موسى عباس يكتب … عندما يكتب المأجورون التاريخ

322

موسى عباس ( لبنان ) – الأحد 22/11/2020 م …

في دواوين الملوك والحكّام كُتِب تاريخ العديد من الإمبراطوريات والممالك والإمارات المستبدّة والظالمة على مرّ الأزمنة، والكتبة مجموعة من المؤرّخين الذين باعوا ضمائرهم رهَباً أو رغباً مقابل حفنة من المال .
وبطبيعة الحال ما كُتِبَ جاء ليُظهِر تاريخ الحكّام ناصعاً على غيرِ حقيقته .
ها هم الفراعنة لا يتحدّث التاريخ سوى عن رُقيّ حضارتهم وعظمةِ أمجادهم وعن معجزة الأهرامات، ولولا ما جاء في الكتب السماويّة ولا سيّما القرآن الكريم عن ظلمهم وطغيانهم لبقيَ ذلك مجهولاً .
وفي العصور اللاحقة ومع التوسّع الأستعماري إزداد الظلم والطغيان ، لكن عندما نقرأ في تاريخ الدول المستعمِرة لا نجد ذكراً للفظائع التي ارتكبوها بحق الشعوب التي استعمروها واستعبدوها وسلبوا ثرواتها، ولولا أن بعض المؤرّخين المحليين دوّنوا  بعضاً من الحقائق كما في تاريخ الإستعمار البريطاني والفرنسي للبلدان الآسيوية والأفريقية ،أو تسرّبت خلسةً عبر المراسلين الحربيين الذين رافقوا الجيوش كما في المجازر التي ارتكبها المستعمرون الأوروبيون بحق السكّان الأصليين للقارتين الأمريكية والأوسترالية ، لولا ذلك لطُمِست الكثير من الحقائق.
التاريخ العربي الحديث خاصّةً لم يشُذ عن تلك القاعدة ، حيث أجهزة الإستخبارات تتحكّم بكلّ شاردة وواردة في غالبية الدول العربية، فهي تّشرِف على من يكتب تاريخ البلاد فتخترع  قصصاً وروايات وبطولات وأحداث وهمية لتبييض صفحة الحكّام ولا يجرؤ أحد على الإعتراض لأنّ مصير من يعترض معروف .
تحت ستار الحفاظ على الأمن القومي يقبع الآلاف من المفكرين والكتّاب والشعراء ومن المواطنين العاديين في غياهب المعتقلات، والمئات قضوا نحبهم تحت سياط الجلادين وفي زنازين التعذيب حيث يتولّى زبانية الأنظمة مهمّة انتزاع التوقيع على إعترافات غير حقيقية في غالبيّتها وإنّما يضطر المعتقل تحت وطأة التعذيب الجسدي والنفسي وتحت ضغط التهديد باعتقال الأم والأخت إلى الإعتراف بما لم يفعله وإنّما للتخلّص من  براثن جلّاديه ، ولو تحدّثت زنازين  التحقيق في فروع الأمن المتعدّدة التسميات لأفاضت بما شهدته من فنون أساليب التعذيب  التي تعود إلى العصور الوسطى وإلى ما استُحدِث من إبداعات الجلاّدين الأجلاف الذين يتحولون إلى ساديّين يتلذذون بآلام  ضحاياهم ، تفوّقوا بذلك على أساليب مجرمي الحرب الصهاينة.
 والمضحك المبكي أنّ تلك الأنظمة تتحدّث عن الحرّية والديمقراطية وحقوق الإنسان في إعلامها ومن على المنابر الأمميّة، والمجال لا يتّسع لسرد مئات الأمثلة عن كلّ دولةٍ  بمفردها ، لأنّ ذلك يحتاج إلى مجلدات ومجلّدات، ولكن المثل الأقرب والأبرز  ما يُسمّى مملكة البحرين التي زوّر حكّامها حتى أصولهم العشائرية والقبلية،
