدن.

إحتلال مبنى الكونغرس
وبعد أن إقتحمت مليشيات ترامب مبنى الكونغرس، وأصبح بمقدور أفرادها الوصول إلى أي مكان فيه، تدخل طاقم الحرس الرئاسي، وعطلوا الإجراءات، وأخرجوا، على وجه السرعة، مايك بنس نائب الرئيس، الذي كان يتولى رئاسة الجلسة المشتركة، وقاموا بنقله إلى مكان آمن غير معروف. ثم قاموا على التوالي بنقل زعيم الإغلبية في مجلس الشيوخ، الجمهوري ميتش ماكانول، والديمقراطية نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب. ثم قام الحرس الرئاسي، والأجهزة الأمنية، بإخراج باقي أعضاء الكونغرس، البالغ عددهم 538 شخصاً، إضافة إلى موظفيهم، ونقلوا الجميع، بواسطة شبكة أنفاق القطارات، أسفل المبنى، إلى أماكن آمنة غير معروفة، أبقوهم فيها لساعات، إلى حين جلاء الموقف.

الاستحقاق الدستوري ومعركة الكونغرس
لقد انتابت أعضاء السلطة التشريعية حالة من الذهول، والصدمة، مع باقي البلاد التي شاهدت (معركة الكونغرس)، في بث حي مباشر، وكأنها أمام فلم سينمائي من إنتاج هيولود. ورغم ذلك كان هناك من يعي أهمية المضي قُدماً في إستحقاق المصادقة على فوز بايدن، وعدم تفويت الفرصة، كي لا يدخل الكونغرس في معضلة قانونية، لو تأجل الأمر. لذلك بدأت، مع احتلال المبنى، تعلو أصوات بين أعضاء الكونغرس، وسط غبار المعركة، تدعو لاستئناف جلسة المصادقة. فتم إستدعاء مزيد من قوات الأمن، والحرس الوطني، التي قامت بتطهير المبنى من الداخل، من مليشيات ترامب، واستعادت السيطرة عليه. ثم تدرجت في إبعاد المتمردين بعيداً عن ساحات الكونغرس، بدون استخدام العنف، حتى أحكمت السيطرة على الوضع برمته. ثم جرى الإعلان عن النية لإستئناف الجلسة، وتم ذلك بعد حوالي 7 ساعات، من إقتحام الكونغرس.

تفاهمات جانبية للتهدئة
وخلال ساعات المعركة، التي بدت وكأنها أياماً، دخل قادة الحزبين في حوارات جادة، وتفاهموا على التهدئة، حيث انعكس ذلك، بشكل خاص، على أعضاء مجلس الشيوخ المؤيدين لترامب، الذين تراجعوا عن مواقفهم الرافضة للمصادقة على فوز بايدن. أما أعضاء مجلس النواب، من مؤيدي ترامب، فأصروا على مواقفهم وقاموا بما يريدون من اجراءات تعطيل المصادقة. لذلك استغرق الكونغرس ربما 8 ساعات إضافية لإنهاء الاجراءات وإعلان بايدن رئيسياً قادماً للبلاد، فيما كان هذا الإجراء يستغرق أقل من ساعة، في الماضي.

الدولة العميقة أنقذت البلاد من الفوضى
ولولا التدخل السريع لكافة الأجهزة الأمنية، والاستخبارية، والعسكرية، لما تمت السيطرة على الوضع، ولدخلت البلاد في فوضى عارمة، لو أُتيحت الفرصة لمليشيات ترامب المس بحياة أعضاء الكونغرس، أو إحراق المبنى، أو تفجيره. وهكذا أمسكت الدولة العميقة بالوضع، وحسمت معركة الكونغرس، وأنقذت البلاد، في اللحظة الأخيرة، من السقوط في الهاوية.

خلاصة القول: تغيير العقد الاجتماعي

قبل هذه المعركة، كان يقال بأن أمريكا تحتاج إلى سنوات للتعافي مما لحق بها من أضرار، على كافة الأصعدة، داخليا وخارجياً، في عهد ترامب. أما الآن، وبعد أن حصل ما حصل، في يوم الأربعاء، فإن إصلاح الضرر، وتجاوز تداعياته، لن تكفيه سنوات كما قيل، بل يحتاج إلى أجيال، وإلى تغيير العقد الاجتماعي، الذي مضى عليه أكثر من قرنين، خاصة فيما يتعلق بالعدالة الإجتماعية، وتوزيع الثروة، بين الـ 1% الذين يملكونها، وبين الـ 99% الذين يعيشون على الفتات، وهم محرومون حتى من قوت يومهم، في أغنى دولة في العالم. فترامب ومؤيدوه يمثلون أصحاب الثروة، وبايدن ومؤيدوه يمثلون الأغلبية المحرومة، وهذا هو لب الصراع بين الجانبين، وأساس الإنقسام. ورغم أن النخبة الحاكمة تمكنت، بإستخدام أساليب ترقيع النظام الرأسمالي وتجميليه، من تأجيل انفجار هذا الصراع، إلى أن حان الوقت لذلك، بتولي السلطة رئيس يجهل أبجديات الحكم والسياسة، يقابله أغلبية مطحونة لم تعد تحتمل الذل والهوان، الذي يعشعش في الصدور، وأصبحت تأبى إلا أن ترفع المهانة عن نفسها، مهما كلف الثمن، وأن تغير المألوف، وأصبحت تدرك أنه ليس أفسد للنفس البشرية من الخضوع للطغيان والظلم طويلاً. وصدق من قال أن العدل أساس المُلك.