كامب ديفيد بداية الانحراف العربي الرسمي نحو التطبيع / محمد محفوظ جابر

280

محمد محفوظ جابر ( الأردن ) – الأحد 18/10/2020 م …

كانت زيارة السادات للكنيست الإسرائيلي والقاء خطابا فيه بتاريخ 19/11/1977 ، أول خطوة عملية علنية رسمية عربية في التطبيع، سبقها خطوات سرية مهدت الطريق لها، وتبعها التوقيع على معاهدة كامب ديفيد في 28/9/1978، بداية الانحراف العربي الرسمي، وكسر حاجز التطبيع والانخراط فيه، حيث خرجت مصر العربية عن الاجماع العربي، وفقا لمقررات جامعة الدول العربية سنة 1950 والتي نصت على:» لا يجوز لأي دولة من دول الجامعة العربية، التفاوض في عقد صلح أو اتفاقات سياسية أو اقتصادية أو عسكرية مع إسرائيل “.
ولم يكن ما يسمى «السلام المنفرد “بين الدول العربية والكيان الصهيوني سوى استراتيجية صهيونية لتفكيك الدول العربية وتفكيك الموقف العربي الموحد، المبني على لاءات الخرطوم الثلاث: لا مفاوضات، لا صلح، لا اعتراف.
وقال السادات أن كامب ديفيد هي لمصلحة فلسطين، وهذا ما يردده اليوم شيوخ وأمراء الامارات والبحرين: أن التطبيع مع «إسرائيل» هو لمصلحة الشعب الفلسطيني.
وبنظرة سريعة لشريط الاحداث في فلسطين، منذ زيارة السادات للكنيست الى الآن، سنكتشف عدم مصداقية تلك الاقوال، خاصة وأن العراب الأمريكي المشرف على المعاهدة، قد أخذ بعين الاعتبار مصالح شريكه الاستراتيجي «إسرائيل»: وكان منحازا اليها، تماما، كما انحاز في اتفاقيات التطبيع مع الامارات والبحرين.
يقول الشريط الاخباري أن حركة الاستيطان الصهيونية في الأراضي المحتلة، قد ازدادت في بناء المستوطنات وتوسعها ولم تتوقف، بل وازدادت عمليات هدم المباني والمنشآت الفلسطينية.
وبدلا من إعطاء الحكم الذاتي للشعب الفلسطيني حسب المعاهدة، فقد انتشر وازداد الإرهاب الاجرامي ضده بارتكاب المجازر البشرية في لبنان وفي فلسطين المحتلة، كما انتشرت عمليات الاغتيال في العواصم العربية، بينما أصبح الجندي الصهيوني يقتل الفلسطيني الأعزل من مسافة صفر.
والمحصلة النهائية لكامب ديفيد هي كما يلي:
أولا: خسرت مصر نفسها فلم تعد تلك الدولة التي يحسب لها حساب في المنطقة بل انكمش دورها القيادي الذي تمتعت به على الصعيد العربي ودول العالم الثالث وحتى خسرت مكانتها الدولية التي وصلت اليها أيام الراحل جمال عبد الناصر، وحتى انها لم تتمتع بسيادة كاملة على أراضي سيناء.
ثانيا: خسرت القضية الفلسطينية أكبر قوة عربية مناصرة وداعمة لها سياسيا وعسكريا واعلاميا واقتصاديا، بعد أن تحولت استراتيجيتها من الحرب ضد الاحتلال الإسرائيلي الى السلام مع المحتل.
ثالثا: خسر العالم العربي أكبر قوة يستند اليها في مواجهة المشاريع الامبريالية الصهيونية وأكبر داعمة للثورات العربية.
رابعا: إن العدو الصهيوني كان المستفيد الوحيد من تلك الاتفاقية حيث استطاع تفكيك أكبر قوة عربية وتحييدها بعيدا عن لاءات الخرطوم الثلاث.
خامسا: خاضت «إسرائيل» حروبا ضد لبنان بعد أشهر من المعاهدة 1978 وسنة 1982 ووجهت ضربة قاضية للمقاومة الفلسطينية فيها. وحروبا ضد قطاع غزة ولم يستطع السلام المصري أن يوقف الحروب العدوانية ولا المجازر البشرية في صبرا وشاتيلا أو غزة واستباح العدو الوطن العربي بعمليات اغتيالات.
ومهدت المعاهدة الطريق لقبول مبادرة فهد بن عبد العزيز في فاس 2 سنة 1982 ثم إقرار ما عرف باسم المبادرة العربية للسلام سنة 2002 والتي تضمنت الاعتراف بالكيان الصهيوني.
ولكن التهافت العربي على التطبيع مع العدو الإسرائيلي تعرض لمعرقلات اجبرته على التراجع رغم التحركات السرية في هذا المجال ورغم عقد اتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير ووادي عربة مع الأردن.
فكان اغتيال السادات في سنة 1981 درسا لمن يبحث عن التطبيع ليتعظ منه، وقد وضعت «عملية السلام وستقبلها « في دائرة الشك، ولكن حسني مبارك قدم تأكيداته باستمرارها، بينما أدت الانتفاضة الأولى 1987 الى توقف النشاطات التطبيعية السرية بسبب الاحراج من الجرائم الصهيونية وكذلك فعلت الانتفاضة الثانية، كما أدى صمود المقاومة اللبنانية ودحر العدوان وصمود المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني على ارضه وصمود سوريا وحلفائها ضد الارهاب والمشاريع الإمبريالية الصهيونية الرجعية، ابطأت مسيرة التطبيع، الى ان نجح العدو بإيهام الدول العربية، ان العدو الحقيقي لهم هو إيران.
إن الشعب الفلسطيني هو الذي على الأرض المحتلة وهو الذي يقاوم الاحتلال بشكل مباشر، وحتى لو طبع العالم كله، فإن الصراع على الأرض سيبقى مستمرا طالما ان فلسطين تحت الاحتلال.