يحاول آل خليفة في البحرين تزوير التّاريخ (تاريخهم وتاريخ البحرانيّين الأصلاء) وتغييب حقوق شعب البحرين الأصيل، لذلك دائمًا ما يحاولون التّرويج لأمجادٍ زائفةٍ وبطولاتٍ وهميّةٍ من خلال المؤرّخين المأجورين والإعلام الأصفر، فيدّعون شرف النّسب، وحُسن الموطِن والأصل، والشّجاعة والإقدام، وليس لهم سندٌ في هذا الادّعاء إلّا التّزوير والكذب.
    تَعَمُّدُ آل خليفة نسب أنفسهم إلى قبيلة العتوب؛ لأنّها قبيلةٌ كانت معروفةً وقويّةً من أجل مصالح سياسيّة وسياديّة.
ولو دقّقنا النّظر فإنّنا نرى أنّ تاريخ العتوب يبدأ من نجد ولا يُتعرض لأصل منشئهم، فمن أين جاء العتوب قبل أن يسكنوا صحراء نجد؟!. لن تستطيع العثور على إجابةٍ واحدةٍ لهذا السّؤال؛ لأنّه عند الرّجوع إلى الوثائق والمراجع ترى الاختلاف في الأقوال الموروثة عن أصل منشئهم، فمنهم من يُرجِعُ أصولهم إلى الحجاز، ومنهم من يرجعها إلى “خيبر” (اليهوديّة )ومنهم من يرجعها إلى نجران (عبدالعزيز الرشيد، تاريخ الكويت ص 33).
وليس غريباً أن يتحوّل حكّام البحرين إلى واجهة للعمالة للصهاينة وإلى أبواق لتهويد القُدس وإلغاء حقّ الشعب الفلسطيني في أرضه وتزوير تاريخ فلسطين، فهم من زوّروا تاريخهم وأصولهم وتسلّطوا على رقاب شعب البحرين بفضل عمالتهم للإنكليز الذين نصّبوهم حكّاماً ، وكيف يكون فعلهم غريباً وهم من يقمعون أحرار البحرين منذ سنوات ويزجون بالآلاف في المعتقلات ويموت العديدون تحت التعذيب ويختفي العشراتمن الشباب ،إضافةًإلى إنتزاع الجنسيّة من أصلاء شعب البحرين وأهلها الأصليين الأمر الذي لم يسبقهم عليه نظام آخر.
كانت سفيرة البحرين في واشنطن عام 2010، “اليهودية هدى عزرا نونو”، عرّابة اللقاء الذي جمع وزير الخارجية، خالد بن أحمد آل خليفة، بأعضاء بارزين في منظمة «آيباك»، و«اللجنة اليهودية الأميركية»، ومنظمة «بني بريت» التي أقامتها الحركة الصهيونية في 1843، ومندوب عن «اللجنة الأميركية اليهودية لمكافحة التشهير»، وشخصيات صهيونية ذات نفوذ كبير فى الولايات المتحدة الأميركية، وذلك في مقر حركة «حباد» الدينية اليهودية.
حينها تحدّثت وسائل الإعلام العِبْرية متبجحةً بتصريحات الوزير البحريني الذي قال إن «على الجميع أن يدركوا أن إسرائيل لها وجود تاريخي في منطقة الشرق الأوسط، وإنها (باقية) للأبد،وحينما يدرك الآخرون تلك الحقائق، فسيكون من السهل التوصل إلى السلام بين دول المنطقة و”إسرائيل”.
وحسب الإعلام العبري فإنّ لقاءات عديدة جرت قبلاً بين مسؤولين صهاينة وحكّام البحرين بمن فيهم الملك ووليّ العهد في مناسبات عدّة في الولايات المتّحدة الأمريكية، وما قام به نظام البحرين مؤخّرا من توقيع إتفاق خنوع للصهاينة وزيارة وزير الخارجيّة إلى الكيان الصهيوني إلاّ تتويج لمسار طويل للعلاقات  وعودة حكّام البحرين إلى جذورهم الخيبريّة.
إن استطاعوا تزوير تاريخهم وتاريخ أجدادهم فيما مضى فلن يستطيعوا تزوير وقائع خيانتهم اليوم فهي على رؤوس الأشهاد.